السبت، مايو 23

مسرحية صندوق الرمل


مسرحية
صندوق الرمل The Sandbox

للكاتب المسرحي: إدوارد ألبي Edward Albee
ترجمة وتعليق: اياد نصار

مسرحية قصيرة لأجل ذكرى جدتي (1876-1959)

الممثلون

الشاب ،25 سنة، جميل الطلعة، قوي البنية ، يلبس ملابس السباحة

الأم ، 55 سنة، حسنة الهندام، إمرأة ذات شخصية قوية

الأب ، 60 سنة، رجل صغير، أشيب ، نحيف

الجدة ، 86 سنة، إمرأة صغيرة البنية، حكيمة، ذات عيون براقة

عازف الموسيقي ، ليس بعمر معين، ولكن من المستحسن أن يكون شاباً

ملاحظة: عندما ينادي الاب والام بعضهما بعضاً بأسمائهما خلال سير المسرحية ، يجب ألا يكون هناك أي إيحاء بالجهوية أو المناطقية. هذه الاسماء تخلو من العاطفة وتشير الى مرحلة ما قبل الخرف والخواء في شخصيتيهما.

المشهد: مسرح بسيط يحتوي فقط على الاشياء التالية: قريباً من الاضواء الامامية الارضية للمسرح وفي أقصى جهة اليمين، مقعدان الى جانب بعضهما يواجهان النظّارة. قريباً من الاضواء الامامية الارضية للمسرح وفي أقصى جهة اليسار يوجد كرسي يواجه يمين المسرح وأمامه حامل للنوتة الموسيقية ، وفي أقصى الخلف من المنتصف وبوضع عالٍ مائلٍ صندوق رمل للاطفال مع لعبة سطل ومجرفة، والخلفية هي السماء التي تتغيرمن وضح النهار الى سواد الليل الحالك.

في البداية، إنه وضح النهار. الشاب يقف على المسرح وحيداً خلف صندوق الرمل باتجاه أحد جانبي المسرح ويقوم بأداء تمارين رياضية. يظل يمارس التمارين الرياضية حتى نهاية المسرحية تقريباً. ويستخدم في هذه التمارين الذراعين فقط وتوحيان بخفقان واضطراب الاجنحة. الشاب هو في النهاية ملاك الموت.

تدخل الام والاب من يسار المسرح. الام أولا.

الام (تتحرك نحو الاب): حسناً ها قد وصلنا. نحن على الشاطيء.

الاب (متذمراً): أشعر بالبرد

الام (تجحده بضحكة صغيرة): لا تكن سخيفاً. إنها دافئة مثل قطعة الخبز المحمص. أنظر الى ذلك الشاب هناك. لا يعتقد أنها باردة. (تلوح بيدها الى الشاب) مرحباً.

الشاب (بابتسامة تحبب): مرحبا

الام (تنظر حولها): هذا سيكون رائعاً، ألا تظن ذلك؟ هناك رمل ومن خلفه ماء. ما رأيك؟

الاب (على نحو واهٍ): مثلما تقولين.

الام (بذات الضحكة الصغيرة): نعم. طبعاً مثلما أقول. إذن إتفقنا. أليس كذلك؟

الاب (ينتفض): إنها أمك وليس أمي.

الام: أعرف أنها أمي. ماذا تظنني؟ (فترة توقف) حسناً الان. دعنا نتقبل الامر على ما يرام. (تصرخ في الاجنحة على يسار المسرح) أنت! هناك! بامكانك الدخول.

(يدخل عازف الموسيقى ويجلس في كرسي على يسار المسرح، ثم يضع لوحة النوتة الموسيقية على الحامل، ويصبح جاهزاً لبدء العزف. تهز الام رأسها موافقة)

الام: حسن كثيراً ، حسن كثيراً. هل أنت جاهز يا زوجي؟ لنذهب لنحضر أمي.

الاب: كما تقولين.

الام (تقود الطريق الى الخارج من يسار المسرح): بالطبع مثلما اقول. (تنظر الى العازف) بامكانك البدء الان.

(يبدأ الموسيقيّ العزف. تخرج الام والاب ، بينما يستمر العازف في أثناء ذلك بالعزف ويهز رأسه باتجاه الشاب)

الشاب( بذات الابتسامة المحببة): مرحبا.

(بعد لحظة ترجع الام والاب يحملون الجدة. يحملونها بأيديهم من تحت ابطيها. متصلبة. ساقاها مرفوعتان للاعلى، وقدماها لا تصلان الارض. يوحي التعبير على وجهها القديم بالحيرة والخوف)

الاب: أين نضعها؟

الام (بذات الضحكة الصغيرة): حيثما أقول بالطبع. دعني أرى. حسناً ...جيد. هناك. في صندوق الرمل. (فترة توقف). ماذا تنتظر؟ صندوق الرمل!

(يحملان الجدة الى صندوق الرمل ويلقيانها فيه)

الجدة (ترفع نفسها الى وضع الجلوس، وصوتها يصبح ما بين ضحكة طفل وبكائه) آآآآآآآآخ . آآآآآآآآآآآآه

الاب (ينفض الغبار عن نفسه): ماذا نفعل الان؟

الام (الى العازف): بامكانك التوقف الان. (يتوقف العازف) ،(تحول نظرها ثانية الى الاب) ماذا تقصد ماذا نفعل الان؟نذهب هناك ونجلس بالطبع. (تنظر الى الشاب) مرحبا من هناك.

الشاب (يبتسم مرة أخرى): مرحبا

(تتحرك الام والاب الى المقاعد في يمين المسرح ويجلسان. فترة توقف)

الجدة (مثلما في السابق): آآآآآآآآآآآآآآآآآآآخ! آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه!

الاب: هل تعتقدين .. هل تعتقدين أنها .... مرتاحة؟

الام (بفارغ الصبر): وكيف لي أن أعرف؟

الاب (فترة توقف): ماذا حري بنا أن نفعل الان؟

الام (كما لو أنها تتذكر): نحن ... ننتظر. نحن ....... نجلس هنا ......... وننتظر. هذا هو ما نفعله؟

الاب (بعد فترة توقف): هل يجب أن نتحدث مع بعضنا؟

الام (بتلك الضحكة الصغيرة، تنزع شيئاً عن فستانها): حسناً، يمكنك الحديث إذا أردت... إن كان بامكانك أن تفكر بأي شيء لتقوله... إن كان بامكانك أن تفكر بأي شيء جديد.

الاب (يفكر): لا... لا أظن ذلك

الام (بضحكة منتصرة): بالتأكيد لا!

الجدة (تضرب المجرفة اللعبة بالسطل) آآآآآآآآآآآخ! آآآآآآآآآه!

الام (ترفع صوتها) كوني هادئة يا أمي. كوني هادئة وانتظري.

(الجدة تعفر حفنة تراب من المجرفة على الام)

الام (ما تزال تنظر الى النظّارة) أتعفرين رملاً علي؟! يجب أن تتوقفي عن ذلك. أمي يجب أن تتوقفي عن القاء الرمل علي! (الى الاب) إنها تعفر الرمل عليّ.

(ينظر الاب الى الجدة التي تصرخ عليه)

الجدة: آآآآآآآآآآآآآه

الام: لا تنظر اليها. اجلس هنا وحسب... كن هادئاً .... وانتظر. (الى عازف الموسيقى) أنت..هيا.. إفعل ما يجب عليك فعله.

(يعزف الموسيقى، الام والاب بلا حراك يحدقان النظر أبعد من النظّارة. تنظر الجدة اليهم، تنظر الى عازف الموسيقى، تنظر الى صندوق الرمل، وترمي فيه المجرفة)

الجدة: آآآآآآآآآآآآآخ! آآآآآآآآآآآه! (تتوقع ردة فعل، فلا تنال شيئاً. تتوجه مباشرة الى النظّارة): بأمانة! يا لها من طريقة للتعامل مع سيدة كبيرة في السن! جُرّوها خارج البيت.. ضَعوها في سيارة.. أخرجوها من المدينة.. تخلصوا منها بإلقائها في كومة من الرمل.. واتركوها هنا لتنتهي. إنني في السادسة والثمانين! لقد تزوجت عندما كنت في السابعة عشر من عمري الى مزارع. لقد مات وأنا في الثلاثين. (الى عازف الموسيقى) هل لك أن توقف ذلك من فضلك؟ (يتوقف الموسيقيّ عن العزف). إنني إمرأة عجوز ضعيفة... كيف تتوقعون أن يسمع أي شخص حديثي مع وجود ذلك الصوت! بيب! بيب! بيب! (تتحدث الى نفسها) لا يوجد إحترام هنا. (توجه كلامها للشاب) لا يوجد إحترام هنا!

الشاب (بذات الابتسامة): مرحبا!

الجدة (بعد توقف، تستأنف نظرتها الحانية نحو النظّارة) توفي زوجي عندما كنت في الثلاثين، (وتشير الى الام) فكان علي أن أربّي تلك البقرة الكبيرة هناك بمفردي. يمكنكم أن تتخيلوا كيف كان ذلك. يا الهي! (الى الشاب) من أين أتوا بك؟

الشاب: أووه..إنني هنا منذ فترة.

الجدة: أراهن أنك كذلك. ههه، ههه، ههه. هل لك ان تنظر الى نفسك!

الشاب (يمد عضلاته): أليس ذلك شيئاً رائعاً؟ ( بينما يستمر في تمارين الرياضة)

الجدة: آوه يا ولد.. سأقول جيدا تماما.

الشاب (بتحبب يقلدها): سأقول.

الجدة: من أين أنت؟

الشاب: جنوب كاليفورنيا.

الجدة ( تهز رأسها): ما هو اسمك يا حبيبي؟

الشاب: لا أعرف ...

الجدة (الى النظّارة): وذكي أيضا!

الشاب: أقصد .. أقصد، أنهم لم يعطوني واحداً بعد... الاستديو

الجدة (تنظر اليه نظرة تفحص سريعة): لا تتكلم.. لا تتكلم.. حسناً.. يجب أن أتحدث المزيد.. لا تذهب بعيداً.

الشاب: آوه ، لا.

الجدة (توجه انتباهها مرة أخرى الى النظّارة): لا بأس، لا بأس. (ثم تلتفت بنظراتها مرة أخرى الى الشاب) أنت .. أنت ممثل، أليس كذلك؟

الشاب (تشرق نظراته): نعم أنا كذلك.

الجدة (الى النظّارة مرة أخرى، وتنتفض) أنا ذكية في ذلك. على أية حال، كان علي أن أربي .. تلك التي هناك بمفردي، والذي يقف الى جانبها هناك. هذا الذي تزوجته. غني؟ سأخبرك... نقود ، نقود، نقود. لقد أبعداني عن المزرعة ، والذي كان عملاً راقياً حقيقة منهما. وأخذآني الى البيت الكبير في المدينة معهما، وخصّصا لي مكاناً لطيفاً تحت الموقد.. وأعطياني بطانية للجنود.. وطبقي.. طبقي الخاص بي! فماذا بقي لدي هناك لأشكو منه؟! لا شيء بالطبع. أنا لا أشكو. (تنظر أعلاه الى السماء، تصرخ الى أحد خارج المسرح) أليس من المفروض أن تصبح ظلاماً الان يا عزيزي؟!

(تخبو الاضواء، يحل الليل. يبدأ عازف الموسيقى بالعزف. يصبح الليل حالك السواد. هناك بقع من الضوء المسلطة على كل الممثلين ومن ضمنهم الشاب الذي يستمر بالطبع في تمريناته الرياضية)

الاب (بجلبة): لقد حل الليل.

الام: ششش. كن هادئاً ... انتظر

الاب ( يتأفف) إنها حارة للغاية

الام: ششش. كن هادئاً ... وانتظر

الجدة (الى نفسها): هكذا أفضل. الليل. (الى عازف الموسيقى) عزيزي هل لك أن تعزف هذا الجزء كله؟ ( يهز العازف رأسه). حسناً لتكن جميلة وهادئة. أنت ولد طيب. (يهز الموسيقيّ رأسه، ويعزف موسيقى هادئة) هذا جميل.

(هناك جلبة خارج المسرح)

الاب (يتحرك) ماذا كان ذلك؟

الام (تشرع في البكاء): لم يكن شيئاً.

الاب: لقد كان ... لقد كان.. الرعد.. أو موجة تتكسر.. أو أي شيء.

الام (تهمس من خلال عبراتها): لقد كانت جلبة خارج المسرح... وأنت تعرف ماذا يعني ذلك...

الاب: نسيت.

الام (بالكاد قادرة على الكلام): انها تعني أنه قد حان الوقت للمسكينة أمي... وأنا لا أستطيع إحتمال ذلك.

الاب (خالياً من أي تعبير): أنا .. أنا أعتقد أنه عليك أن تكوني شجاعة.

الجدة (باستهزاء): نعم يا ولد. كن شجاعاً سوف تتحمل، سوف تتغلب على ذلك.

(جلبة أخرى صوتها أعلى خارج المسرح)

الام: آوووووووه.... آوووووووه

(صمت)

الجدة: لا تشعلوا الانوار بعد. أنا لست جاهزة. لست جاهزة تماماً. (صمت). حسنا يا عزيزتي.. لقد أصبحت جاهزة.

(تعود الاضواء مرة أخرى، يصبح الوقت وضح النهار. يبدأ الموسيقيّ بالعزف. يكتشفون أن الجدة ما تزال في صندوق الرمل تضطجع على جنبها وترتكز على كوعها، نصفها مغطى بالرمل وهي مشغولة بعفر الرمل على نفسها)

الام (تدمدم) لا أعرف ماذا يتوجب علي أن أفعل بهذه المجرفة اللعبة الملعونة...

الاب: ماما! انه وضح النهار!

الام (باشراق): إنها فعلا كذلك. حسناً! لقد انتهى ليلنا الطويل. يجب أن نضع الدموع جانباً. ننزع عنا الحداد ، ونواجه المستقبل. إنه من واجبنا.

الجدة (ما تزال تعفر الرمل وتستهزيء): ننزع عنا الحداد ، ونواجه المستقبل. يا الهي!

(تنهض الام والاب) يمطّان جسديهما. تلوح الام الى الشاب.

الشاب (بتلك الابتسامة ذاتها): مرحبا!

(الجدة تمثل دور الميت ! تذهب الام والاب لرؤيتها. مدفون أكثر من نصفها بقليل في الرمل. والمجرفة في يديها المتصالبتين على صدرها)

الام (عند صندوق الرمل، تهز رأسها) رائع! إنه .. إنه من الصعب أن تحزن.. وأنت تراها تبدو سعيدة للغاية. (بكبرياء وإيمان) من المجدي أن نقوم بالاشياء على ما يرام. (الى العازف) حسناً، يمكنك التوقف الان إذا أردت. أقصد خليك هنا للسباحة أو أي شيء. لا مانع لدينا. (تتنهد بعمق) حسناً، هيا بنا.

الاب: أنت أم شجاعة!

الام: أنت أب شجاع!

يخرجان من يسار المسرح)

الجدة (بعد مغادرتهما، تستلقي بهدوء تماما): من المجدي القيام بالاشياء على ما يرام... يا ولد آوه يا ولد. (تحاول النهوض).. حسناً يا أولاد. .. (لكنها تجد أنها لا تستطيع).. لا ..لا أستطيع النهوض.. لا استطيع أن أتحرك...

(يتوقف الشاب عن تمريناته الرياضية، يهز رأسه الى عازف الموسيقى ، يمشي الى الجدة، يجثو على ركبتيه عند الصندوق)

الجدة: لا .. لا أستطيع

الشاب: ششش.. إبقي هادئة

الجدة: لا .. لا أستطيع

الشاب: آوه .. سيدتي.. ما يزال يوجد سطر هنا.

الجدة: آوه، أنا آسفة يا حبيبي، هيا تابع

الشاب: أنا ... آوه

الجدة: خذ وقتك يا عزيزي

الشاب (يستعد ويؤدي السطر مثل شخص هاوٍ): أنا ملاك الموت. أنا آوه.. لقد جئت من أجلك.

الجدة: ماذا .. ماذ..( ثم باستسلام) .. أووووووه فهمت الان.

(ينحني الشاب فوق الجدة ويقبلها برفق على جبهتها)

الجدة (عيناها مغلقتان، يداها مطويتان على صدرها مرة أخرى ، والمجرفة بين يديها، وابتسامة حلوة على وجهها) حسناً .. لقد كان ذلك رائعاً للغاية يا عزيزي...

الشاب (ما يزال جاثياً): ششش... كوني هادئة...

الجدة: ما قصدته.. لقد قمت بذلك بشكل رائع يا عزيزي.

الشاب (خجلاً): ... آوه ...

الجدة: كلا.. أنا أعني ما أقول. لقد فعلت ذلك. لقد فعلتها بإتقان

الشاب (بابتسامته المحببة) آوه.. شكرا لك. شكرا جزيلا لك.. يا سيدتي

الجدة (ببطء وبسرعة بينما يضع الشاب يديه فوقها) أنت .. أنت على الرحب والسعة.. يا عزيزي

(تظهر لوحة مشهد. يستمر عازف الموسيقى بالعزف بينما تسدل الستارة ببطء).

المؤلف:

إكتسب إسم إدوارد ألبي شهرة واسعة بعد أن إقترن إسمه بمسرحيته الناجحة (من يخاف من فرجينيا وولف؟) عام 1962. وبالطبع فرجينيا وولف هي روائية إنجليزية وكانت من أبرز كتاب تيار الوعي في الرواية الذي عرف أيضا الايرلندي جيمس جويس ، وقد شكل موتها صدمة للاوساط الادبية حيث أقدمت على الانتحار بعد أن أصيبت بانهيارت عصبية. ولد المسرحي الامريكي في عام 1928 في ولاية فرجينيا، لكن والديه الحقيقيين تخليا عنه ، فتم تبنيه بعد ولادته وأخذ الى أسرة في نيويورك. كان والده الذي تبناه إبن رجل أعمال ثري لديه سلسلة من المسارح الفنية ومن هنا تعرف إدوارد على عالم المسرح وهو ما يزال بعد طفلاً. طرد من كلية ترينيتي كوليج عام 1947 بسبب عدم انتظامه بالدروس ورفضه حضور الصلوات الالزامية. غادر منزل أبويه وهو في العشرينات الى الابد. وقد قال أنه لم يشعربالراحة ابداً لدى أسرته الجديدة ، وأن أبويه بالتبني لم يكن لديهما فكرة عن ماذا يعني أن تكون أباً أو أماً! وربما أنا لم أعرف أن أكون إبناً جيداً!

قضى حوالي عشر سنوات بعدها يعمل في أعمال مختلفة كي يعيل نفسه. وقد جرب خلال هذه الفترة كتابة الشعر والقصة القصيرة قبل أن يجد موهبته في المسرح. اشتهر بمسرحياته العديدة ومن أهمها: قصة الحيوانات عام 1958، صندوق الرمل عام 1959، الحلم الامريكي عام 1960، من يخاف من فرجينيا وولف عام 1962.

المسرحية:

بعد نجاح مسرحيته الاولى وهي قصة الحيوانات عام 1958 فقد شرع في كتابة مسرحية بعنوان الحلم الامريكي ، ولكنه عُهد اليه أثناء كتابتها وضع مسرحية أخرى قصيرة لمهرجان دولي للمسرح. وقد إستوحى شخصياتها من ذات المسرحية الاخرى التي كان يشتغل عليها، ولكنه فيما بعد قال أن مسرحية صندوق الرمل برغم قصرها كانت أكثر مسرحياته المفضلة الى نفسه.

تتألف المسرحية من فصل واحد وهي تستغرق حوالي خمس عشرة دقيقة على المسرح. تنتمي المسرحية الى تيار اللامعقول أو العبث Theatre of the Absurd الذي عرف كتاباً مسرحيين مشهورين مثل صامويل بيكيت في مسرحية (في إنتظار غودو). تتحدث المسرحية عن محنة بطلتها الجدة التي تتعرض الى الاهمال من قبل إبنتها وزوجها رغم أنها تحملت شقاء الحياة وحيدة بعد أن توفي زوجها وهي في الثلاثين وقامت بتربية إبنتها بمفردها حتى تزوجت من رجل غني. يمثل شاب في المسرحية دور ملاك الموت لذلك يبقى على خشبة المسرح يمارس تمريناته الرياضية باستخدام تحريك وخفقان ذراعيه كالاجنحة مما يوحي بأنه ملاك للموت يبقى حاضراً في ذهن الجميع وكأن الكل ينتظر تلك اللحظة. كما يظهر في المسرحية عازف للموسيقى لا يتكلم شيئا سوى العزف او التوقف عن العزف حسب اشارات وتعليمات الشخصيات الاخرى له بما يوحي بأجواء جنائزية.

بالاضافة الى الجدة، هناك شخصية الام والاب الذين يبدو واضحاً الصراع الخفي وعدم الانسجام بينهما. وأكثر ما يلفت الانتباه هو الخواء والعبث في تصرفاتهما بلا معنى وهما على شاطيء البحر حيث هناك صندوق للرمل يلهو به الاطفال، ولكن ليس ثمة أطفال هنا، إنما هناك الجدة التي وضعاها في صندوق الرمل ومن حولها لعبة مجرفة وسطل في رمز للقبر وإهالة التراب عليها، وهذا ما نراه في ختام المسرحية حيث يغطي الرمل أكثر من نصفها ويأتي الشاب الذي يمثل ملاك الموت فيجثو عند صندوقها ليقوم بمهمته الاخيرة.

نلاحظ طبيعة العلاقة المتوترة الساخرة المتأهبة التي تتأثر لأدنى اختلاف في وجهات النظر التي تدور بين شخصية الام المسيطرة التي تقرر تصرفات الاخرين، في مقابل استكانة زوجها الذي نراه خالياً من أي انفعال أو تعبير في الحديث عن الجدة، أم زوجته. وهذا يتحول الزواج بينهما كما يقول المؤلف في مستهل المسرحية الى زواج التكيف بدلاً من الحب ويصبح خالياً من أية عاطفة.

تنتقل المسرحية في بدايتها من وضح النهار الى حالك ظلمة الليل في آخرها، وكأنها بذلك تمثل دورة الحياة منذ الميلاد الى الموت


* اللوحة أعلاه بعنوان صندوق الرمل للفنانة رينيه كوتيس / هاواي

هناك 6 تعليقات:

  1. غير معرف7:48 م

    السلام عليكم استاذ اياد
    استاذى الفاضل بداية انوه بحسن اختيارك ومجهودك الرائع فى انتقاء المسرحية وادراج كل ما يخصها من معلومات توضح بعدها الادبي وتحلل رموزها الفنية.
    لقد تنوعت بالفعل اساليب الكاتب المسرحي ادوارد وتنقل دائما فى مؤلفاته بين الواقعية والخيالية وعرض فانتازيا خلابة اثرت المسرح الطليعي الاميركي .وانت استاذ اياد بترجمتك السلسة وفرت لنا فرصة الاطلاع على احدى اعمال ادوارد التى تمحورت حول القيم الاجتماعية ورغم كونها مسرحية قصيرة الا انها تشير الى اجتماعيات وخصال بالمجتمع وتاثيرها على الافراد وحياتهم.
    اسلوبك فى ترجمة المسرحية ناجح وبليغ جدا فقد تناولتها بمفردات واتعابير رفيعة المستوى ادبيا عميقة المعاني فصار بحوزتنا نصا جذابا ينم عن لغة راقية ورصيد فكري ثري .
    تالقك واجتهادك افرزنصا بمنتهى الجمال والرونق ذو مغزى اجتماعي وادبي هادف سلمت يداك ودمت قلما بارا بالفكر والادب حيثما كان.
    اللوحة المدرجة جميلة بالفعل لكن ربما لوحة اخرى تكون اكثر تعبير عن فحوى النص هذا ما احسسته و اعتذر عن اى تجاوز .
    تقبل استاذى فائق التقدير من تلميذتك الوفية عفاف.

    ردحذف
  2. لقد منحت كتاباتي الكثير من روائع أفكارك وتعليقاتك. لك مني عفاف الرائعة خالص الثناء والود والتقدير.
    كما في كل مرة لا يفوتك جوهر العمل الادبي، وتشرق عباراتك الجميلة الرشيقة بوهج النقد الواعي. أشكر لك اخلاصك ووفاءك وتوقفك الدائم الذي يسعدني لما أحظى به من روعة كتاباتك واشاراتك. سلمت يداك الغالية ولك مني كل الامتنان, يليق بقلمك كل الجمال الذي تنثرينه على أوراقي الثقافية. مع كل محبتي وتقديري

    ردحذف
  3. شكرا لك اختيارك الموفق وتعليقك الذى يعطى للنص حرية أوسع ولا يغلق علينا بمصطلحات صعبة.
    شكرا لك وننتظر منك المزيد.
    سمر شريف

    ردحذف
  4. سعدت كثيرا بمرورك الجميل يا سمر، وسعدت أكثر بتفاعلك واستمتاعك بمسرحية صندوق الرمل وما كتبته حولها بهدف التعريف بالكاتب وتوجيه اضاءات على بعض مضامين المسرحية ومراميها وايحاءاتها. لك تحياتي.

    ردحذف
  5. المسرحية تحفة فنية وعبقرية فريدة...
    فعلا
    قلبي علي ولدي انفطر وقلب ولدي علي حجر
    يبدو انني ننحدر في مجتمعاتنا العربية نحو هذه الهوة السحيقة...
    المسرحية تثير الكثير من الشجن في النفوس وبلاغتها واضحة رغم قصرها...

    شكرا لك استاذنا الغالي

    ا.د. عبدالرحيم درويش

    ردحذف
    الردود
    1. الاستاذ الدكتور القدير عبد الرحيم درويش..أهلا بك ضيفاً عزيزا على هذه النافذة الثقافية. اشاطرك الرأي وتذوقك الادبي المرهف لهذه المسرحية البديعة والمثقلة بإشاراتها الرمزية في كشف اللامعقول والعبثي من حياتنا المعاصرة. لعل ما يعطي هذا العمل صفة الديمومة والخلود هو احساس القاريء على اختلاف المجتمعات والثقافات واللغات أن العمل يشخص أمراض مجتمعه وثقافته وينقل صورة انسانية عابرة لخصوصيات المكان والزمان. لك مني كل التحية والترحيب. وشكرا على تعليقك.

      حذف