الثلاثاء، يوليو 22

شخص ما


شخص ما

قصة قصيرة
بقلم: اياد نصار

طرق الباب ثم وقف ينتظر ، يرسم في مخيلته ملامح من سيطل من خلفه. استرجع في ذاكرته الكلمات التي سيقولها. لم يسمعْ أي صوت بالداخل. أعاد الطرق مرة أخرى. تأمل تفاصيل الباب الخشبي الكبير المدهون بطبقة لامعة صقيلة باللون الجوزي. استجمع في ذهنه هيئةَ من سيطلُّ عليه. إنه يعرفه. شاهده يدخل من هذا الباب مرات كثيرة. مضت برهة ولم يطل أحد. أعاد الطرق مرة أخرى بصوت أعلى وحركة أسرع. وقف يستمع. لم يكن هناك أيُّ صوتٍ في الداخل. أين ذهبوا؟ إنه يعرف الرجل الساكن هنا. لم يتردد عندما سأله أبو سعد النصري عنه. أخذ يبحث عن مفتاح جرس كهربائي لعله يكون مختبئاً هنا أو هناك. لم يجد شيئاً. مشى حوالي المدخل، نظر في الزوايا وعلى جدار كتلة قليلة الارتفاع هندسية الشكل يعلوها قوس حجري قد نبتت حولها شجيراتٌ صغيرةٌ. أعاد الطرقَ مرةً أخرى بحركةٍ سريعةٍ من يده الرجولية. لم يخرج أحد. إنتظر لحظاتٍ ثم زاد من قوة الطرق قليلاً. كان متوتراً فربما أفلتت السيطرة من بين يديه وخرجت طرقة عالية! حاول أن يضبط انفعاله. ولكنه يعرف البيت جيداً. يعرف الرجل الساكن فيه. بقي ينتظر لعلّ أحداً يطلُّ من وراء الباب. لا مناص لديه من أن يأتي بالرجل إلى أبي سعد، والاّ سينزل عليه غضبٌ له أول وليس له آخر! تذكر سيارته المرسيدس الزرقاء القديمة. نزل عن درجات المدخل ودار حوالي البيت فرأى السيارة واقفةً. اطمأنّ باله قليلاً، فالرجل لا بدَّ أنه في الداخل!

أبو سعد النصري صاحبُ شخصية قوية ووجهٍ متجهّم. يلبسُ نظّاراتٍ سوداءَ كبيرةَ الاطار، عدساتها ذاتُ لونٍ غامقٍ يزيدُ من تجهّمه. يحب أن يظهرَ دائماً بمظهرِ الانسانِ الجادِ الرزين. يتكلم بصوت جهوري ، وحتى عندما يهمسُ فهو يتحدّثُ بصوتٍ عالٍ! لا يراه الناس إلاّ عابساً مكتئباً يخلو وجهه من أي عاطفة إنسانية! رجل لا يعرف الضحك. لا يذكر أنه شاهده يضحك سوى مرة أو إثنتين طوال سنوات.

يقف أبو سعد طوال النهار خلف الصندوق ورأسه مرتفع للاعلى. وجهه أشقر يميل إلى الاحمرار قليلاً وعندما يغضب يصبح محتقناً قانياً كالدم. في نهاية الخمسين من العمر، ولكنه صاحبُ شكيمةٍ عالية. يخاف خليل منه كثيراً، ويخشى من سطوة لسانه. يحب أبو سعد قصص العرب القدماء ويجد متعةً في روايتها بأسلوبه الخاص. يسترق خليل السمع إليه أحياناً وهو ينظف الارض أو يمسح الرفوف وهو يروي قصصاً عن عنترة العبسي! إذا عرف أنه ينصت اليه سيظنه ترك التنظيف ليسمعه. يا ويله حينها من لسانه السليط. يتخيله خليل مثل الحكواتي، ولكنه يحب قصص البطولة ويرويها بصوته الجهوري الأجش.

أبو سعد مغرم بالسياسة وأحاديثها. ولديه ذاكرة عجيبة تحفظ التفاصيل. لاحظ خليل أنه يحب القراءة بشكل غير معقول. ولكنه لا يقرأ إلا الصحف! يعشق عبدالناصر كثيراً ويروي قصصاً عن حياته وبساطته. يردد أبو سعد دائماً أن ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة! صار شاكر مساعد الصيدلي خيرَ مستمعٍ له رغماً عنه! شاكر مضطر للاستماع له بدافع الواجب وكبر السن، ولكن هناك سبب أهم! يملّ شاكر من حكاياته فلا دخل له بالسياسة أو قصص عنترة. شاكر لديه قصص أخرى يهتم بها من زمانه هو وليس من زمان عنترة أو زمان عبدالناصر! ولأنهما يمضيان أغلب الوقت معا في الصيدلية فقد نشأ بينهما تقارب ظاهري! شاكر وسيم معسول اللسان. تحب النساء أحاديثه كثيراً، فلا تخلو الصيدلية من النساء في أغلب الاوقات! عنده لمسة "إنسانية"، يعطي الدواء أحياناً بدون مقابل في غياب أبي سعد! يكسب ثقة "بعض" المرضى بهذه الطريقة! خليل لا يأتي سوى ساعتين في الصباح وساعتين في الليل قبل وبعد مدرسته.

بقي خليل واقفاً ينتظر فتح الباب. هم َّ أن يغادرَ المكان ويرجعَ بخفي حنين. سمع صوتَ المفتاح يدور بالباب! تهلّلت أساريرُه. سيفلت من العقاب هذه المرة! أطلَّ رجلٌ ضخمُ الجثةِ أسمرُ الوجهِ كثيفُ الشعرِ يلبس فانيلا وبيجامة. كان ما يزال يغمض ويفتح عينيه عندما فتح الباب. قال: نعم؟ انتبه خليل أن الرجل حافي القدمين. تطلع في ملامح وجهه وشعره. أحس بخوف في داخله فقد أيقظه من قيلولته! خشي من ردة فعله. ولكن عقاب أبي سعد لا يطاق! نظر اليه بتفحص. إنه هو ذات الرجل. يعرفه منذ فترة لا بأس بها منذ أن بدأ يعمل في الصيدلية. يأتي كل يومين أو ثلاثة ويفرغ ما في جيوبه ومحفظته من نقود معدنية يجمعها خلال النهار من الركاب على طاولة الزجاج أمام شاكر ليشتري بها علبة حليب لطفله. طفله عليل لا يناسبه سوى نوع معين. يشكو ويتذمر بحرقة. صار يعرفه من ملامح البؤس في عينيه وأسلوبه في الشكوى من بين الزبائن الآخرين!

"أرسلني أبو سعد من صيدلية الشفاء القريبة منكم. ويطلب منك أن تأتي معي لأنه يريدكم في أمر هام"! استغرب الرجل من الطلب وقال: أنا؟ يريدني أنا؟ قال: نعم. سأل باستغراب: لماذا؟ فأجاب: لا أعرف، ولكنه يريد أن يراكم. بدا على الرجل الانزعاج. الوقت ما يزال بعد الظهر بقليلٍ من أيام شهر حزيران والجو حار. قال: أخبره أنني سآتي في الليل. فقال له خليل: أرجوك الآن. إنه يريدك الآن. أنت لا تعرف أبا سعد. إذا لم تأتي معي سينزل غضبه علي. قال: حسنا لا تخف. وضحك وقال: أعرف أبا سعد!

من لا يعرفه؟! الكل يعرفه. في الحقيقة معروف ببخله عندما يتعلق الامر بالنقود. شديد الحرص بشكل منفّر. حتى موسى المحاسب يتذمر منه ويشكوه إلى زياد صاحب الصيدلية.

قال الرجل: ولكن لماذا يريدني؟ ألم يخبرك بذلك؟ فأجابه: لا أبداً. لم يخبرني. كان خليل يخمّن بداخله أنه يعرف السبب ولكنه لم يشأ أن يخبره به، فلعل لديه سببا ً آخر. أو لربما اعتذر عندئذٍ عن الذهاب معه إذا عرف السبب! فبقي صامتاً. شعر خليل بالارتياح من سماع رده. لو كان شخصاً آخر لرفض، وربما طرده على إزعاجه له وقت القيلولة! كل الاحتمالات غير السارة كانت واردةً في حسبانه ولكنه رضي بالمجازفة. تذكر ما حصل يوم السيارة!

أرسله أبو سعد ذات يوم لإحضار طلبيات الأدوية من مستودعاتها في وسط المدينة. أعطاه بضعة قروش كي يذهب ويرجع بالحافلة. كانت الطلبيات كبيرة ومستودعات الادوية في أماكن متباعدة. حملها بصعوبة ومشقة وقطع بها مسافات طويلة. كان يستريح كلما مشى عدة أمتار. كان متعباً والمسافة بعيدة كثيراً عن مكان تجمع الحافلات. لن يسمح له سائق الحافلة بالركوب. تذكر ما قاله له السائق المرة الماضية حين صرخ في وجهه: أين ستضع كل هذه الادوية والصناديق والاكياس؟ هل ستضعها في حجر الركاب؟! هل صارت الحافلة واسطة نقل للبضائع؟! خطرت له فكرة خطيرة!

أوقف سيارة أجرة. وضع الصناديق والاكياس في صندوقها. فتح السائق عداد الاجرة. راقب خليل العداد طوال الطريق ويده على قلبه. كلما كان العداد يقلب في إزدياد، كان قلبه يخفق من الخوف! بقي صامتاً متوجساً طوال الطريق حتى وقفت السيارة أمام الصيدلية. ركض إلى ناحية أبي سعد. فغر فاه ورفع حاجيبه من جرأته في الطلب! كانت الاجرة عشرين ضعف أجرة الحافلة! أخذ يزبد ويصرخ ولكنه لما رأى السائق ما زال واقفا ً ينتظر الاجرة فقد دفع له المبلغ وهو يتميّز في داخله من الغضب! بعد أن أدخل الصناديق للداخل أمسكه أبو سعد من ذراعه وأخذ يشد عليها وهو يؤنبه على فعلته السوداء. ثم قال له غاضباً: أغرب عن وجهي. لا أريدك أن تبقى هنا اليوم! كثيراً ما يفكر خليل في سبب إستقواء أبي سعد عليهم، ولكنه كل مرة يرى فيها زوجة زياد في الصيدلية يعرف السبب ويسكت!

قال الرجل وهو ما يزال متكئا ًعلى حافة الباب بفانيلته البيضاء التي برز الشعر الكثيف من حافتها العلوية: انتظرني هنا قليلاً كي أغير ملابسي وآتي معك. وقفل الباب! بقي خليل واقفاً يتأمل في الزهور المزروعة حوالي البناء. أزهار جميلة ذات ألوان مختلفة، وقد نبتت حولها أعشاب خضراء وشجيرات ما زال عودها طرياً. وفي أخر الممر كان هناك شجرة تين كبيرة عالية عجفاء غير مثمرة. كانت أوراقها مغبرة كالحة بفعل الزمن والغبار. بدت كعملاق يخيف الازهار من حولها. شعر أنها لا تنتمي للمكان. شرد بأفكاره. لكنه وجد نفسه يفكّر رغماً عنه في أبي سعد وفي الصيدلي زياد. كان زياد النقيض له في كل شيء. رجل في بداية الأربعينات تخرج وعاد من إيطاليا. من عائلة ثرية، ولكن لا يتعامل مع الناس بمقدار ما في جيوبهم!

شعر خليل أن الرجل قد تأخر بالداخل. ولكن لم يكن أمامه سوى الصمت. بعد قليل فتح الباب مرة أخرى وأطل منه الرجل وقد لبس ثيابه وعدل هيئته. بقي خليل صامتاً رغم أن الرجل حاول أن يعرف السبب منه مرة أخرى. قال له: لا أعرف أبداً ولكنك الان ستعرف من أبي سعد. أخذ الرجل يفكر ويحسب طوال الطريق. دخل الرجل بقامته الطويلة وجثته الضخمة إلى الصيدلية فتبعه خليل. وقف في وسط المكان وراح يتطلع حوله بانتظار أن يخبره أحد شيئا ً ما. لم يكن أبو سعد يقف عند الصندوق. سأل عنه ، فرد شاكر أنه قد ذهب للغداء وسيعود بعد ساعتين! استغرب خليل من ذلك. سأل الرجل بحدة وقد بدا عليه الانزعاج واضحاً: ولماذا أرسلتم في طلبي؟ ولماذا الاصرار على حضوري في هذا الوقت؟ استغرب شاكر من كلماته ونظر إلى خليل لعله يجد لديه جواباً. فتدخل خليل وشرح لشاكر الموضوع والرجل يسمعه. أخذ شاكر يعتذر منه وعلى حضوره ولكنه أكد أنه لا يعرف عن الموضوع أدنى فكرة! شعر الرجل بغضب شديد ، وأراد ان ينتقم لكرامته من هذا التصرف! فكيف يرسل في طلبه على هذا النحو المستعجل ولا ينتظر حضوره ليشرح له الموضوع؟

شعر خليل بخيبة أمل كبيرة وحرج شديد أمام الرجل، وخاصة أنه أصر على حضوره معه. صار يعتذر منه، ولكن الرجل أخذ في التذمر بصوت مرتفع. بدأ تصرفه يتحول إلى عصبية وانفعال. حاول شاكر أن يهديء من انفعاله ولكنه أخذ يتلفظ بألفاظ قاسية. لم يقدر شاكر أن يحتويه. الرجل ساخط ومتوتر.
- ما الذي يستدعي حضوري بهذا الاصرار في هذا الوقت؟ ولماذا لم يكلف نفسه عناء انتظاري؟ هذا تصرف غير لائق وأنا لا أقبل ذلك أبداً.
وكلما حاول خليل أن يعتذر منه كان يزداد حدة، وكلما حاول شاكر تهدئته، كان يثور أكثر ويتفوه بكلمات جارحة:
- حقك علينا. نعتذر منك. ولكن ....
- لا أريد اعتذارك . هذا تصرف قليل الذوق
- أرجوك أن تهدأ حتى نتمكن من حل الإشكال.
- أنا هاديء! ضع نفسك مكاني، فماذا تفعل؟
- نعم ، معك حق ، هذا شيء مزعج. ولكن الافضل لو تعود في المساء عندما يأتي أبو سعد وساعتها سيكون السيد زياد هنا وبامكانك التفاهم معهما.

لم يقل شيئا ً، وأدار ظهره وهمّ بالخروج بكل إندفاع واحتجاج عندما دخل أبو سعد فجأة من الباب. أحس بأن هناك شيئاً ما يجري، وأنّ توتراً شديدا ً على وجه الرجل. فأخذ يعتذر عن تأخره. قال إنه ذهب إلى محل قريب لتناول شيء سريع بدل الغداء. أخذ الرجل يصرخ بصوت عال والغضب يقدح كالشرر من عينيه. أحس أبو سعد أن الرجلَ مشحونٌ للغاية وقابلٌ للانفجار. فلم يعرف ماذا يقول له. أخذ يعتذر منه بشدة عن هذا الخطأ غير المقصود. قال إن هناك خلطا ً قد وقع في الشخص المعني. كان خليل يسمع اعتذاراته وهو مذهول مما يسمع. انه متأكد من أنه هو الرجل ذاته.
- للاسف هذا خطأ خليل. فلست أنت الشخص المطلوب الذي طلبت منه الذهاب اليه!

وانهالَ على خليل بكل أنواع التأنيب والتقريع. ولم يتمالك الرجل نفسه، فانهال هو الآخر عليه بكلمات نابية. حاول شاكر أن يتدخل كي يحتوي غضب الرجل ويضع حدا لكلماته الموجهة لخليل. بقي أبو سعد يعتذر منه بينما خرج غاضباً وهو يهذر بكلمات غير مفهومة.

استبد الفضول بشاكر. لم يصدق خليل ما حدث وبقي يبحث عن تفسير. كان متأكداً أنه هو ذات الشخص المعني! كان حانقاً في أعماقه والغضب المكبوت يكاد يخنقه. كان يهمّ أن يسأل أبا سعد عما حصل، عندما قال أبو سعد إنه هو ذات الرجل! وقبل أن يتمكنا من التعبير عن دهشتهمها مما قال، فقد أضاف: إن عليه عدة دنانير متأخرة لم يدفعها لغاية الآن! ولهذا أرسلت في طلبه ليدفعها! وأنه اذا لم يفعل ذلك بتلك الطريقة فلن يقوم بسدادها! بدا الاستغراب في عيونهما واضحاً. كان تصرفه مفاجئا ًوغريباً. أضاف أبو سعد أنه اعتذر منه لما رآه غاضباً إلى ذلك الحد العنيف لأنه خشي من ردة فعله! لم يستوعب خليل أو يصدق ما حصل. توجه نحوه باصرار وعيونه تكاد يشتعل منها الغضب كالشرر. قطّب وجهه. لم يشعر بشجاعة مثلما شعر تلك اللحظة. ضمّ أصابعَه في قبضة يده وهو ينظر في عيون أبي سعد. تململت يده مكانها. لكنها تجمدت عن الحركة. صدرت منه صرخة زلزلت المكان. كان شاكر مثل ومضة البرق في استيعاب ما سيجري. انطلق كالريح حتى وقف خلفه وأمسك به. نظر خليل إلى أبي سعد بكل حقد. مشى خطوات قليلة نحو الباب وخرج. وغابت الصيدلية في رحم الذكريات إلى الأبد. أما شاكر فقد انكسر بداخله حاجزٌ ما منذ ذلك اليوم!

* اللوحة أعلاه للفنان البلجيكي رينيه ماغريت 1898 - 1967 بعنوان "المُعالج" عام 1941



هناك 6 تعليقات:

  1. غير معرف2:40 م

    القصة جميله جدا جدا جدا وربنا يوفقك و تكتب قصص تانية حلوة كتير

    ردحذف
  2. شكرا لك نور على ذوقك وكلماتك اللطيفة. يسرني مرورك الجميل واهتمامك بما أكتب.

    ردحذف
  3. غير معرف9:15 م

    السلام عليكم استاذ/اياد قدتجعلنا الاقدارنسير نحو اشخاص لم نكن ندرك انهم سوف يصبحون اساس نقطة التحول فى حياتنا... امابالنسبة للثورة(الصرخة)فلولاها ماكنافيما نحن فيه الان فهى حقاً نقطة التحول بايدى(شخص ما)؟ قداكون اخطات....قداكون اصبت! دائماًتكتب فتبدع...ودائماًاقرأفأستمتع.(امال)

    ردحذف
  4. أشكرك آمال على حضورك الدائم، وأقدر قراءاتك وتعليقاتك ذات المعاني العميقة على النصوص. تحياتي لك.

    ردحذف
  5. غير معرف9:19 م

    merci beaucoup pour ce site iyad et merci pour la belle histoire

    ردحذف
  6. Merci beaucoup pour vos aimables paroles. Je suis heureux de vous montrer sur le site.

    ردحذف