الأحد، أبريل 6

إميلي برونتي (1818 - 1848)


عالم فريد من الحب والحزن!


اياد نصار

ايميلي برونتي . مرتفعات وَذَرِنغ . هل تعني لكم هذه الاسماء شيئا؟ ربما لا، أما أنا فانها كانت وما تزال جزءا من ذاكرتي ومن حياتي التي عشت تفاصيلها وشاهدتها بكل مشاعرها الجياشة. كانت رفيقتي في أيام طويلة. تمثَّلت جو الحزن والعزلة والكآبة معها. عرفت معنى ان تصبح الطبيعة القاسية رفيقا للانسان حين يعيش وحيدا. اسمع صوت الريح العاصفة بالخارج، وأرى ستائرالبيت تتحرك بعنف، وأرى الاشجار تهتز أغصانها وهي عارية ومن فوقها اشباح الغيوم الرمادية تمر سريعا. كم أثرت فيَّ حياتها في اجواء البرد والشتاء القارص والسهوب اللامتناهية في يوركشاير بانجلترا. وأحسست بها وهي تتذوق معنى الحرمان والعزلة، ومعنى ان يفقد الانسان حنان الام وهو صغير، ويعيش تحت رحمة أخ متسلط وأب متزمت. أحببت اسمها الذي يوحي بالامل، وعرفت كيف يولد الفنان المبدع من رحم المعاناة فيصنع نفسه. عشت مع ابياتها في ليالي الشتاء والمطر اردد كلماتها واحس بأحاسيسها واشعر بالآمها. كانت ترى الاشياء بعين نافذة ومشاعر مرهفة وتدرك أسرار النفس الانسانية في تقلباتها. لا أريد هنا أن اسرد قصة حياتها ولكن أحب يا قارئي أن اضعك في ذات الجو الذي عشته مع أعمالها وتاريخ حياتها القصيرة، كي تعرف معنى ان تعيش مع الاديب بكل احاسيسك وجوانحك وتأسرك كلماته وأبياته. وإيميلي كانت ذات نفس رقيقة وروح شاعرية وخيال روائي وصاحبة قلم جميل يبدع في عالم من الوحدة والحزن.

أيها النجوم والاحلام والليل الرقيق

أيها الليل والنجوم عودوا

وخبئوني من الضوء العدواني

الذي يحرق ولا يدفيء

كانت روايتها الوحيدة التي تجسد الحب الرومانتيكي ورغبة الانتقام تحمل تفاصيل حياة شخصيات عظيمة معذبة يعاندها القدر فيحطم احلامها ولكنها لا تفقد روح العطف الانساني ولا روعة الحب الذي يصبح الامل الوحيد الذي يبرر معنى وجودها. وليس القدر وحده الذي يثير الحزن في نفوس ابطالها، ولكنها القيم الاجتماعية والممارسات الطبقية التي تجعل الانسان اسيرا لها وتسلبه احلامه.

في الفصل التاسع يوجد مقطع روائي درامي مثقل بالعواطف والافكار يجسد طبيعة وتفكير واحلام كاثرين ايرنشو التي كانت تدعى كاثي تتحدث فيه بما يشبه المناجاة لخادمتها نيللي عن حبها اللامتناهي للبطل هيثكليف الذي كان صبيا يتيما فقيرا لقيطا وَجَدَه والد كاثي وربّاه مع ابنيه. ولكنه نشأ ذا شخصية قوية معتدة بذاتها احبته كاثي حباً جماً الى درجة العشق المجنون، ولكن أهلها رفضوا هذا الحب بدعوى الفارق في المكانة والثراء والمستوى الاجتماعي وكانوا يريدونها ان تتزوج من إدجار لينتون احد كبار الاعيان في المنطقة ووريث ضيعة الجرانج قرب مرتفعات وذرنغ. وقد شهد هذا الحب قمة العاطفة والحب وحتى الغضب بينهما ، لكنه حول حياتهما الى جحيم وشقاء من الاخرين ومن الظروف التي فرضت نفسها عليهم. كان حبا عنيفا قويا عاصفا غاضبا وفي ذات الوقت كان ضحية تثير العطف خصوصا في ظل الفوارق بينهما والمعاناة التي لقيها هيثكليف منذ كان طفلا، والتي لقيتها كاثي في سبيل حبها.

" لا استطيع التعبير عنه، ولكن من المؤكد أن كل واحد لديه فكرة ان هناك او انه ينبغي ان يكون هناك وجود متعلق بك ولكن خارج جسدك. ما الهدف من كياني لو بقيت محتجزا هنا بكل ما في؟ان شقائي الاكبر في هذه الحياة شو شقاء هيثكليف، وقد رأيت وأحسست به منذ البداية. ان أفكاري الكبيرة في معنى حياتي هي هو. فلو اندثر وانسحق كل شيء سواه، وبقي هو، فانني سأستمر في الوجود. ولو بقي كل شيء، وزال هو، فان الكون كله ساعتها سيصبح شيئا غريبا عني، ولا انا منه. ان حبي الى لينتون مثل ورق الشجر في الغابات، سيغيره الزمن، وأنا ادرك ذلك تماما كما يغير الشتاء الاشجار. ولكن حبي لهيثكليف يشبه الصخور الابدية تحتها. فهي مصدر ضئيل للبهجة التي بالكاد نتبينها، ولكن وجودها ضروري. يا نيللي انا هيثكليف. انه دائما، دائما في خاطري".

وفي مقطع آخر في مكان اخر بالرواية نقرأ هذا الحوار المشحون الصاخب بالدموع والغضب:

" انحنى هيثكليف على ركبة واحدة كي يعانقها، حاولت النهوض، ولكنها امسكت بشعره وأبقته للاسفل. أتمنى لو أنني استطيع معانقتك. وتابعت بمرارة: حتى نموت كلانا. ينبغي ألا أهتم بما عانيته أنت. أنا لا أهتم بما عانيته. لماذا لا تعاني؟ انا أعاني، هل سوف تنساني؟ هل ستكون سعيدا عندما اكون في جوف الارض؟ هل ستقول بعد عشرين سنة من الان: هذا قبر كاثرين ايرنشو؟ لقد أحببتها منذ زمن بعيد وكنت شقيا بخسرانها، لكن الحب الان اصبح من الماضي. لقد أحببت كثيرات منذ ذلك الوقت. ان طفولتي اعز علي مما كانت هي بالنسبة لي، وفي موتها فانني غير مسرور أنني سأذهب الى قبرها. هل ستقول ذلك يا هيثكليف؟"

كما ذكرت ليس هدفي ان اسرد سيرة حياة إيميلي برونتي، ولا أن اسرد وقائع روايتها او تقديم موضوع عن ادبها بكل تفاصيله، لكني أؤمن بالتأثير الروحي الذي يلامس النفس الشفافة من اول نظرة، فتحس بالروعة والاتحاد معه. وهذا هو التأثير الذي ارجو ان تكون قد حملته الكلمات هنا، فلعل هناك من تلامس هذه المشاعر قلبه واحاسيسه وتدفعه لقراءتها والعيش معها في عالمها ، عالم ايميلي برونتي الفريد الحزين.

هناك 5 تعليقات:

  1. غير معرف7:33 ص

    رواية جميلة جداجدا ورؤيتك لها أجمل ياإياد..........


    ولكن لي استفساربسيط :

    هل أنت إياد نصار الفنان الأردني

    الذي أبدع في مسلسل صرخة أنثى؟

    أم هو مجرد تشابه أسماء ليس الا؟؟؟

    ردحذف
  2. تحياتي لك يا قارئي العزيز. أسعدني تفاعلك مع ما كتبت حول الرواية ومؤلفتها التي أثرت في الكثيرين منذ أن كتبتها والى الان بفضل قصتها الرائعة وفهمها لطبيعة حالات النفس الانسانية في الحب والكراهية، في الوفاء والنكران، في الغفران وفي الانتقام.

    مجرد تشابه في الاسماء بين الفنان الاردني اياد نصار صاحب مسلسل صرخة أنثى الذي أوجه له كل التحية، وبيني اياد نصار الكاتب والقاص.

    ردحذف
  3. غير معرف5:02 ص

    مرحبا اياد.....

    أنا من المتابعين لمدونتك ..انها تعجبني

    وان كنت لاأفهم أكثرها فعذرا فمازلت

    أحبو في عالم الثقافه وأحتاج الكثير

    لأصل لعمقك الثقافي..وقد لاأصل...

    لي رجاء أيها الكاتب/

    أنا من عشاق القراءه وأكتب أحيانا

    بعض الخواطر ..حلمي الصحافه وقد

    أصير يوما صحافيه لاأدري..

    ولكن أحتاج الى من يتبناني أو بالأصح من

    يرشدني لتطوير ذاتي..

    أملك ملكة الكتابه ولكن لاأعرف كيف

    أطور من نفسي....

    أريد ان أصنع من نفسي شيئا..



    لدي الكثير ولكن لاأعرف كيف أوظفه

    أريد ان أتعلم منك ..أتشرب من ثقافتك

    وأفهم منك فنون الكتابه ...

    أريد أن أكون تلميذه أنت مربيها

    أريدك أن تكون عرابي...

    فهل أجد لديك الإجابه أستاذي؟؟؟


    تلميذتك/شروق

    ردحذف
  4. نور10:10 م

    اول مرة الاقى حد مهتم كده بمرتفعات وزرينج لاميلى برونتى الكاتبة دى تحفة فى اسلوبها وتعبيرها مع انها معشتش كتير ومكتبتش غير تللك الرواية وديوان شعر مشترك مع اخوتها تحت اسم مستعار بس تركت اثر جامد فى تاريخ الرواية هى واخوتها

    ردحذف
  5. غير معرف7:09 م

    كم هي جميلة كلماتك ورؤيتك للرواية يا أخي اياد..وأعترف أن هده الرواية قد نالت اعجابي أنا أيضا مند أول سطر منها..وقد تركت في تأثيرا عميقا سواء على أفكاري وأيضا شخصيتي..لقد كانت شخصيات القصة مؤثرة للغاية لدرجة أني شعرت بأنها حقيقية...ودلك الحب العظيم الدي وصفته اميلي برونتي في روايتها يجعلك تشعر بأنه فعلا حب أقوى من الموت...
    هده الرواية فيها من الألم بقدر ما فيها من الحب...ورغم أنانية كاثرين وظلم هثكليف وقسوته الا أنني لم أستطع منع نفسي من التعاطف معهما وحبهما...
    و الحقيقة أن هده الرواية كانت من أروع الروايات التي قرأتها في حياتي...

    ردحذف