الجمعة، فبراير 11

عمّان في الرواية الغربية

عمّان في الرواية الغربية

إياد نصار
* نشرت في الملحق الثقافي لجريدة الرأي الأردنية بتاريخ 11/2/2011

حظيت عمّان في الغالب بصور جميلة في الرواية العربية، خصوصاً الرواية العراقية، ما يعبر عن إدراك حقيقي لجوهرها المفعم بالحب والانسانية ولتاريخها الموغل في فجر الحضارة، ولهويتها الموسومة بالاصالة والانتماء الى محيطها العربي، وتجيء في هذا السياق كتابات عبد الرحمن منيف، ومذكرات يوميات المدن للطفية الدليمي، وقصص عبد الستار ناصر وسيرته.

لكن صورة عمّان في الرواية الغربية تبدو خلاف ذلك، إذ لا تلتفت الرواية الغربية كثيراً الى النواحي الانسانية أو الجمالية أو الاجتماعية أو الثقافية لعمّان بشكل خاص أو الاردن بشكل عام، بل إن توظيف البيئة الاردنية كان الهدف منه البحث عن أماكن تاريخية جديدة غير معروفة للقاريء الغربي، وتقديم ثقافات مختلفة لشعوب، يرى الروائي أنها تثير انتباه هذا القارىء من خلال تقديم أجواء الصحراء والحياة البدوية، غير أن أسماء الاماكن والمعالم والمؤسسات والأحياء والشخصيات الأردنية تعكس، في كثير من الأحيان، معرفة المؤلف بالبيئة الاردينة، ويبدو أنها مستمدة من زياراته للأماكن السياحية بشكل واضح، أو من خلال إقامته في عمّان.

معظم الروايات الغربية التي تطرقت الى عمّان مكاناً رئيساً للأحداث من النوع البوليسي الذي اختار عمّان نظراً لاحتواء الاردن على أماكن سياحية فريدة تصلح للسفر والمغامرة، وإضفاء طابع المطاردات بين المواقع الأثرية والتشويق الذي تتسم به القصص الجاسوسية. ولعل هذا ما يجعل الكاتب يفكر بمكان بعيد عن أجواء المدن الغربية، خصوصاً اذا كان في ذهنه تحويل الرواية الى فيلم سينمائي بما يوفره المكان الاردني من جماليات وتفرد، كما هي حال البتراء ووادي رم.

ورغم التباين في صورة عمّان في ذهن الروائي الغربي، ورغم مواقفه المسبقة تجاه مدينة فتية تسعى الى مواكبة مستجدات العصر، فإن عمّان في نماذج قليلة، تأسر خيال عدد من الروائيين الغربيين، حتى أن بعضهم تمكن من ادراك أجواء المدينة وطبيعة تكوينها ومزاجها العام، ما عبّر عن رضاهم عن نمط الحياة الذي وفرته لهم المدينة بفضل انفتاحها وتطورها.

"لا أقدر أن أكون طبيعية"
هي الرواية الثالثة للروائية البريطانية من أصل جنوب افريقي شميم ساريف، بعد "العالم اللامرئي" و"الثلج المتساقط". صدرت الرواية في شباط 2010، وهي تحكي عن قصة اجتماعية رومانسية غير مألوفة: فتاة أردنية مسيحية اسمها تالا تقيم في لندن، وتستعد لمراسم حفل زفافها حسب التقاليد الشرقية، حينما تلتقي بليلى، الفتاة البريطانية المسلمة من أصل هندي، فيغير اللقاء من مسار حياتيهما. ورغم اختلافهما الديني والعرقي، إلا أنهما تنجذبان بعضهما لبعض، وتنشأ بينهما علاقة مثلية.

تبحث الرواية في موضوع الصدام بين الشرق والغرب من خلال إظهار الصراع الذي تعاني منه البطلة بين الثقافتين الشرقية والغربية، كما تتناول موضوع الحب والزواج، والتقاليد المجتمعية، والحريات غير المعتادة.

في التمهيد لروايتها، كتبت المؤلفة أنها زارت عمّان قبل سنوات تحضيراً لكتابة الرواية، وذكرت أن صديقتيها الأردنيتين قد شرحتا لها الكثير عن ثقافة المنطقة، وعرفتاها على كثير من الناس في الاردن. وتقول إن مسؤولاً أردنياً سابقاً رفيع المستوى تحدث اليها لبعض الوقت رغم برنامجه الحافل، وعبّر عن مخاوفه لما ينتظر الشرق الاوسط.

رغم الاستقبال الرائع الذي حظيت به الكاتبة في عمّان، وما سمعته من وجهات نظر وشروحات حول الثقافة العربية الشرقية، وما لمسته من الاجواء المحافظة، إلا أنها نسجت قصة لا تطابق الواقع، بل تعد مستهجنة في المجتمع الأردني، فالقضية التي تطرحها الرواية لا تمثل قضية للمرأة الشرقية، وخصوصاً الأردنية، والمسألة ليست مسألة حرية أو غيابها. وهي ليست مطروحة للبحث ولا تشكل تابوهاً مسكوتاً عنه. وإذا كانت القضية هي قضية المؤلفة أكثر من كونها قضية بطلتها، فالمعروف أن شميم ساريف كاتبة ومخرجة مثلية، فإن صورة عمّان في الرواية لم تكن جميلة أو موضوعية.

ورد ذكر عمّان في الرواية في سبعة وعشرين موضعاً. تفتتح الرواية في عمّان حيث نرى الام في نقاش حاد مع الحلواني الذي حضر كعكة حفلة الزفاف لابنتها، لأن أحد موظفيه الأغبياء أفسد الستائر حينما ارتطمت بها. إنها ليست الكعكة الاولى، بل الرابعة!

ترسم الرواية صورة لأجواء عمّان ولياليها وأضوائها في مطلعها. وتتحدث عن حفلة كبرى لم يعرف أحد في عمّان مثلها، كما تتحدث عن زينة ولمياء شقيقتي تالا اللتين درستا خارج الاردن. كما تذكر أن زوج لمياء يخبرها حينما تتصل به وهي مسافرة أن لا شيء يتغير في عمّان. تصف الرواية بيوت عمّان بأنها عشوائية آيلة للسقوط. وتصف عمّان في الفصل التاسع بأنها باردة وكئيبة، ولهذا شعرت البطلة بالحنين الى حرارة نيويورك. كتبت تالا تتذكر كيف كانت تحس في عمّان: "استيقظ كل صباح وأنا أحس بالاختناق من مجرد التفكير في العيش في عمّان أو العيش معه. وقد اكتشفت أنني كنت كل يوم أخشى اقتراب يوم الزفاف منه". كما تتحدث عن وسط المدينة القديم الصاخب والمكتظ والمتسخ، حيث الباعة والمتسكعون، أما غرب عمّان فتصفه أنه جيب معزول، أو مثل مدينة مقلدة وسط المدينة الحقيقي.

الجاسوس الهاوي
يعمل دان فيسبرمان مراسلاً صحفياً، وقد تنقل في أماكن كثيرة في العالم مثل افغانستان والبوسنة وبلدان الشرق الاوسط. أصدر في العام 1999 رواية حققت نجاحاً اسمها "البقاء في الظلام"، أما هذه الرواية الخامسة له فتطرح مسألة العيش في عالم صار العنف فيه حقيقة ماثلة. ووصف أحد النقاد أسلوبه بأنه قريب من أسلوب جريم جرين وجوزيف كونراد من خلال تناوله ما ينتاب العالم من رؤى وصراعات مختلفة، حيث تتناول الرواية قضية الارهاب في الشرق الاوسط بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، حيث يغدو كل شخص موضع شك.

تجري أحداث الرواية في الاردن والقدس. بطل الرواية فريمان لوكهارت، يبلغ من العمر خمسة وخمسين عاماً، وكان يعمل في منظمة للاغاثة، أما الآن فقد تقاعد ليقيم الى جانب زوجته البوسنية، ميلا، في إحدى جزر بحر ايجة اليونانية. وفي أول ليلة لهما هناك، استيقظا على ثلاثة غرباء متطفلين يأخذون فريمان الى مكان قريب، ويطلبون منه السفر الى الاردن للتجسس على زميل قديم هو عمر البارودي، لأنهم يشكون أن جمعيته الخيرية تدعم الجهاديين. وحينما يرفض، يهددونه أنهم سوف يخبرون ميلا عن سره الأسود الذي لا تعرفه. ويستغلان ذلك لابتزازه، وهكذا يسافر فريمان الى عمّان، ليجد نفسه في وسط العاصفة.

يتحدث الراوي عن عشاء مع العائلة في مطعم يدعى التنين الصيني في منطقة الدوار الاول يديره رجل دبلوماسي متقاعد من تايوان. ويذكر أن هناك ثمانية دواوير تصل بين شرق المدينة وغربها، هي بمثابة العمود الفقري للمدينة.

وبعد عشاء دسم، يقف الراوي على أطراف جبل عمّان، وينزل عبر درج اسمنتي منحدر ليصل الى قلب المدينة، ويقول إن رائحة القهوة المحروقة تفوح دائما في هواء عمّان. أما عن الوضع الاقتصادي فيذكر أنه لم يعد شيء متوطن في أحياء المدينة ذات الكثافة السكانية أكثر من البطالة، ويقول إنه لا يوجد أحد لا يستطيع بناء ثروة هذه الايام في عمّان، غير أنه يستغرب من رؤية سيارات همر في شوارعها.

تتحدث الرواية عن الزيارة الاولى لميلا التي اذهلتها مشاهد جبال عمّان المكتظة وعمائرها التي تحجب النظر. وتشير الى لوحة تحمل خريطة مصفرّة لعمّان في العشرينيات، وتصف مبنى دائرة الآثار العامة ومدخلها الذي ينتصب مثل قوس أثري. يرد ضمن سياق الرواية خبر تفجيرات الفنادق في عمّان. وقريباً من النهاية يذكر الراوي أن عمّان قد تغيرت عما كان يعرفها.

شجرة الليمون
تقدم ساندي طولان في هذا العمل رحلة عبر الصراع العربي الاسرائيلي الطويل الذي أثر في السياسة العالمية منذ الاربعينات. تجسد طولان حياة لاجيء فلسطيني يدعى بشير الخيري ومستوطنة يهودية تدعى داليا اشكنازي لانداو، ويجمع بين الاثنين بيت من الحجر في الرملة التي احتلتها اسرائيل العام 1948. بنى البيت والد بشير الخيري في الثلاثينات، واضطرت ظروف النكبة في العام 1948 الأسرة الى ترك بيتها، وهكذا اصبحت عائلة اشكنازي، وهم من المهاجرين من بلغاريا، الملاك الجدد، وبعد حرب 1967، ظهر بشير الفلسطيني ابن العائلة المشردة عند عتبة بيتهم في الرملة، وقد حن لرؤيته ورؤية شجرة الليمون خلف البيت الذي تركه وهو طفل قبل تسعة عشر عاماً، وهناك التقى بداليا ابنة العائلة المستوطنة، ليبدأ حوار بينهما استمر أربعة عقود بسبب وجود تفسيرات متعارضة متناقضة للماضي.

ترد عمّان في سبعة وعشرين موضعاً، وإن كانت غالبيتها ضمن حديث سياسي عما جرى خلال النكبة وما بعدها، خصوصاً حرب الايام الستة والأعمال العسكرية الكارثية التي وقعت، وتتحدث كيف تم عرض بعض الدبابات الاسرائيلية التي تم الاستيلاء عليها خلال حرب 1967 في شوارع عمّان، غير أنها تصف عمّان في السبعينات بعد ذلك بـ"هانوي العرب".

رواية السائح البريء
هي الرواية الثالثة عشرة ضمن سلسلة روايات السيدة بوليفاكس ذات الاجواء البوليسية الغامضة للروائية الامريكية دوروثي جلمان. صدرت طبعتها الاولى في العام 1997 عن دار فاوست. وفيها تسافر السيدة ايميلي بوليفاكس، الى الاردن مع صديقها السابق سباستيان فاريل للحصول على مخطوط تم تهريبه من العراق، كتبه أحد الروائيين المعارضين لنظام صدام حسين والذي جرى إعدامه.

كتغطية لفاريل، فإن السيدة بوليفاكس عميلة السي أي آيه تلعب دور ابنة عمه السائحة، غير أنها تصبح من غير أن تدري واسطة لتهريب شحنة مريبة لجماعة متطرفة الى عمّان، إذ أن من يشاركها المقعد على الطائرة والذي ظنته رجل أعمال معروفاً لم يكن سوى متطرف خبأ منحوتة في حقيبتها تحتوي على خريطة غامضة ومفتاح. تكتشف السي أي آيه أن المسافر الذي شارك السيدة بوليفاكس مقعدها على الطائرة شخص أردني معروف باسم سهير سلمان وقد دخل سراً الى الولايات المتحدة وتسلل خارجها.

لم يأت الوسيط بحسب الموعد بينه وبين فاريل في قلعة الكرك، رغم أن السيدة بوليفاكس تجد جثة رجل ميت هناك. وعندما دعاهما دليل رحلتهما يوسف جدور وأخته حنان لزيارة جدهما، وهو أحد شيوخ البادية، فإنهما يقعان في قبضة جماعة جهادية. وتبلغ الحبكة ذروتها في حصن قديم في الصحراء حيث تتمكن السيدة بوليفاكس من التغلب على الجماعة بفضل مهارتها في الكراتيه.

يرد ذكر عمّان في الرواية في خمسين موضعاً عبر صفحاتها البالغة 224 صفحة. وتشتمل الرواية على صور من التخفي الذي يقوم به المهربون بوصفهم رجال أعمال، والمطاردات بالسيارات، أو على ظهور الجمال. كما تتحدث الرواية عن محاولة شرطة سرية عراقية إلقاء القبض على السيدة بوليفاكس، غير أنها وصديقها يقعان في قبضة الضابط جعفر قائد الشرطة في عمّان. وفي حوار بين السيدة بوليفاكس وشخص يدعى نايف عند الخزنة في البتراء، فإنه يقول لها إنها سوف تستمتع بوجودها في عمّان مثل البتراء. كما يخبرها أن المدارس مجانية، وأن الاردن قد تجاوز وطأة الحروب التي جرت في المنطقة. وحينما تصف عمّان، فإنها ذات سماء رمادية ومنازل ذات أسطح باهتة ترتفع للاعلى مثل شواهد القبور. كما لفت نظرها رؤية العشرات من سيارات الفولفو السوداء الفاخرة وغيرها. هناك الكثير من الاسماء العربية في الرواية ، خصوصاً من البيئة الاردنية، مثلما يرد ذكر بعض معالم في عمّان مثل الجامعة الاردنية وأكاديمية الشرطة الملكية والبحث الجنائي.

الحاج
كتب ليون أوريس روايات عدة تتناول الصراع العربي الاسرائيلي وطبيعة الحياة وتقاليدها في منطقة الشرق الاوسط. "الحاج" رواية تاريخية عن عائلة عربية فلسطينية قبل نكبة عام 1948وبعدها، وتمتد أحداثها منذ العام 1922 حتى أوائل السبعينات. تمتليء الرواية بالاثارة وتعكس معرفة كبيرة بمنطقتنا وشعوبها وعاداتها وتقاليدها وطرق الحياة التقليدية. وفي هذه الرواية يعود اوريس الى المنطقة نفسها التي جرت فيها أحداث روايته "الخروج" ليكرس نظرته بأن "الشرق أرض تقدس الثأر، وتعلي من قيمة الكراهية".

تصنف الرواية ضمن النوع التاريخي، لكنها تشوه حقائق التاريخ والأرض والواقع. ويرى كثيرون أن أوريس منحاز لاسرائيل يدافع عن وجهة النظر الصهيونية لما تحتويه من مغالطات تاريخية وكراهية تجاه العرب. لا يمكن النظر الى الرواية بمعزل عن تاريخ المنطقة وتطورات القضية الفلسطينية، لأنها ترسخ في ذهن القارىء الغربي رؤية منحازة. لن ينظر القارىء الغربي الى أحداث الرواية بوصفها عملاً أدبياً محضاً ليس له صلة بالواقع، وهنا مكمن الخطورة.

تحكي الرواية عبر صفحاتها التي تزيد عن خمسمئة، قصة الحاج ابراهيم، وتصور حال فلسطين في أواخر الاربعينات من القرن الماضي حينما غادر الانجليز وتركوا فوضى عارمة وراءهم.

تطرقت الرواية الى مسائل عدة مثل المذابح التي ارتكبها الاسرائيليون، والتي يجري تبريرها على أنها مجرد حوادث عرضية. وتتعمد الرواية تشويه القضية الفلسطينية، وإدانة الطرف العربي والتركيز على الجوانب السلبية وتضخيمها، بل وتشويه صورة النضال الوطني.

تنطوي الرواية على توجهات عنصرية ضد العرب والفلسطينيين، وتسعى لإظهار أن المشكلة الاساس ليست اغتصاب الارض وتهجير الشعب الفلسطيني، بل الانقسامات السياسية والاختلافات الثقافية والدينية بين العرب أنفسهم، وإظهار أن الفلسطينيين عانوا من هذه الاختلافات أكثر من معاناتهم بوجود اسرائيل.

ترد عمّان في الرواية في سبع وأربعين موضعاً أغلبها حول فترة الاربعينات. في أحدها اشارة الى طريق تربط بين مرتفعات الجولان والطريق السريع الى عمّان، ما يدل أن المؤلف لا يعرف طبيعة المنطقة، وربما يكتب من واقع الخريطة. وفي موضع آخر يتحدث عن سيارات الهلال الاحمر الاردني التي وصلت من عمّان لتوزيعها على اللاجئين وكانت تحمل الخيام والطعام والبطانيات، ولكن المسؤولين عن التوزيع وضعوا اجراءات بيروقراطية جعلت من توزيعها مسألة معقدة.

تمتليء الرواية بعبارات العنصرية والاساءة والاوصاف البشعة لكل ما هو عربي وفلسطيني، ولم تسلم عمّان نفسها من هذه الاوصاف. ويتحدث الحاج ابراهيم عن دعوته الى حضور مؤتمر الوحدة الذي أقيم في أريحا، ويقول الراوي أن العالم العربي في تلك الفترة كان يقفز من مؤتمر الى آخر. ومن معالم عمّان التي تذكرها الرواية منزل فاخر لمسؤول في الامم المتحدة من أصل سوري يتربع على إحدى جبال عمّان. كما تتطرق الى المخيمات في عمّان وما حولها وتذكر مخيم شنلر تحديداً بالاسم.

السلام المدمر
في رواية السلام المدمر يصطحبنا بول ايفانكو مع بطله جيك بوشر ورفاقه الذين يسيرون على مبدأ "لا تأخذ معك أسرى". وتتكون الفرقة من قائدي طائرات مروحية ومحاربي أدغال وعلماء نوويين. وتسير أحداث الرواية وفق رؤية تنبئوية كابوسية تمتاز بالخيال الجامح الذي يجمع بين روح التشويق والمغامرة وتعقيدات التطورات السياسية ومبدأ الحاجة أم الاختراع في الحروب.

تعد الرواية جزءاً مكملا لرواية المؤلف السابقة "يمتلك الليل"، وفيها يعود جيك بوشر للمعاونة على وقف هجوم نووي في الشرق الاوسط، لكنه يجد نفسه يهرب من أعمال هجومية قاتلة تشن عليه كجزء من خطة كبيرة متعددة الاهداف لجماعة أصولية. يلاحق جيك وجماعته سير التطورات والاحداث غير المتوقعة حتى يصلوا الى اكتشاف خطة تآمرية لتدمير ساحل الولايات المتحدة الشرقي بأكمله. تدق الساعات المربوطة بالقنابل النووية نحو ثوانيها الاخيرة قبل أن ينجح جيك ورفاقه في ايقافها وانقاذ ملايين الامريكيين.

وردت عمّان في الرواية في واحد وأربعين موضعاً. وقد وردت للمرة الأولى في الصفحة 92 في معرض الحديث عن الخطة الجاسوسية حيث يقول البطل: "إن هذا مناسب إن كان باستطاعة رجالك أن ينزلونا على الطريق خارج عمّان، ومن هناك نستطيع الذهاب الى العقبة لنبدأ من هناك، ونستطيع الالتقاء بهم في اليوم التالي". وفي الفصل العاشر من الجزء الثاني، يتحدث عن فندق الماريوت في عمّان الذي يقول أنه يقع على ربوة تطل على العاصمة من حوله. كما يقول إن الطريق من عمّان الى البتراء لم تكن سيئة. وفي الجنوب يصف البطل الطريق التي كانت صاعدة حتى تصل قمم بعض الجبال ومن حولها الاشجار، ويذكر الراوي أن هذه هي اولى الاشجار التي رآها منذ أن غادر عمّان. وعن خطر القنبلة النووية يقول إن الجواسيس يظنون أن هناك سلاحاً بايدي بعض الجماعات في جنوب الاردن، وأنه اذا تم تفجيرها بالقرب من البحر الميت فيمكن أن تزيل عمّان عن الخريطة!

تتحدث الرواية عن وصول عضو آخر في فريق المطاردة على متن طائرة الملكية الاردنية، والذي يستأجر شقة فاخرة في عمّان. وتشير الى وصول فريق من الوكالة الدولية للطاقة الذرية صعدوا الى قمم أحد الجبال التي تطل على عمّان. ويذكر الراوي أن فريق الجواسيس نظروا الى خريطة المدينة التي معهم في السيارة، وطلب جيك من صديقته أن تقود السيارة الى البوابة الشرقية للقلعة. وهناك بدا عليهم حجم الهلع الذي اصابهم عندما أدركوا مدى الخطر الذي يمكن أن يصيب المنطقة بأكملها حيث يعيش ـ كما تقول الرواية ـ ما يزيد عن مليون ونصف المليون نسمة في عمّان وحدها. تصف الرواية أجواء المساء فوق جبل القلعة والاضاءة التي تحيل الليل الى ما يشبه النهار.

جثة من الاكاذيب
يعود الامريكي ديفيد اغناطيوس المتخصص بكتب الجاسوسية، لاصدار هذه الرواية ذات الحبكة المعقدة في العام 2007 حول المواجهة بين الغرب والاسلام. ويستغل الكاتب في كتابتها معرفته بالسياسة في الشرق الاوسط، ورسم لوحات للحياة في العراق والاردن وسورية من خلال قصته التي تقوم على فكرة البحث عن شخص أصولي وإحضاره للمحاكمة.

تبدأ السيارات المفخخة بالانفجار في المدن الأوروبية مثل ميلان وفرانكفورت، فينتشر الخوف من أن هذه التفجيرات سوف لن تلبث أن تصل الولايات المتحدة. تسرد الرواية قصة روجر فريس الذي نقل حديثاً الى عمّان بعد أن تعرض للاصابة في العراق. فبعد محاولة فاشلة للقضاء على شخص يعتقد أنه العقل المدبر وراء عمليات تفجير السيارات يدعى سليمان، فإن فريس الذي تم تكليفه بالقيام باحباط مخططات القاعدة، يطور خطة على غرار خطة بريطانية ضد النازيين كانت تمدهم بمعلومات مضللة ترتد عليهم. وتقوم خطة فريس على زرع الشقاق بين أعضاء القاعدة وقيامهم بمهاجمة بعضهم بعضاً. واذا نجحت الخطة، فإن القاعدة نفسها سوف تصفي سليمان، وتكون بذلك وجهت ضربة ساحقة لعملياتها.

وردت عمّان في الرواية في تسعة وستين موضعاً. تشير افتتاحيتها الى روجر فريس الذي سافر الى برلين بصحبة مسؤول أمني أردني رفيع تشير اليه الرواية باسم هاني باشا، وهو رجل في نهاية الخمسينات، شعره اسود لا يدل على سنه، بينما يكشف الشعر الاشيب في شواربه عن عمره الحقيقي. يشيد الراوي بالضابط الارني واحترافه، حيث يراه فريس رجلاً مهيباً ودوداً حريصاً على قيافته.

يذكر الراوي في حديثه عن عمّان أن الليل قد حل حاملاً معه قصفة ريح باردة بشكل مفاجيء، وصارت عمّان مثل كرة من الضوء في سماء سوداء. وفي موضع آخر تتحدث عن تطور الجراحة التجميلية في ما تسميه الرواية عمّان الجديدة. وتقارن بين عمّان ولوس انجليس، وترى أن عمّان مثل لوس انجليس من غير المحيط، بل إن هناك مجلة بالانجليزية تباع في عمّان تسمى "العيش جيداً". وفي موضع آخر يرد اسم الجبل الاخضر في الطرف الشرقي للمدينة حيث جرى تجنيد أحد عناصر القاعدة من العراقيين في بيت سري.

ويصف فريس عمّان ذات مساء وهو على الشرفة بأنها ذات وجه أبيض، حيث كانت تتراقص الظلال عبر جبال المدينة. وفي فقرة أخرى تشير الرواية الى شاب معماري من مدينة معان، التي تصفها بأنها مدينة محافظة للغاية، لكنه يسكن الان في عمّان، ويعمل في مؤسسة متخصصة في التصميم الاسلامي.

وفي موضع آخر هناك حديث عن اجتماع في الساعة الثامنة والنصف صباحاً في نادي الضباط في جبل عمّان بالقرب من المركز الثقافي البريطاني. ويلاحظ أن أغلب الأماكن المذكورة هي مناطق يؤمها السياح مثل فندق حياة عمّان، والمطعم الايطالي فيه.

لا بد من الاشارة الى أن المؤلف أصدر قبل هذه الرواية بسنوات رواية "عملاء البراءة". والتي كانت نوعاً من البروباغاندا السياسية! وقد وردت عمّان فيها على نحو أقل أهمية، حيث كانت بيروت هي مسرح الأحداث.

أشباح البتراء: نكهة الحياة
تقع رواية أشباح البتراء التي صدرت في شهر آيار 2010 في مئة وأربع وثمانين صفحة، وتجري أحداثها غير المتوقعة في البتراء منذ عام 106 بعد الميلاد حتى وقتنا الحاضر.

تدفع الرواية القارىء الى إعادة النظر في أفكاره وآرائه بطريقة غير تقليدية، وتحكي قصة مواجهة في مدينة كانت مزدهرة ذات يوم الى الجنوب من البحر الميت. يذهب سام وزوجته (جل) في إجازة الصيف الى الأردن. وخلال رحلتهما يطرحان اسئلة من مثل: ما هي الحياة؟ هل يمكن أن توجد الروح على هيئة مادة؟ وهل يمكن إعادة إحياء الروح؟

وردت عمّان في الرواية في خمسة وعشرين موضعاً، بل إنها تفتتح بكلام شاب أردني يرحب بالزوار الى بلدته وادي موسى، فيقولان له إنه أول شخص يرونه يتحدث الانجليزية بشكل جيد، ويقولان إنهما جاءا الى عمّان عبر اسرائيل ومن ثم استقلا الحافلة الى وادي موسى. يدرك الشاب أن السائح المدعو سام وزوجته اللذين نزلا في فندق كليوباترا الذي يعمل به قد جاءا لزيارة البتراء. لكن الغريب في الحوار الافتتاحي أن الشاب يحذرهما من التعامل مع باعة التذكارات والتحف والجواهر من أبناء منطقته.

وفي مكان آخر بعد رؤية البتراء تسأل جل إن كان بالامكان الحصول على سيارة أجرة أو حافلة للعودة الى عمّان، لرؤية المتحف قرب المدرج. يتعرض سام وزوجته الى الاحتجاز، ويبدو أن انتظار الزوجين طال، فهربا من محتجزيهما. ونتعرف على أسماء شخصيات أردنية مثل عماد وسعود ولطيف، حيث يوافق عماد على تقديم التسهيلات لهما للعودة الى عمّان، معبراً عن موقف مختلف عن والده.

تروي جل أنهما وصلا بعد الظهر الى مدينة عمّان الواسعة والتقيا بعم عماد، الذي أوصلهما الى مركز الزوار في جبل القلعة والذي تصفه بأنه معلم أثري آخر من تلك المعالم التي أقيمت في فجر الحضارة.

رابط الصفحة الكاملة (انتظر قليلاً ريثما يتم تحميل الصفحة)
 
رابط المقالة بجريدة الرأي
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق