الجمعة، أكتوبر 29

الفجوة لباربرة كينغسولفر.. حين يختلط التاريخ بالخيال


فازت بجائزة أورانج البريطانية للرواية النسوية لعام 2010

"الفجوة" لباربرة كينغسولفر.. حين يختلط التاريخ بالخيال
اياد نصار

* نشرت في الملحق الثقافي لجريدة الدستور الاردنية يوم الجمعة 29/10/2010
قالت الروائية والشاعرة والناقدة الكندية مارغريت أتوود، ذات مرة: "تستطيع النساء أن تكتب الرجل، لكن الرجال لا يستطيعون كتابة المرأة، لأنهم ينسون، عادة، الرأس"! وأظن أن الروائية الامريكية، باربرة كينغسولفر Barbara Kingsolver ، قد كتبت بطلها الرجل، هاريسون شيفرد، من أعلى رأسه الى أخمص قدميه، في سياقه التاريخي، بشكل جميل يعبر عن ملامح تلك المرحلة الممتدة من عشرينيات القرن العشرين الى خمسينياته، ما استحقت معه أن تنال جائزة أورانج للرواية النسوية. وعندما سئلتْ ـ في مقابلة، مع صحيفة وول ستريت جورنال ـ لماذا اختارت أن يكون البطل رجلاً، قالت إنها أرادت بطلاً يستطيع أن يخرج من قلب الثورة المكسيكية، ويزج بنفسه في الحرب العالمية الثانية، ثم يعود الى الولايات المتحدة، في فترة ما بعد الحرب، وأنه لم يكن من الممكن أن تقوم بذلك، عندئذ، امرأة.

فازت كينغسولفر بجائزة أورانج البريطانية للرواية النسوية المكتوبة بالانجليزية، في دورتها الخامسة عشر للعام 2010 ، عن روايتها "لاكونا" Lacuna، والتي تعني "الفجوة". تسعى الجائزة، التي بدأت في العام 1996، الى تشجيع الادب النسوي. وقد فازت بها، في دورتها الاولى، الروائية الانجليزية، هيلين دَنمور، عن روايتها "سحر الشتاء"، أما في العام الماضي ففازت بها الروائية الامريكية، مارلين روبنسون، عن روايتها "البيت".

تنافس على الجائزة، هذا العام، عدد كبير من الروائيات من مختلف دول العالم الناطقة بالانجليزية. وقد تأهلت لقائمة الترشيحات الابتدائية، كما الحال في جائزة مان بوكر البريطانية للرواية، عشرون رواية. وفي المرحلة الثانية، تأهلت للقائمة القصيرة ست روايات من الولايات المتحدة وبريطانيا وترينداد، وكان من بينهن هيلاري مانتل، التي شاركت بروايتها "قاعة الذئب"، التي فازت بجائزة مان بوكر نفسها في العام 2009. تألفت لجنة التحكيم من خمس نساء، ما بين ناقدة وروائية وصحفية ومحررة ومعدة برامج اذاعية.

ذكرت كينغسولفر، في حوار عقب فوزها، أنها بدأت تشتغل على روايتها في شهر شباط، من العام 2002 ، بعد أشهر من حادثة الحادي عشر من أيلول، التي أثارت شهية مؤلمة للكتابة حول غربة الفن والسياسة في الولايات المتحدة. وذكرت أنه كان هناك ذاك الشعور الذي سبق أن عانته الولايات المتحدة، حين تم فصل الفن عن السياسة، في الفترة التي عرفت باسم المكارثية، نسبة الى عضو مجلس الشيوخ، جوزيف مكارثي، الذي كان يؤكد تغلغل العناصر المعادية للولايات المتحدة، في الداخل، وما تبعها من ملاحقة الأدباء والفنانين والكتاب، بتهمة نشر الافكار الشيوعية واليسارية، أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، خلال الحرب الباردة.

أما الروائية فبلغت، هذا العام، الخمسين من العمر، وقد درست باديء الامر موسيقى، ثم تحولت الى علوم الاحياء، عندما وجدت أن "ست وظائف تمنح، سنوياً، للموسيقيين فقط، بينما يذهب الباقي للعمل في ردهات الفنادق". تابعت دراستها حتى حصلت على درجة الماجستير في علوم البيئة والنشوء البيولوجي، كما نالت درجة الدكتوراة الفخرية، في عام 1994. أما على صعيد منجزها الابداعي، فقدمت ست روايات، كانت آخرها "الفجوة" التي نحن بصددها.

بدأت كينغسولفر مسيرتها في العام 1988 برواية "أشجار الفاصوليا"، ثم رواية "أحلام الحيوانات" (1990)، ثم "خنازير في السماء" (1993)، ثم رواية "كتاب الغابة السامة المقدس" (1998)، و"صيف إعجازي" (2000). وقد حصلت على جوائز عدة، وتكريم عن كتبها، وعن مساهمتها في بعض القضايا البيئية.

تجمع رواية "الفجوة" ما بين الحقائق التاريخية والخيال وإدخال شخصيات تاريخية حقيقية، في الحبكة، لبناء العالم الروائي لشخصية هاريسون شيفرد، الذي نلتقيه، أول مرة، وعمره اثنا عشر عاماً، يتعلم السباحة على شاطيء يوكوتان، ويحاول اكتشاف كهف، أو فجوة، تحت الماء، يطلق عليها اسم لاكونا. ولاكونا كلمة اسبانية تعني الفجوة، أو القطعة المفقودة، أو الفراغ بين شيئين، أو الممر المؤدي الى كهف خفي.

يمثل العنوان استعارة لكثير من الفجوات، في حياة هاريسون، وله عدة من دلالات ثقافية وسياسية، في الرواية، سواء بالنسبة لبطلها أم بالنسبة للآخرين، وهناك جسور مفقودة بين ثقافات مختلفة، وهناك اسئلة تبحث عن اجابات، في ظل صراعات أيدولوجية محمومة، بين الرأسمالية والشيوعية، وصل تأثيرها عمق المكسيك الريفي. وهو، أي العنوان، يشير الى الفراغ بين الحقيقة والزيف، أو الفجوة بين الوقائع التاريخية وما يتم استرجاعه من ذكريات.

يمكن تصنيف الرواية ضمن النوع الذي يهتم بتناول حياة البطل الشاب، وتعليمه، وتطور شخصيته نحو النضوج. وقد انتقد بعض القراء والنقاد الرواية في ميلها الى اعادة كتابة التاريخ، وتقديمه بطريقة تبدو فيها النبرة التعليمية. ورغم أنه لا شيء، في الرواية، بلا معنى، إلا أن هناك بعض المواضع، في نهاية الرواية، حينما يخفت صوت الشخصيات، ويصبح الحوار وسيلة للمؤلفة لكي تتكلم الى القاريء مباشرة.

تغطي الرواية الفترة ما بين 1929 و1951، وتعد عملاً ذا نزعة ملحمية يسعى الى اعادة قراءة التاريخ بمنظور معاصر. تسرد الرواية قصة بطلها الذي يعيش بين عالمين وهويتين وثقافتين ووالدين منفصلين، يسعى كل منهما خلف نزواته وطموحاته، من خلال مذكراته ورسائله وقصاصات الصحف، بالاضافة الى ما ترويه سكرتيرته المخلصة، فيوليت براون، التي تسد روايتها بعض الفجوات في روايته.

ولد هاريسون في العام 1916، لأب أمريكي يعمل موظفاً حكومياً، وقد انفصل عن زوجته المكسيكية سالومي، التي أخذت الطفل معها الى المكسيك، وهي تأمل في الزواج من عشيقها الذي يملك شركة للنفط. ورغم أنها تعيش، هي وابنها، في مزرعته، في جزيرة بيكسول الصغيرة، قبالة شاطيء المكسيك، إلا أن لديه مخططاً آخر غير الزواج منها.

تقوم سالومي ـ مع استحضار الدور الذي لعبته سالومي في التاريخ ـ بدور العاشقة اللعوب، التي تسعى الى إثارة إعجاب الرجال، على أمل أن تتمكن من الزواج من أحدهم، وبالتالي تأمين سبيل عيشها، وعيش ابنها، وقد وجدت بغيتها في رجل أعمال أمريكي أطلقت عليه اسم "انتاج النقود". في أحد الظهيرات، وبينما كانت الام تستعد لموعد غرامي، فإنها تصف زوج المستقبل المحتمل بأنه "أغنى من الذهب"، فيرد عليها هاريسون: "لا بد أن لديه شروق الشمس، في جيوبه، والرحمة في حذائه". فتنظر الام ـ ساعتها ـ اليه، وتقول، في شهقة عالية: "لعل من الافضل أن تدون، في مفكرتك، قصة ما حصل لنا في المكسيك". وتعطيه الجملة الاولى: "في البدء كانت القرود الصائحة"، وهي بالطبع الجملة ذاتها التي تبدأ بها الرواية، والاستعارة لها معان عديدة تم توظيفها للاشارة الى الكذابين، وأصحاب الاشاعات، وفيها اشارة الى مكارثي نفسه، الذي خلق حالة من الهلع في صفوف الامريكيين، بادعائه الاختراق الشيوعي، والى الصحافة الصفراء، والدعاية الاعلامية.

بعد موت أمه، غير المتوقع، يجد هاريسون نفسه وحده في هذه الحياة، فيعمل في خلط الدهان لرسام الجداريات دييغو ريفيرا، ولزوجته الرسامة فريدا كالو، وهما من شخصيات الرواية الرئيسة. يشعر هاريسون بالتعلق بفريدا، كما لو أنها الاخت الكبيرة أو الام المفقودة بالنسبة له. فريدا رسامة مشهورة، ذات حيوية ونشاط، فاتنة ومغوية، لكنها مستبدة سريعة الغضب. تبدو صغيرة الحجم، وخضعت لعدة من عمليات بعد الحادثة التي أصيبت بها، لكنها بقيت تعاني عرجاً في المشي. ويبدو من اللوحة التي رسمتها لنفسها، أنه قد ظهر لها شارب، ونما الشعر بين حواجب عينيها. إنها ـ كما يقول التعبير الفرنسي: "الجميلة البشعة". تظهر معاناتها في لوحاتها التي لقيت تقديراً من محبي الفن.

فريدا ودييغو ماركسيان يحلمان بمجتمع لا طبقي. ولهذا فلم يستأجرا خادماً في بيتهما، في مدينة غواناجواتو، في وسط المكسيك، لكنهما أدركا أن التقاط الجرابات عن الارض، أو غسيل الملابس الداخلية المتسخة، ليست من مهام الفنان! وسرعان ما ملآ البيت بجيش من الخدم والطهاة والسائقين والحراس الشخصيين، الذين ضاق بهم.

كما نلتقي، في الرواية، شخصية سياسية غير متوقعة. إنها ليست من صنع الخيال، بل حقيقية، من التاريخ. فخلال الفترة، ما بين عامي 1937 و1939 كان لدى الحراس، في المنزل، ضيف قصير بدين، ذو جبهة عريضة وشعر أشيب، وينام بملابس فاخرة لمعرفته بأنه قد يقتل، وهو نائم، وموته في ملابس عادية سيكون من شأنه الحط من كرامته. إنه ليف (ليون) تروتسكي، المنشق السوفييتي الشيوعي، وخصم ستالين. وشخصية تروتسكي هي الشخصية الرئيسة الرابعة، من بعد هاريسون وفريدا ودييغو. وتقدم الرواية تصويراً دقيقاً لعملية اغتياله، التي قام بها عملاء الامن السري، الذين بحثوا عنه، في كل مكان، الى أن تمكنوا من رصده في المكسيك، ومن ثم قتلوه وعائلته هناك. ورغم معرفة القاريء بالنهاية التي تنتظره، إلا أن جمالية السرد تجعله متشوقاً لمتابعة التفاصيل.

تشكل قصة هاريسون الاطار العام لحبكة الرواية، التي تبدأ وتنتهي بها. وتمثل شخصيته النقيض الذي يظهر نقائص الآخرين. ويمكن تقسيم الرواية، زمنياً، الى أربعة أجزاء تلخص المراحل التي مرت بها حياة البطل من خلال التنقل والاقامة بين الولايات المتحدة والمكسيك. يغطي الجزء الاول السنوات من عام 1929 الى عام 1932 وتجري أحداثه في المكسيك. وتبدع المؤلفة في تصوير المشاهد والاصوات وحتى الروائح بكل حيوية.

أما الجزء الثاني فيغطي السنوات من 1932 الى 1934، حيث أعادته أمه الى أبيه، في واشنطن، الذي أرسله، بدوره، الى مدرسة عسكرية. تطرح الرواية معاناة البطل في أسرة لا تريده، وعند ذاك يبدأ في كتابة مذكراته. يشهد هاريسون فترة الكساد العظيم، ويسجل الكثير من تفاصيل الاحداث، في الثلاثينيات، وموقف الرئيس هربرت هوفر، غير المكترث تجاه المشكلات الاجتماعية والاقتصادية.

وفي الجزء الثالث، الذي يغطي الفترة من 1935 الى 1941، يعود هاريسون الى المكسيك، ولكن ـ هذه المرة ـ طباخاً وطابعاً في منزل ريفيرا. لا يعرف تروتسكي ولا مساعدته، جين فان هيجنورت، الا القليل من الاسبانية، فيتولى هاريسون القيام بالترجمة. يمضي البطل جزءاً كبيراً من وقته مع فريدا وريفيرا وتروتسكي، ويصبح قريباً من كل واحد منهم، بطريقته الخاصة، لكنه غير مغرم بتوجهاتهم السياسية. فلا تحس أنه له رأياً محدداً في الشيوعية، كما تراه غير مهتم في مناقشة المشكلات والاضطرابات، لكنه مهتم في مراقبة كيف يتعامل تروتسكي مع الناس. وبعد سنتين يختلف تروتسكي مع ريفيرا، ويترك المنزل، فيقرر هاريسون الالتحاق به، من غير سبب واضح، حيث يلاقي تروتسكي حتفه بعد سنة.

وفي الجزء الرابع، والاخير، والذي يمتد من عام 1941 والى عام 1951 ، فإنه ـ ومن بعد مقتل تروتسكي ـ يصبح كل الناس الذين كانوا في محيطه موضع شك، فترسل فريدا هاريسون الى الولايات المتحدة، وهناك يبدأ في كتابة روايات اعتماداً على مذكراته التي ضاع جزء منها. يصبح هاريسون كاتباً مشهوراً تتحدث الصحف عن رواياته، كما وقّع عقداً لتحويلها الى فيلم. كتب هاريسون روايتين تاريخيتين، لكنه يجد نفسه موزعاً بين عالمين، وأحيانا ضائعا في مساحات فارغة. وهنا تأتي أهمية سكرتيرته، فيوليت، التي تشارك في سرد الرواية، وسد الفجوات في مذكراته، ويغدو لصوتها أهمية كبيرة تزداد مع تطور الاحداث.

يجذب هاريسون انتباه لجنة مكافحة النشاطات المناهضة لأمريكا، فقد عاش في بيت مع شيوعيين، منذ كان صبياً. وهكذا تلاحقه المباحث الفيدرالية، ويكفي أنه نصف أمريكي، وأنه عمل مع ريفيرا وتروتسكي، لكي يتم اعتباره غير مناسب للخدمة في الجيش الامريكي. وهكذا يلغى عقد فيلم روايته بزعم أنها ذات محتوى مناهض لأمريكا.

تتجاوز المؤلفة محددات هذا النمط، من السرد، من خلال المذكرات والرسائل وقصاصات الصحف، بابتكار شخصية البطل وتستخدمه راوياً بضميرالأنا. ورغم أن الراوي يبقى يتحدث، طيلة الوقت، لكنه يبدو أكثر اهتماما بالناس حوله، فلا يتحدث عن نفسه الا ما ندر، وبصيغة ضمير الغائب أو يستخدم اسما مستعاراً، ما يزيد من صعوبة الامر، على القاريء، في رسم معالم الشخصية، وادراك طبيعة تكوينها النفسي، وفهم ماضيها والمؤثرات الكبرى التي صاغت مصيرها. ذكرت فيوليت أن هاريسون مثل المصور الذي يوثق أحداث حياته، بحيث لا يُرى في الصور كافة!

بطل الرواية رجل عادي يمتلك رؤية للحياة، غير أنه ضحية الظروف. تتقاطع دربه مع رموز الفن والسياسة. يبدو هاريسون، في بداية الرواية، ولداً خائفاً، ضعيف القلب، ليس له سوى القراءة في الكتب، وكتابة المذكرات التي رافقته طيلة حياته، وحتى نهايته المأساوية، حيث يختفي أثناء السباحة في المحيط، بالقرب من مكسيكو سيتي.

لاكونا مهرجان من الكلمات الجميلة، وهذا ما أكسب الرواية جمالياتها. قوتها في لغتها، وتجسيد شخوصها، بحالاتها المختلفة على صعيد الابعاد النفسية والاجتماعية والسياسية والفكرية والعاطفية. وقد أجادت المؤلفة صوغ حبكتها. يتسم أسلوب كينغسولفر بأنها تكتب النثر بروح الشعر، وتضمنه الكثير من التداعي الحر للافكار والهواجس، التي تجري في ذهن البطل. كما يتسم الحوار بالجاذبية والواقعية والقدرة على التأثير في القاريء. ويمتاز وصف الاماكن والناس، في الرواية، بسلاسة وايحائية كما في مفتتح الرواية: "في البدء كانت القرود الصائحة. كانت تبدأ صياحها، دائماً، في الساعة الاولى للفجر، حينما تأخذ قبة السماء بالتحول الى البياض. كانت تبدأ بصوت قرد واحد: صوت همهمته وزمجرته متناغم قوي، مثل حد المنشار. كان هذا يثير الآخرين قربه، ما يدفعهم أن يصيحوا، معه، بنغمة صوته المتوحشة. وحالاً كانت القردة الاخرى تعيد ترديد الصوت من على الاشجار الاخرى وحتى الشاطيء البعيد، حتى تمتليء الغابة بصوت زئير الاشجار! كان يحدث هذا كل يوم. اعتقد الصغير وأمه أن هذه هي الشياطين تصرخ بين الاشجار، تتقاتل حول حقوقها الاقليمية في أكل لحوم البشر"!

تبرز الرواية الجانب الانساني في شخصياتها، خاصة تروتسكي، أكثر من الصورة السياسية المعروفة عنه معارضاً ومنشقاً. كما تفضح الرواية تلك الحقبة في التاريخ الامريكي، الذي اتسم بأخذ المعارضين والادباء والفنانين كبش فداء في حرب إيدولوجية قذرة. فعندما يصبح هاريسون محل ملاحقة، فإنه يفكر بكتابة روايات مسلّية، لكن فيوليت تبقى تسأل أسئلة من مثل: "كيف يمكن أن يكون رسم صورة عن الحزن شيئاً مناهضاً لأمريكا؟"، وعندما يجبره الناشر على توقيع افادة تنكر أي ارتباط له بالشيوعيين، فإن محاميه، آرثر غولد، يقول: "يمكنك توقيع ذلك. لكنني سأخبرك شيئاً عن تاريخ يجري صناعته.. أنت تجبر الناس أن تتوقف عن طرح الاسئلة، وقبل أن تعرف سيكونون قد ألغوا علامة السؤال.. لا شجاعة، لا أفكار جديدة لإصلاح ما خرب على هذه الارض".

تنطوي الرواية على حجم كبير من التاريخ الذي يجري مزجه مع قصة حياة البطل، ويصبح كله أقرب للتصديق بدلاً من الخيال، كأنما جرى فعلا. كما تتناول الرواية تأثير التاريخ في الحاضر والمستقبل، وترصد التحولات، لدى الانسان، تحت المؤثرات السياسية والاجتماعية، وتطرح مسائل مهمة مثل اللجوء الى العنف، والتفكير المستقل، وتوظيف عالم الخوف في السيطرة على الاخرين، وما أحدثته القنبلة الذرية الاولى من تغيرات، في العالم، وقوة الرأي العام، ودور الاعلام في فرض القناعات.

تنتقد الرواية، بشكل قوي، تأثير وسائل الاعلام الجماهيرية في الناس، والالوان التي يشاهدون بها الاشياء، ويكونون انطباعاتهم وأفكارهم عنها، الى أن يفكر الجميع في الطريقة ذاتها. يقول آرثر غولد: "إنه المذياع الذي تشاهده. المذياع يجعل كل انسان يشعر الشعور ذاته، في الوقت نفسه. وبدلاً من ملايين الافكار المختلفة، هناك سيطرة نفسية كبيرة واحدة". ولهذا كثيراً ما يلجأ ناشر روايات هاريسون الى تغيير عناوينها لتناسب مزاج الجمهور!

رابط المقال بصحيفة الدستور
 
رابط الصفحة الكاملة (يرجى الانتظار قليلا ريثما يتم تحميل الصفحة)
 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق