الجمعة، ديسمبر 24

مهجة كهف.. سورية أمريكية تسبح عكس التيار


مهجة كهف: سورية أمريكية تسبح "عكس التيار"

إياد نصار

* نشرت في صحيفة قاب قوسين بتاريخ 19/12/2010

تسبح الروائية والشاعرة السورية الأميركية وأستاذة الأدب المقارن في جامعة أركنسو مُهجة كهف، عكس تيار الأدب الروائي العربي النسوي المكتوب الانجليزية، وخاصة في الولايات المتحدة وبريطانيا. ويبدو أنها تخوض سجالاً من نوع آخر مع الرأي العام الغربي، ومع جمهور الأدب في الدوائر الغربية المنشغل بقضايا الأقليات، والإسلام، والحجاب، واضطهاد المرأة في المجتمعات التقليدية. فمن هي مُهجة كهف؟ لماذا تغرد خارج السرب؟ وما جدوى ما تقوم به للمرأة العربية بشكل خاص؟.

ولدت مهجة كهف في أسرة سورية في دمشق عام 1968، وقد هاجرت أسرتها الى أميركا في عام 1971 ولم تبلغ بعد الرابعة حينذاك، وقد عاشت في ولاية إنديانا ودرست في مدارسها. وقد أسست عائلتها مركزاً اسلامياً تعرض للتخريب على يد جماعة الكوكلوكس كلان العنصرية. نالت كهف الدكتوراة في الأدب المقارن من جامعة روتجرز، وهي تدرس الآن الأدب المقارن في جامعة أركنسو، في فيتيفيل، حيث تعيش مع زوجها وأطفالها.

أصدرت كتاباً في النقد بعنوان "التمثيلات الغربية للمرأة المسلمة" في عام 1999. وتتبعت فيه صور المرأة المسلمة في الأدب الاوروبي من العصور الوسطى الى العصر الرومانتيكي. كما نشرت مقالات حول رائدة الحركة النسائية العربية "هدى شعراوي". أصدرت مجموعتها الشعرية الأولى في عام 2003 بعنوان "رسائل الكترونية من شهرزاد". وفي عام 2006 أصدرت روايتها الاولى "الفتاة ذات الوشاح البرتقالي". وقد نفدت طبعتها الاولى والثانية بسرعة وسط اهتمام أميركي متزايد حتى على صعيد القارىء العادي بدراسة الثقافة الاسلامية بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، ومع تزايد أعداد الجالية المسلمة التي تزيد حالياً عن مليونين، وبروز تأثيرها في مناح مختلفة، الى درجة صار معها المواطن الاميركي مهتماً بالاطلاع على جوانب هذه الثقافة الجديدة التي لم تعد مجرد ثقافة في ما وراء البحار، بل صارت بين ظهرانيهم في كل ولاية، وحي وشارع.

تتناول أعمال الروائيات العربيات المغتربات، وخاصة المكتوبة بالانجليزية، قضايا المرأة وإشكالياتها الاجتماعية المرتبطة بالثقافة والدين والعادات والتقاليد، وتصبح في كثير من الأحيان ثيمةً رئيسة تهيمن على العمل الروائي، ضمن تناوله لمسألة صراع الهوية، وانقسام الانتماء وتصادماته بين ثقافتين ونموذجين لأسلوب حياة الفرد والمجتمع، وغيرها من قضايا تواجه المرأة العربية في بلاد الاغتراب. وتتطرق الكتابات الى قضايا من صميم المجتمع الشرقي مثل تابوهات المحظورات التقليدية، وسيطرة قيم المجتمع الذكورية، وتركز خلال ذلك على معاناة المرأة جراء سيطرة هذه القيم، وخاصة جرائم الشرف، وتنقل صرخات الاستغاثة التي تطلقها بطلاتهن في حيرتهن، بين الهروب من المجتمع الذي يحرمهن من العلاقات الانسانية بين الجنسين، وحتى أبسط حقوقهن، وبين معاناة الغربة والاستغلال، وغياب فهم الآخر في المجتمع الجديد. ورغم أن القارىء المستهدف هو القارىء الغربي في الأساس، إلا أن المضامين عربية شرقية في مرحلة تعرضها للاختبار مع تصادم النماذج الحضارية. وتهدف الى كسب التفهم والتأييد والدعم لمعاناة المرأة العربية، والتعاطف على نطاق واسع مع نضالها، وهكذا تصبح هذه الروايات صرخة احتجاج وملاذاً رمزياً للخلاص.

تعلن هذه الروايات التمرد الرمزي على التقاليد، وروابط الدم، وتطبيقات المفاهيم المحافظة، وما تفرضه من التزامات اجتماعية ضاغطة قهرية. ويختلف النقاد في نظرتهم حول الكيفية التي تتناول فيها هذه الروايات قضايا المرأة من حيث ابتعادها أو اقترابها من الصورة النمطية في الأدب والإعلام الانجليزي والأميركي المعاصرين. ومن هذه الأعمال رواية "اسمي سلمى"، ورواية "أعمدة الملح"، للروائية الاردنية فاديا الفقير التي تقيم في بريطانيا منذ ثلاثين عاماً، وهي من الروايات التي حققت حضورا لافتاً في الغرب. وهناك رواية "الجاز العربي" للروائية الأردنية الأميركية ديانا أبو جابر، ورواية "ذات مرة في أرض موعودة"، ورواية "غرب نهر الاردن" للروائية ليلى حلبي، وغيرها. وقد روت الفقير كيف أن الأمر استغرقها سنوات طويلة، حتى بعد أن حملت شهادة الدكتوراة، وأصبحت في الجامعة، كي تخلع الحجاب في ظل ثقافة اجتماعية محافظة، وأمام محاولات الترهيب والضغوط العائلية. هذه الكتابات هي جزء من سعي المرأة العربية للتحرر ومقاومة هيمنة الرجل.

بالنسبة لمهجة كهف، الشابة الجميلة ذات الاثنين وأربعين عاماً التي تضع وشاحاً يغطي جانباً من شعرها، وتستخدم نظارات شمسية، وأحيانا تلبس حجاباً، فالمسألة مختلفة. فهي تؤمن بدور الدين في الأدب، وبدوره المهيمن على كل مجالات الحياة، وتعكس أعمالها رغبة عارمة في العيش ضمن مجتمع محافظ ملتزم بالتعاليم الإسلامية. وتحكي أشعارها ورواياتها "معاناة المرأة المسلمة في المجتمع الأميركي، الموزعة ما بين رغبتها في الالتزام بالحجاب ونمط الحياة المحافظ بحسب مفاهيم الثقافة الاسلامية كما تراها، وبين عدم تفهم قطاعات واسعة من المجتمع الأميركي لها، وربما المتخوفة من وجودها ودعواتها. وتشارك في نشاطات اجتماعية كثيفة في محيطها الأميركي لحمل المسؤولين على مراعاة احتياجات الجالية الاسلامية، واحترام معتقداتها. غير أن الأمر لا يتوقف عند مجرد طلب الفهم والتفهم واحترام حرية المهاجر، بل يتعدى الى محاولة تسويق صورة تقليدية للمرأة العربية وإلباسها قداسة المعتقد الذي يوجب على المجتمعات الغربية احترامه، وهي تدافع عن نموذج ماضوي، لعله يعزز الصور النمطية، ويطرح نفسه وحيداً مدافعاً عن القيم التقليدية، بعكس كل ما تنتقده الروايات النسوية العربية الاخرى.


تقول كهف عن تنشئتها: "لقد نشأت مسلمة. هذا صحيح. ليس فقط مسلمة محافظة، بل تحب الخلافة الإسلامية، بين أناس يأخذون القيم الإسلامية الجوهرية ويضعونها لتعمل في التعليم والسياسة". ولعل هذا ما يخيف المواطن الأميركي عندما يقرأ مثل هذه الأفكار والدعوات التي يعتقد أنها ستطيح بنموذجه الليبرالي. وتذكر أن أميركياً متعصباً كان يرسل لها رسائل تدعو الى "طرد المسلمين من المجتمع الأميركي، لأنه ليس لديهم ما يقدمونه لذلك المجتمع، وتذكر أنه قد أخذ يرسل لها باقات من الورد بعد أن تحاورت معه، ورأى نمط حياتها في أسرتها من خلال مشاهدته للصور، الى درجة وصفها بأنها ملكة جمال سوريا التي خسرتها سوريا وربحتها الولايات المتحدة!.

كتبت كهف في مقالة لها نشرتها في صحيفة الواشنطن بوست بعنوان "أميركية مثلك" في عام 2007 :"المسلمون هم الأخوة الأصغر عمراً في أسرة الديانات السامية، وكالعادة لا تحصل على احترام الأخوة الأكبر عمراً، اليهود والمسيحيون". وأضافت أن "كون أخوتنا الأكبر لم يلصقوا صورنا في دفتر العائلة لا يجعلنا أقل قربى. وقصصنا ليست أقل شرعية لمجرد أن عندنا زاوية مختلفة في تاريخ الأسرة". وأضافت تعبيراً عن توجهاتها المحافظة التي تتباين عن معظم التوجهات النسائية العربية المهاجرة في بيئة تدعو الى المزيد من اعطاء الحرية للمرأة المسلمة لتمارس دورها بموازاة الرجل: "هناك حكمة سائدة بأن التحرريين هم فقط يستحقون البقاء. كلا يا أعزائي. للمسلمين المحافظين حق في أن يتنفسوا كذلك. أن تكون متديناً ورعاً، حتى لو عنى ذلك السجود في المطارات، لا يشكل جريمة".

تعد روايتها "الفتاة ذات الوشاح البرتقالي"، رواية سيرذاتية الى حد بعيد، تنهل أحداثها من منبع السيرة الشخصية للروائية وسيرة عائلتها، ولو اختلفت الأسماء. وفيها تعرض سيرة حياة بطلتها "خضرة الشامي" التي هاجرت مع عائلتها وهي طفلة من بلدها الأصلي سورية في مطلع السبعينيات، واستقرت في ولاية انديانا في الولايات المتحدة. تعتمد الرواية على ابراز المواقف الحياتية المتناقضة، سواء بما يتعلق بالفكر أو السلوك أو الممارسات الإيمانية، التي تجد البطلة نفسها فيها، والصراع الذي يدور بداخلها بين ثقافة الأسرة والقيم التي نشأت عليها في بيتها، وبين نمط الحياة في المدرسة، وما تراه في الشارع والمجتمع بشكل عام. وتسرد الرواية جوانب من معاناة البطلة حينما تتعرض لتعليقات ومضايقات في الشارع، وفي المدرسة حينما لا تجد تفهماً من معلماتها لأفكارها ومعتقداتها وسلوكياتها، أو عندما تحاول مجموعة طالبات نزع الحجاب عن رأسها عدة مرات، ولم تهرع معلماتها لمساعدتها وتظاهرن بعدم الانتباه. كما تسرد الرواية تعرض أفراد أسرتها لاطلاق النار على جانب الطريق ذات يوم حينما تعطلت سيارتهم، وخروج مزارع أميركي شاهراً بندقيته ويطلق النار باتجاهم، واضطرارهم للفرار خوفاً على حياتهم.

تظهر بطلة الرواية خضرة الشامي بمظهر فتاة متدينة في فترة سن المراهقة، حيث تضع حجاباً أسود على رأسها. غير أنها تتخلى عن الحجاب بعد ذلك وخاصة مع تفتح وعيها، لسنوات طويلة، لكنها عادت واختارت أن تلبسه مرة أخرى في منتصف العمر. وفي محاولة لإعطاء تفسير لذلك، فقد ذكرت: "قبل أن أختم روايتي توجتُ البطلة بالحجاب لئلا يقال أنها مسلمة هاربة من مجتمعها المحافظ بحثاً عن ملاذ يخلصها من غطاء الرأس، خاصة مع تزايد الاعتقاد في العالم أن لدى المسلمات رغبة جارفة في نزع الحجاب".

الخشية أن رغبة مهجة كهف في تقديم صورة المرأة المسلمة الى المجتمعات الغربية كما تؤمن بها، وكما تعتقد بانسجام هذه الصورة مع التصور الاسلامي، ومطالبتها للمجتمعات الغربية أن تلتزم بممارسات أكثر ديمقراطية لتقبل الآخر، ورغبتها بتأكيد تميزها عن المرأة الأميركية الأخرى بمعتقداتها التي على المجتمع أن يتقبلها في إطار التعددية الثقافية.. الخشية أن يعزز ذلك صورة المرأة التابعة الخاضعة لسلطان الرجل، ويعيد ربط المرأة العربية بمفهوم الانعزال، والعجز عن الاندماج في مجتمعات الآخرين، فهي تركز على الخصوصية الثقافية والحضارية، ولا تلقي بالاً للمشتركات مع المجتمعات الأخرى. بهذا تتعاكس صورة المرأة المسلمة التي تسعى كهف الى تسويقها في المجتمع الأميركي، مع ما تخوضه الرواية النسوية العربية من مواجهات وتحديات في سبيل حرية واستقلالية المرأة. علماً بأن النموذج الذي تتمسك به الكاتبة والأكاديمية، ما كان يتسنى له فرصة التعبير عنه وترويجه ، لولا وجود بيئة فكرية تتيح تعدد الأفكار والمشارب .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق