في تحقيق لجريدة "الغد" الأردنية
كتاب: "أدب النكسة" كشف أسباب الهزيمة وبعضه انجرَّ إلى جلد الذات
نصار: أدب ما بعد الهزيمة أغرق في جلد الذات
عمان- عزيزة علي ـ يؤكِّدُ كتابٌ ونقادٌ أنَّهُ بعد نكسة حزيران 1967، ظهر أدب نوعي عايَنَ أسباب الهزيمة، وطرح تساؤلات كبرى حولها، فضلا عن أعمال إبداعية اتكأت على جلد الذات.
ويذهبُ بعضهم إلى أنَّ الإبداعَ العربيَّ استطاعَ كشفَ سرِّ هزيمة حزيران، ليس بالمفهوم الكلاسيكي، وإنما بالمفهوم البنيوي العميق، مبيِّنينَ أنَّ الرواية العربية تحديدا، تفاعلت مع الأحداث التاريخية الكبرى التي تعاقبت على العالم العربي، بعد هزيمة 1967، كما أن ما حدث في ذلك التاريخ أثَّر بصورة عميقة في وعي الروائي العربي.
الناقد د. سليمان الأزرعي، يُبيِّنُ أنَّ الذي تابَعَ الإنتاج الأدبي في الساحة الأردنية خلال تلك الفترة يلاحظ ظهور ثلاثة أعمال روائية هي رواية "أنت منذ اليوم" للراحل تيسير سبول، "الكابوس" للراحل أمين شنار "أوراق عاقر" لسالم النحاس، التي جاءت تعقيبا متعجلا، وفق قوله على الهزيمة.
وأشار إلى أنه في تلك الأعمال "اختفت الهتافية والشعارات والمزاج الغاضب، ووقف المبدع وجها لوجها مع السؤال الكبير وهو "لماذا هزمنا"، لتأتي الإجابة في تلك الأعمال الإبداعية أن سبب الهزيمة يعود إلى عامل أساسي وهو، تغريب الإنسان العربي من قبل الأنظمة المستبدة التي استحوذت على كل شيء، وادعت أنها تملك كل شيء، وأنَّها الوصية على كل شيء، ففتحت سجونها للمعارضين وزجت بهم في غياهب السجون دفاعا عن "الوحدة الوطنية".
وجاء الجواب، وفق الازرعي، ليفضح ادوار الأنظمة الاستبدادية الرسمية التي غامرت بكل شيء وحرقت كل أدوات التصدي الوطني في سبيل ألا يعارضها أحد وهكذا وقف "عربي" بطل سبول، "مبعدا مغربا مهمشا منبوذا" من وجهة نظر النظام الرسمية بوصفه مشاغبا وكذلك حال "أبو يعرب" بطل النحاس في "أوراق عاقر".
ولفت الأزرعي إلى أنَّ "عربي" السبول، كان يُحاكم النظم العربية ليخرج باستنتاج مهم وخطير، وهو "أنَّ النصر والهزيمة لم يكونا مسألة سلاح وذخائر وتكتيكات عسكرية، وإنما معركة انتصر فيها النظام الذي استطاع أن يتسع ليحتضن كل طاقاته الوطنية ولا يهمش منها شيئا ولا يغرب منه شيئا".
وتابَعَ "وصل هؤلاء إلى الحل الديمقراطي في تلك الأعمال التي طرحت مسألة الاستحواذ والتفرد بالتثقف والإعلان والقيادة والإدارة والتخطيط والتفرد بالبطولات الكاذبة".
وخلصَ الأزرعي إلى أنَّ الإبداع العربي استطاع كشف سر هزيمة حزيران، بأنها لم تكن بالمفهوم الكلاسيكي، وإنما بالمفهوم البنيوي العميق.
من جانبه، يوضح الناقد فخري صالح أنَّ الرواية العربية تفاعلت مع الأحداث التاريخية الكبرى التي تعاقبت على العالم العربي، بعد هزيمة 1967، كما أنَّ ما حدث في ذلك التاريخ أثر بصورة عميقة في وعي الروائي العربي.
ويلفت إلى أنَّه بعد فترة قصيرة من ذلك التاريخ وحتى الآن، أي بعد مرور 44 عاما على نكسة حزيران، كتب عدد كبير من الروائيين العرب أعمالا تحاول تفسير لماذا هزم العرب أمام إسرائيل في 1967، ولماذا استطاع كيان صغير مثل الدولة الصهيونية أن يلحق هزيمة كبرى بثلاثة جيوش عربية.
ويستعرض صالح بعض الروايات التي تناولت الموضوع مثل رواية "أنت منذ اليوم" لسبول، و"أوراق عاقر" للنحاس، و"الكابوس" شنار، هذا في الرواية الأردنية، وعلى المستوى العربي كتب حليم بركات روايته "عودة الطائر إلى البحر"، ويوسف القعيد "الحرب في بر، ويحدث الآن في مصر"، وعبد الرحمن منيف كتب "الأشجار واغتيال مرزوق، والشرق المتوسط".
ونوَّهَ صالح إلى أنَّ الإنتاج الغزير الذي حصل في المشرق العربي ومغربه، كانَ مهموماً بتأمُّل ظاهرة الهزيمة، وعلاقتها مع ظواهر الاستبداد والتخلف والقمع، وعدم استعداد العالم العربي لمواجهة الاستيطان الجديد، الذي يتمثل في الدولة الصهيونية التي زرَعَها الاستعمار القديم في قلب العالم العربي لتبقى بمثابة موقع متقدم له بعد رحيله.
ويتابع صالح "حصلت تحولات عميقة طرأت على الشكل الروائي وعلى الهموم التي عالجتها الرواية العربية بعد هزيمة 1967، حيث ارتبطت ارتباطا جذريا بالهزيمة المدوية التي أضعفت الحلم القومي العربي، وأبعَدَت أمل تحرير فلسطين في تلك الحرب التي لم يكن العرب مهيأون لها بالصورة الكافة".
القاص والناقد إياد نصار، طرَحَ بدوره قضية جلد الذات التي قدمها أدب ما بعد الهزيمة، ما هو أكثر إيلاما وجلداً للذات من أربعة أعمال شهيرة: "رجال في الشمس" لغسان كنفاني، و"أنت منذ اليوم" لتيسير سبول، و"الرباعيات" لصلاح جاهين التي جسدت حزنه وكآبته بعد هزيمة حزيران العام 1967 وظلت السبب في انكفائه حتى وفاته، و"هوامش على دفتر النكسة" لنزار قباني.
ولفت نصار إلى الآلاف من الأعمال الشعرية والروائية والقصصية والمسرحية، التي ملأت ساحة الأدب العربي، وكانت مغرقة في الشكوى والتأوه لسببين: كانت تعبيراً عن صدمة نفسية كبيرة غير متوقعة وانكسار بعد فترة المد الثوري في الخمسينيات، وتفريغاً لإحساس المواطن العربي بالقهر، في وقت لم يسمح فيه تخلف الوعي وغياب وسائل الاتصال الجماهيرية للمواطن العربي أن يدرك مدى أهمية العمل الشعبي.
ورأى نصار أنَّ الأدب يعكس المزاج العام في أية فترة تاريخية يُعبِّرُ عن قضايا المجتمع خلالها، مبينا أنَّ أدب الهزيمة كان تعبيراً حقيقياً عن ذلك. واستدرك أنَّه أفرط وأغرق في البكائيات التي خلقت في وعي الانسان العربي أوهام الضعف والاستسلام وجلد الذات، وغياب أي تصور قادر على تغيير قدرية المصير.
* نشرت في جريدة الغد الأردنية بتاريخ 12/6/2011
نصار: أدب ما بعد الهزيمة أغرق في جلد الذات
عمان- عزيزة علي ـ يؤكِّدُ كتابٌ ونقادٌ أنَّهُ بعد نكسة حزيران 1967، ظهر أدب نوعي عايَنَ أسباب الهزيمة، وطرح تساؤلات كبرى حولها، فضلا عن أعمال إبداعية اتكأت على جلد الذات.
ويذهبُ بعضهم إلى أنَّ الإبداعَ العربيَّ استطاعَ كشفَ سرِّ هزيمة حزيران، ليس بالمفهوم الكلاسيكي، وإنما بالمفهوم البنيوي العميق، مبيِّنينَ أنَّ الرواية العربية تحديدا، تفاعلت مع الأحداث التاريخية الكبرى التي تعاقبت على العالم العربي، بعد هزيمة 1967، كما أن ما حدث في ذلك التاريخ أثَّر بصورة عميقة في وعي الروائي العربي.
الناقد د. سليمان الأزرعي، يُبيِّنُ أنَّ الذي تابَعَ الإنتاج الأدبي في الساحة الأردنية خلال تلك الفترة يلاحظ ظهور ثلاثة أعمال روائية هي رواية "أنت منذ اليوم" للراحل تيسير سبول، "الكابوس" للراحل أمين شنار "أوراق عاقر" لسالم النحاس، التي جاءت تعقيبا متعجلا، وفق قوله على الهزيمة.
وأشار إلى أنه في تلك الأعمال "اختفت الهتافية والشعارات والمزاج الغاضب، ووقف المبدع وجها لوجها مع السؤال الكبير وهو "لماذا هزمنا"، لتأتي الإجابة في تلك الأعمال الإبداعية أن سبب الهزيمة يعود إلى عامل أساسي وهو، تغريب الإنسان العربي من قبل الأنظمة المستبدة التي استحوذت على كل شيء، وادعت أنها تملك كل شيء، وأنَّها الوصية على كل شيء، ففتحت سجونها للمعارضين وزجت بهم في غياهب السجون دفاعا عن "الوحدة الوطنية".
وجاء الجواب، وفق الازرعي، ليفضح ادوار الأنظمة الاستبدادية الرسمية التي غامرت بكل شيء وحرقت كل أدوات التصدي الوطني في سبيل ألا يعارضها أحد وهكذا وقف "عربي" بطل سبول، "مبعدا مغربا مهمشا منبوذا" من وجهة نظر النظام الرسمية بوصفه مشاغبا وكذلك حال "أبو يعرب" بطل النحاس في "أوراق عاقر".
ولفت الأزرعي إلى أنَّ "عربي" السبول، كان يُحاكم النظم العربية ليخرج باستنتاج مهم وخطير، وهو "أنَّ النصر والهزيمة لم يكونا مسألة سلاح وذخائر وتكتيكات عسكرية، وإنما معركة انتصر فيها النظام الذي استطاع أن يتسع ليحتضن كل طاقاته الوطنية ولا يهمش منها شيئا ولا يغرب منه شيئا".
وتابَعَ "وصل هؤلاء إلى الحل الديمقراطي في تلك الأعمال التي طرحت مسألة الاستحواذ والتفرد بالتثقف والإعلان والقيادة والإدارة والتخطيط والتفرد بالبطولات الكاذبة".
وخلصَ الأزرعي إلى أنَّ الإبداع العربي استطاع كشف سر هزيمة حزيران، بأنها لم تكن بالمفهوم الكلاسيكي، وإنما بالمفهوم البنيوي العميق.
من جانبه، يوضح الناقد فخري صالح أنَّ الرواية العربية تفاعلت مع الأحداث التاريخية الكبرى التي تعاقبت على العالم العربي، بعد هزيمة 1967، كما أنَّ ما حدث في ذلك التاريخ أثر بصورة عميقة في وعي الروائي العربي.
ويلفت إلى أنَّه بعد فترة قصيرة من ذلك التاريخ وحتى الآن، أي بعد مرور 44 عاما على نكسة حزيران، كتب عدد كبير من الروائيين العرب أعمالا تحاول تفسير لماذا هزم العرب أمام إسرائيل في 1967، ولماذا استطاع كيان صغير مثل الدولة الصهيونية أن يلحق هزيمة كبرى بثلاثة جيوش عربية.
ويستعرض صالح بعض الروايات التي تناولت الموضوع مثل رواية "أنت منذ اليوم" لسبول، و"أوراق عاقر" للنحاس، و"الكابوس" شنار، هذا في الرواية الأردنية، وعلى المستوى العربي كتب حليم بركات روايته "عودة الطائر إلى البحر"، ويوسف القعيد "الحرب في بر، ويحدث الآن في مصر"، وعبد الرحمن منيف كتب "الأشجار واغتيال مرزوق، والشرق المتوسط".
ونوَّهَ صالح إلى أنَّ الإنتاج الغزير الذي حصل في المشرق العربي ومغربه، كانَ مهموماً بتأمُّل ظاهرة الهزيمة، وعلاقتها مع ظواهر الاستبداد والتخلف والقمع، وعدم استعداد العالم العربي لمواجهة الاستيطان الجديد، الذي يتمثل في الدولة الصهيونية التي زرَعَها الاستعمار القديم في قلب العالم العربي لتبقى بمثابة موقع متقدم له بعد رحيله.
ويتابع صالح "حصلت تحولات عميقة طرأت على الشكل الروائي وعلى الهموم التي عالجتها الرواية العربية بعد هزيمة 1967، حيث ارتبطت ارتباطا جذريا بالهزيمة المدوية التي أضعفت الحلم القومي العربي، وأبعَدَت أمل تحرير فلسطين في تلك الحرب التي لم يكن العرب مهيأون لها بالصورة الكافة".
القاص والناقد إياد نصار، طرَحَ بدوره قضية جلد الذات التي قدمها أدب ما بعد الهزيمة، ما هو أكثر إيلاما وجلداً للذات من أربعة أعمال شهيرة: "رجال في الشمس" لغسان كنفاني، و"أنت منذ اليوم" لتيسير سبول، و"الرباعيات" لصلاح جاهين التي جسدت حزنه وكآبته بعد هزيمة حزيران العام 1967 وظلت السبب في انكفائه حتى وفاته، و"هوامش على دفتر النكسة" لنزار قباني.
ولفت نصار إلى الآلاف من الأعمال الشعرية والروائية والقصصية والمسرحية، التي ملأت ساحة الأدب العربي، وكانت مغرقة في الشكوى والتأوه لسببين: كانت تعبيراً عن صدمة نفسية كبيرة غير متوقعة وانكسار بعد فترة المد الثوري في الخمسينيات، وتفريغاً لإحساس المواطن العربي بالقهر، في وقت لم يسمح فيه تخلف الوعي وغياب وسائل الاتصال الجماهيرية للمواطن العربي أن يدرك مدى أهمية العمل الشعبي.
ورأى نصار أنَّ الأدب يعكس المزاج العام في أية فترة تاريخية يُعبِّرُ عن قضايا المجتمع خلالها، مبينا أنَّ أدب الهزيمة كان تعبيراً حقيقياً عن ذلك. واستدرك أنَّه أفرط وأغرق في البكائيات التي خلقت في وعي الانسان العربي أوهام الضعف والاستسلام وجلد الذات، وغياب أي تصور قادر على تغيير قدرية المصير.
* نشرت في جريدة الغد الأردنية بتاريخ 12/6/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق