السبت، أكتوبر 23

مشاركة نقدية في تحقيق حول الادب البوليسي


مشاركة نقدية في تحقيق حول الادب البوليسي في صحيفة "الغد"
الادب البوليسي نشأ في الغرب وما يزال يبحث عن معادل عربي

إعداد وتقديم: القاص والروائي جمال القيسي

عمان- القصة البوليسية، التي تنتمي إلى مصطلح أوسع هو "الأدب البوليسي"، يتأخر حضورها في الأدب المحلي الأردني، ويبقى بروزها عربيا مرهوناً، وفق كتاب ونقاد، إلى التعامل معها على اعتبار أنها "أدب أقل".


وبينما يزدهر "الأدب البوليسي" في "منشئه" في الغرب، ويعزّز تفوّق السينما والدراما التي تستند إلى "الروائع الأدبية"، تخفت كذلك الثيمة البوليسية في الفنّ المرئي العربي، باستثناء بعض الأعمال الدرامية مثل المسلسل السوري "الهشيم"، وأخرى مصرية قليلة مأخوذة من ملفات المخابرات المصرية لصالح مرسي.

التفوّق الغربي يتأكد بأنّ روائية أردنية، تحمل الجنسية الأميركية، هي ديانا أبو جابر، استفادت من الاحتفاء الغربي بالأدب البوليسي، فخاضت غماره واشتهرت بروايتيها "الجاز العربي" و"هلال". ونالت رواية "هلال" جائزة بن سينتر للقصة الأدبية للعام 2004، وجائزة مؤسسة بيفور كولمبس، كما صنفت الرواية بين أفضل عشرين رواية للعام 2003 من قبل صحيفة "كريشيان ساينس مونيتور" الشهيرة. في حين نالت رواية "الجاز العربي" جائزة كتاب أوريغون ورشّحت لنيل جائزة بين فولكر.

والمقارنة شديدة الميلان نحو الغرب، فمن المعروف أنّ الأديب الأميركي إدغار الن بو (1809-1894) يعدّ رائد القصة البوليسية وأستاذها المنظر لها في كتابه المنشور 1852 "حكايات الغموض والخيال والرعب"، ومنه انتقل بذلك الفنّ الصعب إلى اوروبا.

لم تكن أوروبا لتهزأ بهدية الن بو، فتلقفها البريطاني آرثر كونان دويل (1859ـ 1930) الذي ابتدع شخصية "شرلوك هولمز" التي برزت لأول مرة في العام 1887 فى رواية "غرفة مطالعة سكارلت"، و"الآنسة دورثي سايرز" (1893 ـ 1957) وأبدعت فيها أجاثا كريستي التي كانت تتعمّد خداع القارئ، وتخرق قواعد القصة البوليسية.

أستاذ الأدب والنقد في جامعة البترا د.خالد الجبر يحيل تفوق الأدب البوليسي في الغرب إلى أنّ المجتمعات هناك وصلت تشريعاتها إلى "درجة من التعقيد والتشابك"، موضّحا أنّ "علم الجريمة تجذر وضرب فيها، وأصبح له مساقات تدرّس في الجامعات مثل علم الجريمة والعقاب وما يسمى بعلم النفس الإجرامي. ويذهب إلى أن ذلك جاء "استجابة لما عليه حال الجريمة وتنوعها واختلاف أدواتها" في الغرب، فيما يجد أنّ الوطن العربي، والردن تحديدا ـ لم يشهد الجريمة المتنوعة والصارخة إلا في العقدين الأخيرين.

أما الروائي والسيناريست المصري المعروف بلال فضل، فيعتقد أنّ المسألة تعود إلى "إحجام الكتاب عن التطرق للأدب البوليسي بسبب عدم التفات النقاد إلى كتابه". ويؤشر بذلك إلى أمثلة في مصر، حيث كتبها إبراهيم عيسى وأحمد خالد توفيق، لكتها تجارب "لم تنل النقد الذي تستحقه"، وفق قوله.

ويقول مؤلف مسلسل "أهل كايرو" الذي عرض في رمضان الماضي بتصريحه إلى "الغد" إنّ غالبية الكتاب في العالم العربي لا تخرج رواياتهم وقصصهم عن التمسك بزمام الحالة الشخصية، أو تلك التي تستند إلى ما يرتبط به الكاتب من علاقات خاصة/ عامة، أو ما يعرف بـ "الرواية الاجتماعية". ويشير إلى أنّ كثيرا من الكتاب العرب يعتمدون على مقولة ماركيز "اكتب عما تعرف"، متناسين، برأيه، أنّ ماركيز ذاته كتب "وقائع موت معلن" التي يجد فضل أنها "رواية تشويقية متماهية مع الوجهة البوليسية إلى حد كبير".

وحول التساؤل المشروع بحتميّة أنّ الأدب مرتبط بالراهن، ولا بدّ أن يعكس مرآة الواقع، يرى الجبر أنّ الحال مختلف لدينا، لاعتقاده أنّ الروائيين خصوصا لا يعتمدون في أعمالهم الجانب الاستقصائي البحثي، وإنما "يتوكأون على عصا المخيلة والعاطفة"، معتبرا أنّ ذلك "لا يكفي في زمن بات للرواية فيه مصادرها العلمية والبحثية".

وبات تشكل الأدب في العالم العربي عموما، بحسب الجبر، يتوخّى الشهرة أكثر مما يبتغي تناول قضاياه الداخلية، مبينا أنه لذلك برزت أصوات تعود إلى التاريخ، ونبش شخصياته المرتبطة في حقب معينة فيه للوصول إلى التميز، على حساب الارتهان إلى اللحظة التي على الأدب أن يقول فيه كلمته الجريئة في الذي يقع من حوله.

القاص والناقد إياد نصار يفسّرغياب الأدب البوليسي، عربيا، بأنه "يستلزم وجود مجتمع مدني متطور، يمتاز بتعقيد الحياة المدينية، وتضارب المصالح، والصراعات حول المادة والمكانة التي ينشأ عنها بالضرورة، مشكلات وجرائم ذات دوافع مختلفة".

ويستدرك أنّ المجتمع العربيّ حتى وقت قريب كان يمتاز بأنه مجتمع ريفي قروي، ومدنه صغيرة، مبيّنا في المقابل أنّ الأدب البوليسي يعتمد على فكرة انتشار الجريمة حتى تصبح مظهراً مألوفاً من مظاهر حياة المجتمعات.

بيد أنّ فضل يرى أن الرواية والقصة إذا أحسن الكاتب حبكها ورسمها وجعلها مرآة صقيلة تحاكي نبض الناس، وتحترم عقولهم لن يلاقوها إلا بالقبول والاعتراف، ذاهبا أنّ ذلك يسهم آنذاك في تشجيع الكثير من الكتاب على طرق الأدب البوليسي وعبوره إلى عقل وقلب القارئ والمشاهد. إلا أنّه يعتقد أنّ الكاتب العربي يرتطم جهده بـ "الإهمال النقدي"، الذي هو رافعة من روافع الأدب، مبينا أنه من قبل "سلب وجرّد من حقوق الملكية الفكرية والأدبية التي يحظى بها كتاب العالم".

وتتعدد القراءة في أسباب غياب الأدب البوليسي، إلى حد أن يرى نصار أن لذلك علاقة بأمور تقنية، وأخرى بالكتابة الحديثة، مبينا أنه أمر يحتاج إلى ثقافة واسعة بعمل الأجهزة والمرافق والمؤسسات، كالفنادق والمستشفيات، والمحاكم، والبنوك، والمطارات، والموانئ، والسجون، وأدواتها كالطائرات والسفن والمال وغيرها.

ويضيف إلى ذلك المعرفة الدقيقة بأدوات الجريمة والقتل، كالأسلحة والسموم، وتوظيفها في القصة أو الرواية، وحتى إلى معرفة أكثر دقة بالأنظمة والقوانين، وكذلك خبرة في التعامل معها.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق