الجمعة، أبريل 23

علي جعفر العلاق وأساطير نقدية معاصرة



علي جعفر العلاق.. وأساطير نقدية معاصرة
بقلم اياد نصار



بعد سبعة كتب أغنت المكتبة العربية بدراسات نقدية هي في أمس الحاجة اليها منذ العام 1981، خصوصاً كتابه "في حداثة النص الشعري" الذي أصدره العام 1990، يأتي كتاب الشاعر والناقد العراقي علي جعفر العلاق "من نص الأسطورة إلى أسطورة النص" الذي صدر في عمّان مطلع العام الجاري، ليقدم خلاصة تجربته وآرائه النقدية في قراءة بانورامية في المشهد النقدي اليوم، وبما تنطوي عليه من مقارنات بين النقد الغربي الحديث والنقد العربي حول عدد من القضايا المهمة المتصلة بأسئلة نقدية كبرى لها علاقة بوظيفة النقد، ودور الناقد، والإشكاليات التي تعتور المناهج الغربية، وتأثير ذلك في مواقف النقاد العرب المعاصرين.


ينقسم الكتاب إلى جزأين: يشتمل الأول "التحديق في الشرر" على مناقشات موجزة لكنها مكثفة وعميقة لمفهوم النقد ووظائفه ومناهجه والعلاقة بينه وبين النص بما يحيل إلى تشخيص واقع النقد اليوم عالمياً وعربياً، ومناقشة الإشكاليات المرتبطة بتعريف النقد ودور الناقد وموقفه من المنجز الأدبي من خلال مراجعة الكثير من الأسس النظرية النقدية.

أما الجزء الثاني فهو دراسات نقدية تطبيقية تحليلية لأعمال أربعة شعراء، شكلوا قامات شعرية، ورسموا جانباً مهماً من ملامح المشهد الشعري العربي الحديث، وصاروا منارات دالة عليه. ونرى في هذا الجزء أن ما قدمه العلاق من تحليل لـ"أنشودة المطر" لبدر شاكر السياب، ومن استعراض نقدي حول شعرية كل من محمود درويش، ويوسف الصائغ، وسركون بولص الذي كان أحد مؤسسي جماعة كركوك الشعرية، يعكس على صعيد تطبيقي الكثير من آرائه وقناعاته النقدية التي اشتمل عليها الجزء الاول.

يمتاز أسلوب العلاق في الكتاب بالمزاوجة بين الأسلوب النقدي النظري الأكاديمي وبين توظيف الصور والاستعارات واستخدام أشكال حركية ولونية بلغة تعبيرية في ضرب الأمثلة لتقريب الفكرة للقارئ، ولعل حديثه عن العلاقة المهمة والحاسمة بين النص الشعري وارتباطه بالقوى الخارجية المؤثرة التي تسهم في إثراء تجربة الشاعر ووعيه بالأشياء والأفكار خير دليل على هذه المزاوجة: "من السهل، كما أظن، قطع أواصر النص بحركة الإنسان. ومن السهل، أيضاً، تحويله إلى جثة يابسة تأكلها مشارط التشريح دون أن تنم عنها قطرة من الدم، أو ومضة من الحياة".

غير أن العلاق يبتعد في أحيان كثيرة عن اللغة النقدية النظرية البحتة إلى استخدام لغة إنشائية شاعرية لا يمكن معها تعريفها أو تحديد ما يرمي إليه الكاتب على وجه الدقة من خلالها. صحيح أنها تضفي حيوية على النص وتقرب الفكرة في الذهن، لكنها لا تنفع في مضمار النقد أن تكون تعريفاً أو جزءاً من تعريف دقيق. والأمثلة على ذلك كثيرة، منها: "في كل عملية نقدية حقيقية نزوع عميق إلى الاكتشاف، والتوق إلى مجاهيل النص، وتخطي قشرته إلى الجوهر الكامن في تفاصيله الممتدة هناك، حيث تنمو الينابيع وتزدهر جذورها المائية". واضح أن الجزء الأخير من الجملة يقرّب المعنى، لكنه لا يستقيم مع لغة نقدية متخصصة.

يرى العلاق أن المشهد الشعري العربي يتوزع بين نقيضين لا يتيحان نظرة عميقة للتجارب الشعرية، حيث يغطى الصخب على الساحة. لكنه يقدم خلاصة هذا الرأي للقارئ في استعارة جميلة تقرن ما يجري من صخب بالشرر الذي يضيء في لحظة ثم يختفي، وهكذا يصبح الشرر كالعتمة لا يتيح نظراً عميقاً متفحصاً متأملاً للاشياء، وكأنما يشكك في منهجية المعرفة المستندة إلى إدراك الجانب الغائب من الحقيقة من خلال إدراك نقيضها، وفي الوقت نفسه يبرز أهمية عامل الزمن الذي تنضج به التجارب، وتختمر معه مظاهر الموهبة الشعرية متكاملة الرؤية، فاستمرارية التجربة وبطء تحولاتها ونضوجها الهادئ مضموناً وأسلوباً بعيداً عن تهويلات الإعلام وتأثير القراءات المبتسرة يسهم في خلق تجارب شعرية متميزة.

إن حال النشاط النقدي وما يصاحبه من ضجيج إعلامي في إطار المشهد الثقافي، شبيه بالناظر إلى لوحة فنية، يبقى يدور في فلك إطارها الخارجي وقماشها وألوانها دون أن ينفذ إلى روحها. وسيستمر هذا النشاط النقدي الصاخب فترة حتى يتبلور الإدراك أنه بلا طائل بسبب الوعود التي يظن كثير من الادباء أنه يبشّر بها، نتيجة الانبهار بالمناهج الغربية الجديدة.

ويؤكد العلاق أن هذه المناهج تطورت في الغرب تدريجياً بفضل تطور العلوم الإنسانية والطبيعية والتحولات الاجتماعية، ولم تكن نتيجة طفرة مفاجئة، بينما في حالتنا، فقد تعرضنا لصدمة معرفية هائلة أفرزت ما لم يكن لدينا وقت لتأمله. ولم تتطور بسبب حاجة مجتمعاتنا إليها تدريجياً، بل تعرضت لظروف أخرى كالترجمة والانتقاء والاجتهاد الفردي، ولم يكن لنا أية مساهمة تُذكر في تطورها أو نشوئها أو صياغتها كمفاهيم ومصطلحات. ولأن النقد تطور يعبّر عن تجربة فريدة غير قابلة للاستنساخ، فإن العلاق يتوصل إلى أن نقادنا هم ذاكرة نشيطة لا أكثر، والدلالة أنهم لا يبادرون إلى التفاعل مع هذه المناهج والاشتباك معها أو تعديلها أو مساءلتها، بل يصرون دائماً على تعريفها وفرضها كما هي. وهذا الموقف أدى إلى تطبيق تلك المناهج على نحو مقولات ووصفات جاهزة منتزعة من سياقها الحضاري.

ويأخذ على النقاد العرب أنهم صاروا سجناء هذه المقولات، بل إن الأمر صار مجرد ترديد مصطلحات. وقد أدت هذه الحالة إلى ظهور ما يسميه "إرهاب المصطلحات"، إذ يعمد الناقد إلى إغراق النقد بالرطانات وترديدها بأسلوب هو أقرب للبطش اللفظي.

إن أسباب استهجانه لموقف كثير من النقاد العرب من المناهج الغربية، هو أنهم ينظرون إليها بمزيج من الرهبة والعجز والإحساس بتفوق الآخر، ودرجة الوثوقية التي يأخذون بها هذه المناهج كأساطير وكأنها كل مكتمل، ولا ينظرون إلى النقاد الغربيين بأنهم قابلون للتلاشي أو للتفكك. ويضرب مثالاً على ذلك البنيوية التي كانت بنظر الناقد البريطاني تيري إيغلتون Terry Eagleton في كتابه "مقدمة في النظرية الأدبية"، تحولاً من التاريخ إلى اللغة، عاكسةً بذلك فقدان الإنسان القدرة على الفعل التاريخي، فتحول إلى اللغة ليعبّر عنها بالكتابة. ولكن الكتابة ابتعدت عن المعنى الاجتماعي إلى معنى ذاتي منعزل يتجسد في الصمت، كما عبّر عنه الرمزيون، أو في الحياد كما عبّر عنه التجريديون. وعكست الفلسفات الأوروبية هذا التراجع في دور الإنسان من الفعلي إلى اللغوي، ومن الواقعي إلى التنظيري، ومن المدلول إلى الدال، كما عبّر المفكر الفرنسي ميشيل فوكو Foucault عن "موت الإنسان" وعدم قدرته على التغيير، أو عن "موت المؤلف" عند الناقد الفرنسي رولان بارت Barthes.

وبصوت الحكمة المتأخرة، يذكر العلاق أن الاختلافات المتعددة ما بين هولاء الغربيين والفجوات في نظرياتهم مثل البريطاني تيري إيغلتون Eagleton، والبلغاري تزيفتان تودوروف Todorov، والأميركي فريدريك جيمسن Jamieson، والألماني هانز روبرت ياوس Jauss، والفرنسي رولان بارت Barthes، توضح أن هناك طيفاً واسعاً من تموج الفكر والنقد. كما أن حياة كل واحد منهم ليست نموذجاً كلياً على المنهج نفسه، فبعضهم أخضع منهجه للمراجعة وغيّر فيه، وبعضهم لا يستقر على نموذج واحد، فلا أن نعرف أي نموذج من نماذجه في ذلك الموضع يقدم نفسه، وأكبر مثال على ذلك بارت الذي انتقل بين أطر فكرية متباينة، مثل البنيوية والتحليل النفسي. من هنا يجب على النقد العربي أن يؤمن بتعدد النظرة والتطور والتغيير، لا أن يعمد إلى النماذج الغربية ويحولها إلى أساطير غير قابلة للنقاش.

لكن العلاق يقع في الخطأ نفسه الذي اتهم به النقاد العرب الذين اتبعوا المناهج الغربية دون مساءلة كأنها مقدسات أو مسلمات. فهو يكثر من اقتباس مقولات نقدية لعدد كبير من النقاد والمفكرين الغربيين، ولا يقتبس من كلمات النقاد العرب إلا القليل النادر الذي يشكل أغلبه عبارات قصيرة حسنة الصياغة، ولكن لا تمثل موقفاً نقدياً قائماً بذاته.

وحول دور المناهج النقدية الغربية الجديدة في تطوير شعرنا العربي، فإنه يقر بأن هذه المناهج قد أفادت الأدب العربي، فبعد أن كان الناقد يدور حول النص، صار الآن في داخل النص، يهتم بالكيفية التي يقال فيها أكثر مما يقوله النص. ويرى أن النقد العربي تطور من التعامل مع النص من وراء حجاب بشكل مجزوء، كما هي حال النقد قديماً، إلى فهم متقدم بفعل تأثير المناهج الغربية.

يحدد المؤلف جوهر انشغال النقد بالنص في حركة مراوحة دائمة بين قطبين متضادين هما العالم خارج النص وداخله. فالأول يشمل الأحداث والشخصيات والأفكار والمكان والزمان وغيرها التي وُجدت قبل أن يوجد النص. والثاني هو بنيان النص ولغته وإيقاعه وجوانبه الأسلوبية. أما الأول فلا بد من العودة لكتب اللغة ودوائر معارفها المختلفة للتعرف على أفكار الكاتب وانشغالاته السياسية والاجتماعية والفكرية، وهنا يحدث سوء الفهم لكثير من الناس الذين يظنون أن العمل الأدبي مجرد انعكاس لما هو خارجي. وهنا يأتي دور النقد في البحث عن الصلة التي تجمع الأشياء في خارج النص بداخله، وتحديداً في الطريقة أو الأسلوب الذي تم بوساطته التعبير عن هذه الأشياء. إن شعرية النص مثلاً ليست في التعبير المباشر عن الأشياء والأفكار التي تنتمي لخارج النص أو محاكاتها، بل في المراوغة للمعنى والالتباس في تجسيده، مما يؤدى إلى قيام سياق دلالي غائم غامض يحتمل التأويل.

يشيد العلاق بالنقد الحديث الذي يلتفت إلى هذه المراوغة الغامضة والمقاربة بين عالمي النص الخارجي والداخلي، غير أنه يأخذ على النقد ترجيح العوامل داخل النص كاللغة والأسلوب والاستعارات أكثر من اهتمامه بمواقف الشاعر أو حياته أو أفكاره الأيديولوجية. ويرى أن في هذا تحول متطرف. فبعد أن كنا نهتم بالعالم الخارجي وعناصره وما تحمله من مواقف أيدولوجية، أخذنا ننقب في عالم النص الداخلي بشكل متطرف نتيجة الأخذ بهذه المذاهب النقدية، ونسينا أن الأدب تعبير عن علاقة الفرد بالمجتمع.

يبدو واضحاً للقارئ أن العلاق يتخذ موقفاً من كثير من مذاهب الحداثة والمذاهب النقدية التي تركز على فصل الأدب عن حياة المؤلف، وعدّ قيمة العمل تنحصر في ذاته ومدى خضوعه للاشتراطات الفنية للشكل بوصفه نصاً لغوياً، وهذا برأيه يؤدي إلى عزلة النص التي تفقده حيويته.

ويؤكد أن النقد لم يعد تابعاً للعمل الأدبي أو يسير ملحقاً في فلكه، ولم يعد مجرد قولٍ على قولٍ أول، بل صار إبداعاً بذاته بفضل بهاء اللغة التي تتميز بالابتكار والتساؤل. ويؤكد أنه غير ميال إلى عدّ النقد علماً، حيث لا صرامة في النقد كما في العلوم، بل إن الناقد يعطي نفسه الحرية في الاندفاع نحو أهوائه وانحيازه إلى قناعاته. وبالتالي فالنقد ينطوي على إبداع لا يقل عن إبداع النص، بما يتوفر للناقد من لغة ومهارات ورهافة ذوق.

يعيد العلاق تعريف دور النقد كما ينبغي أن يكون من خلال إعادة تعريفه للنص ككيان لغوي فريد تجتمع فيه قوى عديدة وتفاعلات جمة بالنظر إلى القوى wالمؤثرة فيه داخلياً وخارجياً. وإذا كان كثير من هذه المفردات ليست مصطلحات نقدية بالمعنى المتعارف عليه، إلا أن الجهد الذي بذله في تحديد القوى المؤثرة في ولادة النصوص واضح، حيث يرى أنها الأكثر تأثيراً في صياغة النص: الأهواء، التأمل، قوة الروح، الأسى، حركة الحياة، الموت، تفجر المكان، قوة التاريخ، البشر وما في دواخلهم، بالإضافة إلى جيشان اللغة، تأجج المخيلة، ومراوغة النص. وعلى هذا الأساس يتفق العلاق مع الناقد الروسي يوري لوتمان Lotman في النظر إلى الشعر على أنه ليس مجرد تقنية، بل إنه يمتد إلى كل معارف الإنسان.

خصص الكاتب فصلاً للحديث عن دور الناقد تجاه النص الذي ينقده بما يقدمه من إضافة يمكن أن يضيء بها النص ويبعث الحياة في أجنته الكامنة بما لديه من طاقة الخيال والإحساس العالي باللغة. ويبدو أن الكاتب أراد من طرح هذه الفكرة أن يبرر بذلك سبب الدخول في هذه المغامرة النقدية في تحليل ونقد أعمال الشعراء الأربعة الذين سبق ذكرهم ويشكلون محطات بارزة على صعيد الشعر العربي الحديث بعد كل هذه السنوات التي أشبعت أعمالهم نقداً وتحليلاً، مما يوحي بأن في جعبته الجديد ليضيفه.

ولعل الفقرة المقتبسة على الغلاف الأخير للكتاب تقدم صورة واضحة عن تعريف العلاق للناقد الحقيقي، وكأنه يشير ضمناً إلى نفسه، فما يرد في التعريف تجده، بافتراض صحة تعريفه، متجسداً في ثنايا الكتاب! يقول: "إن الناقد الحق هو الذي يجتذبنا إلى ناره الخاصة، إلى لغته التي تبدو مفتونة بذاتها أحياناً. يغرينا بالعيش معه، أو مرافقته في التحامه بالنص والاستمتاع بالعملية النقدية على أكثر من مستوى. ولعل أهم هذه المستويات، مكابداته الجميلة للوصول إلى حقيقة النص، إن كان ثمة حقيقة أصلاً، كما أن لغته الريانة الثملة هي التي تجسد مغامراته مع النص من جانب، وتضمن لنا تلك اللذة اللغوية الكبرى من جانب آخر".

ويشبّه عملية النقد بالمغامرة التي تهدف إلى الدخول في عمق النص واستكشاف مجاهيله وجوهره الكامن في تفاصيله. وعلى هذا الأساس فالنقد محاولة للوصول إلى النص مشفوعة بحيرة نقدية إزاءه، خصوصاً إذا كان ينطوي على مراوغة للمعاني وتعدد الدلالات وغموضها. وقد مر النقد بتطور من إصدار الأحكام الواضحة إزاء النصوص كما كانت الحال في العصور الماضية، أو في أحكام غائمة متعددة التأويلات مثلما هي الحال في النظريات والمناهج النقدية بدءاً من الشكلانية الروسية Formalism إلى ما بعد البنيوية Post Structuralism.

يطرح العلاق موضوعاً جدلياً في غاية الأهمية ليس فقط في النقد الغربي، وإنما في النقد العربي كذلك. فقد توصل النقد الغربي بعد قرون من تطور الفكر والشك والارتياب المعرفي إلى إلغاء حكم القيمة على النصوص، أولاً بِعَدّ الحقيقة أكبر من طاقة الإنسان على الحكم، وثانياً أن النقد يستند إلى تاريخ من الفكر الفلسفي الذي لا يؤمن باليقينيات الاجتماعية والأيديولوجية. وبالنتيجة فقد اتخذ النقد نزوعاً يقوم على الوصف وإبراز ما في النصوص من مظاهر خارجية وداخلية والعلاقات التي تجمعهما معاً. ولكن العلاق ينقض هذا المبدأ، فبرأيه أن اختيار نص من بين نصوص كثيرة يحمل، ضمناً، حكماً بقيمة ذلك النص والذي تجلى في اختياره. والتناقض الجوهري في الموضوع هو عدم قدرة الناقد على إصدار حكم معياري بينما يكون في وسعه اختيار نص من النصوص، وعدّ ذلك نوعاً من المراوغة. واذا كان النقد لا يستطيع إصدار حكم معياري على نص ما، فقد انتفى أحد الأسئلة الكبرى التي يفترض بالنقد أن يضطلع بها.

إن المبالغة في النقد الوصفي، كما هي الحال الآن في النقد الغربي، تجعله شكلياً مقيماً في النص ذاته بعيداً عن سياقاته المختلفة، وإن المبالغة في النقد المعياري وأحكام القيمة، مثلما هو في النقد العربي، تجعله نشاطاً مدرسياً تبسيطياً يركز على مفهوم الصواب والخطأ، أو النجاح والإخفاق. فالأولى تنطوي على إهمال لإنسانية النص واكتفاء بالمشاهدة دون إدراج النص في سياق أدبي أو حضاري، والثانية مقاضاة للنص وكاتبه، وخنقه بسيل من الوصايا النقدية.

ينطوي الكتاب على جدية ورصانة وإحاطة نقدية تعكس جهود العلاق في هذا المضمار، ولكنه ليس ثقيلاً جافاً بحكم تخصصه النقدي، بل يعكس لغة أدبية دقيقة التصوير والإيحاء وجميلة السبك فيها الكثير من لغة المؤلف الشعرية، مما يجعل من الكتاب إضافة قيمة في النقد العربي الحديث.

* اللوحة أعلاه بعنوان شهرزاد للفنان الفرنسي ادوارد ريختر (1844-1913)
** نشرت المقالة في جريدة الرأي الاردنية بتاريخ 23/4/2010. يمكنك قراءة المقالة من موقع الصحيفة على الرابط التالي:
رابط المقالة في الرأي الثقافي
الصفحة الكاملة ملحق الرأي الثقافي
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق