السبت، أكتوبر 9

نوبل وتغييب الشعر


نوبل وتغييب الشعر
اياد نصار

* نشرت في صفحة الثقافة بجريدة الدستور الاردنية بتاريخ 9/10/2010

إذا كان الروائي والقاص الامريكي ستيفن كينغ قد تساءل، في عام 2007، عما يمرض القصة القصيرة، في مقالته الشهيرة التي حمل عنوانها تساؤله ذاته، فإنني أتساءل عما يمرض الشعر هذه الايام. هل هناك عزوف عالمي مفتعل عن الشعر تقوده مصالح التجارة والنشر؟ أم أن الشعر لم يعد قادراً على مواكبة التعبير عن نبض العالم، وتطلعات الانسان، وأشواقه، بعد أن قطع أشواطاً بعيدة في الغموض، والتجريب، والترميز، والذاتية النرجسية المتمركزة حول نفسها؟ أم أن جو الالقاء الشعري الجماهيري، الذي يلائم طبيعة الشعر عادة، لم يعد يناسب أجواء القراءة والكتابة الذاتية مع انتشار الانترنت، والمدونات، والمواقع الالكترونية، التي تقيم اتصالاً فردياً، في أغلب الاحيان، مع المتلقي؟ أم هل صار الادب يتعرض لفترات من الرواج والموضة كما الازياء؟ أم أن ظروفاً موضوعية فرضت حضور الرواية على المشهد الادبي العالمي؟ وبالتالي، فالمسألة ليست مجرد فترة قصيرة وتنقضي، أو سحابة صيف وتمر، أم أن نوبل للادب نفسها أسهمت في تغييب الشعر، دون وجه حق، باختياراتها المنحازة الى نوع دون آخر؟


غابت شمس نوبل عن سماء الشعر منذ أربعة عشر عاماً، عندما منحت آخر مرة، في عام 1996، للشاعرة البولندية فيسلافا سيمبروسكا. ولكن من يتذكر سيمبروسكا الان؟ كانت شاعرة مغمورة لم يتعد تأثيرها وشهرتها حدود بلدها، وفاجأ اختيارها الكثيرين. كما أن اختيار ماريو فارغاس يوسا هذا العام يؤكد حضور الروائيين وسطوع نجم الرواية، فللمرة الخامسة على التوالي تمنح لروائي بعد الالمانية هيرتا مولر، والفرنسي لوكليزو، والبريطانية دوريس ليسنغ، والتركي اورهان باموك. وحتى عندما نالها المسرحي البريطاني هارولد بنتر في عام 2005، فقد قطع سلسلة من سنوات المنح للرواية قبله، فقد ذهبت الى سبعة روائيين، منهم البرتغالي خوزيه ساراماغو، والالماني غونتر غراس، والبريطاني في. اس. نايبول، والاسترالي الجنوب أفريقي الاصل جي. ام. كوتزي، ثم ما لبثت أن عادت السلسلة لتتصل مرة أخرى!


أعتقد أنه رغم وجود شعور عام بالرضا عن حسن اختيار الفائز بجائزة نوبل للأدب لهذا العام، التي أعلنت يوم الخميس الماضي، وخاصة أن الروائي البيروفي، الاسباني اللغة، ماريو فارغاس يوسا، يعد من أكثر الشخصيات الادبية تأثيراً الان في المشهد الثقافي العالمي، ليس فقط في الدول الناطقة بالاسبانية، ولكن لأن أعماله اجتاحت العالم، ومنه الوطن العربي، حتى بات يوسا يتردد كثيراً على لسان الادباء العرب، ما بين اعجاب بأسلوبه، أو لغته، أو عالمه الروائي، أو تأثيره الواسع، وبالذات في تطوير الرواية في دخول مرحلة ما بعد الحداثة، إلا أن الاختيار، على ما أعتقد، فاجأ الكثيرين في العالم وخيب آمالهم، بعد أن عقدوا الآمال على أن تلتفت نوبل الى الشعر هذا العام بعد غياب طويل.


لا عزاء لنا نحن العرب، الذين توقعنا فوز شاعرنا الكبير أدونيس، الذي كانت لديه حظوظ قوية في الفوز هذا العام، فهو لم يغب عن قائمة الترشيحات منذ سنوات، وكان ينافسه هذا العام الشاعر الكوري الجنوبي المعروف كو أون، والشاعر السويدي الذي يعد أشهر الادباء حالياً في الدول الاسنكندنافية، وتوقع كثيرون فوزه وهو توماس ترانسترومر. وباستثناء هولاء الشعراء الثلاثة ، فإن أغلب التوقعات كان تدور في الحقيقة حول روائيين، من مثل الجزائرية آسيا جبار، والامريكيين فيليب روث، وجويس كارول اوتيس، والكندية أليس مونرو، والكيني نغوجي وا ثيونغو، والايطالي كلوديو ماجريس. لا بل إن سكرتير اللجنة السويدية، بيتر انجلند، أقر بأن لجنة نوبل قد ارتكبت أخطاء عدة في الماضي، عندما غفلت عن منح الجائزة لشخصيات معروفة كانت جديرة بها، بيد أنه امتنع عن ذكرها، ولم يذكر من بينها سوى الكاتبة الدنماركية الراحلة، كارين بليكسن. ومن المعروف أن بليكسن كتبت سيرة حياتها في كينيا في افريقيا في الثلاثينيات في مذكرات تحت اسم مستعار هو اسحق دينسن، وتحولت الى فيلم سينمائي مشهور هو "خارج افريقيا".


واذا كنا نسمع منذ سنتين، في الاردن، عن السجال النقدي المتمثل في النقاش حول قرب الاعلان عن وفاة القصة القصيرة، رغم أنها نوع أدبي عالمي، وليس عربياً، لندعي امتلاكنا مصيرها! ومن ثم ارسالها الى مقبرة الادب الى جانب الملحمة والمقامة! فهل سنسمع غداً في ملتقياتنا الادبية عن شطحات نقدية تشير الى قرب وفاة الشعر؟ كنت أتمنى أن تنقذ نوبل الشعر، أو حتى القصة القصيرة، لعلها تعيد الى المراقبين المتشائمين بعض الامل المفقود!

* اللوحة أعلاه للفنانة العراقية رؤى رؤوف

رابط الصفحة بجريدة الدستور

رابط الصفحة الكاملة (يرجى الانتظار ريثما يتم تحميل الصفحة)



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق