الجمعة، يناير 7

الرواية الاردنية في عام 2010

الرواية الاردنية في عام 2010

إيـاد نصـار
* نشرت في جريدة الدستور الاردنية بتاريخ 7/1/2010

كانت سنة 2010 سنة الرواية الاردنية بامتياز. نالت الرواية نصيب الاسد من الاصدارات الابداعية الاردنية، وحظيت بنشاطات وتفاعلات نقدية مواكبة الى حد ما، وبكتابات ذات اهتمام كان يميل في مجمله الى السرد الروائي من خلال مؤتمرات وندوات ولقاءات وأمسيات طيلة العام. كما استمرت حفلات توقيع الروايات الجديدة، وغطت على ما سواها من إصدارات شعرية أو قصصية أو مسرحية. بل إن مجموع ما صدر من مجموعات قصصية أو دواوين شعرية يكاد لا يعدل نصف ما صدر من الرواية. ويبدو أن شهية الكتّاب في الاردن قد تفتحت على الرواية في ضوء هذا الاهتمام بالرواية عربياً وعالمياً، كما تفتحت شهية دور النشر على طباعة الروايات ونشرها وتسويقها. واذا لم يكن هذا كافياً، فقد نالت الجوائز، التي ذهبت في معظمها الى الرواية، اهتماماً عالمياً بفضل جوائز نوبل وغونكور وأستورياس وبوليتزر وبريمو بالينتا والبوكر وأورانج وغيرها، ولسنا نأتي بجديد إذا قلنا أن الرواية تحتل الصدارة الان بين الانواع الادبية. واذا كان هذا الزمن زمن الرواية عالمياً وعربياً، فإنه كان كذلك أردنياً.

غير أن هذا الانتشار الواسع للرواية في الاردن لم يكن من غير أعراضٍ مصاحبةٍ لا تحمل دلالات ايجابية. بقيت الصحافة الثقافية الاخبارية هي المنفذ الاساس والرئيس الذي يسعى اليه الكاتب كي يحظى بشرف الكتابة عن إصداره الجديد، ووصل الأمر في بعض الحالات أن يعمد الكاتب الى تحرير خبر الاعلان عن روايته بنفسه، ويضمنه شيئاً من النقد أو المديح الذي يشيد بها وبأهميتها وبفرادة ما تطرحه من قضايا، أو تتميز به من أساليب روائية. ولعل ما عزز أهمية العامل الصحفي هو انتشار الصحيفة إلكترونياً الى جانب انتشارها الورقي، بينما بقيت العوامل الاخرى التي يفترض أن تلعب الدور الاهم شبه غائبة. لم تنجح دور النشر في إقامة معارض شعبية قريبة من متناول الناس، وبقيت مكتفية بما تناله من مبيعات في أثناء انعقاد المعارض العربية أو من خلال البيع الى مؤسسات ثقافية أو وزارات أو جامعات أو مدارس. وهكذا ورغم هذا الزخم في الانتاج الروائي، والحضور الواسع للرواية في المشهد الإبداعي الأردني، بقيت الروايات بعيدة عن اهتمام المواطن الاردني العادي، وظلت مقتصرة في الغالب الاعم على جمهور الكتاب والمثقفين والصحفيين المتابعين للاصدارات الجديدة، الذين يحصلون في معظم الاحيان عليها على سبيل الاهداءات. وظلت التغطية النقدية للاصدارات الجديدة نخبوية انتقائية تراوح حول عدد قليل من الروايات، وتستند الى اعتبارات عدة يكاد يكون آخرها العمل نفسه، أو ميزته النقدية، بل ترتكز الى أمور أخرى كاسم الكاتب أو الشهرة أو الصداقة أو الاعتقاد بأن الناقد المحترف يجب ألا يتناول الاصوات الجديدة خشية أن يفسر عمله أنه من باب المجاملة أو المصلحة. وهكذا لم تحظ الروايات الاولى، سواء أكانت لكتاب معروفين كانوا من قبل قصاصين أو شعراء ودخلوا عالم الرواية، أو كانت من ابداع أولئك الذين ظهروا لأول مرة، باهتمام يذكر. وهذا الاهمال للأصوات الروائية الجديدة يثير الاستغراب، وخاصة أنه يوجد في دول العالم، وبالذات الدول الغربية، جوائز مخصصة للرواية الاولى للكاتب، والتي من شأنها ابراز التجارب الروائية الجديدة التي يلمس النقاد أنها ناضجة ومتميزة أو واعدة.

ولما كانت المؤسسات الثقافية في غالبيتها في حالة شلل إداري، أو تعاني من عجز عن التواصل مع المجتمع المحلي، أو تقوم بالتخطيط على نحو ارتجالي في كثير من الحالات، بحيث لا تتمكن، أو لا ترغب، بشكل جدي وحقيقي في الاعلان عن نشاطاتها بشكل واضح ومكثف وتحشد الحضور بشكل دائم، فقد ظلت حفلات توقيع الرواية الجديدة أو الندوات أو اللقاءات أو الفعاليات المتعلقة بها تشكو من غياب الجمهور الحقيقي الذي تتوجه هذه الروايات له. وفي حالات كثيرة لم يكن يزيد عدد الحضور عن نفر قليل، وفي حالات أخرى لم يتمكن صاحب الاصدار الجديد من بيع سوى نسخ ربما أقل من أصابع اليد الواحدة.

صدر في عام 2010 خمس وعشرون رواية أردنية جديدة امتدت من "بالأمس كنت هناك" لزياد أحمد محافظة الذي يقيم في الامارات، الى "حوض مالح" لحسين نشوان الذي كان مسك الختام لروايات العام. ولا يشمل هذا العدد تلك الروايات التي صدرت طبعات جديدة منها. وأعتقد أن هناك روايات أو محاولات روائية أخرى صدرت عن مطابع أو دور نشر، ولكنها بقيت حبيسة الادراج والرفوف وقوائم دور النشر، ولم تنل فرصة الاعلان عن صدورها. وهناك كتاب لا يجدون من يفتح لهم الطريق للظهور، أو الاعلان عن أعمالهم، أو من يستضيف الاصوات الجديدة منهم، وبهذا تضيع مواهب روائية أو تبقى مغمورة لأنها لم تجد الرعاية لإثبات الذات والانتشار. حظي عدد قليل من الروايات بتغطية في الصحف والمجلات المحلية والعربية، وبكتابات نقدية في الملاحق الثقافية الاسبوعية والشهرية، بالاضافة الى المجلات والدوريات الفصلية، إضافة الى عقد ندوات للحديث عنها أو لقاءات مع مؤلفيها، في حين لم يحظ جانب كبير منها سوى على خبر يتيم في الصحافة اليومية إلا ما تناقلته بعض وسائل الاعلام الالكترونية كالمدونات والمنتديات، والتي تكون عادة بمبادرة من الناشر أو الكاتب نفسه. وفي حين حظيت بعض الروايات باهتمام من محرري الصفحات الثقافية، ولأكثر من مرة خلال العام، ومن كتّاب عدة يعملون في الصحيفة نفسها، والذين تراوحت مقالاتهم بين العرض والتقديم وبعض الاضاءات النقدية الخاطفة، لم تحظ روايات أخرى حتى بشرف نشر صورة الغلاف! وفي كثير من الأحيان كان يبدو واضحاً أن إعادة النشر على هيئة خبر صحفي أو تقديم نقدي موجز في صفحة يومية لم يكن الهدف منه سوى إبقاء الرواية في الذاكرة، وفي متناول الاقلام والالسن، كي يمتد التأثير ويتسع الى الدوائر المحلية والعربية، وخاصة تلك التي لها صلات بالتحكيم في الجوائز الروائية المختلفة.

وقد تراوحت فضاءات الروايات الجديدة، وأساليبها، ومدارسها الأدبية، وثيماتها، وقضاياها، ومعالجاتها الفنية واللغوية، وزمكانها الروائي على طيف واسع من المحاور والالوان. لم تثر أي من الروايات الجديدة أية ضجة أو زوبعة اعلامية أو تتعرض للمنع أو المضايقات، ولكن قيل بأن رواية "وجوه في مرايا متكسرة" للكاتبة والاعلامية الاردنية منى الشرافي، التي تقيم في بيروت، وتعمل هناك، قد منعت من دخول الكويت لكونها تطرح قصة شاب يتعرض للاغتصاب على يد معلمه فيصبح مثلي الجنس. ويعيد هذا الأمر الى الأذهان مسألة منع رواية "الطريق الى بلحارث" لجمال ناجي من دخول المملكة العربية السعودية والى الان لأنها تناولت قضايا اجتماعية في إطار من المعالجة السردية التي تمتاز بالمزاوجة بين التصريح والايحاء وتوظيف عوالم العاطفة والجنس والشهوة في طرح قضايا الحب والخيانة واستغلال المرأة والعلاقات الخفية ومشكلات الاغتراب في مجتمع صحراوي محافظ في منطقة نائية في جنوب غرب المملكة العربية السعودية.

وفي استعراض عناوين الروايات الجديدة التي صدرت لمؤلفين أردنيين خلال عام 2010 وأسماء مؤلفيها وناشريها، نلاحظ حضوراً بارزاً للمرأة، حيث صدرت تسع روايات لأصوات نسائية، أكثر من نصفهن يكتبن الرواية لأول مرة:

- بالأمس كنت هنا، زياد أحمد محافظة، دار الفارابي، لبنان.

- جونة العربية، صرخة في وجدان النائمين، يحيى الشوبكي، سلسلة إصدارات وزارة الثقافة الاردنية.

- والهمس لا يتوقف أبدا، ليلى نعيم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت – عمان.

- صرة المر، عبد السلام صالح، دار الفارابي، لبنان.

- شرفة العار، ابراهيم نصر الله، الدار العربية للعلوم – بيروت، ومنشورات الاختلاف - الجزائر.

- في البال، غصون رحال، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت – عمان.

- رغبات ذاك الخريف، ليلى الأطرش، سلسلة التفرغ الابداعي، وزارة الثقافة الاردنية.

- خلاصات النزف، د. أحمد العرود، المركز القومي للنشر، إربد، الاردن.

- الشتاء المرير، آسيا (خولة) عبد الهادي، دروب للنشر والتوزيع، الاردن.

- سفر برلك ودروب القفر، سليمان القوابعة، سلسلة التفرغ الابداعي، وزارة الثقافة الأردنية.

- اغتراب امرأة، هدى الرواشدة، دار فضاءات، الاردن.

- تماثيل كريستالية، رشا عبدالله سلامة، دار أزمنة، الاردن.

- رعاة الريح، ابراهيم زعرور، دار فضاءات، الاردن.

- حجاب من نوع آخر، ناديا العالول، الاردن.

- أبناء السماء، يحيى القيسي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت – عمان.

- التلعة، حسين العموش، مطابع الدستور، الاردن.

- مفتاح الباب المخلوع، د. راشد عيسى، دار أزمنة، الاردن.

- يحيى، سميحة خريس، دار ثقافة للنشر والتوزيع، الاردن.

- حيثما لا تسقط الأمطار، أمجد ناصر، دار الآداب، لبنان.

- الخيط الأسود، جمال القيسي، الدار العربية للعلوم – بيروت، والدار الأهلية للنشر – عمان.

- شهرزاد في حضرة رئيس الجمهورية، سعاد موسى أبو عمارة، دار المأمون للنشر والتوزيع، الاردن.

- وجوه في مرايا متكسرة، منى الشرافي، الدار العربية للعلوم - بيروت.

- مدينة لا تخرج من البيت، محمد السمهوري، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت - عمان

- بندورة الحية، مخلد بركات، بدعم من أمانة عمان الكبرى

- رومينا، نبيهة عبد الرازق، دار فضاءات، الاردن

- حسين نشوان، حوض مالح، دار فضاءات، الاردن

روايات بثوب جديد:
امتاز عام 2010 بكثرة صدور طبعات جديدة لروايات لمؤلفين أردنيين معروفين، وقد نال ابراهيم نصر الله الجانب الأكبر في اصدار طبعات جديدة من رواياته العديدة، حيث أعيدت طباعة ثماني روايات من مثل "شرفة الهذيان"، و"شرفة رجل الثلج"، و"زمن الخيول البيضاء"، و"تحت شمس الضحى"، و"زيتون الشوارع"، و"بسم الام والابن"، بالاضافة الى أعمال الروائي جمال ناجي، الذي أعيد إصدار الطبعتين الثانية والثالثة من روايته "عندما تشيخ الذئاب"، وكذلك ظهرت طبعة سابعة جديدة من روايته الاولى، التي لفتت الانظار منذ صدورها قبل أكثر من ربع قرن، وهي "الطريق الى بلحارث". كما أعيد إصدار الطبعة الثانية من رواية ليلى الأطرش "رغبات ذاك الخريف". وأعيد طباعة رواية هزاع البراري "تراب الغريب" والتي صدرت في عام 2007 ضمن إصدارات مشروع مكتبة الأسرة الذي تشرف عليه وزارة الثقافة الاردنية. وعلى صعيد آخر في الإطار نفسه، شهد العام الماضي والذي سبقه موقفاً غريباً من قبل وزارة الثقافة حين تقدم التمسك الشكلي بنص الاتفاقيات الموقعة مع الروائيين على الهدف من جوهرها أو العمل بروحها. كانت هناك مطالبات ومناشدات متكررة وبالحاح من قبل الروائي جمال ناجي عبرت عنها مقالاته التي استغرب فيها من رفض وزارة الثقافة السماح له باعادة طباعة روايته "عندما تشيخ الذئاب" بعد أن نفدت طبعتها الاولى ، تمسكاً لم يكن له من داعٍ بنص اتفاقية التفرغ الابداعي التي تنص أن الرواية تبقى من حق الوزارة لمدة سنتين، ومع التغيير الوزاري الذي شمل وزارة الثقافة، فقد سمحت للمؤلف أن يتصرف بها كما يشاء، وخاصة بعد وصولها للقائمة القصيرة لجائزة البوكر. وفيما يلي عناوين الروايات التي أعيدت طباعتها خلال العام، وكان من الملاحظ أن معظم الروائيين المعروفين قد أعادوا طباعة كتبهم هذا العام من خلال الدار العربية للعلوم في بيروت، والتي قيل أنها دفعت مبالغ كبيرة للروائيين لقاء طباعتها.

ابراهيم نصر الله:
- شرفة رجل الثلج، الطبعة الثانية، شرفة الهذيان، الطبعة الثالثة، زمن الخيول البيضاء، الطبعة الرابعة، زيتون الشوارع، الطبعة الثالثة، أعراس آمنة، الطبعة الثالثة، تحت شمس الضحى، الطبعة الثالثة، بسم الام والابن، الطبعة الثانية، وكلها صدرت عن الدار العربية للعلوم - بيروت ومنشورات الاختلاف- الجزائر، ودار مكتبة كل شيء - فلسطين.

جمال ناجي:
- عندما تشيخ الذئاب، صدور الطبعتين الثانية والثالثة، الدار العربية للعلوم ـ بيروت، ومنشورات الاختلاف ـ الجزائر.

- الطريق الى بلحارث، طبعة سابعة، دار فضاءات، الاردن

قاسم توفيق:
- صدرت الطبعة الثانية من رواياته الثلاث: "ماري روز تعبر مدينة الشمس"، و"عمان ورد أخير"، و"حكاية اسمها الحب" عن دار فضاءات، الاردن

صبحي فحماوي:
- حرمتان ومحرم، صدور الطبعة الثانية عن دار الفارابي، لبنان بعد أن كانت قد صدرت عن دار الهلال المصرية في عام 2007.

هزاع البراري:
- تراب الغريب، بمناسبة إصدارها ضمن مشروع مكتبة الأسرة، حيث أنها صدرت في عام 2007.

ليلى الأطرش:
- رغبات ذاك الخريف، بمناسبة صدور الطبعة الثانية، الدار العربية للعلوم - بيروت.


ويذكر أن رواية ليلى الأطرش فازت بجائزة أفضل رواية أردنية بحسب منظمي حفل توزيع جوائز الاردن أووردز الذي عقد في البحر الميت في شهر تشرين الأول من العام الماضي لتكريم نجوم الغناء والدراما والاخراج في الاردن والعالم العربي. وكان لافتاً للنظر تخصيص جائزة لأفضل رواية استثناء دون أنواع الابداع الاخرى كالقصة أو الشعر أو المسرح، كما لم يصدر أي شيء عن الجهة المنظمة يبين على أي أساس نقدي أو تحكيمي تم اختيار الرواية.

شهد العام الماضي نشاطاً واضحاً للروائي صبحي فحماوي الذي استمر في اصدار مجلة الرواية الالكترونية، كما شارك في لقاءات نقدية في مدن عدة من المملكة حول رواياته، وخاصة "الاسكندرية 2050" و"قصة عشق كنعانية" اللتين صدرتا في أعوام سابقة عن دار الفارابي وعن دار الهلال بالقاهرة، وكان آخر هذه اللقاءات الندوة التي أقيمت في مؤسسة شومان في أوائل شهر كانون أول، وقدمه فيها الدكتور يوسف بكار، وحضرها عدد من الادباء والنقاد والمهتمين.

حققت الرواية الاردنية حضوراً بارزاً على صعيد العالم العربي، فقد أعلن في شهر آذار الفائت اسم الرواية الفائزة بالبوكر لعام 2009، وإن لم تكن قد حققت الرواية الأردنية فوزاً بها، فقد وصلت رواية جمال ناجي "عندما تشيخ الذئاب" الى القائمة القصيرة، وحظيت بتغطيات نقدية واعلامية مكثفة في عدة عواصم عربية وعالمية. كما ضمت القائمة التي وضعها الروائي الأمريكي مات ريس، ونشرتها جريدة الغارديان البريطانية، رواية "براري الحمّى" لإبراهيم نصرالله، التي صدرت في عام 1985 وترجمت الى عدة لغات، وقد اعتبرتها الصحيفة واحدة من ضمن أهم عشرة كتب عبرت عن العالم العربي، بفضل روحها الحداثية وعوالمها التي تمتاز بالغموض والتشظي والأوجه المتعددة والبحث عن اجابات في المناطق الرمادية بين الواقع والحقيقة.

ما تزال الرواية الأردنية وخاصة في عام 2010 مغرمة بأدب المكان والتعبير عنه، وعن تجلياته، والتغييرات التي تطرأ عليه عبر مراحل زمنية مختلفة، وما يزال الروائي الأردني، سواء أكان من الكتاب المعروفين أم من أصحاب التجارب الجديدة، شديد الالتصاق بالمكان، بحيث يصبح المكان هو البطل في بعض الأحيان، أو يكون هو الفضاء المسيطر، ويصبح الانشغال الأهم لدى الروائي ليس التعبير عن جوانب من تجارب الشخوص ومعاني حياتها، وخاصة الابطال منهم، فأبطاله شخوص عاديون يمكن أن يوجدوا في أي مكان، وهم صور مصغرة لنماذج مألوفة في المجتمع، وإنما يبرز المكان المغلف بنزعة الحنين ضمن سياق إبراز مراحل من التاريخ السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي للمكان، وخاصة مدينة عمان، حيث تمتليء الروايات بصور المكان، وأوصافه، وحكاياته، واشاراته من خلال التركيز على المقاهي، والأدراج، والفنادق الشعبية، وبسطات الكتب، والصحف، وصالات السينما، والأحياء القديمة، ومعالم المدينة التاريخية، التي ترد في معرض الانشغال بأنسنة المكان رغم قسوة الحياة، وتجسيد الحنين الى تاريخ المدينة الماضي حين كانت الحياة أقل تعقيداً، وأكثر عفوية وبساطة وفقراً، ولكن أقل تبايناً في الجانب المادي والعمراني بين شرقها وغربها. في كثير من الروايات الغربية المعاصرة، تكاد تختفي خصوصية المكان لتصبح الفضاء الانساني الاعم، بينما في الرواية الاردنية، لا تزال التجربة الفردية ليست حرية بإبراز قيمتها في معزل عن المكان. وإن ما يزال المكان لدينا لم ينل حقه من الاحتفاء الفني والروائي به، فإن الالتصاق بالمكان في إطار تاريخي من النوستالجيا هو نوع من التعويض عن ضحالة التجارب الفردية للشخوص، التي لا تجد ما يثير الاهتمام في عاداتها الحياتية اليومية.

وقفت الرواية الأردنية وبقوة الى جانب الحراك الاجتماعي والنضال النسوي ضد ما يسمى بجرائم الشرف، وقد شكلت رواية "شرفة العار لابراهيم نصر الله مساهمة مهمة وفاعلة في حشد تأييد واسع ضد اضهاد المرأة بشكل عام، وضد استمرار انتهاك حقوق المرأة وحقها في الحياة بشكل خاص، من خلال إقامة نشاطات أدبية ونقدية على نحو مكثف طيلة العام، وفي مواقع مختلفة في عمان وخارجها من الثامن من آذار الذي صادف يوم المرأة العالمي، وهو التاريخ الذي وقّع فيه المؤلف روايته في مكتبة ريدرز في مجمع كوزمو وحتى نهاية العام. ورغم أن جريمة الشرف ليست موضوعاً جديداً تطرحه الرواية لأول مرة، حيث سبق أن تناولته عدة روايات أردنية وعربية، إلا أنها المرة الأولى التي تصبح فيه هي الموضوع الأساس والمهمين على كل جوانب الرواية وحياة شخوصها.

النقد والرواية
لم تواكب حركة النقد الروائي المنشور هذا الزخم من الابداع الروائي كما ينبغي، ولم يشهد العام سوى صدور عدد قليل من المؤلفات النقدية التي تتناول الرواية الاردنية. وقد حظي كتاب الدكتور غسان عبد الخالق "مقاربات في تجربة مؤنس الرزاز الروائية" بتغطية اعلامية واسعة استمرت طيلة العام ما بين ندوات وحلقات نقاش وحفل توقيع الكتاب أكثر من أي إصدار آخر يتناول الرواية. غير أن المجلات الثقافية الاردنية والملاحق الادبية في الصحافة الاردنية كرست جانباً كبيراً من موادها المنشورة الى نشر مقاربات وتحليلات نقدية للاعمال الاردنية وخاصة في مجال الرواية، علاوة على الدراسات والابحاث والمقالات التي تتناول مسائل معينة متخصصة في مجال الرواية الاردنية ومسيرتها خلال الخمسين عاماً الماضية. وفي ما يلي قائمة بأهم الكتب النقدية المتخصصة بالتجربة الروائية في الاردن والتي صدرت في عام 2010:

- الأعرابي التائه، مقاربات في تجربة مؤنس الرزاز الروائية، د. غسان عبد الخالق، دار ورد، الاردن

- كاميليا الرواية الأردنية، د. نبيل حداد، عالم الكتاب الحديث، الاردن

- سرد الحياة: قراءات في تجارب روائية وقصصية عربية، هيا صالح، وكالة الصحافة العربية، القاهرة

- رواية الأجيال في السرد العربي الحديث، د. زهير محمود عبيدات، دار أزمنة، الاردن.

- تأملات في السرد العربي، د. ابراهيم خليل، دار فضاءات، الاردن

- في الرواية العربية الجديدة، فخري صالح، الدار العربية للعلوم – بيروت، ومنشورات الاختلاف الجزائر.

- الكتابة عند التخوم، الياس فركوح، الدار العربية للعلوم ـ بيروت، ودار أزمنة ـ الاردن

كما شهد العام 2010 إعادة طباعة كتاب الدكتور ابراهيم خليل بنية النص الروائي عن الدار العربية للعلوم بيروت. وكانت الطبعة الاولى من الكتاب قد صدرت عن عمادة البحث العلمي في الجامعة الأردنية. يعد الكتاب اضافة نقدية مهمة تتناول الإرث النظري لأساسيات الرواية والاساليب السردية ومفهوم الزمن الروائي، وعناصر الشخصية والحبكة، وطرح فيه الدكتور خليل مسائل مهمة حول علاقة الراوي بالكاتب، والرواية باللغة. ومن الكتب النقدية التي حظيت بالاهتمام كتاب أستاذ النقد، الدكتور نبيل حداد "كاميليا الرواية الأردنية" الذي يلخص من ناحية معرفية تطور مسيرة الرواية الاردنية من خلال الحديث عن مدارسها وأساليبها المختلفة، وابراز خصائصها التي تميزها عن غيرها من اتجاهات الرواية العربية. أما هيا صالح فتناولت في كتابها الذي وقعته في القاهرة نماذج من الروايات الأردنية والعربية، ومنها على صعيد الرواية الاردنية "حين تستيقظ الأحلام" لمؤنس الرزاز، و"تلك الطرق" لعدي مدانات، و"أرض اليمبوس" لإلياس فركوح، و"الصحن" لسميحة خريس.

شهد الاردن خلال العام الماضي عقد عدة مؤتمرات وندوات تتناول السرد بشكل عام، والرواية بشكل خاص. وقد نظمت أغلبها الجامعات الاردنية العامة والخاصة، فقد عقد مؤتمر "الرواية العربية: الواقع والآفاق" بمشاركة محلية وعربية واسعة من عدد كبير من النقاد والأكاديميين العرب، الذي نظمته جامعة جرش الأهلية، في شهر نيسان الماضي، كما عُقد مؤتمر "آفاق الخطاب النقدي: الموروث السردي العربي في ضوء المناهج النقدية المعاصرة" في شهر آيار الماضي في رحاب جامعة آل البيت. وعقدت فعاليات ملتقى السرد العربي الثاني "دورة مؤنس الرزاز" الذي نظمته رابطة الكتاب الأردنيين في شهر تموز بحضور عدد كبير من النقاد والأكاديميين الأردنيين والعرب، وشهدت حضور نقاد من تركيا لأول مرة.

الرواية الأردنية: مشكلات وآفاق
رغم أن نجم الرواية الأردنية في صعود، ورغم أنها لم تغب عن قوائم جائزة البوكر لثلاث سنوات متتالية، إلا أنها تعاني من غياب الانتشار عربياً وعالمياً. وقد عُقدت خلال العام عدة ندوات بحثت المعوقات التي تواجه انتشار الرواية الأردنية وحضورها عربياً وعالمياً، والصعوبات التي يعاني منها الروائي الأردني. وأكثر ما يطمح اليه الروائي هو نيل الاهتمام والتقدير، اهتمام نقدي يقوم على تحليل العمل في إطار نقدي متخصص بعيداً عن المديح أو الذم، واهتمام من دور النشر في إطار من تقدير الابداع وأهميته، وحفظ الحقوق والعمل الدؤوب لتحقيق وصول الرواية الى كل العواصم العربية، وحماية حقوق المؤلف المالية والفكرية، وتقديم الدعم المادي، وإتاحة المجال لترجمة الروايات الأردنية الى اللغات العالمية المختلفة. ورغم أن نقد الرواية الأردنية يأخذ نصيب الأسد من حيز النقد في الاردن واهتماماته مقارنة بالرواية العربية والعالمية، وخاصة في الندوات والمؤتمرات والصحف والمجلات الأردنية، إلا أن النقد يفتقر في كثير من الأحيان الى منهجية موضوعية، تستند الى خبرات أكاديمية وبحثية، والى إطلاعات واسعة على مدارس النقد ومناهجه. كما تفتقد الساحة الأردنية الى هيئات متخصصة في تسويق الرواية الأردنية، وقلة دور النشر ذات الامكانيات المالية الضخمة التي تنفق في سبيل الارتقاء بجودة الطباعة والاخراج الفني واتساع رقعة الانتشار التسويقي المنظم. وأعتقد أن المشكلة الأكبر التي تواجه الرواية هي المشكلة ذاتها التي تواجه صناعة الكتاب العربي، ألا وهي ضعف القراءة لدى المواطن العربي العادي ، وغياب الايمان بدور الثقافة في الحياة، ما ينعكس على عزوف المواطن عن اقتناء الكتاب، وبالتالي غياب حضور الرواية الأردنية على مستوى الانسان العادي. وفي مقابل هذه المعضلة، لا يبدو أن هناك جهداً ثقافياً واعلامياً، وخاصة في وسائل الاعلام المرئية والمسموعة لتكريس حضور الرواية بشكل مكثف يوازي ما تفعله الرياضة والاعلام الرياضي، والاعتراف بأهمية الرواية في حفظ تاريخ المدينة وتدوين نمط الحياة فيها وعادات سكانها ومزاجها. وكل سنة والرواية الأردنية بخير.

رابط المقال بجريدة الدستور

رابط الصفحة الكاملة (انتظر ريثما يتم تحميل الصفحة)




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق