الجمعة، فبراير 29

أليس في بلاد العجائب!


كتبت أليس في مذكراتها عن رحلتها التي دامت أسبوعاً الى روريتانيا وشرقستانيا وتيمورستان عام 2998 م. ومما جاء فيها ما يلي:
يوم السبت: من مذكرات إنتحاري سابق!
عثرتُ بطريق الصدفة على مذكرات "انتحاري" سابق فقرأت فيها ما يلي: كنت عاطلا عن العمل ولا أجد ما اعيل به نفسي، وفي ذات يوم جاءني شاب وقال انه يريد ان يساعدني، وأخذني الى مكان سري وهناك وجدت مجموعة مسلحة صارت تلقي علي دروسا وتقول لي يجب ان تقاتل معنا، ونحن سنعطيك ما تحتاج وننفق عليك. وفي يوم من الايام البسوني لباسا ثقيلا وقالوا ستذهب في تمرين قتالي ولهذا يجب ان ترتدي هذا اللباس، وأخبروني عن الطريق الذي يجب أن اسلكه، وقد كانت هناك سيارات تسير في الطريق بجواري، وفجأة اهتزت الارض من تحتي وصدر دوي انفجار قوي ولم اعرف بعدها ماذا حصل لي فقد صرت اشلاءاً.

يوم الاحد: الصح آفة!
قرأتُ في الصحف وسمعت البيانات التي اذاعتها بعض القنوات الاخبارية والمواقع الالكترونية. وقد لفت انتباهي البيان التالي الذي تناقلته مواقع عديدة: أرجو ممن يقرأ عن هذه الحادثة في الصحف أو يسمع عنها في وسائل الاعلام الا يصفها بالارهابية. لماذا التسرع في وصف مثل هذه العمليات هكذا؟! فما الضير في قتل خمسين او مئة أو حتى الف شخص في سبيل اغتيال شخصية واحدة "فاسدة" مهمة ؟! فهولاء مصيرهم الجنة لانهم قتلوا خطأ وبالتالي نساهم في زيادة اعداد من يذهبون للجنة. لذلك نتمنى منكم ان تتفهموا أن دوافعنا نبيلة للغاية وأننا ضد قتل المدنيين، ولكن قد تضطرنا الظروف لقتل عدد منهم خطأ! فنرجو ان تستمروا في تأييدنا!

يوم الاثنين: غيرة مرضية!
أصبتُ بصدمة مما رأيته في اليومين الاولين فقد راعني أن بعض المقالات تدغدغ عواطف المراهقين والمصابين بعقدة الكراهية لكل من هو مختلف عنهم. ويعبرون عن عجزهم في تقديم مشروع ناجز، بأن يلقوا اللوم على الاخرين، ويجعلوا من أنفسهم ضحايا لا همَّ للعالم الا اضطهادهم! هذه نوع من الغيرة المرضية التي تمثل مرضاً نفسانياً يجعل الانسان مصاباً بالاحباط الاكتئابي ومزاجه دموي لانه يعتقد انه الضحية. وبينما يريح نفسه من عناء البحث والتعب في سبيل انجاز مشروع ناجح ، يغرق في الماورائيات والاخرويات!

يوم الثلاثاء: منطق غريب!
لم أستطع أن أتفهم المغزى من قيام بعض الجماعات بالتعبير عن مشروعهم "الانساني" بضرب التجمعات المدنية أينما كانت! أو تفجير مدن معروفة بتاريخها في مسيرة الحضارة الانسانية والتي من المفروض أنهم يدافعون عنها! حاولت ولكنني فشلت أن أفهم هذا المنطق! لم أفهم سبباً لهذه الاعمال التي ينتقمون بها من تلك المدن التي أسهمت في انجاب العديد من المفكرين والعلماء والكتاب والفلاسفة والفنانين والاطباء.. الخ ولكن ماذا لديهم ليقدمونه بالمقابل ؟ لم أستطع أن أتفهم هذا المنطق الذي يرى ان ذبح البشر وتفجير المدن هو الحل!
يوم الاربعاء: مرتدون!
مما يثير الضحك المرير أن بعض البيانات تعتبر أن كل المواطنين أصبحوا مرتدين وكفرة ويجب قتالهم وقطع رقابهم بلا تمييز! وقد وقع بين يدي بعض هذه البيانات. في روريتانيا تم قتل الالاف من المواطنين الابرياء لانهم مرتدون! فهم قد قبلوا حكم أنظمة الطاغوت! وفي تيمورستان تم قتل مئات الالوف بلا تمييز لحرمان السلطات من أن تنعم بالامن! وفي شرقستانيا قتلوا النساء لانهم سبب الفساد! يبدو لي، واعذروني على سذاجة تفكيري، أن هدفهم أن يبقى الدين ديناً لكوكب بلا سكان!!

يوم الخميس: عودة القرون الوسطى!
استرعى انتباهي شيئاً غريباً عجيباً ولكني لم أستغرب كوني في بلاد العجائب. فأحببت أن أشير اليه في مذكراتي فكتبتُ: سمعت أن هناك من لا همَّ له الا شن حملات وهجمات باستمرار ضد بعض الكتب والمؤلفين الذين يتجرأون ويخرجون عن الحدود! ويصل الامر حد المطالبة بسجنهم ، أو سحب الجنسية منهم ، أو نفيهم ، أو تطليقهم من أزواجهم! في حين أنه لا نسمع لهم كلمة عندما تقوم جماعة ما بقتل المدنيين الابرياء! وقد صادف أثناء وجودي في بلاد العجائب أن نشرت كاتبة رواية تنتقد فيها بعض القيم والسلوكيات الاجتماعية والتصرفات المتخلفة بلغة متحررة عما هو مألوف ، فأقاموا الدنيا ولم يقعدوها. فهي أكبر خطر على نسيج المجتمع ولا بد من اقامة حبل المشنقة لها!

يوم الجمعة: أليس ترحل عن بلاد العجائب!
تركته أليس فارغا بلا تعليق!

ايـاد

هناك 4 تعليقات:

  1. غير معرف11:45 م

    السلام عليكم يا استاذ/اياد
    فكرة القصة جميلة جداًوطرحك للقضايا المهمة والخطيرة كانت بشكل لذيذ وبسيط وبكوميديا ساخرةتليق مع هذه القضايا بجد احييك
    (امال)

    ردحذف
  2. تسعدني ملاحظاتك وتعليقاتك آمال على القصص المنشورة وهذه النظرةالفاحصة والعميقة لموضوع القصص واساليبها الفنية. شكرا لكلماتك اللطيفة وتحياتي لمرورك الدائم.

    ردحذف
  3. غير معرف3:09 م

    السلام عليكم استاذي الرائع اياد
    يوم الجمعة:ظهور فجر الامل
    لقد اضفيت الوانا زاهية ندر الاحساس بها عند الاخرين وتطرقت لكل ما يخالج الانسان المعاصر بطريقة ذكية لماحة مليئة بالتمكن من مجريات الامور ومدركة لابعاد مقومات الحياة الشريفة
    دائما متميز يا استاذ اياد بربطك بين الواقع والامانى واتشرف بالاطلاع على ما جادت به اناملك واشكرك على هذه الفرصة وادعو لك بمزيد من التفوق والعطاء وتلميذتك عفاف تتمنى ان تظل بمستوى يسمح لها بالاطلاع على ما تجود به من جواهر فى الادب والفن والعلم والثقافة حماك الله ورعاك

    ردحذف
    الردود
    1. العزيزة المبدعة عفاف،
      ليس بغريب على قارئة مثقفة ذات حس مرهف وقلم رقيق قدير ان تعبر بمثل هذا الرأي الذي يحمل بين طياته ملامح قراءة نقدية واعية تستشف ما خلف السطور وتستجلي المعاني الاصيلة لمغزى العمل التي أؤمن انها يجب ان تظل قادرة على إثارة فضول القاريء ليتمعن في مقاصد الكاتب في تناوله لقضايا الانسان المعاصر وانكساراته وشقائه ومعاناته أمام تيارات ماضوية قهرية لا تعرف من التغيير سوى العنف الاعمى ولا تنشر الا الكراهية لمنجزات الانسان. أتشرف كثيرا بما كتبت. لقد منحتني الكثير من كرمك ونبلك ورائع تقديرك لما اكتب. ارجو ان يظل لكتاباتي هذا الالق لديك. سعيد بجمال عبارتك وقدرتك الفائقة على التعبير النقدي الجميل. سلمت يداك.

      حذف