الخميس، مارس 26

حياة طويلة - هيلين سمول

** الكتاب الفائز بجائزة ترومان كابوت للنقد الادبي لعام 2008


"حياة طويلة" – هيلين سمول
كبر السن في الادب والفلسفة

بقلم اياد نصار

يعد كتاب "حياة طويلة" أول عمل كبير يهتم بموضوع كبر السن في الفلسفة الغربية والادب منذ أن كتبت سيمون دو بوفوار "مجيء العمر" في عام 1970. وقد فاز هذا الكتاب الذي وضعته د. هيلين سمول الناقدة البريطانية وأستاذة الادب الانجليزي في كلية بمبروك في جامعة أكسفورد بجائزة ترومان كابوت للنقد الادبي لعام 2008 التي تمنحها جامعة أيوا في الولايات المتحدة وقيمتها 50 الف دولار. وتعد هذه الجائزة من أهم الجوائز التي تمنح لنقاد عن المساهمات المتميزة في مجال النقد الادبي منذ عام 1996.

ويعد كتابها الذي صدر في أواخر عام 2007 عن جامعة أكسفورد اضافة مهمة في مجال النقد الحديث وقد تم اختياره من قبل لجنة دولية من النقاد البارزين والكتاب وهم: تيري كاسل، جاريت ستيوارت، مايكل وود، جون كريجان، ايلين سكاري، وجيمس وود. وقد فازت هيلين خلال عام 2008 أيضا بجائزة رفيعة أخرى هي جائزة روز ماري كروشاي التي تمنحها الاكاديمية البريطانية للانسانيات والعلوم الاجتماعية عن ذات الكتاب.

وقبل الحديث عن موضوع الكتاب، فأشير الى أن د. هيلين سمول حصلت على درجة البكالوريوس في الادب الانجليزي من جامعة فيكتوريا في ولينجتون، وعلى درجة الدكتوراة من جامعة كامبردج. وقد وضعت كتاباً سابقاً صدر في عام 1996 بعنوان (جنون الحب: الدواء، والرواية، والجنون النسائي 1800 – 1865)، كما عملت محررة أو محررة بالاشتراك لعدة كتب منها (الادب والعلم والتحليل النفسي 1830- 1970).

يتناول كتاب "حياة طويلة" موضوع كبر السن في الادب والفلسفة الاخلاقية. ويدعو القاريء الى الانتقال الواسع ما بين كتابات أفلاطون مرورا بالاعمال الفلسفية المعاصرة لنقاد ومفكرين مثل ديريك بارفيت، وبرنارد ويليامز، واخرين ، ومن مسرحية شكسبير الملك لير مروراً بأعمال توماس مان، وأونوريه بلزاك، وتشارلز ديكنز، وصامويل بيكيت، وستيفي سميث، وفيليب لاركن الى الاعمال المعاصرة لصامويل بيلو الى فيليب روث الى ج. م. كوتزي.

وقد بنت كتابها كما ذكرت على محورين اثنين اساسيين هما الفلسفة والادب وناقشت أراء ومقولات أرسطو وغيره من الفلاسفة والادباء كما ذكرت آنفا. كما تعرض للطريقة التي تعامل فيها الانسان مع كبر السن والموت مثل الملك لير والملك بريام ، والموت في البندقية لتوماس مان. والكتاب يناقش الافكار ولكنه أيضا فيه جانب تأملي يتناول الجوانب الشخصية والاجتماعية لتقدم الانسان في السن.

إن التقدم في السن كما تؤكد مؤلفة الكتاب موضوع يؤثر في حياة كل انسان، ولكن أغلب الناس لا يودون التفكير فيه بعمق. ولهذا فإن كتابها قد أثبت كم هو مهم مقاربة هذا الموضوع الذي يكاد يكون من المحظورات. وإذا أردت التفكير في احتمالات وسيناريوهات الكبر في السن التي تمتاز بالرصانة والتفصيل والعمق الشعوري، فإن الادب هو أفضل مكان لذلك.

يقع الكتاب في 320 صفحة من القطع المتوسط، وتناقش هيلين سمول فيه فكرة مفادها أنه إذا أردنا أن نفهم مرحلة كبر السن (الشيخوخة) فيجب أن نفكر بطريقة أصولية عن ماذا تعني أن تكون إنساناً، وأن يكون لديك حياة، وأن تتمتع بحياة جيدة لتكون جزءا من مجتمع عادل. ماذا كان أفلاطون يقصد عندما ألمح الى أن كبر السن هو أفضل مكان تستطيع من خلاله ممارسة الفلسفة؟ أو ماذا قصد توماس مان عندما عرف كبر السن على أنه أفضل وقت لتكون كاتباً؟ وهل كانا على حق في ذلك؟ ولو فكرنا كما فعل أرسطو بأن الحياة الفضلى تتطلب البحث الحثيث عن الفضيلة فكيف ستتأثر نظرتنا للحياة المتأخرة بذلك؟ ولو فكرنا بأن اشكال الحياة والأشخاص موحدة مثلما يقال بأن القصص موحدة، فكيف سيختلف تفكيرنا عن مرحلة الشيخوخة عن تفكير شخص يظن بأن أشكال الحياة والاشخاص يمكن أن تكون منفصلة تماماً؟ في مجتمع عادل ما الذي يعتبر توزيعا عادلا للموارد المحدودة بين الشباب والشيوخ. وكيف يمكن للتطورات المعاصرة في نظرية مشهد الحواس أن تغير من تفكيرنا عن معنى أن تصبح كبيراً في السن.

يعد الكتاب إضافة هامة ويمتاز بعمق طرحه واتساع رؤيته ومن المأمول أن يغير من الطريقة التي يتحدثون بها وخاصة في الغرب عن أحد أهم التخوفات الاجتماعية في زماننا: زيادة أعداد الذين يعمرون حتى سن متقدم، وزيادة نسبة الكبار مقارنة بنسبة الشباب. أما محتويات الكتاب فتشتمل على الفصول التالية:
- العتبة الافلاطونية ( أفلاطون وتوماس مان)
- عند رؤية النهاية( أرسطو والملك لير)
- الوحدة السردية للحياة (الابيقورية، المشهد السردي، سول بيلو)
- قوة الاختيار (تخطيط الحياة الحصيف، فيليب لاركن، ستيفي سميث)
- حيثما يتوقف الاهتمام بالذات (ديريك بارفيت، بلزاك)
- الحياة المقدرة (ميتافيزيقيا أدورنو، ديكنز، بيكيت)
- الآن أو نهائيا (بيرنارد ويليامز، ج. م. كوتزي، فيليب روث)
- المشهد الحسي المتطور (نظرية التطور، محرمة ندبة مايكل ايجناتيف)
- الخاتمة

تصف هيلين كتابها بأنه عبارة عن مقالات وهو كذلك بطبيعة الحال. لاول وهلة يبدو الموضوع محددا ضيقاً بشكل منطقي: ماذا قال الفلاسفة وغير الفلاسفة عن مرحلة التقدم في السن، والذي في حقيقته لم يتغير كثيرا منذ العصور الكلاسيكية القديمة. لكنهم قالوا الكثير عن الحياة بشكل عام ومرحلة التقدم في السن هي جزء منها. وهي تبرز ما قالوه ولكنها تبذل جهدا وتبدي براعة تثير الاعجاب في توظيف ما قالوه بما يخدم غرضها.

وقد قالت في معرض ردها على سؤال حين علمت بخبر فوزها: "انا سعيدة وأتشرف بذلك. لقد كانت أبحاثي قبل حياة طويلة مكرسة للعهد الفيكتوري، ولهذا فإن هذا الكتاب شكل قفزة نوعية بالنسبة لي. لقد حصلت على اجازة زمالة للبحث منذ عام 2001 الى عام 2004 قضيت أغلبها كأستاذ زائر في جامعة نيويورك، وبدون تلك الفترة الطويلة للتفرغ الاكاديمي لم يكن بوسعي إنجاز مثل هذا العمل بهذا الحجم. ولهذا فأنا شاكرة الى اللجنة".

وقد قالت المؤلفة أن كتابها حظي بهذا الاهتمام لأن موضوعه مهم بشكل واضح لكل انسان، ولكن هناك القليل مما كتب عنه، مما يشجع الناس على وضع هذا الموضوع جانباً حتى وقت لاحق. إن "حياة طويلة" هو عن الطرق الاساسية التي نفكر بها في حياتنا، والشكل الذي تتخذه، والقيمة التي نعلقها عليها حينما نفكر أن الافضل لو نموت. إنه ليس فقط عن الكبار في السن ولكن عن كل واحد منا.

وقالت: "لقد بدا لي بأن ذلك أحد المواضيع العظيمة القليلة الذي لم يمس من قبل على الاقل من قبل الفلاسفة وباحثي الادب. إنه موضوع يؤثر في كل واحد منا، ولو تأثيرا محتملاً، إلا أن الكثير منا يتفادون التفكير به ملياً. ولكن هناك العديد من القضايا مثل ماذا يعني بالنسبة لنا أن نصبح كباراً في السن، كيف نتوقع ان تكون امكانياتنا الذهنية، وكيف سيكون شكل علاقاتنا بالاخرين. وما هو الجيد الذي سيكون في حياتنا عندئذ، وما هو السيء حينما نريد لها أن تنتهي! ولا تتفق هيلين مع الرأي الشائع القائل بأن العلم أكثر أهمية من الادب. بالنسبة لها فإن كتابها على درجة من الاهمية للمجتمع. تقول: "الادب بما في ذلك المسرح هو أحد الاماكن التي إهتمت بموضوع الكبر في السن منذ أيام سوفوكليس. إن مسرحية الملك لير مهمة على وجه الخصوص بالنسبة لنا، وما يزال لها ذلك التأثير في خيال الثقافة عن الكبر في السن. وبعكس مسرحيات شكسبير التراجيدية، فإن عيوب لير ليس الاّ سنه، وتلك الاحكام الخاطئة التي تقترن به وتقلب المزاج".

ومن الجدير بالذكر أنه تم الاعلان عن تأسيس جائزة ترومان كابوت في عام 1994 في مدينة نيويورك بمناسبة الذكرى الاربعين لنشر نوفيلا ترومان كابوت المسماة " إفطار في تيفاني" بناء على وصية كابوت وقد جعل الجائزة تخليدا لذكرى الناقد الانجليزي نيوتن آرفين الذي كان كابوت من المعجبين بكتاباته ولكنه فقد سمعته ووظيفته في كلية سميث في الاربعينيات حينما تم الكشف عن تورطه في علاقة جنسية مثلية. ومن بين من حصلوا عليها في السنوات السابقة الفائز بجائزة نوبل الاديب الايرلندي وأستاذ الشعر في جامعة اكسفورد سيموس هيني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق