الأربعاء، يناير 26


مشاركة نقدية حول الرواية في جريدة الغد الاردنية
تحقيق من اعداد القاص والروائي جمال القيسي
كتّاب: السيرة الذاتية عبر عمل روائي غواية لا تقاوم


عمان- الرواية حالة إبداعية دافقة مختلفة عن غيرها من صنوف الإبداع، يعتلي مبدعها أمواجها العالية بروح التجربة والخبرة، يصهر فيها عمرا متراكما من الأحوال، على بياض ورقة من طراز خاص، ويؤكد على بقائها بوحا لا يمكن أن يتأتى بغيرها.

خاضها الشعراء والقصاصون، وخاضها بعض المبدعين بعمل وحيد، ونجد كثيرين ما كان لإبداعهم أن يمتد بدونها؛ فإلى أي مدى يستقيم القول بأن هيمنة الرواية عائد كما يعتقد البعض إلى سهولة ولوجها.

القاص والروائي مخلد بركات، يذهب إلى أنَّ كثيرين توغَّلوا مجاهيل الرواية راحلين عن أجناس إبداعية، مستسهلين عوالمها فولجوها "دونما أدوات حفر معرفي ومخيال وتجربة ثرية، فخرجوا خاليي الوفاض وبخفٍ حُنيني واحد".

ويرى أنَّ البعض تسحبه الرواية لأنَّها "عشقته بغواية أنثى؛ فيمارس هناك طقوس الفضائح، ويخرج من شهره العسل بعمل روائي راق، يملأ جنباتنا بطنين النحل والسؤال والدمعة".

فيما يشير القاص والناقد إياد نصار إلى مقالات نقاد مثل ستيفن كينغز، ج. إم تايري، ستيفن ميلهاوزر، جيمس ف إنغلش، وندي مارتن، وجيسون بووغ حول مستقبل القصة القصيرة ومكانة الرواية، مستنبطا من الدفاع المستميت لإثبات فضائل القصة نبئ بأن الرواية صارت سيدة الأنواع الأدبية.

ويعلق القاص والروائي عدي مدانات على مقولة "إن لكل مبدع روايته"، أن الكاتب قد يقع في غواية تقديم سيرته الذاتية عبر عمل روائي، وغالباً ما ينجح في" تقديم عمل روائي حميم ناجح"، رائيا أن النجاح سيغويه في "متابعة الكتابة الروائية" ما يعسر مهمته فيجد نفسه إزاء معضلة تكرار سيرة حياته عبر وقائع جديدة لم يأت عليها من قبل أو يتوقف عن الكتابة".

ويلفت إلى أنَّه كي يحسن الكاتب الإمساك بقطعة وجيزة من الحياة صالحة للقص، ينبغي أن يكون صياد قصص ماهر خبير، مكرِّساً حياته لهذه المهمة، متفكراً بما حصل عليه منها، عاملاً على إزالة الشوائب منها، حتى إذا فكر بكتابة قصة، فإن ذاكرته ومخيلته تجودان عليها بما يجعل من مهمته الصعبة يسيرة. هذه الصعوبة هي التي تدفع الكاتب لهجر القصة القصيرة لصالح الرواية.

الباحثة الدكتورة أفنان النجار ترى أنّ المتّسع الذي تمنحه الرواية لكاتبها في التّعبير عن تفاصيل حياته ومفرداتها بشموليّة وقدرة استثنائية على التغطية،" لا يمكن للقصيدة أو القصّة القصيرة أن تضطلع بها"، مشيرة الى توجه شعراء وقاصين إلى الإبداع الرّوائي الذي يسرقهم بشكل كبير. وترجع ذلك إلى "أنّ جمهور الرّواية اليوم هو جمهور أعرض من قرّاء الشّعر والقصّة".

وتقلل النجار من اتّساع حضور الرواية على حساب غيرها من الأجناس الأدبيّة الذي تراه لا يشكّل تهديدًا للشّعر الذي سيبقى حاجة للإنسان في كلّ العصور وبخاصة "إذا استثمر الشّعراء الإمكانات الدّراميّة وفضاءات القصيدة الطّويلة"، وما تراه ينسحب على القصّة القصيرة التي ستظلّ "جنسًا أدبيًّا مختلفًا يحتاجه القارئ حين لا يملك متّسعًا من الوقت لقراءة نصّ روائي".

وفي سياق الترابط بين القصة والرواية كحالة سرد يرى بركات أنَّ القاص أقرب إلى روح الرواية لأنَّه "اعتاد أن يُربي فحول السرد في حقوله العميقة"، معتقدا أنَّ القصة القصيرة رواية مضغوطة، أو شقة مؤثثة بالصلف اللغوي. وأكد أنَّ القاص عندما "يتذوق القاص فاكهة السرد الروائي حتما لن يخرج "من هذا الفردوس، أو العذاب أحيانا".

لكن مدانات يرى في القصة القصيرة أمرا مختلفا، لصعوبة "ارتيادها والسيطرة عليها من دون اكتسابها مقومات السرد المكثف وأن تكون على قدر من الخصوصية المشعة التي تتلاقي مع طيف واسع من خصوصيات آخرين ما يجعلها "أبعد منالاً من الرواية وأعصى اقتحاماً"، بما لها من الشروط الصعبة التي لا يمكن تجاهلها، إلا إذا أهدرنا قيمتها، وأضعفنا سلطانها الأسر الباعث على الخدر اللذيذ.

نصار يشير إلى أن تعقيدات الحياة واطلاع الكاتب على مصادر معرفية مختلفة، وتعدد الأوجه التي يعيش خلفها الإنسان الواحد بحسب كل بيئة من بيئاته زاد من قناعة الكثيرين بأن النص القصير قصيدة أم قصة لم يعد كافياً ليلتقط كل هذه المشارب.

ويضيف نصار أن تجارب الانسان المتعددة والمختلفة في اليوم الواحد المتوزعة على وجهات نظر متباينة ومتناقضة أحياناً، فرضت حتمية تعدد الأصوات والشخصيات والأمكنة وتنوع الظلال والمعاني، معتقدا أنه ليس غير الرواية وتالياً المسرح ما يستطيع أن يستوعب هذا في عمل واحد.

ويؤكد هذا بركات بأن تفاصيل الحياة تعقَّدت وتشوهت، وصارت حزماً رقمية جافة، تحتاج إلى جنس إبداعي يحتملها، يغازلها، يخفِّف من غلوائها"، ذاهبا إلى أنَّ "بعض الشعر مراهق عاجز عن تصوير فظاعة العالم، وبعضه متحمس سرعان ما يتحول إلى كومة رماد، والقصة القصيرة أمست وليمة غير مشبعة".

ويرى نصار أنَّ دوافع تحول الكتاب الى الرواية مختلفة فخوض تجربة الرواية مسألة مغرية وثرية، وتنطوي على قدر من التحدي، وتتطلب جهداً كبيراً من العمل على بناء معمار أدبي متعدد الأطياف والعوالم والأمكنة والقضايا والشخصيات والأزمنة.

ويفتح نصار السؤال عن الأسباب والنتائج إذا ما كان انتشار وسائل الطباعة، وكثرة الجوائز الروائية، والرغبة في الشهرة، أو تحقيق عائد مادي، أو غيرها هي التي أدت الى انتشار الرواية أم أن انتشار الرغبة في كتابة تجربة الحياة في شكل رواية في العصر الدافع الى الذاتية والفردية هو الذي مهد الى انتشار طباعتها وتسويقها وكثرة جوائزها وشهرتها.

رابط الموضوع بصحيفة الغد

رابط الصفحة الكاملة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق