الأربعاء، ديسمبر 15

ذبح الأدب العربي على رمال الصحراء الذهبية!

ذبح الأدب العربي على رمال الصحراء الذهبية!
اياد نصار
 
ورد في الخبر الذي عممته وكالة الأنباء الأردنية بأن مؤسسة بولندية تدعى الصحراء الذهبية (غولدن ديزرت فاونديشن) مهتمة بالتبادل الثقافي بين العالم العربي وبولندا، وتسعى الى تعميق التواصل الحضاري بين الثقافات عبر مشروع الترجمة الذي أعلنت عنه، وفي سياقه أعلنت كذلك، عن اختيار ممثل لها في الاردن. ويهدف مشروع الترجمة بحسب الإعلان إلى ترجمة أعمال من الأدب العربي لتعريف القارىء البولندي بها، وذلك ضمن مشروع أوسع للترجمة من الادبين العربي والبولندي. يبدو الأمر جميلاً في ظاهره، ونبيلاً في منطلقاته، ما يستدعي الثناء والدعم كونه يسعى الى ابراز تاريخ الأدب العربي، وربما تأثيره في الثقافات العالمية، واتاحة الفرصة للقارىء الاجنبي للتعرف على منابع الثقافة العربية، ومصادرها الأدبية، وتأثيرها في صوغ الهوية للشخصية العربية، وصولاً الى فهم أعمق وأكثر موضوعية للمجتمع العربي، من خلال ترجمة الادب العربي المعاصر المعبر عن واقع المجتمع العربي، وقضايا الانسان المتمثلة في التقدم، والتحديث، والحرية، ومقاومة صور الظلم الداخلية والخارجية، وتحقيق الامن، ورفاهية الانسان، والمشاركة في بناء الحضارة الانسانية.


وإذا كانت ديباجة الخبر تتحدث عن النية للترجمة من الادب العربي بشكل عام، ومن الادب الاردني بشكل خاص، بدلالة وجود شخصية أردنية كرئيس للمؤسسة، واختيار أستاذة جامعية ممثلا لها في الاردن، فإن عناوين الاعمال المختارة، التي تم الاعلان عنها لتكون باكورة مشروع الترجمة، تجعلني أضع يدي على قلبي من هدف المشروع، أو حتى أن يكون له أي دور مما ذكر، فالمختارات لا تقدم، بأي صورة من الصور، تمثيلاً حقيقياً يعكس روح الأدب العربي، وأظن أن أسماء القصص التي تم اختيارها تدل أنه لا يوجد هناك معايير أدبية أو نقدية واضحة للاختيار بناء عليها. ليسمح لي القائمون على المشروع القول بأن الشخصيات التراثية المختارة والعنوان الذي أسند لكل واحد منهم تناسب قصصاً للفتيان أكثر من مشروع للتبادل الثقافي الذي يفترض أن يعكس مستوى فكرياً عالياً، وأساليب لغوية سردية أو شعرية تحمل خصائص الادب العربي في العصور التي ينتمي اليها. وماذا يهم القارىء البولندي أن يقرأ قصصاً للاطفال عن العز بن عبد السلام والامام الليث بن سعد وابن تيمية؟ يبدو لي أن هناك دوافع غير أدبية ومنطلقات قد تكون دينية أو تاريخية وراء المختارات تجعلها أقرب ما تكون الى نماذج من النصوص المدرسية التي تهدف الى نشر قصص الحكمة والزهد والموعظة والتفاخر بالانجازات العلمية أو التاريخية.

والسؤال الاهم هو ما هي الحكمة التي نريد ايصالها للقارىء البولندي؟ هل نريد تعريفه بمواقف معينة سجلتها الشخصية ، أم نريد له أن يعرف مضامين أدبنا العربي القديم وأساليبه وخصائصه؟ أم أن الهدف هو تقديم الادب العربي المعاصر، وهو ما لا تعبر عنه القصص المختارة؟ أم أن الهدف هو التربية الاسلامية للطفل العربي ما لا يحتاج معه الامر الى ترجمة الى البولندية ، إلا إذا كان الهدف هو تربية الطفل البولندي على هذه القصص! ماذا يعني القارىء البولندي أن يعرف قصة الليث بن سعد؟ هذا إن كان هناك نفر يعرفونه هذه الايام من القراء العرب من غير المتخصصين في تاريخ القضاء في الديار المصرية، وهل هذه القصة التراثية تفيد الأدب العربي في بولندا كثيراً؟ وأما الخليفة هارون الرشيد ، فإنه حكاية بحد ذاتها. تاريخ هارون الرشيد خلافي، وهناك الكثير من القصص التي رويت في مصادر الأدب العربي عن مجالسه وندمائه وحلقات الرقص والنساء والغناء في قصره. ربما يود بعضنا أن يعيد كتابة التاريخ، ويسند الى هارون الرشيد تاريخاً من الفتوحات والزهد. لا أظن أن عبارة واحدة قيلت عنه تكفي لتغيير الكثير من قصص كتاب الاغاني وغيرها مما ورد في كتب الادب العربي والمصنفات الادبية والتاريخية الموسوعية. يبدو لي أن خلف الاكمة ما ورءاها، وأن كل هذه الكلمات الرنانة التي تتحدث عن مشاريع تبادل ثقافي وحضاري مجرد واجهة كبيرة لمشروع صغير. فهل ترجمة مجموعة من قصص الاطفال التراثية الى البولندية تستحق عناء هذه الاعلانات الضخمة المضللة؟

لقد أصابني اختيار الأعمال بالخوف والذهول والشفقة على مصير هذا الطموح الكبير الذي كما يقول المثل تمخض الجبل فولد فأراً. لم أجد ما يجمع بين عناوين القصص سوى الرغبة الساذجة في التباهي بمنجزات شخصيات تاريخية من عصور مختلفة، ولا يجمع بين كثير منها جامع، ولا يضيف أي منها الى الادب العربي الحديث شيئاً.

أدعو القائمين على المشروع الى مراجعة الاسس والمنطلقات التي تحكم مشروعهم، ووضع معايير تستند الى تقاليد نقدية وأكاديمية بعد الاستفادة من خبرات المتخصصين في تاريخ الادب، وفي تحديد الكتب والاسماء التي تستحق البدء بها وشملها بالمشروع، مع التركيز على الادب العربي الحديث، الذي قد يسهم أكثر في تفهم المواطن البولندي لقضايا المجتمعات العربية المعاصرة.

لقد قمت بمراجعة موقع مؤسسة الصحراء الذهبية على الانترنت والاطلاع على كافة محتويات الموقع، واستغربت بأن تفاصيل الخبر المنشور في الدستور نقلاً عن وكالة الانباء والاسماء المختارة، لم تكن على الموقع الرسمي للمؤسسة، ولم يكن هناك ما يشير الى اعتماد ممثل المؤسسة في الشرق الاوسط، وقد كان الأحرى بها أن تعلن قبل غيرها عن هذه التطورات. وكل ما وجدته هنالك هو تعريف بعبارات عامة بغايات المؤسسة وأهدافها في التعاون عند نقاط التقاء الحضارات، وقد أدرجت المؤسسة عدة من أهداف أعتقد أنها أكبر من قدرة مؤسسة واحدة على تحقيقها، بل وتحتاج الى عدة مؤسسات رديفة لانجازها، وهي بالاضافة الى التعريف المتبادل بين العربية والبولندية، تشمل حماية الفنون والثقافة والتراث، والدفاع عن الحريات وحقوق الانسان والحقوق المدنية والديمقراطية والادارة الذاتية ما يلقي بظلال الشك على الهدف الحقيقي للمشروع، وخاصة أنه ذكر أن المؤسسة تقبل مساعدات نقدية وعينية من جهات محلية وأجنبية ، أو أن ما ذكر هو مجرد شعارات كبيرة، لا بأس من وضعها على الموقع، طالما لا تكلف شيئاً. أعتقد أن كل مشروع من هذه المشاريع، وخاصة ترجمة الادب العربي، يحتاج الى تشكيل لجان متخصصة وهيئات مراجعة واختيار توفر رؤية استراتيجية للمشروع، وتؤمّن منهجية متوازنة للقائمين على العمل تنطلق من ضوابط ومعايير لمثل هذه المشاريع الثقافية.

واذا كان هدف المشروع هو التعريف بالادب العربي عامة والادب الاردني خاصة، فأين نصنف هذه المجموعة ذات القصص الدينية التراثية منه؟ هل تعد عملاً يمكن دراسته على أنه نموذج من الادب الاردني الحديث؟ يذكر موقع المؤسسة أن الهدف من أعمالها هو ترجمة الاعمال العظيمة من الادب البولندي الى العربية ، ومثلها من الاعمال الكلاسيكية العظيمة من الادب العربي. فهل ترجمة قصص للاطفال تدور حول شخصيات تراثية يجعل من القصص أعمالاً عظيمة؟ هناك خلط كبير وتقديم للامور على غير حقيقتها. وإذا كانت المؤسسة راغبة فعلا في التعاون على هذا المستوى الرفيع، فلماذا لا تعقد صلات أدبية حول الترجمة مع الجامعات الاردنية ودور النشر والمراكز الاكاديمية المتخصصة أو وزارات الثقافة أو مع الهيئات التي تمثل الجسم الأدبي في الاردن والعالم العربي مثل اتحادات الكتاب وغيرها؟ إن العمل الوحيد ضمن مشروع الترجمة الذي وجدته على موقع المؤسسة، بخلاف ما يقوله الاعلان عن مشاريع كثيرة للترجمة، يخص ديوان "تواضعت أحلامي كثيراً" للشاعرة الكويتية سعدية مفرح، والذي تم في شهر تشرين الثاني من عام 2009، ويبدو أن المشاريع الأخرى مجرد أحلام على الورق بعد.

رابط المقالة بصحيفة الدستور

رابط الصفحة الكاملة (انتظر ريثما يتم تحميل الصفحة)




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق