الجمعة، أكتوبر 16

هيرتا موللر: مفاجأة جائزة نوبل للاداب للعام 2009





هدية سويدية مفاجئة في ذكرى سقوط الستار الحديدي

هيرتا مولر: تكريم صوت الاقلية المضطهدة أم تكريس لممارسات الحرب الباردة؟

بقلم: اياد نصار

هل يمثل فوز هيرتا مولر، الروائية والشاعرة وكاتبة المقالة، الرومانية الجنسية، الالمانية الاصل واللغة، التي لم تكن معروفة من قبل خارج حدود بلادها بجائزة نوبل للعام 2009 التي أعلنت قبل أيام تكريماً مستحقاً لصوت الاقلية المضطهدة أم استمراراً غير معلن لممارسات وثقافة مرحلة الحرب الباردة، واستمراراً للاحتفال الغربي الكرنفالي بذكرى النصر على كل ما يمت للمعسكر الشرقي بصلة؟ هل يمثل فوزها انتباهاً متأخراً للمحرومين والمضطهدين من ضحايا نظام تشاوشيسكو الشيوعي في رومانيا أم تكريساً لصورة من صور انتصار الغرب الذي يرى في نفسه تجسيدا للحرية في صراع الشرق والغرب الذي يقوم على توظيف كل مجالات الحياة العسكرية والثقافية والاعلامية وكذا الجوائز الادبية لتكريس هذه الصورة؟ هل أرادت الاكاديمية السويدية أن تقدم هدية من نوع خاص في الذكرى السبعين لقيام وانهيار الاتحاد السوفياتي رسمياً أو في الذكرى العشرين لسقوط النظام الشيوعي والذي كان الغرب يشير اليه دائما بالستار الحديدي؟

قالت الاكاديمية السويدية في إعلان منح الجائزة تكريماً لأعمالها أنها "تتسم بتكثيف الشعر وصراحة النثر التي تهتم بتصوير المكان للمحرومين والمشردين". وقالت هيرتا مولر في بيان صدر عن ناشر كتبها في ألمانيا بعدما تبلّغت بخبر فوزها بالجائزة "إنني مندهشة كثيراً، ولا أستطيع تصديق الأمر لغاية الان. لا يمكنني أن أقول أكثر من ذلك في هذه اللحظة".


من المؤكد أن يفتح قرار اللجنة باب الجدل مرة أخرى حول نمط قرارات الاكاديمية السويدية في منح الجائزة وخصوصاً لكتاب لم يكن متوقعاً فوزهم في الترشيحات والتكهنات. فهيرتا مولر لم تكن كاتبة معروفة خارج المانيا أو رومانيا، وقد منحت الجائزة على كتاباتها الناقدة التي تعنى بتصوير مشاهد الحياة خلف الستار الحديدي، ويأتي ذلك في الذكرى العشرين لسقوط الشيوعية. ومما يؤكد ذلك، أن أغلب انتاج مولر هو بالالمانية وقليل منه تمت ترجمته الى الانجليزية والفرنسية والاسبانية مثل روايات "جواز السفر" و"أرض الخوخ الاخضر" و"السفر على ساق واحدة" و"الموعد". ولكن بالطبع ستزيد وتيرة ترجمة أعمالها منذ الان فصاعداً بعد فوزها بالجائزة.

ولدت مولر في منطقة بانات من إقليم ترانسلفانيا في غرب رومانيا في 17 آب من العام 1957. وتجسد أعمالها الظروف القاسية للحياة في رومانيا تحت حكم نظام نيكولاي تشاوشيسكو الاستبدادي الذي انتهى بثورة شعبية عليه ومحاكتمه هو وزوجته واعدامهما، كما تصور الاضطهاد الذي تعرضت له الاقلية الالمانية التي تنتمي لها في مقاطعة ترانسلفانيا على يد القوات السوفياتية. تتحدث هيرتا الالمانية لغتها الام بطلاقة وتخصصت في الدراسات الالمانية والادب الروماني في جامعة تيمشوارا. عملت معلمة في روضة للاطفال وكانت تعطي دروساً خصوصية في اللغة الالمانية. نشرت كتابها الاول وهو مجموعة قصصية باللغة الالمانية في رومانيا في العام 1982 بعد اجازته من الرقابة الشيوعية في تلك الفترة. وقد حضرت بعدها معرضاً للكتاب في فرانكفورت وانتقدت علنا النظام في بلدها فمنعت من النشر. غادرت موطنها برفقة زوجها الروائي ريشتارد فاغنر الى المانيا الغربية في العام 1987 عندما ازداد الاضطهاد وسوء الحال في رومانيا. نالت هيرتا عدداً من الجوائز الادبية وأصبحت عضوة في الاكاديمية الالمانية للكتابة والشعر في عام 1995. أرسلت في العام الماضي خطاب احتجاج الى رئيس المعهد الثقافي الروماني الذي قام بتعيين اثنين من المخبرين السريين السابقين للعمل فيه.

ومن الاحداث المهمة في حياتها والتي شكلت انعطافة كبيرة في مسيرتها الابداعية وكانت الاساس الذي طالما وظفته في كل أعمالها بصور أخرى عديدة للخوف من القمع والاضطهاد هو تلك الحادثة التي ذكرتها كل الكتابات التي تناولت سيرتها الذاتية. ففي السبعينات عملت لمدة ثلاث سنوات في مصنع للجرارات الزراعية وكانت وظيفتها هي ترجمة الادلة الفنية التي تم احضارها من ألمانيا الشرقية والنمسا الى اللغة الرومانية. كان زملاؤها ورؤساؤها مخبرين في الشرطة السرية. ومن أجل البقاء في وظيفتها كمترجمة كان لا بد من أن تصبح عنصراً في الاستخبارات السرية لضمان ولائها وتعاونها، ولكنها رفضت فتعرضت للفصل من العمل بعد ثلاث سنوات، وللتهديد حيث أخبرها رئيسها بأنك "سوف تندمين، سنغرقك في النهر".

بعد أن تركت هيرتا بلدها خوفاً من الاضطهاد وانتقلت الى برلين، صارت تجسد في كتاباتها مسألة الاغتراب ومحنة النفي السياسي. ومن طريف ما يروى أنها قالت عندما سألها الصحفي البريطاني جوليان ايفانس يوم التقى بها في برلين عن الحياة في ألمانيا: "البيروقراطية الالمانية عصية على الاختراق أكثر من رومانيا"! ويصف أحد الفصول السريالية الغريبة في روايتها "أرض الخوخ الاخضر" وداع الراوي بعد أن أصبحت موضع شك سياسي: "عندما رفعتْ غطاء السرير، وجدتْ أذن خنزير على الملاءة. رفعت الملاءة وهززتها ولكن الاذن بقيت ملتصقة بها كأنما هي زر مثبت بها".


لم تكن هيرتا هي الاولى من الفائزين في الاونة الاخيرة بجوائز نوبل الذين تناولوا قضية الاقليات فهناك الكاتب الفرنسي جان ماري لوكليزيو للعام 2008، والكاتبة المسرحية والروائية النمساوية الفريده جيلينك للعام 2004، والروائي الهنغاري اليهودي ايمري كيريتس للعام 2002، والكاتب المسرحي والروائي الصيني تشاو زينغ تشيان للعام 2000، والشاعرة البولندية فيتسلافا سيمبروسكا للعام 1996.
رُشحت روايتها الاخيرة التي أصدرتها العام الحالي 2009 بعنوان "كل شيء أملكه أحمله معي" لجائزة الكتاب الالماني وتم اختيارها ضمن ستة أعمال تتنافس على الجائزة التي لم تعلن نتيجتها بعد. تطرح الرواية رحلة شاب ألماني الى معسكر للعمل في الاتحاد السوفياتي كنموذج على مصير السكان في ترانسلفانيا بعد الحرب العالمية الثانية. وقد استندت في كتابها على مذكرات كاتب يدعى اوسكار باستيور التي قامت بمراجعتها وعلى ذكريات أمها عن تلك الفترة.

كان انتاجها الاول عبارة عن مجموعة قصصية نشرت في بوخارست بعنوان "الارض المنخفضة" وصدرت عام 1982 بعد أن حذفت منها الرقابة بعض المقاطع. ثم أصدرت مجموعتها الثانية بعنوان "التانغو القاهر" في العام 1984، وقدمت أول رواية بعنوان "جواز السفر" في العام 1986 في برلين، ثم نشرت نصوصاً نثرية بعنوان "شباط عاري القدمين" في برلين عام 1987، كما نشرت في ذات العام نوفيلا بعنوان "الرجل الفارغ المطلق". ومن أعمالها المميزة التي جذبت أنظار النقاد اليها كانت رواية "السفر على قدم واحدة" في العام 1989 في برلين، وقد تمت ترجمتها الى الانجليزية في العام 1992، وكذلك رواية "أرض الخوخ الاخضر" التي صدرت عام 1994 في هامبورغ، وحققت شهرة وتمت ترجمتها الى الانجليزية في العام 1996، ورواية "الموعد" التي صدرت عام 1997 في هامبورغ أيضاً، وترجمت الى الانجليزية عام 2001. وليس آخرا روايتها الاخيرة التي صدرت هذا العام "كل شيء أملكه أحمله معي". ومن أشعارها ديوان "امرأة تعيش في عقدة شعر" صدر في العام 2000، وديوان "الملك ينحني ويقتل" الذي أصدرته عام 2003 في ميونخ، ودواوين أخرى.

يمتاز أسلوب هيرتا في القصة والرواية بالنثر الشاعري حيث يتحول النص الى ما يشبه قصائد نثرية تعكس أجواء الخوف الذي يسكن أعماق شخصياتها. ويتسم أدبها باحساس رقيق في اللغة سواء أكان نثراً أم شعراً، كما تنظر بعين أمينة الى حد القسوة الباردة نحو تفاصيل الحياة في رومانيا الشيوعية، غير أن النقاد يأخذون عليها صعوبة أسلوبها، حيث أن متابعة تسلسل السرد في قصصها ليس بالامر السهل على القاريء إدراكه. كما أنها يؤخذ عليها اهتمامها بنقل الصورة من خلال اللغة والوصف أكثر من الحدث ذاته، ويتحول الوصف الامين أحيانا الى جو من الكآبة. كتبت ميريل روبين في صحيفة لوس انجليس تايمز عن رواية "الموعد" تقول: "مثل روايتها السابقة، والتي تجسد عالماً من الخوف والعصاب والاضطراب، فإن رواية "الموعد" ليست سهلة القراءة".

حصلت مولر على عدد كبير من الجوائز الالمانية في الشعر والنثر بدءاً من العام 1981، ويكاد يصل الامر حد فوزها بجائزة كل عام! ومن الجوائز المهمة التي حصلت عليها قبل نوبل هو فوز روايتها "أرض الخوخ الاخضر" بجائزة دبلن الدولية الادبية في العام 1998. كما خصصت مجلة تكست كريتيك الادبية الالمانية الرفيعة عدداً بأكمله عنها. وقد انسحبت مؤخرا من الجمعية الدولية للكتّاب عندما علمت ان هناك نية لدمج الفرع في ألمانيا مع فرعها الاخر في برلين احتجاجا على ضم بعض الكتاب الذي عملوا سابقا مع الشرطة السرية.

ومن روايتها "كل شيء أملكه أحمله معي" أقتطف النص التالي: "حملت معي كل شيء كان عندي. لم تكن في الواقع لي. إما أنها كانت تستخدم لغرض آخر او لشخص آخر غيري. الحقيبة المصنوعة من جلد الخنزير كانت في الاساس صندوق الغراموفون. والمعطف كان لأبي. والبنطال القصير من عمي ادوين. والجرابات الطويلة استعرتها من جارتي السيدة كارب، والقفازات من عمتي فيني. أما الوشاح الحريري وحقيبتي الشخصية وحدهما كانتا لي من هدايا أعياد الميلاد السابقة.

كانت ما تزال الحرب مشتعلة في كانون الثاني عام 1945. لقد صُدموا ونحن في عز الشتاء عندما علموا بأن الروس سوف يأخذونني الى مكان لا أعلمه، فأراد كل واحد أن يعطيني شيئاً، حتى لو لم تكن له فائدة. في الحقيقة لم يكن هناك شيء على الارض يمكن أن يساعدني في ذلك الموقف. ولم يكن هناك خلاص لي: اسمي على قائمة الروس. أعطاني كل واحد شيئاً ورسم في ذهنه النتيجة التي توصل اليها. حملت الاغراض، ووصلت وأنا آنذاك في سن السابعة عشر الى النتيجة التالية: الوقت مناسبا للذهاب بعيداً. كان بامكاني القيام بذلك بدون تلك القائمة. أردت الذهاب بعيدا عن هذه البلدة حيث كل الحجارة لها عيون".

وفي مكان آخر كتبت تقول: "رجلا بوليس- روماني وروسي- أخذا القائمة من بيت الى بيت. كانت تلك هي الدورية. لم أعد أعرف أي شيء، أو إن كانا قد نطقا في بيتنا كلمة معسكر. واذا لم يفعلا ذلك، فما هي الكلمة الاخرى –غير روسيا- التي نطقا بها؟ واذا كانا قد فعلا ذلك فإن كلمة معسكر لم تخفني. برغم الحرب وصمت الموعد حول عنقي، كنت ما أزال في السابعة عشر استمتع بطفولة شقية مرحة. كنت أسمع كلمات مثل الالوان المائية واللحم، ولكن دماغي كان أصماً عن كلمة معسكر".

تُعدّ هيرتا مولر من أكثر الكتّاب تقديراً في ألمانيا. ومنذ أن ظهرت على الساحة الادبية لاول مرة عام 1982 حينما نشرت مجموعة قصصية بعد أن أجازتها الرقابة في بوخارست وحذفت منها، فقد نشرت ما يزيد عن عشرين كتاباً منذ ذلك الحين. ورغم أنها تعيش في ألمانيا منذ اثنين وعشرين عاماً، إلا أنها لم تنفك تنشغل بقضايا وطنها الام وخصوصا الاقلية الالمانية فيه، في تلك المرحلة الصعبة من تاريخ العالم بأسره. تقول: "كانت أهم تجربة في حياتي هي العيش تحت النظام الديكتاتوري في رومانيا. وعيشي على بعد مئات الكيلومترات منها في المانيا لا يمحو ببساطة تجربتي الماضية. لقد حملت معي ماضيّ عندما غادرت. تعلمت أن أستمد معنى حياتي من كتابتي. أردت أن أعيش على القيم التي حلمت بها. الكتابة بالنسبة لي السبيل الذي أعبّر به عما لم أتمكن من أن أحياه".

وقد استضافها المعهد الثقافي الروماني في بوخارست في عام 2007 لتقرأ مقتطفات من كتابها الاخير "سيدة تعيش في شينون"، وهو ديوان شعر يقوم على مبدأ الكولاج الذي امتاز به شعرها منذ أن أصدرت ديوان "الحارس يأخذ مشطه معه" في العام 1993 والذي احتوى على 94 قصيدة تقوم على فكرة الكولاج حيث تقتطع الشاعرة كلمات أو مقاطع من مجلات وتجمعها معاً بعدة طرق. وقد بدأ اهتمامها بشعر الكولاج حين كانت ذات مرة في رحلة سفر فقامت بملء البطاقات البريدية العادية بكلمات ومقاطع مأخوذة من المجلات.في حوار أجرته إذاعة رومانيا الدولية معها في شهر آب عام 2007 قالت هيرتا: لقد أثرت فيّ الموسيقى الشعبية الرومانية لأنها مرتبطة كثيرا بالوجود بطريقة لها معنى. لم يكن الفلوكلور الالماني ملهماً لي البتة." واضافت أنه لم يكن أحد يتكلم الرومانية في بلدتها. وحين تعلمت الرومانية فيما بعد، فقد وجدت كم هي مختلفة عن الالمانية. الاستعارات في الرومانية أكثر حسية ومباشرة للمعنى، ولهذا أرادت تعلم اللغة. وتضرب مثلا فتقول "في الرومانية فإن ذرات الثلج هي "دموع صغيرة" بينما في الالمانية هي "كرات أيار الصغيرة". الامر ليس مجرد اختلاف في اللغة بل اختلافاً بين عالمين. عند رؤية نجم ساقط، يقول الرومانيون أن أحدا قد مات، أما الالمان فيضمرون أمنية طيبة".

تطرح أعمال هيرتا مولر قضايا الدمار الانساني للديكتاتورية والاحساس بالضياع وفقدان الجذور في معاناة المنفى السياسي. طرحت في أعمالها القصصية الاولى وبالذات "الارض المنخفضة" و"التانجو القاهر" موضوع النفاق السياسي والقهر الذي لا يرحم الذي يتعرض له غير الموالين، كما صورت العقلية الفاشية للاقلية الالمانية وفسادها وعدم تسامحها. ولذلك تعرضت لنقد شديد في وطنها على محاولتها تحطيم الصورة الساحرة البسيطة للحياة الالمانية الريفية في رومانيا.

تقدم هيرتا صوتا أميناً الى درجة القسوة وحزيناً الى درجة فظيعة، وتصوغ مشاهداتها ببساطة لا تعرف الخوف، وتجعل مشاهد العنف اللفظي الذي يقوم به الكبار في العائلة واضحا ومؤلما للقاريء مثلما هو للطفل. ويخفف من شدة القمع الذي تتناوله جمال نصها السردي وومضات السخرية التي تستخدمها، كما يخفف منها ما تتصف به أعمالها من لغة شعرية صافية واستعارات وتوريات رمزية تتكرر في غالبية أعمالها.

تعكس الكثير من أعمالها جوانب من سيرتها الذاتية وتاريخ بلدتها. فرواية "جواز السفر" عام 1986 تؤرخ جهود عائلة فلاح الماني روماني للحصول على جواز سفر لمغادرة البلد. وبعكس أعمالها السابقة، فإن هذه الرواية تفضح فساد القرية القاسي، من خلال اظهار فساد المسؤولين من مدير البريد الى الكاهن، الذين يسعون للحصول على مكاسب شخصية وجنسية من اولئك الساعين للحصول على جواز سفر لمغادرة البلد.

قال الناقد جيسون باسكين من مجلة شيكاغو ريفيو في مقالة له عام 2002: "في أعقاب الجرائم التي ارتكبت باسم الامة والعرق، فقد وجد الافراد أنفسهم مدفوعين لحماية هوياتهم وإقامة خطوط دفاع شفافة في وجه الاضطهاد. لقد أعادت روايات هيرتا مولر الحياة الى نضال الناس العاديين".

أما رواية "السفر على ساق واحدة" التي صدرت عام 1989 فتتطرق الى مشكلات الاقامة والاستقرار في الغرب، والشعور بالاغتراب الذي يعصف بحياة المنفي السياسي. أما في رواية "الثعلب كان هو الصياد" التي كتبتها عام 1992 فإن الشخصية الرئيسة هي مدرّسة يطاردها البوليس السري. تصوّر هذه الرواية تشظي الذات الذي يصيب أمة بأكملها يحكمها الخوف. ووصف وليم فيرغسون في مقالته في جريدة نيويورك تايمز عام 1999 رواية "السفر على قدم واحدة" بأنها رواية قصيرة متميزة، وقد يكون الحدث فيها قليلاً، ولكن تم تصوير وعي بطلتها ايرين بصورة رائعة حيث يصبح الهم السياسي هو الهم الذاتي.

أما رواية "أرض الخوخ الاخضر" التي كتبتها في العام 1994 فتعد عملها الاهم وألاكثر غنى من حيث تصوير الحياة تحت الديكتاتورية الرومانية حيث تربط بين طفولة الراوي المقموعة والاضطهاد القاسي للدولة.

تمتاز رواية "أرض الخوخ الاخضر"، كما يشير الى ذلك الناقد لاري وولف في مراجعته للرواية التي نشرها في صحيفة نيويورك تايمز عام 1996، بالتفاصيل الجغرافية الواضحة التي تسعى بواسطتها المؤلفة الى خلق ما يشبه الشعر الجميل من البشاعة الروحية والمادية للحياة في رومانيا. تبدو الرواية التي تصور دولة يحكمها لصوص يسرقون الخوخ كأنها حكاية خرافية عن الشر والجشع والغباء والقسوة. إن قدرة هيرتا لا تتبدى في تصوير الحياة في رومانيا تشاوشيسكو بل في اعادة انتاج تجربة النفي، فبعد أن تهرب الشخصيات الى ألمانيا فانه ما يزال يؤرقها الاحساس بغياب الحرية حيث كانت وبالاحساس المر بالاغتراب في مكانها الجديد.

* اللوحة أعلاه بعنوان الغجرية النائمة للفنان الفرنسي هنري جوليان روسو من المدرسة ما بعد الانطباعية البدائية (1844-1910)

** نشرت المقالة أعلاه في جريدة الدستور /الملحق الثقافي بتاريخ 16/10/2009.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق