الأحد، يونيو 13

استطلاع حول أسباب العزوف عن النشاطات الثقافية

عدم القدرة على التفاعل مع المجتمع يعزز عزلة المؤسسات الثقافية

نص كلمات المشاركين في استطلاع الرأي الذي أجرته صحيفة الدستور مع عدد من الكتاب من ضمنهم اياد نصار:
عمان - الدستور - اعداد عمر أبو الهيجاء
غياب الجمهور ، عن كثير من فعاليات الحراك الثقافيّ والفنيّ الذي تشهده عمان ، يدعو إلى التساؤل عن مكمن هذا الخلل. وربما كان الأمر يتعلق بنوعية النشاطات التي تقام وأهميتها ، أو بعدم التنسيق ما بين الهيئات الثقافية المنظمة للأنشطة في أوقات تتضارب بعضها مع بعض. وما هو لافت في هذا السياق ، عزوف المثقفين ، بل عزوف منظمي الفعاليات أنفسهم عن حضور هذه الفعاليات. طرحنا هذه المسالة أمام عدد من المثقفين المهتمين ، وتالياً آراؤهم:

د. محمد عبيد الله:
في تصوري أن الجمهور المحلي ، من حيث العدد والنوع ، جيد ومتفاعل ومتابع ، ولكن المشكلة في إدارة الفعاليات الثقافية والتخطيط لها: فعندما يغيب الجمهور عن بعض الأنشطة فإن هذا الأمر يعبر عن رأي الجمهور في ذلك النشاط. ينبغي علنيا أن نتساءل عن نوعية النشاط ، وعن المحاضرين والمتحدثين ، وتوقيت الفعالية ومكانها. وأما بخصوص أنشطة الرابطة ، فالمتابعة الجماهيرية لها مناسبة من حيث العدد والنوع ، فبعض النشاطات تستقطب جمهوراً متنوعاً ومناسباً ، وبعضها الآخر ذو طبيعة تخصصية ، فتستقطب جمهوراً متخصصاً قليل العدد. ويمكن القول إنّ مسألة العدد ليست مهمة ، في هذا المجال: فليس بالضرورة أن تكون جميع الأنشطة شعبية جماهيرية ، كما أن شهرة المحاضر وأهميته عامل مهم يؤثر في نوعية الجمهور وعدده. لذلك يتفاوت المحاضرون والمتحدثون في لفت انتباه الجمهور واستقطابه ، ثم إن مكان الرابطة لا مشكلة في الوصول إليه ، فهو في موقع متوسط من المدينة.

د. خالد الجبر
ظاهر تماماً أنّ الإجابةَ تشتمل على شقّين: فهي أزمة مثقّف بالأصالة ، وأزمة جُمهور ثقافيّ في النّهاية ، لكنّ كليهما يؤدّي إلى الآخر بالضّرورة. المطلوب من الثقافي أن ينهض بالمجتمع ، ويحسّن أوضاعَه ، ويعينه على تحديدً توجّهاتًه في خضمّ الأزمات ، ويبيّن أصلح السُّبل لتخطّي الرّاهن وتجاوُز المُعيق: فهل تؤدّي الحركة الثقافيّة في بلدنا هذا الدّور؟ وهل تحقّق للشّارع والجُمهور شيئاً من تخفيف معاناتًه ، وتذليلً العقباتً التي تعترضُ طُرُقَه في التعليم والحياة السياسيّة والعَيش ، والتباساتً الحاضر بالماضي ، والأصيل بالوافد؟

إنّ ما نعيشُه تجسيدّ حقيقيّ لضياعً الثقافيّ والفكريّ والأدبيّ في مساربَ لا يريدُها إلاّ حفنَةّ من المنتفعين من تكريسً الأحوال الواهنة الرّاهنة ، ومجموعةّ أُخرى من المرتزقة التي تعيشُ حياةً طُفَيليَّةً (رُمًّيَّة) على هامش الفكر والثقافة والأدب ، وتلك الحفنةُ وهذه المجموعةُ خرَّبَتا الوسطَ ، وسدَّتا بأَغلاقْ مصطنَعةْ كلَّ الدّروب والمسارب التي يمكنُ أن تُعيدَ إلى الجسدً المتهالكً شيئاً من الحياة. تراهُما تُهاجًمانً كلّ شيء جيّد نافعْ حقيقيّ أصيل يمتلكُ آليّاتً التّأثير ، وتنفُخانً لتضخيمً كلًّ تافهْ عقيمْ منبتّْ ضارّْ لا يمتلكُ من آليّاتً التأثير شيئاً. ألا يضرُّ هذا بالوسطً الثقافي والفكري والأدبيّ؟ ألا يجعلُ الجُمهورَ يعتزلُ المحاضرات والنّدوات والأمسيات والمؤتمرات؟ ما الذي نفعلُه في غاية النّهاية؟ ألسنا إمّا مطبًّلين مزمًّرين للقبيحً الفارغً الغَسيلً من كلّ فائدة ، ومُهاجًمين حاقدينَ للجَميل الممتلئ النّافع؟ أليسَ المثقّفون والأدباء والمفكّرون الحقيقيّون قد اعتزلوا هذا الوسطَ وأسلموا الرّايةَ للغربانً والببّغاوات؟ حينَ نأى هؤلاء بأنفسهًم عن هذا الوسط ، وأسلمَ بعضُهم أمرَه لمن لا يمتلكُ القدرة أو الخبرة أو الموهبة ، خرَّبوا على أنفسهم وعلى غيرًهم ، وقد أسهمَت المؤسسةُ الرّسميّة في تحقيق هذا كلًّه ، لن أقولَ: رغبةً في التّخريب ، ولكن ـ على الأقلّ: إمّا جَهلاً أو غباءً ، وإمّا تسليمًا ورًضىً،


إذا لم يتنبّه السّياسيّ على ما أصابَ الثقافيّ من وَهَن نتيجة تلاعُبًه به ، ولم يتنبّه الثقافيّ على راهنًهً العقيم ، ولم يعُدْ أولئكَ الذين نأوْا بأنفسهم بعيدًا: فإنّ المجتمعَ سيظلُّ فاقداً البوصلة ، وقد يجدُ نفسه ، بعدَ حينْ ، يتهاوَى عن جُرُفْ هارْ.

اياد نصار:
هناك تراكمات تاريخية اصابت المؤسسات الثقافية في الاردن، حتى فقدت قدرتها على التفاعل مع المجتمع، فصارت تعاني من عزلة دائمة، لا تنفك تندب الحظ ولا تحاول تغيير الحال. وصارت نشاطات الادباء التي تعقدها تعاني من غياب الحضور، الذي يصل في بعض الاحيان الى حدٍّ مزر ومخجل، لا يزيد عن عدد اصابع اليد الواحدة. والأدهى هو غياب الادباء أنفسهم عن حضور نشاطات بعضهم، إلا أن تكون في الغالب تلبية واجب المعرفة، أو تبادل المنفعة، أو تجنب الحرج، أو بغرض المجاملة.


هناك تقصير من الادباء أنفسهم، وخاصة أولئك الذين حققوا شهرة، تتمثل في ابتعادهم عن حضور الفعاليات، أو في حضورهم الصامت! فللأسف، بمجرد أن يحقق الاديب الاردني نوعا من الشهرة على الصعيد العربي، حتى يصبح تفكيره منصباً على النشاطات الخارجية، وتصبح عينه على العواصم الاخرى. هناك أسماء معروفة في الوسط الادبي والتي بلغت شهرة، ومن حقها الانتشار عربيا وعالميا، ولكنها للاسف معتكفة، فلا تراها في أي مكان على مدى العام. هذا نوع من نكران الجميل. فهل أصبح الادب حرفة المعتكفين الذين يعيشون بعيداً عن نبض الشارع، ولا هم لهم سوى التأليف للنشر خارج الحدود؟

هناك مؤتمرات وندوات ولقاءات وحلقات نقاش وحفلات تواقيع كتب وأمسيات بشكل يومي. فليس الامر ندرة في الفعاليات، ولكن كثيرا منها يتسم بالتقليدية التي ملها الادباء أنفسهم، وبالخمول الفكري، الذي لا يثير قضايا للنقاش أو الحوار لأنها تبتعد عن المواضيع الاشكالية، بل وترسخ أعرافاً تقوم على تجنب النقد الصارم أو التنويري، وتعمد الى تكريس مبدأ الاستماع والسكوت، من باب أن المناسبة للاحتفاء الذي يتطلب لغة المديح، وللعرض الذي يستوجب التهنئة والتكريم.

هناك غياب للتخطيط المؤسسي الذي يضع برنامجاً مسبقاً بشكل دائم، ومن ثم يبادر للاعلان عنه بشكل مكثف ومستمر لتأمين حضور جماهيري. فأغلب النشاطات عشوائية ووليدة اللحظة، يتم ترتيبها قبل أيام قليلة، وبهذا فهي لا تمتلك رؤية للعمل بأسلوب منظم طويل المدى. وهناك تقصير واضح في استثمار القنوات الاعلامية، والاعلان عن النشاطات في كل ركن أو مكان بشكل بارز، بما يسهم بشكل مكثف في الدعوة الى حضور النشاطات. إن غياب الجمهور ينعكس على قلة اهتمام الادباء بالحضور، مثلما يزيد غياب الادباء، وخاصة الاسماء المرموقة، من عزوف الجمهور.

أعتقد أن الاردن صار بحاجة الى الاستثمار في محطة فضائية ثقافية عربية مهنية عالية المستوى، وتعمل ضمن معايير صارمة بعيدا عن المزاجية والشللية، وتطرح القضايا الخلافية، وتذكي المعارك الادبية بجرأة قادرة على جذب الادباء للمشاركة، ومن ثم تستقطب المشاهدين، مما يؤدي عندها الى أن تحظى نشاطاتها بالحضور الجماهيري.
رابط الاستطلاع في صحيفة الدستور

رابط الصفحة الكاملة pdf

* اللوحة بعنوان حائكة السجاد المراكشية، للرسامة الاسكتلندية الاصل ايفون أيوب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق