الأربعاء، يونيو 22

قراءة للبطل في "الخيط الأسود" لجمال القيسي


قراءة للبطل في "الخيط الاسود" لجمال القيسي


* نشرت في جريدة النهار يوم الاربعاء 22/6/2011

تنقسم رواية جمال القيسي، "الخيط الأسود"، أربعة أجزاء هي: "صوت"، "صدى"، "صوت" و"آخر الصدى"، ويشتمل كل منها على فصول قصيرة، وتتميز بتعدد الرواة، حيث يسرد الرواية راوٍ رئيسي بصيغة الغائب العليم، بالإضافة إلى السرد على لسان اثنين بصيغة الأنا: البطل واصل ، والشيخ يوسف، صديقه وابن حارته. تعتمد الرواية على أسلوب تداخل الزمنَين الماضي والحاضر، واستدعاء الذكريات، ونلمح أنها تدخل عالم الشباب المتدين، وتطرح صراعات الجماعات والأحزاب الإسلامية، ومشكلاتها من الداخل. يروي الجزء الأول من الرواية الصادرة عن "الدار العربية للعلوم" في بيروت، والدار الأهلية في عمان، قصة الشيخ يوسف وأسرته. ويظهر البطل واصل صبيا صغيرا يحضر جلسات صديقه الشاب، بينما تسرد الأجزاء الثلاثة الأخرى سيرة حياة واصل، وتفاصيل طفولته ودراسته في المدرسة، ورحيل والده، وسفر أخيه إلى روسيا لدراسة الطب، وجو المناكفة بينهما، وكل ما يتصل بعد ذلك بتحولاته الفكرية وانتماءاته الحزبية. تُبرز الرواية سيرة حياة بطلها كجزء من التغيرات التي طرأت على المجتمع الأردني، وذلك من خلال علاقاته، وصداقاته، ومناكفاته، وانتماءاته الدينية، وتقلباته من جماعة "الإخوان المسلمين" إلى حزب التحرير، إلى طلاقه النهائي لهما وهو كبير، وقد نضجت تجربته واستقرت اقتناعاته على ضوء ما شاهده من التباين بين التنظير والممارسة، وبين الحقائق والواقع.


تؤسس الرواية مسرح أحداثها عبر المكان والزمان، من خلال تطور حبكتها، وتفاعلات شخصياتها منذ بداية الثمانينات، حينما كان واصل فتىً في الرابعة عشرة، حتى وقتنا الحاضر، حيث صار كبيراً ولديه عائلة. وينتقل مسرح الأحداث من منطقة سحاب قبالة المقبرة الإسلامية، حيث يسكن الشيخ يوسف، وحي الشعيلية في شارع مأدبا، حيث يعيش واصل في بداية الرواية، إلى المدينة الرياضية حيث تنتهي الرواية بمشهد واصل جالساً على شرفة منزله، غارقاً في تأمل حصاد تجربة حياته بحلوها القليل ومرها الكثير.


يشكل استغلال الدين منذ الصغر نقطة خلاف جوهرية بين واصل ويوسف برغم علاقتهما الوطيدة، ويصبح مفتاحاً لفهم شخصيته. يلمح الشيخ جبريل منذ البدء عقل واصل النابه الشرود، مما يؤدي إلى اقصائه من المشاركة. لم يكن السؤال غير عادي، إلا أن الموقف برمته ينطوي على نقد ثقافة دينية لا تسمح بالاختلاف معها. وبرغم أن الرواية لا تنطوي على أحداث مأسوية أو مواقف كبيرة غير متوقعة، وبرغم مألوف شخصياتها وأحداثها، إلا أنها تشد القارئ بلغتها وأجوائها التي تثير النوستالجيا لكونها ترصد الكثير من ملامح الحياة في عمان قبل ثلاثة عقود، حينما كان بريد سكان الحي يوزّع عند البقالة، وحينما كانت هناك صحيفة أسبوعية اجتماعية تدعى "أخبار الأسبوع"، تخرج على خط الصحافة اليومية ذات التوجهات الرسمية، وتملأ فسحة من اهتمامات الناس الاجتماعية والأقاويل في تلك المرحلة.


تطرح الرواية مسألة استلاب الوعي لدى الشباب من جانب الجماعات الدينية قبل أن يتفتح وعيهم. ويشير الراوي إلى بداية وعي واصل بجماعة "الإخوان المسلمين" التي يشير إليها تورية باسم "الإخوان المستقلين"، وإلى وصايا مؤسسها حسن البنا الذي لا يذكره صريحاً بالاسم، بل يلمح اليه باسم الشهيد الإمام حسن. أهمل دروسه وصار يقرأ منشورات الجماعة وكتبها التي تدعو إلى أسلمة المجتمع، ما يشي بأن ما تقدمه من حلول لا يرى في الدنيا نشاطات إنسانية تستحق الاهتمام سوى الدين.


طرحت الرواية موضوع الدين بوصفه مكوّناً مهماً من مكوّنات ثقافة المجتمع الذي هيمن عليه الإسلاميون، خصوصا "الجماعة"، لفترة طويلة من الزمن تجاوزت خمسة عقود. غير أن الرواية تشير إلى تمرد البطل على الفكر الذي حاول تدجين عقله، وسخر من قراءاته المستقلة وعدّها "أشكالاً فارغة حمقاء"، وصادر انتقاداته، بل وصل الامر إلى حد تشبيهه بـ"القوارض" لقيامه بقرض الشعر. تمثل ثورة واصل نقداً للأحزاب التي تسعى إلى مصادرة حق الإنسان في التفكير الحر.


برز تطور الشخصية في حالة واصل، حيث غدا من أكثر الشخصيات جاذبية نتيجة النضج والمؤثرات التي مرّ بها. فلم يعد تلك الشخصية البسيطة المسطحة، بل تطورت تدريجياً، عاكسة التحولات التي طرأت على فكره، الذي بدأ يثور على المفاهيم التي نشأ عليها في بيئته الاجتماعية التقليدية، ويتمرد على الفكر الحركي. ولعل ما قاله له غسان الذي ينتمي إلى "حزب التغيير"، في تورية تشير إلى حزب التحرير، يعبّر عن ذلك بوضوح: "أنت لا تصلح لهم، ولا هم يصلحون لك". بدا أن تطور الشخصيات الأخرى كان بحاجة إلى اشتغال أكبر، حيث جرى تجميد شخصيات رئيسية وإبعادها عن مسار الأحداث، مثل الشيخ يوسف وشقيقه المسافر، فتحول الراوي عنهما كلياً ولم نعد نسمع عنهما شيئا، وركز على معالجة شخصية واصل حتى النهاية.


تنتقد الرواية، من خلال توظيف أسلوب المفارقة والتناقض بين القول والفعل وازدواجية معايير الرجل، الثقافة الذكورية القامعة التي يمارسها المجتمع ضد النساء. بل لعل عدم ذكر اسم الأخت الكبرى هو نوع من التهميش يمارَس ضد المرأة إلى الحد الذي تبقى معه بلا اسم أو هوية. ومما يلفت أن الرواية ليس فيها بطلة أنثى أو شخصية نسائية رئيسية! هناك البنت الكبرى لأبي سليمان (الظريفة) التي توصف بأنها جسورة وشرسة وذات حيلة، لكنها تبقى شخصية ثانوية. وهناك نيفين المصرية التي جاء زوجها للعمل في الأردن، وقد استحوذت على عقل واصل، وعقل أخيه الأكبر. وهناك شقيقة واصل الكبرى التي أنقذته من الاحتراق، وهناك فتاة المدرسة التي يدعوها "الغريبة"، في إشارة إلى توقيعها كتابها باسم "غريبة الديار". نشأ بينها وبين واصل حب مراهق نتيجة الجفاف العاطفي في بيئة قاسية، ثم لا نراها بعد ذلك إلا وهي في أواخر الأربعينات وقد تزوجت وصار عندها أولاد.


نجح القيسي في تجسيد تجارب البطل الأولى في التعرف الى الجانب الجنسي في الإنسان من خلال رصد تفاصيل العلاقة بين الفتى الصغير ونيفين الزوجة المصرية العشرينية الجميلة، التي أثارت نوازعه، فاشتعلت ثورة الجسد. كما نجح في نقل أجواء اللقاء الحميم الأول بين نيفين وواصل، الذي سمّته وهي تضمّه، "شيطاناً صغيراً".


في الجزء الأخير من الرواية تتسارع النهايات، حيث نلاحظ حرقاً للمراحل كما سمّاها الراوي، إذ يعقد مقارنات إزاء مقولات حزب "التغيير"، ما يدعو للحيرة والتشظي، كما يعبّر عن الصراع الداخلي الذي أحس به إزاء "الإخوان"، حيث يتذكر مقولة "أسلمة المجتمعات لاستعادة الحضارة"، ويتذكر قول ابن خلدون إن الحضارات إذا انطوت لا تعود.


تنتهي الرواية بفصل "ما يشبه الخريف"، وهو حصاد العمر المر. لقد استنفد البطل طاقاته في الصراعات الفكرية التي مرّ بها مع الحزبين بحثاً عن "المنهج الصحيح المؤدي إلى الحياة الفضلى". كما نرى واصل متزوجاً وقد حاصره السأم والوحشة، بعدما ولت أيام "الشباب والعنفوان والطيش".


من داخل الجزء الأخير يفسح الراوي المجال لواصل كي يسرد بنفسه عبر تداعي الذكريات خاتمة الرواية، التي تعد أجمل فصولها، بلغة تأملية مثقلة بالتلوينات النفسية والفكرية، وفيها يعرّج بالتحليل على أحداث سيرته ومصائر الآخرين الذين شاركوه التجربة ليصل إلى استيعاب دروس الحياة. وتنتهي بإدراك البطل المنكسر حقيقة وجودية مغرقة في التشاؤم.

 رابط المقالة بصحيفة النهار



ترجمة الأدب العربي: مشكلات وآفاق

ترجمة الادب العربي: مشكلات وآفاق
اياد نصار

*نشرت في جريدة الرأي الأردنية بتاريخ 17/6/2011

شهد العقدان الاخيران انعقاد عشرات الندوات والمؤتمرات واللقاءات حول ترجمة الادب العربي الى اللغات الاوروبية وخصوصاً الانجليزية، وقد كان هناك طفرة واسعة في ترجمة الاعمال الادبية من شعر وقصة قصيرة ورواية ومسرحية ونقد، ولم تقتصر اهتمامات المترجمين على الاعمال الأدبية، وإنما اجتذبتهم أيضاً المصادر والمؤلفات التراثية والدينية والجغرافية وغيرها، غير أن طفرة ازدهار الرواية عالميا انعكست على صعيد الاهتمام بالرواية العربية المعاصرة، وامتدت الى مجال ترجمتها، فانتشرت ترجمات الرواية العربية على نحو واسع.


والمترجمون هم من يقدمون أدبنا العربي الى القراء في العالم، وهم من يساهمون، وبدور لا يقل أهمية عن أدبائنا، في رسم معالم الصورة التي يحملها الآخر عنا وعن ثقافتنا. وفي هذا المجال، لعبت مطبعة الجامعة الامريكية في القاهرة، وما تزال، دوراً كبيراً في ترجمة الادب العربي الحديث ونشره. وأشيد في هذا المجال بجهود بعض المترجمين العرب الذين لقيت ترجماتهم انتشاراً واستحساناً مثل عايدة بامية، وابراهيم مهوي، وبولا حيدر، ورشيد العيناني، وسماح سليم، وأهداف سويف وغيرهم، وكانت لا تقل جودة وروحاً أدبية ابداعية عن ترجمات المترجمين الاجانب المعروفين وعلى رأسهم المترجم البريطاني "الاشهر في زماننا" كما وصفه ادوارد سعيد ذات يوم وهو دينيس جونسون ديفيز.

الترجمة لا تعني استبدال كلمة بأخرى، بل هي فن في الأساس. فن في ابراز جوهر الابداع ، وفن في اقامة علاقة انسانية مع صاحب العمل يستند اليها المترجم في فهم خفايا العمل ومقاصده. ينبغي على المؤلفين الانتباه الى ضرورة اقامة صلات مع المترجمين، فالمرء يستغرب من دواعي اختيارات المترجمين أحياناً، فمرة يترجمون رواية معروفة لكاتب مثل نجيب محفوظ، أو يوسف إدريس، ومرة يختارون رواية أولى لكاتب جديد يعتقدون أن لها أهمية أدبية. وتحتاج العلاقة ما بين المؤلف والمترجم الى قدر كبير من الثقة المتبادلة، وخاصة اذا كان المؤلف لا يعرف شيئاً عن اللغة المستهدفة، فيحس بالعجز عن الحكم مباشرة على نجاح المترجم في نقل رؤيته وأسلوبه وأفكاره ومناوراته الفنية واللغوية ومقاصده الخفية. إن المسؤوليات الملقاة على عاتق المترجم كبيرة، وقد يحس المترجم أن المؤلف لا يقدّر مقدار الجهد المبذول في ترجمة كتابه، مما قد يصيبه بالاحباط، وإن لم يعبر عنه بشكل صريح. غير أن هناك دائماً ثنائية جدلية: الترجمة تتيح للعمل الأدبي الانتشار عالمياً، وقد ترفع من مكانته بين أقرانه من الأعمال الاخرى، لكن قد لا تتوفق في نقل روح العمل الاصلي وجمالياته وبلاغته اللغوية وأصالته الفكرية.

ذكر المترجم البريطاني الأصل روجر مايكل آلان الذي يعمل أستاذا للغة العربية والأدب المقارن في جامعة بنسلفانيا منذ ما يزيد على أربعين عاماً في مقالة له في مجلة دراسات أدبية مقارنة، العدد 4 لعام 2010 بعنوان"الخائن السعيد: حكايات الترجمة" أن كلمة مترجم في الايطالية توحي بعض دلالاتها بمعنى الخائن.

وفي هذا الصدد أود أن أشير الى مصطلح أسميته الرتمجة؛ وهو ترجمة النص الى اللغة المستهدفة دون القدرة على ايصال المعنى الكامن في النص الذي أراده المؤلف أو فقدان القدرة على إدراك المعنى الحقيقي، فيترجم المترجم معنى آخر غير المقصود أو يختلف في روحه عن روح العمل الاصلي. وتبدو الترجمة في الظاهر ترجمة أدبية لكنها خاطئة أو غير دقيقة، أو تتصرف بالمعنى، فهي تحقق الترجمة شكلا لا موضوعا، فهي إذن نقل غامض غريب، وأحرى أن تسمى رتمجة، وفعلها رتمج ويرتمج.

في حوار مع صحيفة العرب نيوز السعودية بالانجليزية في عام 2006 تحت عنوان " لورنس الادب.. أنطوني كالدربانك مترجم للحب"، ذكرت الصحيفة أن كالدربانك لا يجد متعة في ترجمة الادب العربي الى الانجليزية وحسب، ولكن الرضى أيضاً. وبعد أن حصل على شهادة في اللغة العربية الكلاسيكية من مانشستر، فقد شعر بنزعة مثالية رومانسية الى الشرق، وبانجذاب الى الخط العربي، مما حدا به الى المجيء الى مصر، فكانت البداية التي ربطت مصيره بالادب العربي. وقد طلبت منه الجامعة الامريكية في القاهرة أن يبدي رأيه إن كانت الروايات المصرية جذابة للقارىء الغربي، وعندما أكد أنها كذلك، فقد عرضوا عليه القيام بالترجمة، فأنجز عدة أعمال لنجيب محفوظ وصنع الله ابراهيم وميرال الطحاوي. وعندما انتقل في عام 2000 للعمل في الرياض فقد راح يترجم من أعمال الكتاب السعوديين.

وحول مشاكل المؤلفين العرب مع الرقابة وما تفرضه على أعمالهم من حذف أجزاء منها أو تعديلها أو حتى مصادرتها، كتبت المترجمة الاسكتلندية الشهيرة كاثرين كوبهام في مقدمتها لترجمة رواية "الرجع البعيد" لفؤاد التكرلي، بأن المؤلف حاول بادىء الأمر أن يطبع روايته في العراق، لكن الرقيب طلب منه حذف الشخصية البعثية "عدنان" بالكامل من الرواية. فذهب الى بيروت حيث طبعت الرواية كاملة في عام 1980 من قبل دار ابن رشد، وبيعت في العراق دون أن يلحظ الرقيب ذلك! وفي عام 1993 صدرت طبعة ثانية بعد أن تم تبسيط الحوار باللهجة العراقية بناء على طلب الناشر لزيادة الانتشار.

كما ساهمت كوبهام بتحرير كتاب "قارىء قصص عربية قصيرة حديثة" بالاشتراك مع صبري حافظ، وصدرت عند دار الساقي في عام 1988 والذي ضم إحدى عشرة قصة مع تقديم عن مؤلفيها وتحليل نقدي وشروحات للعبارات العامية أو المصطلحات الدارجة بما يجعلها قادرة على تعريف الطالب الناطق بالانجليزية بالقصة العربية القصيرة.

وقد يستغرب القارىء العربي أن المترجمين والناشرين على السواء يفضلون الاعمال المغرقة في المحلية كما عبر عن ذلك المترجم دينيس جونسون ديفيز، وكما فعلت دار النشر المعروفة بلومزبري في لندن وهم ناشرو ترجمة مذكرات حنان الشيخ حول أمها التي تحمل عنوان "حكايتي شرح يطول" التي ترجمها روجر آلان بتأكيدها على ضرورة اظهار النزعة المحلية في الترجمة الانجليزية الموجهة لجمهور القراء في الغرب من خلال إعادة هيكلة الكتاب وتوضيبه وتغليفه تحت اسم جديد "الجراد والطير: قصة أمي".

تطرق المترجم دينيس جونسون ديفيز في كتابه "مذكرات في الترجمة: حياة بين سطور الأدب العربي"، الى بعض التحديات التي واجهها في ترجمة الأدب العربي الى الانجليزية. وقال: "ربما يكون الأمر طبيعياً لكوني عشت أغلب حياتي في مصر، أنني أبرزت قيمة المكان في ترجماتي لأعمال الكتاب المصريين". وأضاف أن "العالم العربي يتكون من دول عديدة، ومن الصعب الاحاطة بكل ما ينشر فيها، إلا أنه برغم ذلك فقد بذلت جهداً أن أقدم للقارىء الانجليزي عدداً كبيراً من الكتاب العرب من كل من المشرق والمغرب".

ومن طريف ما يُذكر في هذا الصدد أن دينيس كان من أوائل من ترجم لنجيب محفوظ، حيث ترجم قصة "زعبلاوي"، ونشرت في مجلد "قصص عربية قصيرة معاصرة" الصادر عن جامعة أكسفورد في العام 1967، ثم دخلت مختارات نورتن بوصفها النموذج الوحيد المتوفر آنذاك من الأدب العربي الحديث!

وفيما يخص المقارنة بين الترجمة من العربية واللغات الأخرى كالفرنسية والألمانية، يذكر دينيس أنه "في حالة اللغات الأخرى، فإن الأمر يتوقف على الناشرين الذين يختارون ما ينشرون، لكن هذا لا ينطبق على الترجمة من العربية. لا توجد دار نشر في لندن توظف اي مترجم مهتم بالأدب العربي الحديث أو قادر على القراءة بالعربية". لكنه في الوقت نفسه شدد على أن المترجمين من العربية يتمتعون بحرية أكبر من نظرائهم من الفرنسية في ترجمة ما يريدون ترجمته بناء على اختيارهم. وبخصوص مسؤولية دور النشر في دعم نشر الكتاب، يرى عدد من المترجمين مثل دينيس أن الناشرين اليوم قد صاروا أصحاب تجارة ويرفضون المخاطرة، وخصوصاً ما يتعلق بكتاب مترجم من العربية.

تطرق المترجم البريطاني روبرت نيل هيوسن الذي ترجم نوفيلا "قصة حب" ليوسف ادريس ـ حملت الترجمة عنوان "مدينة الحب والرماد" ـ ، ورواية ليلة عرس ليوسف أبو رية التي فازت بجائزة نجيب محفوظ لعام 2005 الى تجربته بالعمل في مطبعة الجامعة الامريكية بالقاهرة في الثمانينات حيث كان الاجنبي الوحيد آنذاك قال: "في تلك الايام لم يكن هناك حاسوب، ولكن كان لدينا حاسوباً واحدا في المطبعة، من طراز ما قبل ماك أبل وكان يحتوي على سواقتي أقراص مرنة، وكنا نستعملهما لحفظ سجل عام بالمطبوعات". وذكر أنه برغم التحديات الكامنة في صناعة الطباعة والنشر، إلا أن موظفي المطبعة آنذاك كانوا يشعرون بالرضى مع صدور كل كتاب يتم انجازه. وكانت الجائزة بنظرهم رؤية الكتاب صادراً وأن يحتفظوا بالنسخة الاولى منه.

وفي دراسة حول شعر الثورة نشرت في صحيفة المصري اليوم في نهاية شهر كانون ثاني يناير 2011 ، حلل المترجم المعروف ايليوت كولا الشعارات التي كانت تتردد خلال ثورة 25 يناير والتي بدت بالنسبة له مثل مقاطع شعرية ذات ايقاع موسيقي. ان توثيق هذه الشعارات الغنائية وترجمتها كان يدل على فهم عميق للهجة العامية المصرية ومدلولاتها واشاراتها ضمن السياق التاريخي العام. كما حلل دور الشعر الوطني خلال ثورات مصر السابقة التي قادها أحمد عرابي في 1881، وثورة 1919 بقيادة سعد زغلول وثورة الضباط الاحرار في يوليو 1952. غير أن ما يلفت النظر أن كولا يعد وفي أكثر من مقالة له ثورة يوليو 1952 ليست في حقيقتها أكثر من انقلاب مهد لظهور ثلاثة ديكتاتوريات: عبد الناصر والسادات ومبارك.

أما المترجم همفري ديفيز فيشير الى تجربته في الترجمة بقول: "أسعى أن أسمع الصوت الذي يتحدث من الرواية بعيداً عن الصفحة وأن أعيد انتاج ذلك الصوت". وعن الحاجة الى الرجوع الى المؤلف لسؤاله، يؤكد أن ذلك "أمر مفروغ منه، فهناك دائما أسئلة عن أخطاء طباعية، أو سوء فهم، أو شعور بعدم فهم المنطق الاساس لفقرة ما أو فكرة ما، لأنك اذا لم تفهمها فلن تستطيع ترجمتها". ويؤكد إن "الانطباع بأن المترجمين بلا خطايا، وخاصة فيما يتعلق بجانب اللغة، هو أمر سخيف". ويستشهد على ذلك بترجمة سكوت مونكريف لأعمال مارسيل بروست، فيذكر أنها تم إعادة تحرير الترجمة وتصحيحها في خمس نسخ مختلفة.

وحول سؤال عن تصوراته حول الجمهور الانجليزي قارىء الروايات المترجمة، أفاد همفري أن عنده افتراضاً بأن الجمهور مثقف ومتعلم وقارئ، ولا يستطيع أن يتخيل ردة فعل أفراده إزاء ما يقرأون. وحول ترجمته للمرأة أو بالأحرى الجارية نعمة السمراء في "واحة الغروب" الى نعمة الغسق أو الغروب، فقد دافع عن ذلك بأن كلمة سمراء في العربية قد تكون صفة عادية، ولكنها في الترجمة شاعرية ومثيرة جنسياً، وخصوصاً أنها خادمة عبدة.

وحول قضية الهوامش والشروحات في نهاية الترجمة كما فعل باضافة شروحات للقارىء الانجليزي حول ثورة أحمد عرابي التي قد لا يعرف عنها شيئاً، فقد أفاد أنه ليس ضدها أو معها إلا بالقدر اللازم. وقد ذكر مثالا طريفاً يتعلق بترجمة النارجيلة الشعبية المسماة الجوزة، وقد احتار كيف يترجمها وخاصة أن الشيشة (الأرجيلة) للطبقات المتوسطة والجوزة للطبقات الفقيرة، وأخيراً قرر استعمال الغليون المائي في تفريق لها عن الغليون الفرنسي المعروف!

وحول سؤال عن عدم انتشار ترجمة الادب العربي، فقد همفري ديفيز أنه يختلف مع هذا الانطباع، لأن هناك الكثير مما تمت ترجمته أكثر مما يظن الناس. وقد تعرض قطاع النشر باللغة الانجليزية الى انتقاد كونه لا يهتم بالادب العربي، أو الاهتمام بالادب العربي الخطأ، ويقول إن الاهتمام في ازدياد، وهناك مجموعة من المترجمين المحترفين، وهناك أعداد متزايدة ممن يدرسون العربية، مما يؤدي الى كثرة المترجمين. باختصار هناك زخم في الوقت الحاضر.

ومن المشكلات اللغوية الثقافية التي تواجه المترجم ما ذكره جوناثان رايت من عدم وجود مرادف للكلمة العربي في اللغة الانجليزية، وذكر على سبيل المثال صعوبة ايجاد الكلمة الانجليزية التي تعبر عن صوت حجر الرحى أثناء دورانه، مما اضطره الى سماعه عملياً ثم ابتكار كلمة تدل على ذلك الصوت.

أما المترجم روجر مايكل آلان فيذكر أنه عندما تعرض كتاب "تاريخ الادب العربي" الذي اصدرته جامعة كامبردج للنقد على الاخطاء التي اشتمل عليها، فقد عرضت عليه الجامعة مراجعته واعادة كتابه. وقد استغرق العمل فيه خمس سنوات وصدر تحت عنوان "التراث الادبي العربي" عام 1998.

اتفق اثنان من كبار المترجمين أن أصعب ما في الامر هو ايجاد ناشر على استعداد لتحمل المخاطرة ونشر كتاب مترجم عن الادب العربي. ذكر روجر آلان أن الترجمة من العربية ليست مهنة لها درجات علمية أو معايير أو مكآفات، ولا أحد يترجم العربية إلا إذا كان هاوياً ومحباً له. ومشكلة المشكلات بالنسبة للمترجم ، كما يؤكد، هي اقناع الناشر بأهمية العمل المترجم وطباعته وتسويقه. وفي هذا الاطار أكد أيضا دينيس جونسون ديفيز أنه كان يحب ما يقوم به من ترجمات، ويدرك أن نهضة قادمة تنتظر الأدب العربي، فلا بد إذن من القيام بشيء بخصوصها. وأنه عندما بدأ لم يكن هناك كثيرون يعرفون الترجمة ما أعطاه ميزة وحظوة لدى الكتاب، لكن صعّب من مهمته ايجاد ناشر يوافق على أعماله المترجمة.

أما عن ما يتوجب على المترجم فعله ومدى ارتباطه الروحي بالعمل الذي يشتغل عليه، فقد لخص المترجم الامريكي وليم هتشينز الذي ترجم عدداً من أعمال ابراهيم الكوني ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم والمازني وغيرهم وفي لقاء نشر في عام 2008 في صحيفة الجامعة التي يعمل بها، فقد ذكر أنه "لكي أنجر الترجمة على نحو صحيح، يجب علي أن افهم تاريخ المنطقة وثقافتها بالاضافة الى لغتها".


رابط المقالة بجريدة الرأي

رابط الصفحة الكاملة

نصار والخواجا يعاينان الواقع ويسيران في ظلال الأسطورة

قاصان استضافهما "لقاء الأربعاء" في رابطة الكتاب

نصار والخواجا يعاينان الواقع ويسيران في ظلال الأسطورة

عمان ـ الدستور ـ هشام عودة

خلت الأمسية القصصية التي تم تنظيمها ضمن برنامج لقاء الأربعاء في رابطة الكتاب من الحوار والمداخلات من الجمهور الذي اكتفى بسماع ما قدمه القاصان إياد نصار و عمر الخواجا من مختارات قدمت صورة عن تجربتيهما الإبداعية.

الأمسية التي أدارها الشاعر سليم صباح قرأ فيها القاص والناقد اياد نصار قصتين هما، الكتاب السري والعروس، وهما قصتان طويلتان نسبيا، احتوتا على مفارقات طريفة في سياق بناء النص وطريقة ادارته، فكتاب نصار السري لم يكن كتابه وحده، ربما هو كتاب أي منا، كما اشار، لكن القاص اراد ان يتحول هذا الكتاب الى مجرد نشارة بفعل عبث الفئران في كتاب ظل اصحابه ينظرون اليه بخجل ويحرصون على اخفائه في العتمة، غير اننا في الوقت نفسه شعرنا اننا نعرف تلك «العروس» التي تحدث عنها نصار، وربما تعاطفنا معها، وهي تحلم ببناء عشها، حتى وهي تتحايل على امها العجوز.

نصار الذي قدم نصين مكتملين في بنائهما، استند الى تجربة قائمة على مجموعتين قصصيتين هما «اشياء في الذاكرة» و «قليل من الحظ»، اضافة الي كثير من الدراسات النقدية، لكن السؤال الذي يمكن طرحه هنا، هل يذهب الناقد الى تشريح اعماله الابداعية مثلما يقوم بتشريح اعمال غيره من المبدعين، ام يترك ادواته النقدية خارج حدود نصه، وهذا ما تجيب عليه نصوص نصار وغيره من النقاد الذين يشتغلون في مجال الإبداع.

وفي الامسية ذاتها قدم القاص د. عمر الخواجا نصين طويلين، اختارهما من نصوصه القصصية، فقد قرأ على جمهوره «مع وقف التنفيذ» وكذلك «في يده ملاك»، واذا كانت مع وقف التنفيذ تعاملت مع رمز معروف ومطروق في الادب العربي، قديمه وحديثه، وهو المارد القادم من القمقم المعتم، الا ان د. الخواجا ذهب الى كسر بعض التقاليد المتوارثة في هذه القصة، فالمارد الذي تم تحريره من القمقم لم يشعر بالفرح، بل غضب ممن حرره وحرمه من تحقيق امنياته الثلاث، ليستمر القاص في تقديم رؤيته ليصل في النهاية الى تحطيم السائد من التقاليد، والتمرد عليها، من خلال تمرده على الشيخ والمارد معا، وهي لحظة اراد من خلالها ان يقول «لا» للخرافات والشعوذة واستغفال العقول.

ثم قدم د. الخواجا قصته الثانية «في يده ملاك» التي اشار إلى أنها هي الأخرى اسطورة من الزمن القادم، كأنه حاول ربط زمنين من الاسطورة التي تعيش مع الناس، الذي هو واحد منهم.

د. الخواجا الذي صدرت له مجموعتان قصصيتان هما «كأنه ما زال هناك» و «هي لعبة ولكن»، قدم نفسه قاصا يملك هوية نصه وادواته.

ورأى بعض الجمهور ان الامسية التي قدمت قاصين متقاربين في جيلهما، الا انها اوجدت مسافة عند المتلقين بين النصوص المطروحة، سواء تلك التي تتعامل مع الاسطورة او تلك التي تتحدث عن قضايا نعرفها، غير انها قدمت نصوصا تركت اثرا طيبا في نفوس الجمهور، كما اشار سليم صباح الذي قدم القاصين بلغة شعرية متحدثا عن تجربتهما التي وصفها بالتجربة المبدعة، باعتبارهما يمثلان جيل الشباب في ميدان القصة القصيرة.

رابط الموضوع بجريدة الدستور

رابط الصفحة الكاملة





الثلاثاء، يونيو 21

نصار وخواجا يتناوبان القص في أمسية نظمتها لهما رابطة الكتاب


نصار وخواجا يتناوبان القص في أمسية نظمتها لهما رابطة الكتاب

* نشرت في جريدة الرأي الأردنية بتاريخ 18/6/2011

عمان- محمد جميل خضر - «الكتاب السرّي»، «مع وقف التنفيذ»، «العروس» و»في يده ملاك»، أربع قصص، قرأها على التناوب القاصان إياد نصار وعمر الخواجا، في أمسية قصصية نظمتها لهما مساء الأربعاء الماضي رابطة الكتاب الأردنيين في مقرها الشميسانيّ، وسط ارتفاع في وتيرة نشاطاتها على أبواب انتخاباتها الدورية مطالع تموز المقبل.


وعلى عكس التصاعد الوتيري الإيقاعي المنتظر في جل الأشياء، أو معظمها على الأقل، بدأت الأمسية التي تابعها صداقة، أو التزاماً تيّارياً (نسبة إلى تياريّ القدس والتجمع في الرابطة)، أو اهتماماً إبداعياً زهاء 30 شخصاً، حيوية، حاملة مؤشرات تفاعل، مع القصة الأولى لنصار، والأولى كذلك للخواجا، قبل أن يفتر الإيقاع، وترتخي روافع التلقي، في الجولة الثانية والأخيرة للأمسية القصصية المنضوية في إطار أدب إبداعي نثري، حظّه من الإلقاء، ودوزنة اللحظة القابضة على مجسات الاستماع، قليل، بل لعله في أحايين كثيرة قليل جداً.

«خليل في السابعة عشرة وأنا في الرابعة عشرة. لكنه المدلل بيننا. لا أعرف لماذا يحظى بهذا الدلال؟ نحن سبعة أخوة وأخوات. لكن أبي يفضله في المعاملة علينا، رغم أنه نادراً ما يساعده في الفرن. يستطيع خليل الخروج من الفرن في أي وقت يشاء. لا يرد له طلباً، وأمي تحنو عليه وتدلّله أكثر منا. أبي يقول إنه ولي العهد ورجل البيت في غيابه. ولكني لا أسكت. يحاول أن يفرض زعامته علينا فأعارضه. صرت كثير المشاغبة والجدال! لا تعارض أخواتي وأمي تصرفاته كأنه سيد البيت. ولكن إحساسي يأبى ذلك. لماذا لا أكون أنا رجل البيت؟ أنا أمهر منه في شغل الفرن، وفي استيعاب الزبائن الغاضبين كما يقول أبي دائماً»، يحمل الاقتباس السابق من قصة «الكتاب السري» لنصّار، إشارات عديدة، ليس أكثرها أهمية لغة السرد التي يعتمدها صاحب مجموعة «أشياء في الذاكرة» الصادرة العام 2008 عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في عمان، إنها في المجمل إشارات وشواهد لعلها مهمة على طريق حامل درجة بكالوريوس اللغة الانجليزية وآدابها مع مرتبة الشرف الأولى من جامعة اليرموك بطعم الهندسة المعمارية من جامعة العلوم والتكنولوجيا التي درسها فيها أربعة أعوام متواصلة قبل أن يعود إلى عشقه القديم الأدب بمختلف لغاته، وعلى طريق خياراته الإبداعية: الفرن، الابن الوسط في عائلة غزيرة الإنجاب، السر الكامن في مكان سريّ، هاجس تحقيق الذات من خلال أشياء قد يأكلها العفن والدود وزواحف الأرض جميعها!

في قصة «الكتاب السري» الجديدة لنصار وغير المنشورة في واحدة من مجموعتيْه السابقتيْن، إضافة لأمانة واقعية وصفية ملتسقة بالمحيط ومخلصة لتفاصيله، نّفّس تمرد بيّن، متجاوز في قفلته على التابو، وإنْ في إطار التجاوز الممكن والمحتمل، مع إصرار القاص على عدم الإفصاح عن هوية الكتاب السرّي.

في تواصل قراءة الجزء المخصص لنصار من الأمسية الرابطية، فإن قصة «العروس» وقعت في كثير من مفاصلها ضحية الميلودراما، والركون إلى العادية المتعلقة بأحداث يومية يحذّر منها العموم، حول سرقة بطاقة الصرّاف الآلي، أو بطاقة الشراء لدى بنك أو مصرف ما، وحول تقلص أحلام الناس، وضياع بهجة العرس والعريس والعروس وسط زحمة الأعباء وتدافع الأنواء.

فكرة القصة الأولى «مع وقف التنفيذ» للقاص عمر الخواجا، في الأمسية التي أدارها الشاعر سليم صبّاح، وعلى عكس قصته الثانية «في يده ملاك»، حَمَلَت طرافة معقولة، عندما يتحوّل الفانوس السحري المرتبط في ذاكرة الناس ووجدانهم ومخيلتهم الشعبية، بالفرج، وإمكانية تحقيقهم أحلامهم المؤجلة، إلى نحس وقدر بائس لا فكاك منه. الخواجا وظّف الفكرة لاستعراض بؤس الواقع المعاش، واستفاض في شرح ووصف معيقات التحرر، وأسباب النكوص، وإنْ بلغة تقريرية، موجّهة، لم تفلح قصديتها بالتواري أمام دهشة المفارقة المفترضة. سرد طويل قفز فيه الخواجا غير مرة، إلى حوار انتقل بالقصة إلى فصول مسرحية تروي حال رجل لازمه حظه العاثر، وظل يحاور جن مصباح علاء الدين.

القصتان اللتان قرأهما الخواجا عضو رابطة الكتاب الأردنيين، كانتا من مجموعته القصصية «هي لعبة ولكن» الصادرة في العام 2010 بدعم من وزارة الثقافة بمناسبة الزرقاء مدينة للثقافة العربية، حيث تجيء قصة «مع وقف التنفيذ»، كقصة أولى في المجموعة، و»في يده ملاك» السابعة.

رابط الموضوع بجريدة الرأي

رابط الصفحة الكاملة






الجمعة، يونيو 17

أمسية قصصية لاياد نصار في رابطة الكتاب الأردنيين




أمسية قصصية في رابطة الكتاب الأردنيين

الخواجا يحاور جن مصباح علاء الدين ونصار يقرأ من "الكتاب السري"

عمان- صحيفة الغد
كتب جمال القيسي ـ تنوّعت القصص الأربع التي أطلّ بها القاصان إياد نصار وعمر الخواجا أول من أمس في رابطة الكتاب الأردنيين بين القصة النفسية، والقصة الفكرة، أو قصة الشخصية المركزية، أو جاءت قصصا طويلة إلى حد ما على خلاف ترقب الحاضرين ورغبتهم.

وإذا كانت القصة القصيرة تمثل حدثا واحدا في زمن واحد وتمسك بتلابيب فكرة ما وأنسنتها للإيقاع بالقارئ في وهج السحر، فإنّ ما ذهب إليه القاص عمر الخواجا، في الأمسية التي أدارها الكاتب سليم صباح، كان خلاف ذلك من حيث تداخل الأزمان بالأفكار لديه في قصته "في يده ملاك".

وكذلك انطلق الخواجا بسرد طويل قفز فيه غير مرة إلى حوار انتقل بالقصة إلى فصول مسرحية في قصة "مع وقف التنفيذ" التي تحكي حال رجل لازمه حظه العاثر، وظل يحاور جن مصباح علاء الدين.

القصتان اللتان قرأهما الخواجا عضو رابطة الكتاب الأردنيين، كانتا من مجموعته القصصية "هي لعبة ولكن" الصادرة في العام 2010 بدعم من وزارة الثقافة بمناسبة الزرقاء مدينة للثقافة العربية، حيث تجيء قصة "مع وقف التنفيذ"، كقصة أولى في المجموعة، و"في يده ملاك" السابعة.

في حين قرأ إياد نصار قصتين غير منشورتين، هما "العروس" التي طغى عليها المشهد الذهني والمونولوج الداخلي، و"الكتاب السري" التي تحكي قصة مناكفات شقيقين لأب يعمل خبازا، اللتين ستكونان ضمن مجموعته القصصية الثالثة المقبلة بعنوان "امرأة في حفل توقيع".

القصة الأولى العروس ينطلق بها نصار بـ"أختنق في هذا الجو الفاسد. مصيري لعبة حظ بأيدي لصوص، والفرح صار حبة دواء انتهت صلاحيتها.. زمن غادر.. في لحظة ينهار كل شيء.. والمستقبل يصبح جثةً على درب المجهول.. عادت الى البيت واجمة. بدت لي ضجرة متعبة متوترة، والإعياء خطف وجهها مثل خفاش متشبث في كهف مظلم".

ويتابع وصف الحال التي عليها بؤرة القصة" لم تقل شيئاً، لكن عيناها قالتا كل شيء. لم يكن في الجو سوى لهاث أنفاسها بعد المشوار في عز الظهيرة. لم أرَ عينيها بين تجاعيد وجهها من غير بريقٍ مثل اليوم.. خلعت منديلها عن رأسها بتأفف وضجر. راعني رؤية البياض في مؤخرة رأسها. انقبض صدري كمن مسته صعقة كهرباء".

ويصل فيها الى إقرار بتبدل الحال حيث يقول "لم أرَ الشيب في شعرها بمثل هذا الوضوح من قبل. سمعت زفرات أنفاسها المتلاحقة. كانت تغلي، وفي داخلها مرجل يوشك أن ينفجر. الصيف لاهب والحر لا يطاق. والسماء بدت بيضاء كالحةً بالسراب من شدة الوهج. تهب الخماسين بين حين وآخر، فأختنق من الغبار..".

ويعلن القاص موقفا من الخارج والذي قد لا يكون حقيقيا إنما رضوخ لضغوط الواقع" أكره الصيف.. لم أحس به ثقيلاً مثل السنة. في النهار تنضح الجباه والرؤوس التي انحسر عنها الشعر بحبات العرق! وفي الليل تهب ريح يرتعش لها الجلد. لقد أنهك التقلب روحي وأعياها".

ويتابع صاحب "أشياء في الذاكرة" الصادرة في العام 2008 "لم أتجرأ أن أبادرها بالسؤال. يقدح الشرر من عينيها. أرى الجواب في وجهها وأسمعه في أنفاسها اللاهثة. بعد قليل قالت بيأس المستسلم: "ماذا سنفعل الآن؟" أطرقت وقد عقدت الحيرة لساني. مات الأمل الذي راودني منذ الصباح.

وتابع "دعوت في سرّي كثيراً أن تجدها أمي. لو عرفتها لخنقتها بيدي. لا تعرف أنها سرقت أمل قلبي الميت في الحياة. وسرقت عزة نفس أمي. توشك أن تبكي أمي قهراً.. تذهب كل يوم وتعود بخفي حنين. ولكن كان لديّ اليوم إحساس أنها ستجدها، وأننا سنخرج من هذه الورطة. تبدد الأمل. شعرت بالغيظ والقهر".

حتى يصل الى "ارتسمت خيبة كبيرة كأنها أصابع دامية على وجه مذعور. هل يمكن أن يضيع كل شيء في لحظة؟ أتحرّق أن أعرف من تكون. ازددت حقداً في صدري عليها. صار مصيري لعبة في يدها. كيف يمكن أن تكون امرأة بهذه الجرأة وتبلّد الإحساس؟".

وكذلك كان الحال مع صاحب " قليل من الحظ" الصادرة في العام 2010 في قصته الثانية "الكتاب السري"، حيث اختار قصة غير طويلة، وغير مثقلة بالشخوص، ومتخففة من الحوار إلى حد ما.

رابط الموضوع بصحيفة "الغد" الأردنية



أبناء السماء

في تقرير "للجزيرة نت" حول الرواية


رواية للكاتب الأردني يحيى القيسي

"أبناء السماء" تبحث العوالم الخفية




اياد نصار: الرواية تفتح الباب واسعا أمام الجدل الفلسفي والعلمي والنفسي والديني.
 
توفيق عابد-عمّان
نظم منتدى التنوع الثقافي الأردني جلسة حوارية في مركز الحسين الثقافي وسط العاصمة الأردنية عمان السبت تناولت القضايا الإشكالية في رواية "أبناء السماء" لمؤلفها يحيى القيسي.

واعتبر نقاد أنها المرة الأولى التي يحتكم فيها روائي أردني للقراء في تقييم عمل إبداعي حيث وزعت الرواية على مجموعة من القراء ينتمون لشرائح علمية واجتماعية متباينة لقراءتها وطرح الأسئلة على كاتبها.

وشخصيات الرواية -كما يرى ناشرها مدير المؤسسة العربية للدراسات والنشر ماهر الكيالي- خاضت رحلتها الخاصة بحثا عن تفسير الظواهر الخارقة والعوالم الخفية التي تؤثر فينا دون أن نشاهدها.

وقالت رئيسة المنتدى فاطمة جعفر إن الرواية تحوي تنوعا إنسانيا ومكانيا وأحداثها تدور في أماكن مختلفة أردنية وعالمية، كما تحوي تناقضات تقترب من الإلحاد والإيمان والخرافة والأحداث التي يحاول الإنسان فهمها بأسلوب رشيق وسهل يتيح مجالا للاندماج مع الأفكار المطروحة.

وفي مداخلتها، قالت الروائية ليلى الأطرش إنه لا يحق لأي إنسان أن يملي على الكاتب ما يكتب أو يختار، فالرواية ليست مجرد "حدوتة" بل تحتاج للبحث والعلم والدراسة المعمقة، و"أبناء السماء" رواية علمية أو خيال علمي يجيده قلة من الروائيين.

رحلة روحية
وفي معرض رده على التساؤلات، قال المؤلف "عشت رحلة روحية لعشر سنوات كنت خلالها متدينا بشكل تقليدي وتوصلت للإيمان بالله تعالى عبر العلم والتصوف"، وأضاف أنه التقط المعرفة من لقاءاته مع متصوفين وكتب وبحث طويل وخبرات تراكمت خلال الرحلة الروحية، مشيرا إلى أن الرواية الجديدة لا تعتمد على الحكاية أو المتعة بل تضيف معارف حديثة للقارئ.

وتابع القيسي أن البحث قاده للاحتكاك مع العالم الخارجي، فهناك كتاب يرون عوالم أخرى (التأمل الصوفي)، وأن رحلته أدخلته عوالم تعتبر مغلقة لآخرين، وتساءل "هناك عشرة ملايين شاهدوا الأطباق الطائرة فهل هناك مجال لإنكارها وهل يكذب هؤلاء؟".
وبحسب القيسي فإن الأوروبيين يطرحون على أنفسهم أربعة أسئلة ويحاولون الإجابة عليها، وهي من نحن؟ ومن أين أتينا؟ وإلى أين ذاهبون؟ وما دورنا في الحياة؟ فهل طرح أحد هذه الأسئلة على نفسه؟ وقال "نحن نستخدم 10% من عقولنا و7% من قوة إبصارنا، فماذا يحدث إذا استخدمنا هذه النعمة الإلهية 100%؟".

شخصيات حائرة
وفي حديث خاص للجزيرة نت، أوضح القيسي أن حيرة شخصياته تعود لبحثها الوجودي، فمعظمها يتسم "باللايقين" لأن بنيتها الفكرية تستند للماركسية التي تشجع الإلحاد وبالتالي فقد خاضت رحلتها الخاصة بحثا عن الإيمان من خلال العلوم الحديثة والتصوف والبحث في الظواهر الخارقة والتنقيب فيما جاءت فيه الأديان السماوية.

وقال إن الرواية تتضمن الكثير من الأسئلة دون محاولة توجيه القارئ لإجابات محددة، إنما تفتح الآفاق للتساؤل والبحث ليخوض في النهاية رحلته الروحية الخاصة.

وعن اختياره لماركسيين كأبطال لروايته، قال القيسي إن الشخصية الرئيسية "أحمد الحسيني" درست العلوم الحديثة في الاتحاد السوفياتي خلال الثمانينيات وتشبعت بالأفكار الماركسية والمادية الجدلية التي كانت تدرس في الجامعات هناك. ورأى أن الديانات السماوية لا تختلف أو تتناقض مع العلوم الحديثة وما توصل إليه الإنسان عبر رحلته العقلية الطويلة من اكتشافات.

بحث لا إجابات
وعقب الحوار، قال الناقد إياد نصار إن الرواية تسعى للبحث عن العوالم الغريبة الغامضة أكثر من تقديم إجابات وبالتالي تستثمر شوق الإنسان لمعرفة المزيد عنها في إطار من خصوصية المكان الأردني.

وأشار إلى ازدهار أدب الباراسايكولوجي (القوى الخفية في الإنسان) والعوالم الأخرى والغرباء والخيال العلمي في الغرب للوصول لحالة أعلى من التأمل الروحاني والإحساس بالجوانب الغامضة التي تستعصي على التحليل المنطقي وفهم المجهول وإدراكه.

وقال للجزيرة نت إن الرواية تفتح الباب واسعا أمام الجدل الفلسفي والعلمي والنفسي والديني دون أن تحجر على رؤية أو تأويل بل تثبت مشروعية تقبل مختلف التفسيرات. وبحسب نصار فالرواية لم تلق ما تستحقه من تحليل نقدي ممّا جعل الكاتب يحس بالغبن والخيبة لغياب تفاعل نقدي يوافق الجهد المبذول.

من جهته رأى الكاتب تيسير النجار أن الرواية تشكل أهمية استثنائية على صعيد الرواية الأردنية لولوجها للروح البشرية بحميمية وبطريقة خرجت عن المألوف.

المصدر: الجزيرة



كثير من الحظ - نضال برقان


كثير من الحظ
نضال برقان*

* كتب الشاعر ومحرر القسم الثقافي بجريدة الدستور الأردنية نضال برقان المقالة التالية التي نشرت بتاريخ 13/6/2011

 أن تنال «شيئا» من الحظ، خير من ألا تناله أبداً.

ذلك هو ما انتابني وأنا أقرأ مجموعة القاص إياد نصار الجديدة، «قليلٌ من الحظ»، لما انطوت عليه من انحياز فعلي، وجمالي، إلى فعليّ: السرد والقص، عبر لغة رشيقة، ومكثفة، تميزت بتخلصها، بشكل داهش، للحمولات الزائدة.

في المجموعة نفسها ثمة نأي، متقصد، ربما، عن الشعر وفضاءاته، الأمر الذي يعكس احتراما للقصة، وإيمانا بها، بوصفها جنسا إبداعيا حيّـا، وقادرا على سبر أغوار الذات، المفردة والجمعية، ونقل شجونها وشؤونها بجمالية عالية، الأمر نفسه لم يستطع استيعابه الكثير من كتاب القصة، محليا وعربيا، حيث يتكئون على لغة الشعر، واستعاراته، وتشابيهه، بحجة أنهم يكتبون نصوصا مفتوحة.

ويبدو جليا، في مختلف قصص المجموعة، انحياز كاتبها للمفهوم الكلاسيكي للقصة القصيرة، ما يعيد إلى الأذهان تلك النماذج العليا التي كتبت بها، خلال فترة ازدهارها في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، من دون أن يعني ذلك أن نصار نفسه غير معني بالتجريب، وهو ما كان حاضرا من خلال القص وأدواته، من مثل حركة السرد والروي، التي كانت تنتقل من شخصية إلى أخرى بخفة ورشاقة، في غير قصة من قصص المجموعة.

وثمة ما يجدر الالتفات إليه في المجموعة، وهو تقارب قصصها من حيث الحجم، على صعيد الشكل، وانحيازها للجوهر الإنساني، عبر قراءة شجون الذات المفردة في مرآة الذات الجمعية، والعكس، على صعيد المضمون، وهو ما يؤكد اشتغال كاتبها عليها بتؤدة، من دون أن يكون ثمة تفاوت فيما بين قصصها، وهو ما يعكس، من ضمن ما يعكس، وفاء نصار إلى القصة القصيرة، واحترامه لها.

وإذا كان كثير ممن يكتبون القصة القصيرة بوصفها تمرينا لكتابة رواية لاحقة، فإن نصار كتب القصة تقديرا وإجلالا لذاتها، وإيمانا بها، محترما أدواتها، ومستمتعا كذلك بتلك الكتابة، من دون شعور بالنقص، وهو ما يستطيع القارئ تلمسه في مختلف فضاءات المجموعة.

ولعلي لا أجانب الحقيقة إذا قلت إن المجموعة تبدو غريبة إذا نظرنا إليها من خلال مشهد القصة القصيرة الراهنة، محليا وعربيا. إنها كتابة تسير بالاتجاه المعاكس للسائد والراهن على صعيد القص. إنها كتابة (محترمة)، ورصينة، وجميلة، وجليلة، وأعتقد أنها تمتلك من الأدوات ما يؤهلها لأن تكون علامة بارزة على صعيد مسيرة القصة القصيرة، بخاصة على الصعيد المحلي.

وتعكس المجموعة نفسها، كذلك، دراية ومعرفة بتاريخ القصة القصيرة، واتجاهات نقادها، وهو ما جعلها تخرج بصورة بهية، بعيدة، كل البعد، عن تلك الأخطاء التي ما زال يقع فيها كتاب قصة (مرموقون).

نصار، الذي أصدر مجموعته القصصية الأولى، «أشياء في الذاكرة»، وهو في الرابعة والأربعين، قبل ثلاث سنوات، ومجموعته الثانية، «قليل من الحظ»، قبل سنتين، صاحب شخصية هادئة، ورزينة، على الصعيد الإنساني، وهو كذلك على الصعيد الإبداعي، ما يؤكد صدق تجربته، وارتباطها بشخصيته.

وبعد؛ هي تحية إجلال وإكبار من قارئ محب للقصة القصيرة وكتابها الحقيقيين، بعيدا عن النقد وتشعباته.

رابط الموضوع بصحيفة الدستور

رابط الصفحة الكاملة


أدب النكسة

في تحقيق لجريدة "الغد" الأردنية 


كتاب: "أدب النكسة" كشف أسباب الهزيمة وبعضه انجرَّ إلى جلد الذات

نصار: أدب ما بعد الهزيمة أغرق في جلد الذات

عمان- عزيزة علي ـ يؤكِّدُ كتابٌ ونقادٌ أنَّهُ بعد نكسة حزيران 1967، ظهر أدب نوعي عايَنَ أسباب الهزيمة، وطرح تساؤلات كبرى حولها، فضلا عن أعمال إبداعية اتكأت على جلد الذات.

ويذهبُ بعضهم إلى أنَّ الإبداعَ العربيَّ استطاعَ كشفَ سرِّ هزيمة حزيران، ليس بالمفهوم الكلاسيكي، وإنما بالمفهوم البنيوي العميق، مبيِّنينَ أنَّ الرواية العربية تحديدا، تفاعلت مع الأحداث التاريخية الكبرى التي تعاقبت على العالم العربي، بعد هزيمة 1967، كما أن ما حدث في ذلك التاريخ أثَّر بصورة عميقة في وعي الروائي العربي.

الناقد د. سليمان الأزرعي، يُبيِّنُ أنَّ الذي تابَعَ الإنتاج الأدبي في الساحة الأردنية خلال تلك الفترة يلاحظ ظهور ثلاثة أعمال روائية هي رواية "أنت منذ اليوم" للراحل تيسير سبول، "الكابوس" للراحل أمين شنار "أوراق عاقر" لسالم النحاس، التي جاءت تعقيبا متعجلا، وفق قوله على الهزيمة.

وأشار إلى أنه في تلك الأعمال "اختفت الهتافية والشعارات والمزاج الغاضب، ووقف المبدع وجها لوجها مع السؤال الكبير وهو "لماذا هزمنا"، لتأتي الإجابة في تلك الأعمال الإبداعية أن سبب الهزيمة يعود إلى عامل أساسي وهو، تغريب الإنسان العربي من قبل الأنظمة المستبدة التي استحوذت على كل شيء، وادعت أنها تملك كل شيء، وأنَّها الوصية على كل شيء، ففتحت سجونها للمعارضين وزجت بهم في غياهب السجون دفاعا عن "الوحدة الوطنية".

وجاء الجواب، وفق الازرعي، ليفضح ادوار الأنظمة الاستبدادية الرسمية التي غامرت بكل شيء وحرقت كل أدوات التصدي الوطني في سبيل ألا يعارضها أحد وهكذا وقف "عربي" بطل سبول، "مبعدا مغربا مهمشا منبوذا" من وجهة نظر النظام الرسمية بوصفه مشاغبا وكذلك حال "أبو يعرب" بطل النحاس في "أوراق عاقر".

ولفت الأزرعي إلى أنَّ "عربي" السبول، كان يُحاكم النظم العربية ليخرج باستنتاج مهم وخطير، وهو "أنَّ النصر والهزيمة لم يكونا مسألة سلاح وذخائر وتكتيكات عسكرية، وإنما معركة انتصر فيها النظام الذي استطاع أن يتسع ليحتضن كل طاقاته الوطنية ولا يهمش منها شيئا ولا يغرب منه شيئا".

وتابَعَ "وصل هؤلاء إلى الحل الديمقراطي في تلك الأعمال التي طرحت مسألة الاستحواذ والتفرد بالتثقف والإعلان والقيادة والإدارة والتخطيط والتفرد بالبطولات الكاذبة".

وخلصَ الأزرعي إلى أنَّ الإبداع العربي استطاع كشف سر هزيمة حزيران، بأنها لم تكن بالمفهوم الكلاسيكي، وإنما بالمفهوم البنيوي العميق.

من جانبه، يوضح الناقد فخري صالح أنَّ الرواية العربية تفاعلت مع الأحداث التاريخية الكبرى التي تعاقبت على العالم العربي، بعد هزيمة 1967، كما أنَّ ما حدث في ذلك التاريخ أثر بصورة عميقة في وعي الروائي العربي.

ويلفت إلى أنَّه بعد فترة قصيرة من ذلك التاريخ وحتى الآن، أي بعد مرور 44 عاما على نكسة حزيران، كتب عدد كبير من الروائيين العرب أعمالا تحاول تفسير لماذا هزم العرب أمام إسرائيل في 1967، ولماذا استطاع كيان صغير مثل الدولة الصهيونية أن يلحق هزيمة كبرى بثلاثة جيوش عربية.

ويستعرض صالح بعض الروايات التي تناولت الموضوع مثل رواية "أنت منذ اليوم" لسبول، و"أوراق عاقر" للنحاس، و"الكابوس" شنار، هذا في الرواية الأردنية، وعلى المستوى العربي كتب حليم بركات روايته "عودة الطائر إلى البحر"، ويوسف القعيد "الحرب في بر، ويحدث الآن في مصر"، وعبد الرحمن منيف كتب "الأشجار واغتيال مرزوق، والشرق المتوسط".

ونوَّهَ صالح إلى أنَّ الإنتاج الغزير الذي حصل في المشرق العربي ومغربه، كانَ مهموماً بتأمُّل ظاهرة الهزيمة، وعلاقتها مع ظواهر الاستبداد والتخلف والقمع، وعدم استعداد العالم العربي لمواجهة الاستيطان الجديد، الذي يتمثل في الدولة الصهيونية التي زرَعَها الاستعمار القديم في قلب العالم العربي لتبقى بمثابة موقع متقدم له بعد رحيله.

ويتابع صالح "حصلت تحولات عميقة طرأت على الشكل الروائي وعلى الهموم التي عالجتها الرواية العربية بعد هزيمة 1967، حيث ارتبطت ارتباطا جذريا بالهزيمة المدوية التي أضعفت الحلم القومي العربي، وأبعَدَت أمل تحرير فلسطين في تلك الحرب التي لم يكن العرب مهيأون لها بالصورة الكافة".

القاص والناقد إياد نصار، طرَحَ بدوره قضية جلد الذات التي قدمها أدب ما بعد الهزيمة، ما هو أكثر إيلاما وجلداً للذات من أربعة أعمال شهيرة: "رجال في الشمس" لغسان كنفاني، و"أنت منذ اليوم" لتيسير سبول، و"الرباعيات" لصلاح جاهين التي جسدت حزنه وكآبته بعد هزيمة حزيران العام 1967 وظلت السبب في انكفائه حتى وفاته، و"هوامش على دفتر النكسة" لنزار قباني.

ولفت نصار إلى الآلاف من الأعمال الشعرية والروائية والقصصية والمسرحية، التي ملأت ساحة الأدب العربي، وكانت مغرقة في الشكوى والتأوه لسببين: كانت تعبيراً عن صدمة نفسية كبيرة غير متوقعة وانكسار بعد فترة المد الثوري في الخمسينيات، وتفريغاً لإحساس المواطن العربي بالقهر، في وقت لم يسمح فيه تخلف الوعي وغياب وسائل الاتصال الجماهيرية للمواطن العربي أن يدرك مدى أهمية العمل الشعبي.

ورأى نصار أنَّ الأدب يعكس المزاج العام في أية فترة تاريخية يُعبِّرُ عن قضايا المجتمع خلالها، مبينا أنَّ أدب الهزيمة كان تعبيراً حقيقياً عن ذلك. واستدرك أنَّه أفرط وأغرق في البكائيات التي خلقت في وعي الانسان العربي أوهام الضعف والاستسلام وجلد الذات، وغياب أي تصور قادر على تغيير قدرية المصير.

* نشرت في جريدة الغد الأردنية بتاريخ 12/6/2011


الاثنين، يونيو 13

"المستهدف" لوحة بانورامية لمظاهر أزمات الانسان المعاصر

 



صور من تغطية الصحافة الاردنية لحفل توقيع المجموعة القصصية الجديدة لجمال ناجي

إياد نصار: "المستهدف" تقدم لوحة بانورامية لمظاهر أزمات الإنسان

عمان - قال القاص والناقد إياد نصار إنَّه في هذه الأيام التي يشهد العالم فيها طفرة غير مسبوقة في كتابة الرواية، ونشرها، والاحتفاء بها، تثبت القصة القصيرة أنَّها تظل ذات جاذبية وحيوية وتجدد، تغري كتابها بالعودة إليها.


وأضاف في حفل توقيع المجموعة القصصية الجديدة "المستهدف" للروائي والقاص جمال ناجي، في مركز الحسين الثقافي،أول من أمس، بحضور نائب مدير المدينة للشؤون الثقافية المهندس هيثم جوينات، إنَّ "القصة رغم قصرها إلا أنها "ملكة الرشاقة" التي تختبر موهبة القص لدى الكاتب".

وأكد أنَّ القصَّة ليست مجرد حكاية، بل إبداع فني كامل من تقديم خلاصة تجربة الحياة، وتحليل الشخصية، ورسم معالم اللوحة الإنسانية الذي ينطوي على المفارقات والدهشة، بلغة مكثفة موحية، تقدم متعة فنية وفكرية، واكتساب خبرة، وازدياد وعي، ومعايشة لحظات تأملٍ في معاني الحياة.

وتابع أنه هكذا يعود الروائي والقاص جمال ناجي، الذي وضع بصمته على صعيد الإبداع السردي في الأردن، والعالم العربي، مرة أخرى إلى القصة القصيرة، بعد أن قدّم لها ثلاث مجموعات هي "رجل خالي الذهن"، و"رجل بلا تفاصيل"،و"ما جرى يوم الخميس" ليضيف مجموعة جميلة.

وبيَّنَ أنَّ "المستهدف" تشكِّلُ حلقة أخرى في مشروع ناجي الذي يحمل رؤاه الفكرية والإنسانية منذ أن بدأ مشواره قبل ما يزيد على 30 عاما، حينَ كتَبَ روايته المدهشة "الطريق إلى بلحارث" التي لفتت الأنظار، حتى روايته الأخيرة "عندما تشيخ الذئاب" التي حققت حضورا لافتاً محلياً وعربياً، ووصلت نهائيات الجائزة العالمية للرواية العربية في العام 2010.

وأشار إلى أنَّ ما يتميَّزُ به ناجي أنَّهُ حينَ يكتبُ القصَّةَ يخلعُ عنهُ رداء الرواية، ويلقي بأدواتها وأجوائها وأساليبها جانباً، ويتقمَّصُ القصة لغة وروحاً وأسلوباً، مؤكِّداً على أنه يُتْقنُ "فن التنقل والإبحار بين الرواية والقصة، كربّان يعرفُ مراكبه وأدواته التي لا يخطئ متى يستخدم أياً منها".

وأوضَحَ نصار أنَّ المجموعة تطرحُ طيفاً متعدِّداً من إشكاليات الحياة الاجتماعية، وتعبِّرُ عن التفاتات نبيهة بعين القاص الحاذقة، وتفتحُ أفقَ القارئ على معان جديدة للأشياء والمواقف من حوله، وشخصياتها واقعية من الطبقة المتوسطة في مجملها.

واعتبَرَ أنَّ المجموعة تقدِّمُ لوحة بانورامية لمظاهر أزمات الإنسان، والهموم اليومية للحياة في المدينة التي تورث القلق وغياب التواصل الإنساني وفقدان الحب، وتمتاز بالحفر في الهواجس النفسية للشخصيات التي تعيش لحظات الخوف والترقب.

وذهب إلى أن بعض القصص تعكس جوانب معاصرة من أنماط حياة الناس في عمان،وتقيم مقارنات تشتمل على مفارقات بين قاع المدينة وغربها، مثلما تعكس "التغير في أنماط التدين الاجتماعي حيث عمل الخير يصبح مصدر همٍّ وقلق".

وأشار إلى أن كل قصص ناجي تتضمن "عنصر التشويق الآسر الذي لا يتخلى عنه"، نائيا بنفسه عن التهويمات اللغوية، أوالاسهاب في الوصف"قصة جمال ناجي تحكي أكثر مما تصف،وتتحاور مع شخصياتها وقارئها أكثر مما تغرقه في التأملات التي تفتقر إلى الحدث".

وتابع "لعل من أهم ما يميز أدب جمال ناجي هو التركيز على القضايا المرتبطة بتحرر الإنسان من ربقة القيم الموروثة"موضحا" لكنه في الوقت الذي لا تنسى فيه المجموعة طرح قضايا المرأة، فإنها "لا تدب الصوت في طرح قضايا النسوية"،ومن هنا تجد في قصصه اضطهاد المرأة للمرأة وخلافاتهما ومناكفاتهما.

وبيَّنَ أنَّ المجموعة تستهلُّ بقصة "الكحلاء" التي تختزل مخاوف الإنسان في حكاية نبتة لطيفة وادعة حيث تجسد "الكحلاء" ترسبات تجاربنا الفاشلة، وحين نتحرر منها ونقلع عن شتاء الحياة إلى صيفها تموت الكحلاء.تفتتح المجموعة بموضوعة الموت، وتلجأ إلى تجسيد المفاهيم التجريدية التي تتلبسنا احيانا في تكوينات مادية مرعبة تظهر مدى براعة القاص.

وأردف "وتختتم بقصة ذات نزعة صوفية حول معنى الموت أيضاً"، وهي عن رجل يتأمل أمواج البحر، فيثير منظر نورس يقع ميتاً على الصخور شهية الراوي على الاسئلة الوجودية في معاني الموت،وجدوى الحياة وعبثيتها، رائيا أن أهمية القصة تكمن في "توظيف المستوى الرمزي للحدث وإسقاطه على مصير الإنسان".

وراح إلى أنَّه تبرزُ في المجموعة اللغة القصصية المؤثِّرة والمنسابة بكل سلاسة مستشهدا بقصة "الموت شخصياً" حيثُ يحتالُ رجل عجوز على الموت، فيراه في كلِّ شيء حوله، وفي كل صوت يسمعه وهي قصة تضع قارئها في خضم مشاعر الخوف، حتى يموت الإنسان قبل الموت.

وأضاف أنَّ قصص "المستهدف" تلجأ إلى الرمز على نحو مكثف لإعطاء بعد أكثر عمقاً للمعنى، كما توظف البعد الاجتماعي لاستخدامات اللغة الشعبية في فهم نوازع البشر وتحليل شخصياتهم، معتبرا أن المؤلف وظف في أغلب قصصه"السخرية اللماحة والكوميديا للفت انتباه القارئ إلى الجوانب التي يحفزه لإدراكها".

وبيَّنَ أنَّه أيضا "يوظِّفُ النهايات الغامضة المفتوحة لدفع القارئ إلى التفكير ملياً في دوافع البشر الخفية التي تحكم تصرفاتهم الظاهرة كما في قصة "زيارة متأخرة".

وقرأ ناجي في الحفل الذي أداره المدير التنفيذي للبرامج الثقافية في الأمانة الكاتب والمهندس سامر خير قصتي"ساعة جدي" و"زيارة متأخرة" من المجموعة الجديدة الصادرة عن دار فضاءات للنشر والتوزيع.



اياد نصار يشارك في ندوة حول الشاعر عمر ابو الهيجاء



نصار: قصائد الشاعر عمر ابو الهيجاء تحمل مفردات الشعر الفلسطيني ورموزه
* نشرت في جريدة الغد يوم الجمعة 3/6/2011

إربد-الغد- رأى نقاد أنَّ قصائد الشاعر عمر أبو الهيجاء تحمِلُ مفردات الشعر الفلسطيني ورموزه وأسماءه وأفعاله التي تكرَّسَت في شعر أهم أعلامه المعاصرين المرتبطة بالمكان والإنسان والفلوكلور والتاريخ، كما أنَّهُ يمتلك شاعرية وأدوات شعرية ورؤى من الفكر الشعري، وإحساسا عاشقا للشعر.


وجاءت تلك القراءة في الندوة التي نظمتها رابطة الكتاب الأردنيين فرع إربد في تجربة أبو الهيجاء أول من أمس، وتحدث فيها النقاد د. راشد عيسى، القاص إياد نصار، وأدارها د. مصلح النجار.

استعرَضَ نصار تجربة أبو الهيجاء التي تمتد عبر عشرين عاماً بدأها العام 1989 بديوان "خيول الدم" الذي صدر عن دار ابن رشد في عمان، ومنذ البدء تبدو القضية الفلسطينية بكل تجلياتها وأبعادها وانكساراتِها وآلامها حاضرةً في ديوانه كما في دواوينه الاخرى، بل تكاد تكون هي المحورُ الذي تنتظم حولَه معظمُ قصائدِ الديوان.

ورأى نصار أن الذات تبرز رغبة الشاعر -التي لا تخلو من إحساس بالحزن واليأس ـ في التعبير عن رؤاه وأحلامِه، ولكنّ الكلماتِ تعبت منه، واستوطنت توابيتَ الكتب المركونة، وتركت قلبَه المعنّى يقاسي بحثاً عن لغة أخرى للتعبير عن كوامن نفسه، ولكن لا تفقسُ اللغةُ غيرَ الإجابات المريضة.

تستحضرُ القصيدةُ الجميلة، وفق نصار، ذاتُ النَفَس الطويل وذاتُ البعد التاريخي "الملحمي" التي تصبح "سطراً من الملاحم على تراب راس العين" والمسماة "تعبت مني"، تستحضر وككثير من القصائد في هذا الديوان، ذكرياتِ المكان وأوجاعِه، فرأس العين إشارةٌ تاريخيةٌ الى بدايةِ ولادة عمان كمدينةٍ احتضنت المهاجرين والمنفيين في مستهل القرن العشرين وما تلاه.

ولفت إلى أن تلك القصيدة تسعى إلى التأكيد على الإحساس بالمرارةِ برغم براءة الرؤية الشعرية التي تفيض بالإلهام والدهشة. واعتبر نصار ان قصيدة "تعبت مني" من أهم القصائد التي يشتمل عليها الديوان والتي تتجلى فيها ملامحُ بناءٍ شعري متكاملٍ يعكس عالمَ ابو الهيجاء الفني واللغةَ ذاتَ الانزياحات الحداثية المتواصلة التي طورها عبر تجربتِه الطويلة، ويقدمُ فيها مقوماتِ الرؤية الشعرية التي تعكسها أعمالُه.

وتتضمنُ تلك القصيدة، بحسب نصار تسعَ مقدماتٍ لتسعِ فواصلَ شعريةٍ متسلسلةٍ مترابطةٍ تستخدمُ لغةَ الحكاية الفلكلورية والمناجاةَ والأغانيَ الشعبية الفلسطينيةَ الطفولية. وتظل المقدماتُ التسعُ التي تلخص تجربةَ الشاعر وذكرياتِه واحتراقَه ومعاناتَه مع الواقع والتاريخ واشتراطاتِ اللغة في سبيل تقديم حلمه الشعري المتفرد الذي يتسامى فوقَ المكرور تردد عبارةً أعطت القصيدةَ اسمَها "تعبتُ مني".

من جانبه، قال عيسى إنَّ مسألة الشعر تعود إلى مدى إخلاص الشاعر لتنامي تجربته وتخصيبها دائما، ومدى نجاحه في صناعة خصوصية جمالية في شعره، رائيا أن من العيب أبدا أن يتوقف شاعر عن الشعر من الشعراء مدة عامين أو خمسة أو عشرة ليراجع منجزه ويتفقد درجات سلّمه الإبداعي إخلاصا لتجربته واحتراما لعبقرية الشعر نفسه.

ويعتقد راشد أنَّ أبو الهيجاء يمتلك شاعرية وأدوات شعرية ورؤى من الفكر الشعوري ويملك إحساسا عاشقا للشعر، لكنه غير منتبه بما يكفي لمسألة البحث عن تفرّد فني جمالي في شعره، لكأنه يدخل بيت القصيدة قبل أن يتحقق من كفاية الحجرات والأثاث والأبواب والنوافذ، يدخل باندفاعة المحب الهائم وليس بيقظة العاشق الحذر الموسوس والمتكهّن الخنّاس. والشعر العظيم، وفق راشد، لا يلزمه حسن النوايا ودفق المشاعر وانهيالات اللغة، يلزمه قدرة فائقة على الشعوذة اللغوية والتخييل النشط المجاوز للمألوف.

وأكد أن أبو الهيجاء لا تنقصه الموهبة الشعرية والتخيل ولا الرؤى الفكرية، لكن ينقصه تقييم ذاتي لمنجزه، وخروج ذكي جسور على أنماط شعرية يفتتن بها ويوازيها ويعيش في ظلالها.

ونوه راشد إلى أن قصيدة النثر ما زالت تبحث عن شرعيتها بسبب ندرة النماذج العالية منها، معتقدا أنَّ على أبو الهيجاء إعادة حساباته مع معمار قصيدته، وقال "الشعر ليس شيئا يقال إنما طريقة يقال بها، ولا أحسب عمر بعاجز عن أن يبتدع لثوب قصيدته قماشا مختلفا، لكنه متباطئ في البحث عن الإبرة والخيط الجديدين لنص شعري يفتن القارئ العادي ويوقع القارئ الخاص في الذهول".

ورأى ان شعر أبو الهيجاء يقع في منتصف الشجرة في أعلى الجذع وبداية تسامق الأغصان، مبينا أنَّ ما أنجزه عمر من مجموعات شعرية يؤكد شاعريته، ويكشف عن قدرات فنية كامنة قادرة على تحقيق تجاوز جماليّ يلفت الإنتباه ويتجاوز المألوف.

وخلص إلى أن الشعر الناجح أو لشهرة قصيدة ما أقدار لا يمكن توقعها أو الاطمئنان إليها فما يحسبه الشاعر قصيدة متميزة قد تمر على الجمهور العام والخاص بلا أدنى اهتمام، وفي الوقت نفسه قد تشتهر قصيدة متواضعة فنيا شهرة تفوق التصور.

رابط الموضوع بجريدة الغد



الجمعة، يونيو 3

الشهادة الابداعية

مشاركة في تحقيق لصحيفة الغد حول الشهادة الابداعية
كتّاب: الشهادة الابداعية تداخل النص المفتوح مع أدب الاعترافات


شاركتُ في التحقيق الذي كتبه القاص والروائي والصحفي جمال القيسي ونُشر بجريدة الغد بتاريخ 3 /6/2011 حول موضوع الشهادة الابداعية اضافة الى الروائي والقاص جمال ناجي والقاص رسمي أبو علي. وقد جاءت مشاركتي في الموضوع كما هو مبين تالياً أدناه:

جمال القيسي ـ الشهادة الإبداعية قول على قول، وقلم آخر غير الذي يصوغ المبدع به لوحته التي يودعها أسراره الجمالية، تتماهى ألوانها أحيانا مع ألوان اللوحة، ويستل منها ذات الأجواء أحيانا، لكنها بالنتيجة تبدو كأنها جلوس المسرحي خلف الكواليس مع روحه المستعادة من الخشبة التي تطلبت جهدا استثنائيا.


تختلف طرائق الأدباء في تقديم شهاداتهم الإبداعية باختلاف تجاربهم وموقفهم منها، وباختلاف البنى الإبداعية الذاتية بينهم، البعض يعتبرها محطة اعتراف ومنديل دمعة، والآخر نقطة تنظير واستراحة محارب عتيد، وهناك من يعتبرها عصفا ذهنيا داخليا على ورق البياض، وحسن إصغاء المستمعين.

في الوقت الذي يوغل فيه كثير من الأدباء في تقديم شهاداتهم الإبداعية، التي وصل عدد صفحات بعضها أكثر مما كتب صاحبها من إبداع، هناك عدد لا بأس به من الكتاب الذين يفترض حقيقة أن نسمع منهم شهادة على الإبداع الذي احتفى بهم، ولكن بيت القصيد هنا ليس هذا، بل الوقوف على "كنه" الشهادة.

القاص والروائي جمال ناجي يقول إن الشهادات الإبداعية "خطأ شائع انسقت مرارا إلى ممارسته"، مؤكدا على أنه يعدها نوعا من كشف أسرار اللعبة الإبداعية والتي تنطوي أحيانا على "إفساد الصورة المتخيلة لدى القارئ حول كيفيات الاشتغال على العملية الإبداعية".

ويشير مبدع "عندما تشيخ الذئاب"، إلى أنه لا يتوقع أنْ تتحوّل الشهادات الإبداعية إلى جنس أدبي، ولا أنْ يستمرّ المبدعون في "البوح عن تجاربهم عبر هذه الشهادات إلى ما لا نهاية"، معتقدا أنّ المبدعين سيبلغون مرحلة كتابة السيرة الذاتية الإبداعية والحياتية كمزيج من الأنواع الكتابية الغربية، بدلا من الشهادة الإبداعية التي يكتبها المبدعون العرب.

ويذهب القاص رسمي أبو علي إلى أنّ الشهادة الإبداعية خليط من "النقد الخاص" من الكاتب لنفسه بعد مسيرة وتجربة، لافتا إلى أنّ ذلك النقد الفريد من نوعه يغرف من بحر السيرة الذاتية لصاحب الشهادة، بما يُعزّز ما يراه واجب القول فيها.

ويتابع صاحب "قط مقصوص الشاربين اسمه الريس"، أنّ "الانتقائية" تكون سيدة الموقف والمتحكمة في أجواء الشهادة لدى المبدع، الذي ينتخب آنذاك ما يراه جديرا بالتثبيت والأخذ، موضّحاً أنّ تقدير ذلك ومدى منطقيته يختلف من مبدع إلى آخر حسب عمق التجربة وروحها.

ويلفت أبو علي إلى أنّه قدّم أكثر من شهادة في مسيرته الأدبية، آخرها كان في مؤتمر القصة القصيرة الذي نظمته جمعية النقاد الأردنيين العام 2008، حيث قدّم شهادة حكت عن قصته الشهيرة "قط مقصوص الشاربين اسمه الريس".

ويعتبر أبو علي أنّ كتابة الشهادة الإبداعية كتابة من طراز خاص، أهم ما يُميّزها أن "ليس لها مواصفات معينة"، وفيها يتداخل النص المفتوح مع ما يسمى بأدب الاعترافات أو السيرة الجوانية، مشيرا إلى أنّ الطريف فيها تبدل حالها من مرحلة عمرية إلى أخرى بصورة لافتة.

فيما يرى القاص والناقد إياد نصار أنّ الشهادة الإبداعية جزء من فن السيرة الذاتية الأدبية التي تقتضي الكثير من الصدق والمصارحة ومواجهة الذات والاعتراف، وليس مناسبة لقول ما لم يقله النقاد في أعمال المبدع، مشيرا إلى أنّ بعض أصحاب الشهادات يحولون شهاداتهم الى تحليل نقدي لأعمالهم!

ويعتبر صاحب "قليل من الحظ" أنّ الغرض من الشهادة الإبداعية يندرج تحت عنوانين عريضين: توثيقي وإرشادي، حيث التوثيقي هدفه فتح الأبواب والنوافذ على بعض الجوانب المهمة، التي بقيت في الظل أو الخفاء، ما يُقدّم للدارسين والنقاد أدوات ومفاتيح يستطيعون من خلالها التعمق في فهم أعمال المبدع، ومنطلقاته، ومؤثراته، والظروف التي حكمت مسار تجربته ونتاجه.

ويتابع أنّ الجانب الإرشادي هو تقديم أمثولة للكتاب والمبدعين الآخرين، وخاصة الشباب، للاستفادة منها في تطوير تجاربهم، وتحويل محطات الفشل إلى نجاح، أو الانتباه إلى معالم مهمة قد لا يلتفتون إليها، أو اكتساب بعض العناصر التجديدية.

ويشدد نصار على أنّ الأصل في مناسبات الشهادة الإبداعية أنْ يتمّ التركيز فيها على حضور النقاد والدارسين والمهتمين بتوثيق تاريخ الأدب والسيرة الأدبية للأدباء، وبالقدر نفسه من الأهمية أنْ يدعى إليها أصحاب التجارب الجديدة من الكتاب الذين يتطلعون إلى الاستفادة من تجارب غيرهم من ذوي المسيرة الطويلة.

ويأسف على قلة نشر الشهادات الإبداعية في كتب ونقل الصحف لرؤوس أقلام منها، ما يقلل من فائدتها، ويحولها الى مناسبة إعلامية للتكريم أو للظهور، مبديا استغرابه مما يشاهده في مناسبات تقديم الشهادات الإبداعية من حيث قيام صاحب الشهادة بتأطير تجربته بكثير من التنظير النقدي الذي ينتمي الى مدارس واتجاهات نقدية لا يسير عليها، ولا يلتزم بها.

رابط الموضوع بصحيفة الغد



عرار ..الآن أكثر من أي وقت مضى


عــرار.. الآن أكثـر من أي وقـت مـضى

اياد نصار

* نشرت في الملحق الثقافي بجريدة الدستور الأردنية بتاريخ 27/5/2011

إنه لمن معاني التاريخ الرمزية التي تحمل دلالات مهمة أن تصادف ذكرى ميلاد شاعر الاردن مصطفى وهبي التل "عرار" ذكرى الاستقلال، فقد ولد الاثنان في الخامس والعشرين من آيار. كان عرار صوت الحق الجريء الذي يرفض التبعية للاجنبي ويدعو الى تحرر الانسان من جور السلطة ويقف لها ناقدا قوياً بالمرصاد. فكان ضمير الاستقلال الذي تحقق قبل رحيله بأربع سنوات. وفي ظل الاجواء القومية التحررية في مطلع القرن الماضي التي شهدت حركة الوطنيين من أبناء بلاد الشام في الاردن وسورية وفلسطين امتداداً الى الحجاز عاش عرار وترعرع، فكانت له مواقف عروبية منذ ريعان شبابه. ولو عاش "عرار" هذه الايام التي تشهد ثورة الانسان العربي على الظلم والقمع والاستبداد وتبديد ثروات الامة واحتكار السلطة والفساد والارتهان للاجنبي في سبيل تأمين مصالح الطبقة الحاكمة لكان صوت ضمير الانسان العربي الرائد المدافع عن حق الحياة والتعبير في مواجهة انهمار الرصاص. ربما الان أكثر من ذي قبل نحتاج الى أن نتذكر عرار وشعره ومواقفه، لأن عرار كان الصوت الجريء في وقت كان الصمت هو لغة الاشياء والمواقف، وكان الشاعر الحر في وقت عزت فيه الاقلام عن الوقوف بوجه الظلم، وكان السبّاق في فهم حقيقة المؤامرات التي تحاك ضد الارض والانسان والتحذير من خطر الاعداء، في وقت لم يكن هناك وعي بخفايا ما يجري من مخططات ودسائس تحيكها القوى الكبرى ضد العرب. لم يكن عرار شاعراً عادياً كأي شاعر. كان مختلفاً في كل شيء. كان شاعراً مفكراً جريئاً وصاحب نبوءة سبق عصره، مثلما كان حراً متمرداً في اسلوب حياته الذي اختاره لنفسه.

عاش عرار في فترة تعد الاصعب من فترات تاريخ العرب الحديث الذي شهد بطش الدولة العثمانية في أواخر عهدها بعد أن حولتها الحروب والروح الاستبدادية الى رجل مريض، كما شهد هجمة الاستعمار إبان الحرب العالمية الاولى وافتضاح مخططات سايس بيكو وتقسيم الوطن العربي غنائم بين الدول الاوروبية، كما عاش المراحل المبكرة من القضية الفلسطينية وثورات الشعب الفلسطيني الذي أدرك المخطط الذي كان يهدف الى الاستيلاء على الأرض والسماح للمهاجرين الصهاينة بتأسيس وطن لهم على أنقاض شعب آخر.

عرف عرار النفي مبكراً وهو في بداية العشرينيات عندما كان طالباً في دمشق، كما عرف الفصل من الوظيفة والاعتقال والسجن بسبب مواقفه الوطنية التي عبر عنها في شعره وفي مواقفه التي رويت عنه. ولهذا تظل ذكرى عرار حية في ضمير الاردنيين، وخاصة هذه الايام التي يشهد الاردن والعالم العربي برمته حركة احتجاجية تعبر عن صحوة ضمير طال انتظارها وعن انتفاضة كرامة وحرية، لأنه كان حال لسانهم الصادق في رفض الجور والاستغلال، كما كان شعره مرآة حياة الناس والمجتمع الذي يعكس الأجواء العامة التي عاشها الانسان في تلك الفترة ما بين انتشار الامية والفقر والمرض وتركة العهد العثماني الثقيل في الاستبداد والبيروقراطية واحتكار السطة، ومن ثم وطأة الانتداب وجبروته والاحساس المبكر بالمخاطر الكبرى وتقسيم الاوطان وضياع فلسطين.

يفيض شعر عرار بالهم الوطني ويفضح المؤامرات السياسية واشكال النفاق والتسلط ويقف الى جانب الفقراء والمهمشين والمنبوذين، ورغم ما أتيح له من فرص للوصول الى مناصب ادارية كان يمكن في ضوء تعليمه ودراسته للمحاماة وعمله في السلك الحكومي أن تحقق له مكانة شخصية عالية ونفوذا يطمح اليه كثيرون:

ورأيت كيف الصدق يذهب من يقول به ضحية
ونظرت أحلاس الوظائف سادة بين البرية
أيقنت أن الألمعية في ازدراء الألمعية
وحللت عقلي من عقال الهاجسين بحسن نية

إلا أنه انحاز الى جانب قناعاته ومبادئه فكان ضمير الاردن، الذي عبر، في وقت مبكر من تاريخه عن الانتماء اليه والى ترابه والى بقاعه الجميلة التي ارتبط اسمه باسمها. كما يمتاز شعره بفهم نوازع النفس البشرية التي تسقط أمام المادة والجاه والخوف من السلطة أو تسعى الى تحقيق منفعة آنية على حساب التمسك بالمبادىء الذي يورث معظم الاحيان الالم والجوع والحرمان:

هذي الوظيفـة، ان كانـت وجائبهـا، وقفاً عليكـم، فعنهـا الله يغنينـي
فالعزل والنفيّ، حبـاً بالقيـام بـه أسمى بعينـيّ مـن نصبـي وتعيينـي
يا شرّ من منيت هـذي البـلاد بهـم، ايذاؤكـم فقـراء النـاس يؤذينـي
(فبلطوا البحر) غيظا من معاملتـي وبالجحيـم، إن استطعتـم فزجونـي
فما أنا راجع عـن كيـد طغمتكـم حفظا لحق (الطفـارى) والمساكيـن

عرف عرار كل صنوف النكران والاضطهاد، من الطرد من الوظيفة الى النفي الى السجن الى تشويه سمعته وصورته فلم يتراجع ولم يهن:

لو أني أرأس الوزراء أو قاض كمولانا
لألغيت العقاب ولم أدع للنفي إمكانا
فمن سجن الى منفى لآخر شط ابوانا
فهات الكأس مترعة من الصهباء ألوانا

ارتبط شعر عرار في ذهني ومنذ أن وعيت على الدنيا بمواقفه السياسية الرافضة لمخططات قوى الانتداب البريطاني ووعد بلفور الذي وضع حجر الاساس لتهويد فلسطين في أكبر تجسيد تاريخي لمعاني الظلم وسرقة مقدرات الشعوب وأحلامها تمهيداً لإقامة كيان غاصب:

يا رب إن بلفور أنفذ وعده
كم مسلم يبقى وكم نصراني
وكيان مسجد قريتي من ذا الذي
يبقى عليه إذا أزيل كياني
وكنيسة العذراء أين مكانها
سيكون إن بعث اليهود مكاني

في هذه الأبيات تتجلى رؤية عرار التي تستشرف المستقبل وادراكه المبكر لمعنى ضياع الوطن، وتجسد ايمانه بقيمة الوحدة الوطنية، "فلا حد يباعدنا ولا دين يفرقنا" كما كنا صغاراً ننشد.

ومن ناحية أخرى، يجسد عرار في شعره نموذجاً للشاعر الرومانتيكي الثائر. هرب الرومانتيكيون من المدن ومشكلاتها واكتظاظها ونفاقها وضجيجها وعلاقاتها التي اتسمت بالزيف الى الريف حيث الحرية والانطلاق والبحث عن الذات في معبد الجمال الطبيعي، وحيث الريح الشاردة تبعث في خيالهم أماني التحرر من الالم وحيث البلابل تثير فيهم الشجن والرغبة في التحليق فوق جحيم المكان الانساني الى عوالم أرحب من الحرية، هكذا فعل شيللي وجون كيتس واللورد بايرون وصامويل كولريدج ووردزورث وهكذا فعل أبو القاسم الشابي واحمد زكي أبو شادي وجبران خليل جبران وعلى محمود طه، لكنهم مثل عرار، لم ينسلخوا من صورة الشقاء الانساني، ولم يغب عن بالهم صور استعباد الشعوب وقهرها، فالتحق بايرون بالمقاومة اليونانية، وكتب شيللي "ثورة الاسلام"، وغنى ابو القاسم الشابي للشعب كي يعلن الثورة، وظل يدعوه للانتفاض حتى درجة السخرية، وحتى كاد يصاب بالاحباط من صمت البشر المطبق على الضيم. وهذا عرار يقول بكل مرارة ساخراً:

سيمت بلادي ضروب الخسف وانتهكت حظائري واستباح الذئب قطعاني
وراض قومي على الاذعان رائضهم على احتمال الأذى من كل انسانِ
فاستمرأوا الضيم واستخذى سراتهم فهاكهم يا أخي عبدان عبدانِ

وربما نحتاج الان أكثر من أي وقت مضى أن نتذكر عرار في ظل امتداد المعاناة وانتشار الفساد، فقد وقف مبكراً ضد كل المرابين والمنافقين وطالبي رضا السلطة كي يفوزوا بمغانم من قوت الشعب. يقول ساخراً ممن يعرف معنى الضيم ويسكت عليه:

ماذا أصاب بني أبيك؟ أما لهم فينا بقية؟
صمتاً فإن العي في بعض المواقف شاعرية
وتحامق الضعف الهضيم نهاية في العبقرية

وهكذا ثار عرار على واقعه البائس وعلى كل القيم الاجتماعية التقليدية، واختار لنفسه أن يعيش حراً يجسد الحرية في شعره ومواقفه وحتى صعلكته وتمتعه بلذة الحياة، لكنه بقي ملتصقاً بمعاني الكبرياء والكرامة. وككل الشعراء الرومانتيكيين، وجد عرار نفسه ومبتغاه في الطبيعة، ليس لمجرد جمالها الساحر أو مشاهدها الخلابة، بل لأنها تربطه بوطنه الذي غنى له وتغنى به، ولأنه يرى فيها صورة الوطن كما يتمناه، فقد صارت البديل الموضوعي لوطن مفقود.. لوطن شوهت وجهه السياسة والانتهازية وخطط الأعداء، وربما لم يغن شاعر لجبال الاردن ووديانه وتلاله وقراه كما فعل عرار:

يا مي جلعاد الأشم كعهده
ما زال يربض جاثما في مكانه
والغور ما انفكت غدائر نبته
وزهوره تحنو على غدرانه
وسماء اربد ما يزال سحابه
يسقي سهول الحصن من هتانه

في معظم قصائده، يربط عرار جمال الارض بالحب والمرأة وقيمة الوطن وتاريخه وكريم الخصال التي يألفها ابن الارض في الريف والبادية:

يا أخت (رم) وكيف (رم) وكيف حال "بني عطية"؟
هل ما تزال هضابهم شما وديرتهم عذية؟
سقيا لعهدك والحياة كما نؤملها رضية
وتلاع وادي اليتم ضاحكة وتربته غنية
وسفوح (شيحان) الأغن بكل يانعة سخية

الطبيعة في شعر عرار هي فردوسه المفقود ووطنه الذي نبذه وهي مدينته الفاضلة التي لا فرق فيها بين العبد والسيد أو الغني والفقير، ومثلما هرب الرومانتيكيون الى الطبيعة فقد هرب عرار الى حياة الخرابيش التي وجد فيها عدالة ومساواة حقيقية بلا ادعاء أو زيف:

بين الخرابيش لا حرص ولا طمع
ولا احتراب على فلس ودينـار
ولا هيــام بألقـاب وأوسمــة
ولا ارتفاع ولا خفض بأقـدار
بين الخرابيش لا عبد ولا أمة
ولا أرقاء في أزياء أحرار

يعبر شعر عرار عن معظم مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الاردن، فكأنه سجل تاريخي أدبي يعطي صورة نابضة مفعمة بكل الالوان والاصوات والظلال لنمط حياة الناس ومشكلاتهم وقضاياهم وآمالهم على اختلاف مستوياتهم، في تلك الفترة من تاريخ الاردن. لا بل إن شعره يوثق حتى اللغة الشعبية الاردنية التي يوظفها في شعره بشكل جميل، ومن هنا يكتسب ديوانه "عشيات وادي اليابس" أهمية كبرى في كونه لا يلخص سيرة حياة الشاعر ومواقفه ولكن يعد سفراً للحياة في الاردن في النصف الاول من القرن العشرين بفضل قصائده التي تعرج على كل قضية تهم الناس، مثلما يمور بقصائد الحب والوجدانيات والالم والشكوى وحب الارض الذي برى الشاعر فصار عاشقاً يكابد الوجد.

وبقدر ما كان يتبدى البعد العروبي القومي في شعره، فقد كان الاخاء والحب الانساني الذي يتسامى فوق اختلاف العقيدة. وفي أكثر من قصيدة ومناسبة عبر عرار عن ايمانه بالانسان العربي الذي يستند الى تاريخ مشترك عريق، بل هو أعرق تاريخاً من ميلاد الاديان السماوية:

إنجيل عيسى أو كتاب محمد سيان عندي فـ العروبة محتدي
إن كان عيسى للسلام يقودني فكـذاك أحمد للسعادة مرشدي

في ذكرى ميلاد عرار نتذكر شاعراً ارتبط اسمه وشعره بعزة النفس الأبية في أجواء من الحرية والتمرد ونتواصل مع تاريخ طويل من الصعلكة العربية المشرفة كصعلكة عروة بن الورد وشيبوب وعرار بن شأس الأسدي الذي تسمى تيمناً به وبقوله:

أردتِ عراراً بالهوان ومن يرد ... عراراً لعمري بالهوان فقد ظلم

رابط المقالة بجريدة الدستور

رابط الصفحة الكاملة

الخميس، يونيو 2

هواجس مشروعة


هواجس مشروعة
اياد نصار

* نشرت في القسم الثقافي بجريدة الدستور الأردنية بتاريخ 23/5/2011

تشكل الأحداث الكبرى معالم بارزة ليس لصناعة التاريخ وحسب، ولكن لتجديد الفكر، وإلهام الشعوب وتفجير طاقاتها، وتثبيت حتمية التغيير، وولادة الابداع، وانطلاق الاقلام، وتصبح منابع لا تنضب من القوة الفكرية والمعنوية، كالمرجل الذي يغلي فيخرج منه البخار الذي يحرك القاطرة. هكذا هي الأحداث الكبرى كالحروب والنكبات والثورات والمواقف التي تحرك الوجدان الشعبي بمعانيها ورمزيتها، كما تصبح أهرامات للذكرى وفواصل كبرى للمبدعين، يُؤرخ بها تاريخُ الادب بفضل دورها الحاسم في التعبير عن روح المرحلة، وما تحمله من نذر التغيير القادمة. والاحداث الاخيرة التي تعصف بمنطقتنا ينبغي أن تكون الباعث الاساس على ولادة أعمال عظيمة في قادم الايام والسنين في مختلف المجالات الابداعية والفكرية. وأرجو أن تكون الآمال الكبيرة المعقودة عليها في محلها.


ويبدو للمراقب من بعيد أن الانسان العربي يصنع الان تاريخه بيده، ويعيد رسم مستقبله ومستقبل الوطن العربي. بيد أن الصورة لغاية الان ليست مدعاة للتفاؤل، والمؤشرات التي نطمح اليها في بناء عالم أفضل ليست نهضوية أو تقدمية، فمخاطر التدمير الداخلي والفتن الطائفية وتفاقم المشكلات الاقتصادية الطاحنة والانفصال والانقسام وانكفاء العرب أمام القوى الاقليمية تلقي بظلالها على المشهد العربي برمته. وربما تتغير الانظمة والقيادات، وتنقلب الاحوال على نحو جذري، ويبقى الفساد وسوء الادارة متغلغلين في المجتمع العربي لأن بواعثهما متأصلة ومترسخة وبادية في كل جوانب حياتنا كثقافة الاستبداد، وعقلية المؤامرة، واستسهال النقد والتدمير، وغياب روح المبادرة، وتراجع احترام التفكير الحر القائم على النقد والنقض والتفلسف، وعدم اخضاع المسلمات للمساءلة، وتراجع المنهج العلمي في دراسة وتحليل الظواهر، وهيمنة الرؤى الماضوية المنغلقة، دون القدرة على تقديم نموذج حداثي يأخذ الانسان الى آماد أبعد من التطور الفكري والعلمي.

ربما لن يبقى الصمت عنوان المجتمع العربي بعد اليوم ، كما صوره الاديب الجزائري محمد ديب في الجزء الاول «الدار الكبيرة» من ثلاثيته المعروفة: «الصمت يدور ثم يدور كرحى طاحون. البيت الضخم أخرس لا ينطق». لكن صدى الصخب والعنف الذي نسمعه لا يبدو أنه يحمل مشروعاً فكرياً نهضوياً يستند الى منظومة جديدة من القيم والافكار الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. لست متشائماً، ولكن النذر تبعث على القلق. الاحداث الكبرى تنطلق في الاساس من رؤى فكرية ناضجة اختمرت تحت الرماد، فحركت معها الثورات والشعوب، وهو ما لا أراه ضمن المشهد.

وما يخيفني أن هذا الجيل الذي يعرف كيف يوظف وسائل الاتصال المعاصرة في حشد القوى للتعبير عن الثورة والرفض والمطالبة بالتغيير، ويمتلك حماساً منقطع النظير، يفتقد الى الاهتمام بالمضمون الفكري لتاريخه ورموزه من المبدعين والمفكرين الرواد ودعاة التغيير والتنوير، مثلما يفتقد الى رؤى منهجية قادرة على تقديم حلول لمشكلات العرب المزمنة في التخلف وغياب مشاركة المرأة والفقر والامية وتباطؤ التنمية والتباين الطبقي الحاد وغياب سلطة القوانين وضعف مفهوم المواطنة.

فما الذي حصل حتى انكفأ الوهج ولم نعد نرى الا نزراً يسيراً من ذلك التفاعل الفكري. وما جدوى التغيير إن لم يستند الى إطار متقدم من الوعي الذي يحمل وعوداً بنهضة حقيقية؟ أخشى أن تضيع جهود هولاء الشباب المفعمين بالامل في التغيير وتتحول الى مجرد مرحلة إعلامية صاخبة دون مضمون. فكري ناضج فتخبو سريعاً. وأكاد أشاهد مظاهر من المواقف المتعصبة الانفعالية ذات النظرة الأحادية التي لا تطيق الاختلاف معها ما يعزز الهاجس من أن تؤول الامور الى مجرد تغيير قناع الاستبداد بآخر.

إن النهضة الفكرية التي مر بها المجتمع العربي بعد الاستقلال بريادة العديد من المبدعين والمفكرين ذوي الاراء التحررية التنويرية قد انكفأت هذه الايام لصالح موجة مد ماضوية، باسم التمسك بالاصالة. إن مشكلاتنا الاساسية ليست في انهيار القيم السلوكية أو الاخلاقية التي تتبدل مع تطور المجتمع بشكل حتمي، بل في غياب الحرية، وتغييب احترام حق الانسان في الحياة الكريمة، واضطهاد المرأة باسم الثوابت والعادات، والتعصب الفكري الذي لا يرى العالم الا بعين واحدة.

فهل تعيد الاحداث الاخيرة الينا الأمل بعودة الوعي والنشاط الفكري والفلسفي؟ لا أقصد النشاط على صعيد اهتمام الدوائر الاكاديمية أو اهتمام المثقفين في هيئة دراسات تبقى حكراً على طبقة الانتجلسنيا. نريد أن يتحول هذا الزخم السياسي والحراك الاحتجاجي الى نهضة عربية حقيقية على مستوى الفرد العادي، حتى لا يتكرر ذلك الموقف المحزن الساخر حينما لم يكن هناك أمام حدث عظيم مثل حملة نابليون بونابرت على مصر ضمن سياق فترة تاريخية مهمة في أواخر القرن الثامن عشر من طاقة فكرية سوى عبد الرحمن الجبرتي الذي برغم انتباهه لأهميتها التاريخية لم يعطها حقها، بينما كان الكتاب الآخرون منغمسون بالشروح والفهارس وتحقيق التحقيق! وكي لا يتكرر ذلك الجدب الابداعي والفكري حينما لم يكتب من وحي حملات أوروبا على الشرق سوى أسامة بن منقذ في «الاعتبار»!

رابط المقالة بصحيفة الدستور
 
رابط الصفحة الكاملة