الخميس، يناير 1

محمد طمليه


محمد طمليه .. سخرية تخدش "الحياد" العام وتتحدى الموت!
(1957 – 2008)


بقلم اياد نصار

يعتبر الاديب والقاص محمد طمليه الذي رحل عنا هذا العام وترك في قلوبنا حزناً لا ينضب عليه رائد الادب الساخر في الاردن. وتعكس قصته القصيرة ومقالاته الصحفية التي تعتمد الاسلوب القصصي ونمط حياته الشخصية الصورة الابرز تعبيراً عن أدب المهمشين والفقراء والبؤساء والصعاليك الذين قضى حياته مسكوناً بهم ، يدافع عنهم ، وينحاز لهم ، ويطرح قضاياهم بسخرية ناقدة مرة ، ولغة موجزة متقشفة. ولد محمد عبد الله مصطفى طمليه في قرية أبو ترابة، شمال مدينة الكرك جنوب الاردن عام 1957 وتعود أصوله الى قرية عنابة بقضاء الرملة. عاش صِباه في مخيم الحسين في مدينة عمّان. وقد قال عن ذلك: "كل ما في حوزتي من تجارب سخافات مع أنني اعتبر طفولتي في قرى الجنوب وانتقالي عند اليفوع للعيش في "مخيم الحسين" وضعية خاصة جعلتني أكون "أردنياً من أصل فلسطيني"، و"فلسطيني من أصل أردني" وقد بنيت كل مواقفي السياسي منها تحديداً على أساس العلاقة "الكاثولوكية" بين الشعبين الشقيقين".

درس اللغة العربية وآدابها في الجامعة الأردنية وتخرج منها عام 1979. وقد أعتقل مرارا بسبب مواقفه السياسية في أثناء فترة دراسته في الجامعة. عمل طمليه سكرتيراً لرابطة الكتاب الأردنيين خلال الفترة ما بين (1984- 1987)، ومديراً إدارياً لجاليري الفينيق للثقافة والفنون. ورئيساً لتحرير صحيفة الرصيف في العام 1991، ثم رأس تحرير صحيفة قف. كان كاتباً لعمود يومي في عدد من الصحف الأردنية منها: الشعب، الدستور، العرب اليوم، البلاد، الرصيف. وفي السنوات الأخيرة إتخذ زاوية ساخرة على الصفحة الأخيرة في صحيفة " العرب اليوم " التي بدأ الكتابة بها منذ تأسيسها عام 1997، وواظب على الكتابة فيها حتى أواخر أيامه. كان عضواً في الهيئة الإدارية لرابطة الكتاب الأردنيين، وفي اتحاد الأدباء والكتاب العرب. حصل على جائزة رابطة الكتاب الأردنيين في مجال القصة القصيرة عام 1986.

توفي في 13 تشرين الاول /اكتوبر عام 2008 وعمره 51 عاماً بعد معاناة استمرت أربع سنوات مع مرض السرطان الذي أصيب بهِ في نهاية العام 2004 في اللسان، وذلك بعد خروجه من وعكة صحية شديدة كانت ألمت به خضع فيها لعلاج متعدد. وبعد اصابته بالمرض فقد تلقى عدة جلسات علاجية في عدة مستشفيات في الأردن، كما دخل في غيبوبة قبيل وفاته في المدينة الطبية بعمان. ترك موته صدى حزيناً في المشهد الثقافي والصحافي الأردني. وقد شيع مئات من الصحافيين والكتاب والقراء جثمانه من بيت والدته المتواضع الذي كان يتحدث عنه دائماً في قصصه ومقالاته في منطقة وادي الحدادة ذات الكثافة الشعبية الفقيرة.

لم تكن السيجارة تفارق أصابعه، ولم يتزوج في حياته، وقد قال مرة ساخراً أنه نسي أن يتزوج من زحمة الحياة. وعن نظرته للمرأة والزواج فقد كتب يقول في مقالته "ورطة": "كل النساء رائعات وليقل كل رجل ما يشاء من أوصاف رقيقة في حق صاحبته ولكني اسأل بجد: هل وجود المرأة في الحياة ضروري؟ اقبل بها كخالة متزوجة وتعيش مع أسرتها في "الزرقاء" أو كأخت مطلقة وما عدا ذلك فإنني لا اوافق"!

عرف عنه أنه كان متمرداً على الواقع ويعشق حياة الصعلكة التي أورثته سوء الصحة والمرض ومتاعبه ويضيق ذرعاً بالاطر والتقاليد والانظمة التقليدية التي تحاول أن تحد من نزوعه الفطري الغاضب في النظرة للامور. ومن طريف الامور أن رئيس تحرير جريدة الدستور التي عمل بها فترة طويلة الدكتور نبيل الشريف قال في تأبينه: "يكاد يكون محمد طمليه الكاتب الوحيد في تاريخ الدستور الذي كسر كل القواعد فعيّن أربع مرات وهذا يدل على أهمية قامته الابداعية والادبية"!

كان طمليه القاص والصحفي الاكثر التصاقاً وتعبيراً عن هموم الناس وقضايا الطبقة الفقيرة التي جاء منها ولم ينسلخ عنها حتى وفاته. وسخر قلمه للدفاع عن هموم الناس المهمشين والمنسيين والمتعبين والذي اقترب منهم اكثر في زاويته اليومية "شاهد عيان "التي بدأها في صحيفة الدستور ثم جريدة الشعب، التي توقفت عن الصدور، ثم في صحيفة العرب اليوم حتى وفاته. وفي مقالة ساخرة عن حياته قال إنه يعتبر نفسه: "الأضحية الوحيدة التي أخذها ملحدون إلى حج مرفوض سلفا! وأنه العريس الذي ذهب في اجازة شهر العسل "بمفرده" وأنه الجندي الذي مات بآخر رصاصة أطلقها في الاحتفال بوقف اطلاق النار"!

يُعَدّ طمليه الذي كان يعتبر نفسه من أصول ماركسية من مؤسسي الكتابة الساخرة في الأردن. ورغم أن كتاباته تتخذ قالباً ساخراً إلا أنه كان يعتبر أنها في الاساس كتابة جادة بعيدة عن التهريج. ومنذ مقالته الأولى في صحيفة "الدستور" في زاويته المعروفة "شاهد عيان" في العام 1983، فقد كرس صورته لدى القراء بوصفه كاتب مقال ساخر. مثل ما لبث أن أصبحت الكتابة الساخرة "ظاهرة" في الصحافة الأردنية منذ فترة التسعينيات التي شهدت شيوع المناخ الديمقراطي للتعبير. وكان واحدا من الكتاب الذين حظيوا بشعبية كبيرة ومحبة من قرائه التي ازدادت بعد انتشار خبر اصابته بالمرض.

يمتاز اسلوبه بالواقعية الشديدة والبساطة والمفارقات والمواقف الساخرة العبثية حد البكاء أو الضحك، وتنتقل عباراته بسرعة ما بين روح ناقمة أو ضاحكة بسخرية في ذات المقال وبقدرته على توظيف لغة قصصية موجزة تمتليء بالتشبيهات الغريبة التي صارت جزءاً من قاموسه. ويغلب على كتاباته أجواء الحسرة واسترجاع الطفولة والتشاؤم والمرض وخيبة الامل، ولكنه برغم كل ذلك ينجح في تقديم شخصية تتعلق بالحياة وتتحدى الموت بشجاعة. يقول بلغة ذكية مفعمة بالالم واليأس الذي يصل حد الاضحاك: "متنا بما فيه الكفاية، ونموت يومياً، ولكن المثير للسخط هو أن موتنا ما يزال بدائياً ومتخلفاً ويحدث بسهولة متناهية وبما يوحي أننا عجزنا عن تكديس خبرات مفيدة في هذا المجال: كأننا نموت للمرة الأولى"!

إستطاع أن يؤسس لنفسه خطاً أدبياً يعتمد فيه على لغته المتقشفة الخاصة به وتعبيراته وتشبيهاته وأجوائه العبثية التي تلتصق بأحلام وهموم الفقراء. يعتمد في مقالاته على لغة سردية لها أجواؤها وأمكنتها الخاصة التي تعكس ذات الامكنة التي عاش بها محمد طمليه. ومن بين شخوصه التي تتردد في أعماله وتلتصق بالذاكرة شخصية "أم العبد" التي صارت مثل حنظلة ناجي العلي.

تعتبر مجموعته القصصية "المتحمسون الاوغاد" التي أصدرها عام 1986 الأشهر بين أعماله، وتعد علامة بارزة في تاريخ تطور القصة القصيرة في الأردن، وقد تم تحويل بعض قصصها إلى أفلام سينمائية قصيرة.

مؤلفاته في مجال القصة:
1-جولة العرق (قصص) عمان: مطبعة التوفيق، 1980.
2-الخيبة (قصص) عمان: مطبعة التوفيق، 1981.
3-ملاحظات حول قضية أساسية (قصص) الزرقاء: مطبعة الزرقاء الحديثة، 1981.
4-المتحمسون الأوغاد (قصص) عمان: رابطة الكتاب الأردنيين، 1986.
5- (يحدث لي دون سائر الناس)، كتاب مشترك مع صديقه رسام الكاركاتير عماد حجاج، عمان، 2004.
6- اليها بطبيعة الحال، (قصص) عمان: منشورات الاهلي، 2007.



* اللوحة أعلاه بعنوان "إبن الانسان" للفنان البلجيكي السوريالي رينيه ماغريت
(1898 - 1967)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق