الجمعة، يونيو 13

لقاء قصير

لقـاء قصير

قصة قصيرة
بقلم اياد نصار

إلتقى سعد بناديا في مقهى في ستكهولم .. كان سعد فلسطينياً في بداية الثلاثين من عمره يعيش مع أهله في الشتات. هاجر أبوه الى السويد في نهاية السبيعينات من القرن العشرين .. فقد كان أبوه من بين اللاجئين الذين فروا من مدينته يافا الى لبنان عام 1948 ، كان عمره عشر سنوات عندما خرج مع والده ووالدته، وتركوا كل شيء خلفهم. لم تحمل أمه معها سوى مفتاح بيتهم وبقجة من الملابس .. وقد ولد سعد في مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان قبل هجرة والديه الى السويد بسنة .. إختار سعد كوباً من القهوة وكانت ناديا تقف قريبة منه تحمل مسجلا متنقلا على رأسها وأذنيها .. لاحظت تردده فتدخلت تنصحه بنوع معين. تبادلا التحية وبعض الكلمات. لم يعرف ما هي جنسية ناديا أول الامر. دعاها الى تناول القهوة معه.

ناديا: كنت استمع الى بعض أغاني فيروز .. يعجبني اسم يافا وبيسان!

سعد: يافا ..آه على أيام يافا. لا تذكريني .. أتذكر يافا وعمري عشر سنوات قبل النكبة. كنت ألهو على شاطيء يافا. وكان أبي يصطاد لنا السمك من بحرها بالمركب.

ناديا: ان شاء الله تعود المياه لمجاريها .. بصراحة ما حدث شيء صعب جداً.

سعد: وعندما وقعت النكبة تركنا بيتنا هناك، وحملت أمي معها مفتاح البيت. اتذكر كل شيء اتذكر بيتنا وشبابيكه. كان عمري حينها عشر سنوات.

ناديا: نعم. صعب جداً.

سعد: تركت المدرسة وكتبي عام 1948.

ناديا: لو لم تفتح عينيك هناك لكان الامر عادياً .. هل قلّبتُ عليك المواجع؟

سعد: لا أبداً قبل ايام احتفلنا بالذكرى الستين للنكبة.

ناديا: لكن الحمد لله ربنا عوّضكم.

سعد: عوّضنا؟ كيف عوضنا عن وطننا؟ وهل سمعتِ أنه تم تعويض اي أحد؟! صار عمري الان سبعين عاماً وانا أحلم بالعودة.

ناديا: 70؟!

سعد: نعم، فعندما وقعت النكبة كان عمري عشر سنوات كما أخبرتك في بداية القصة.

ناديا: هل تقصد أنك تركت المدرسة عام 1948؟

سعد: ألم اخبرك اني كنت ألعب على شاطيء يافا؟

ناديا: والان عمرك صار سبعين سنة؟؟

سعد: ألم اخبرك أن أبي كان يصطاد لنا السمك من بحرها .. كنت تقولين شيء صعب .. غريب ألم تنتبهي لكل هذه التفاصيل؟!

ناديا: وكيف لم أنتبه؟! ولكني أحببتك أن تكمل.

سعد: قلّبتِ عليّ المواجع .. أتذكر كيف كنت ألهو مع أصدقائي عندما كنا نعود من المدرسة. كدت مرة أغرق في بحر يافا.

ناديا: من الذي كان عمره 10 سنوات وقت النكبة؟ أبوك؟؟

سعد: أنا !

ناديا: والان تقول أن عمرك صار سبعين سنة؟

سعد: كان عمري عشر سنوات وقد توقف عند تلك السن منذ ذلك الوقت!

ناديا: يعني عمرك الان عشر سنوات؟

سعد: نعم

ناديا: أنا صحوت من النوم قبل قليل .. وجئت هنا لاتناول القهوة وليس بي قدرة أن أفك الغازاً الان.

سعد: عندما هربنا من بيتنا حملت أمي معها بقجة .. كانت قطعة قماش كبيرة وضعت فيها ملابسنا.

ناديا: سعد ، أرجوك قل كلاما جدياً ... لا تمزح

سعد: هل يبدو الامر صعبا او غريبا الى هذا الحد؟ هل صار تاريخنا لا يثير انتباه أحد؟ إذاً فقد كنت أكتب قصة قصيرة خيالية!! وضحك ضحكة طويلة!

ناديا: انت لخبطتني ولم أعدْ أدري عن التفاصيل!

سعد: عندما قلتِ اسم يافا يعجبني استعدت في ذاكرتي كل تاريخ مدينتنا وخاصة النكبة. وتخيلت نفسي انني عدت ألعب على شاطيء يافا! أحببتك أن تعيشي معي تلك الذكرى الجميلة والمريرة في آن معاً. ولكن يبدو أنه كتب علينا أن نعيش قدرنا لوحدنا.

سعد: أين أنت؟ هل انت مشغولة؟ إذا كنت مشغولة ساتركك وأرجع الى بحر يافا!

ناديا: لحظة ( كانت مشغولة بالمسجل على أذنيها)
سعد: (طال انتظار سعد .. أخذ يتمتم بكلمات أغنية أذكر يوما كنت بيافا وشراعي في ميناء يافا) .. أخذ ينادي: ناديا؟ هل تسمعينني؟ ... (لا جواب) يبدو أنك فعلا مشغولة .. سأذهب الان الى بحر يافا للسباحة فيه! الى اللقاء .. سلام. وتركها وابتعد ....

هناك 3 تعليقات:

  1. غير معرف3:33 ص

    مرحبا معك جوري
    سأكون ممتنة اذا وفرت لي المجموعة القصصية "طقوس انثى" لسامية الزيات.

    شكرا

    ردحذف
  2. أهلا بك جوري وشكرا لاهتمامك وثقتك. الحقيقة لقد بادرت بالاتصال بالزميلة الاديبة سامية العطعوط صاحبة المجموعة القصصية" طقوس أنثى" لأرى امكانية توفير المجموعة عبر الموقع. وقد أخبرتني أنها قد نفدت لديها نسخ الطبعة الاولى للمجموعة التي صدرت عن الهيئة العامة للكتاب في مصر حيث أنها فازت مناصفة بجائزة المركز الثاني للابداع الشبابي، وأنها بصدد عمل طبعة ثانية منها قريباً.

    ردحذف
  3. غير معرف3:32 ص

    عجزت ناديا عن استيعاب خيال سعد ‼ (سراب)

    ردحذف