الأحد، مايو 23

حوار مع صحيفة القبس الكويتية

في حوار نشر في صحيفة القبس الكويتية بتاريخ 23/5/2010:

القاص والناقد إياد نصار: القصة القصيرة اقتصاد وتكثيف وأشياء أخرى

عمان - القبس
القاص والناقد الاردني اياد نصار من الاقلام المتوهجة على الساحة الاردنية الذي أخذ يتابع نشر انتاجه بانتظام، ويداوم على حضور الكثير من النشاطات والفعاليات الابداعية المختلفة. يتقد شعلة حماسة كما قال الناقد فخري صالح. يقدم اياد نصار عالمه القصصي المشحون بقلق الانسان العربي الراهن أمام صدمة المتغيرات وقسوة الواقع وايقاع الحياة الجديد، في إطار أسلوبه السردي الخاص به في مجموعتيه القصصيتين «أشياء في الذاكرة» التي صدرت في عام 2008 ومجموعة «قليل من الحظ» التي صدرت مطلع هذا العام. وهو هنا يفتح مجالاً للنقاش والتعريف بقصه الجديد.


حاول نصار ركوب آلة الزمن، وراح يطوف عبر الازمان منذ بدء الحياة حتى الزمن الحاضر، وتطالعنا في مجموعته القصصية الثانية «قليل من الحظ» لغة أنيقة تركز كما قال الناقد الدكتور محمد عبيد الله «على الوصف الداخلي، وعلى حركة الإنسان الجوانيّة، من دون أن تنسى متطلبات السّرد وتتابع الحكاية، ومن دون أن تتخلّى عن منظور القصة القصيرة التي تتخذ من الاختزال ومن الاقتصاد اللغوي أساساً لبنائها، وهي في ذلك تسير على المبادئ الكبرى لروادها الأوائل، وتطوّرها بما يناسب زماننا الراهن».
القبس التقته وكان هذا الحوار:

• برز التكثيف كأحد أهم مميزات القصة القصيرة مرتبطاً بالوصول الى عمق القارئ والتأثير فيه بأقل قدر من المفردات وأكثرها قدرة على الوصول والتحيير. كيف تنظر الى مجموعتك القصصية الاولى «أشياء في الذاكرة» ضمن هذا المفهوم؟

ــــ التكثيف والاقتصاد اللغوي مهمان بشكل عام في عالم القصة القصيرة في مقابل الاسهاب والاطالة والاغراق في التفاصيل الزائدة التي قد تقتل روح القصة، وتخمد ثورة الشعور الذي تولده في القارئ، لكن ينبغي أن نبدد وهم أن القصة هي مجرد ومضة أو أقصوصة أو بضعة أسطر أو فقرات قصيرة كما تفضلها الصحف العربية بسبب اعتبارات المساحة المتاحة، هذا معيار صحفي وليس نقدياً! هناك الكثير من القصص التي يكتبها كتاب قصة معروفون في العالم العربي وفي الاداب الاجنبية. عبد الستار ناصر القاص والروائي العراقي المعروف أصدر منذ أيام مجموعة قصصية بعنوان «السيدة التي دخلت» عد فيها أهم وأجمل قصة تلك التي تقع في 43 صفحة! طبعا أنا لم أكتب قصة بهذا الطول، ولم أكتب حتى القصة الطويلة! ومن يقرأ قصص الروائية والقاصة الاميركية المعروفة كارول جويس اوتيس يعرف معنى ما أقوله. صحيح أنني متأثر بأجواء بعض الاعمال القصصية والنقدية الغربية المعاصرة، لكن التكثيف ليس مجرد الايجاز والاختصار فقط. أكتب القصة بمفهوم السرد الذي يستكشف العالم الجواني بعيداً عن الزوائد اللفظية والتهويمات التي لا تقول شيئا سوى ملء الفراغ، لكنه سرد يقتنص لحظة هاربة من الزمن بكل مفارقاتها وسخريتها وأبعادها النفسية والفلسفية، وبهذا فإنها قد تكون أكثر من مجرد لحظة خاطفة مكثفة. لا بد لي من التأكيد أنني اسعى الى تقديم قصة قصيرة واقعية ذات مضمون عربي انساني تنطوي على الكثير من التعاطف مع أبطالها الذين يخوضون محنة العيش وقلقه، ويتجرعون الحزن والالم والانتظار بصمت، وبلغة تستجيب لذائقة القارئ الفنية. لست مع ذلك النمط لدى بعض كتاب القصة الذي يقوم على توظيف تهويمات اللغة كتمرين انطباعي لمجرد تقديم نصوص محلقة في عالم الخيال، أو الاغراق في لغة متوحشة أقرب ما تكون الى الفوضى والاستفزاز الروحي، أو السعي الى إحداث الدهشة المفاجئة واجتزاء الموقف لتعميق احساس معين.

صور الماضي
• لاحظنا بروز مفهوم تأثير الماضي على مصير الانسان في الحاضر وتوظيفه في عدد من مجموعتك القصصية الاولى «أشياء في الذاكرة». كيف تفسر هذا الامر؟

ــــ الماضي بمراراته الكثيرة واشراقاته القليلة عبء ثقيل لا يمكننا أن نهرب منه، وهو أساس الحاضر والمستقبل. عندما أتوقف لأتأمل وأرسم مشهدي القصصي لا استطيع أن أنعزل عن الماضي. الماضي محتشد كامن مثل أوهام ورغبات العقل الباطن، لا يمكن أن يزول من أعماقنا ومن ذاكرتنا. أحب أن أبعث الماضي من جديد، في صورة انسانية فيها قدر من التفهم والاحساس بعذاب النفس الصامت وقدرة اللغة أن تصنع فينا الكثير كالسحر. قلق الحاضر ذو أبعاد متشابكة من عمق الماضي، وكما يدل العنوان فإن الذاكرة والماضي لا ينفصلان ويستدعيان شهية البوح. أعتقد أنه لم يعد كافياً في القصة مجرد الادهاش والمفآجات اللغوية المجزوءة، فقصص الواقع اليومي التي نعايشها تسد هذا الجانب. لا بد للقصة من مسحة جمالية شفافة تستوحي فيها التعبير عن فلسفة الحياة وانكسار الاحلام من دون أن تقع تحت وهم اللقطة الخاطفة.

زمن الرواية
• يرى بعض النقاد العرب أن من اسباب تغلب القصة القصيرة على الرواية في عالمنا العربي أن الجرائد والانترنت لعبت دورا في ذلك. كيف ترى هذا الرأي؟

ــــ رغم العلاقة الاثيرة بيني وبين القصة، وقربها الى نفسي واحتفائي بها وبكتابها عربياً وعالميا، وبرغم المساحة القليلة التي تفردها الصحف للقصة القصيرة، وبرغم منابر القصة على الانترنت ومنتدياتها، فإن هذا العصر هو عصر الرواية بامتياز. هناك اقبال متزايد على اقتناء الروايات وقرائتها، كما أن حفلات توقيع الروايات وتقديمها في انتشار. هناك احتفاء عالمي بالرواية عبر تخصيص الجوائز. بل إن هناك اهتماماً عالمياً بترجمة ونشر رواية العالم الثالث التي توفر مادة للبحث والدراسة مع ازدياد هجرة المثقفين من دول العالم الثالث الى الغرب، وهذه الشهية المتزايدة للاهتمام بالرواية قد وصلت الى ساحتنا الثقافية وانعكست ايجابيا في مجملها: هناك الكثير من الروايات التي تصدر شهريا في العالم العربي، وربما يكون بعضها متسرعاً من ناحية فنية أو لغوية، لكن هناك ازدياداً في طرح الروايات التي تستقطب اهتمام النقاد والكتاب. وقد سبق أن قلت إن الرواية أصبحت ديوان العرب المعاصر، كما أن هناك شهية نهمة من الناشرين تجاه الرواية. أعتقد أن حجم الازمات والاغتراب الذي يحس به الانسان العربي وانتشار المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والارتداد الحضاري اصبحت جميعها مثل طوفان يكاد يودي بمستقبل العالم العربي، مما يفتح شهية الكتاب على كتابة الرواية لتكون شاهدة على العصر، ووثيقة ادانة له، بعد أن شهدنا تراجعا في دور الكاتب الايديولوجي، الذي يجعل من النضال الذاتي مقدماً على الابداع. صارت الرواية فضاءً لنضال الفكر والابداع في زمن انكسار الحلم العربي.

• ما رأيك بما يقال في المشهد الثقافي العربي من أنك لا تستطيع كتابة قصة قصيرة جيدة من دون أن يكون لديك شيء تقوله من غير تقنيات القصة؟

ــــ اتفق معك الى حد كبير في هذه المقولة، ولكننا نرى الان أن هناك كتابات كثيرة تقوم على تقنيات القصة المعاصرة وأساليب السرد وفتح المجال للتجريب شكلا ومضموناً، من دون أن تشعر أن هناك عمقاً تأملياً فلسفياً متقدما على صعيد المضامين والقضايا المطروحة. ويبدو ان الرغبة المفرطة في ادهاش القارئ بفنون اللغة والتهويمات الجمالية لا تزال تأخذ كثيرا من اهتمام بعض كتاب القصة العرب. أكتب القصة مستمدا طاقة وفضاء من الاشياء من حولي، أو من الرغبة في توظيف تقنيات القص في الجمع بين جمالية المضمون الانساني وجمالية السرد بلغة أنيقة تعتبر أن للقصة عالما فكريا وحسياً يوازي ما تجده في اللوحة الفنية. بعض القراء تأخذهم اللغة المحلقة في تشكيلات عاطفية وبصرية من دون أن يكون لهذه الكتابات من التصاق بواقعهم، ربما بحثاً عن اشباع حاجة الانسان للعاطفة والجمال في بلادنا، حيث تتسم الحياة فيها بالجفاف الروحي والعاطفي. واذاً لا بد من الاثنين معاً، فليس بالمضمون وحده تحيا القصة، وليس بالصدق في نقل الواقع. قال الكاتب الاميركي وليم فوكنر «إن الكاتب لا يستطيع أن يحكي الحقيقة ولهذا نسمي ما نكتبه قصة!»، لا بد من أن تتعاطف مع أبطالك وأن تراعي ذائقة القارئ كي تفتح لك ابواب اللغة.

فضاء أقل
• هل صحيح أن القصة لا تتحمل أن تعالج عدداً من القضايا لعدد من الشخصيات عبر أجيال مختلفة، لأنها لو فعلت ذلك فلن تكون سوى سرد لأحداث متتابعة؟

ــــ بالتأكيد ان فضاء القصة أصغر من فضاء الرواية، ولن تتمكن القصة من تقديم قضايا التغير والتطور الاجتماعي عبر أزمان مختلفة، ولكن القصة تحتمل ولا بد لها من توظيف الزمن وتداعي الذكريات وتجارب الحياة في الطفولة، واقامة المفارقات والتناقضات التي تعد أسلوبا ضروريا لعكس تناقضات حياتنا. لا أميل الى القصة القصيرة جدا أو الومضة، لأنني أعتبر ان اللحظة الراهنة لها انعكاسات وامتدادات واختزالها الى هذا الحد هو برغم براعته اللغوية اختصار مبتسر، وأجد أن تقديم بعض تفاصيل الحياة اليومية وتأثير المكان وصوره الحية في الذاكرة، وماضي الشخصيات تغني القصة كثيراً. أميل الى الحركة وتوظيف حالات المكان والطبيعة ونقل هواجس النفس الانسانية الداخلية في القصة وتقديم عالم مكثف من تفاعل الشخصيات والاحداث أكثر من مجرد تقديم صور ثابتة.

التحول من القصة القصيرة إلى الرواية
• بماذا تفسر تحول بعض الكتاب العرب من كتابة القصة القصيرة الى الرواية، ومن هولاء أحمد خيري سعيد، ومحمود طاهر لاشين، ومحمود تيمور، ويحيى حقي؟

ــــ أود أن أضيف الى قائمة الاسماء المذكورة عميد القصة العربية يوسف الشاروني الذي كتب رواية يتيمة «الغرق» في عام 2006 حول مأساة العبارة المصرية المحروسة في عام 1991 بعد أن راهنّا طويلا أنه سيبقى الاب الروحي للقصة في العالم العربي، ومن الساحة الاردنية، هناك الكاتب الصحفي المخضرم والقاص محمود الريماوي الذي لم يستطع مقاومة اغراء الرواية وخاصة في عصر الجوائز، فكتب رواية «من يؤنس السيدة»!

لا أخفيك أن الكثيرين من أصدقائي سألوني السؤال نفسه، وقالوا ألم تفكر بكتابة الرواية؟ بالطبع، تخامرني الرغبة في الشروع في كتابة الرواية. ولكني أشعر بأني أريد أن أقدم المزيد في فضاء القصة، لأنني أشعر بأنني اذا دخلت عالم الرواية، فلربما لن أخرج منه مرة أخرى الى القصة! القضية ليست مجرد اختيار نظري وحسب. كما قلت فإن هذا العصر هو عصر الرواية، يغريك أن تلحق به وأنت تشاهد عزوفاً عن القصة القصيرة. كما أن الرواية عالم متكامل تستطيع أن تضمنه توجهاتك الفكرية وعصيانك الاجتماعي وتمردك على النمط السائد، وأن تخوض من خلالها حروبك، وأن تواجه الكثير من القيم الثقافية المتخلفة التي ما زالت تعيق الانسان العربي عن ادراك تحدي العصر الذي لا يمكن قهره سوى بالعلم والعقلانية والموضوعية والشك والتطوير وفوق ذلك كله الاطار الانساني المنفتح على الثقافات الاخرى. القصة فشة خلق، أما الرواية فساحة حرب تقرر المصير!

للاطلاع على الحوار في الصحيفة يرجى الضغط على:
رابط الصفحة بموقع الصحيفة

لتحميل الصفحة الكاملة وقراءتها يرجى الضغط ( مع الانتظار قليلا ليتم تحميل الصفحة) على:
 رابط الصفحة الكاملة

هناك تعليق واحد:

  1. هذا التعليق منشور في جريدة القبس الكويتية يوم 23-5-2010

    أنني أتفق مع السيد إياد نصار من حيث أن عالم القصة القصيرة عالم يجب أن نبحر به بأشرعة تتقاذفها روح القصة، القصة القصيرة كما قال ليست ومضة وليست أقصوصة ولا بيت شعر، وليست ساحة معركة مختصرة، أن إعتبارات المساحة المتاحة تقتل الإبدع، وأنا أتفق مع وجهة نظر السيد إياد بأنها معيار صحفي وليس نقدياً!

    أنني أعاني من عدد من الذين يقترحون علي أن أكثف وأوجز وأختصر، عندما بدأت أكتب مجموعتي القصصية التي ستنشر قريباً، فإذا أوجزت في كتابتي فأنا أعتقد بأنني في النهاية سأحصل على خاطرة حول موضوع ما، أحب أن تكون القصة سردية تتعمق بما في داخلنا لتخرج من أعماقنا إبدعات لم نكن نعهدها، وليس حشواً فقط، هناك عدد من الكتاب من قرأت لهم شعرت بأنني أمل من المتابعة بسبب أختصارهم الشديد وحالة التكثيف للأفكار التي بحاجة لفك رموزها، ويجعلك المؤلف تشعر بأنه لا يحترم تفكيرك وكأنه يتوقع من القارئ أن يكون عنده فراسة فك رموز الأسطر. وهذا في رأي الشخصي يقتل القصة ويجعلها ركيكة بل مترهلة وغير مستساغة.


    أنني أؤيد السيد إياد بقوة وأشد على يده عندما قال "أن هناك بعض كتاب القصة لذي يقوم على توظيف تهويمات اللغة كتمرين انطباعي لمجرد تقديم نصوص محلقة في عالم الخيال، أو الاغراق في لغة متوحشة أقرب ما تكون الى الفوضى والاستفزاز الروحي، أو السعي الى إحداث الدهشة المفاجئة واجتزاء الموقف لتعميق احساس معين" نحن بحاجة لمثل فكر الأديب إياد نصار
    وبحاجة لأن نكون واعين كفاية لما يدور الآن حولنا في مجال القصة القصيرة وما يحاول بعضهم من طرح أفكار وفلسفات غير منطقية وبعيدة عن جمالية القصة القصيرة.

    أنني أختلف مع الأديب إياد نصار، قد يكون كلامه منطقياً ولكنه بالنسبة لي ليس صحيحاً قد يكون الماضي جزءاً منا ولكنه أبداً لا يشكل حاضري ولا مستقبلي، الحاضر هو ما أنا عليه الآن والماضي مضى بخيره وشره أنا أتعلم منه أن لا أعود إلى أخطائه ولكنه أبداً لن يكون سبباً ليعيقني أرادتي هي من تصنعني، وحاضري هو ما أبذل كل طاقتي ليكون هذا الحاضر اليوم هو مستقبل الغد، قد يكون الكاتب متأثراً بماضيه لأنه جعله أن يكون كما هو الآن، ولكن هناك من ماضيهم قتلهم فلم يكن لهم حاضر ولا مستقبل. قد اجد الماضي حاضراً في مجموعته القصصية ولكنني لا أحب أن يأثر الماضي بقوة على مجريات الأحداث، فالكأس المراق لا يبكي عليه، فلماذا نحمل أنفسنا فوق ألمها الذي مضي مسحة ألم جديده نستطر بها معاناة جديدة، لا أقول بأنني لا أتألم ولا أقول بأنني عندما أكتب لا أتأثر بمعاناة الآخرين مجموعتي القصصية تنبع من أعماقها الآهات والآلام وقد تجد هنا قلباً منكسر ، وحيناً ضعفاً ولكنني أحاول دائماً أن تكون مجريات القصة تهدف إلى إيصال رسالة وأحاول أن أبين أن الضعف قد يخلق من الألم المستمر قوة لنتعلم منها كيف يجب أن نكون، وإياد نصار يسيطر عليه الحنين إلى الماضي ولا بد أنه كان ماضاً فيه مسحة من الجمال لتسيطر عليه بقوة، أني لا أحب عنصر المفاجئة الغير متوقع فهذا يجعل القصة تفقد رونقها.

    وأنا مع السيد إياد في قوله القصة فشة خلق، أما الرواية فساحة حرب تقرر المصير!

    ردحذف