الجمعة، ديسمبر 24

تشيماماندا أديشي تعيد طرح أسئلة الهوية في عالم جديد


تشيماماندا أديشي .."ذلك الشيء حول عنقك"
تعيد طرح أسئلة الهوية في عالم جديد
إياد نصار

* نشرت في صحيفة قاب قوسين بتاريخ 14/11/2010

تشيماماندا اديشي .. ربما يبدو الاسم صعباً على النطق بعض الشيء، لكنه ليس أشد صعوبة من مسيرة الكاتبة نفسها، الوافدة من بلد مكتظ سكانياً، ومنكوب بالصراعات والحروب والفقر رغم ثروته النفطية، وينوء تحت المذابح العرقية والطائفية، وفساد الادارة الحكومية وتسلط القيادات العسكرية. إنها الكاتبة التي انطلقت نحو عالم جديد غريب عنها.


تشيماماندا نجوزي أديشي Chimamanda Ngozi Adichie صوت أدبي نيجيري متألق، يعيد الى الأذهان كتابات مواطنها المسرحي والشاعر وولي سونيكا الفائز بنوبل في العام 1986. تكشف مسيرتها عن شابة مهاجرة ومجتهدة، تشق طريقها في عالم الكتابة وتصنع لها إسماً وحضوراً على الساحة الأميركية. منذ أن صدرت روايتها الأولى في عام 2003 "الخبيزة الليلكية"، لفتت اليها الانظار، وأخذت تحصد الجوائز منذ ذلك الحين، كما استقطبت اهتمام النقاد والصحافة ودور النشر، وحجزت لإسمها موقعاً في عالم الرواية والقصة القصيرة المكتوبة بالانجليزية ومسابقاتها المختلفة، وأصبحت اسماً معروفاً بين أدباء الجيل الجديد الذي ظهر مع بدايات القرن الواحد والعشرين، وخاصة من المهاجرين من افريقيا وأميركا اللاتينية وشبه القارة الهندية الى بريطانيا والولايات المتحدة.

تميل أعمالها الى استلهام حياتها الشخصية في وطنها الأم، وتجارب عائلتها كمحور لكتاباتها. تقول إن نيجيريا ستبقى دائما وطنها، لكنها تحتاج أن تبتعد عنها أحياناً كي تتمكن من الكتابة عنها بشكل أفضل، وتضيف أنها عندما ترجع الى وطنها ستكتب عن أبناء نيجيريا المهاجرين في أميركا.

تشيماماندا قاصة وروائية نيجيرية ولدت في العام 1977 ، تقيم في الولايات المتحدة منذ العام 1996، حين قدمت اليها للدراسة وعمرها 19 عاماً. درست الاتصال والعلوم السياسية في المرحلة الجامعية الأولى، ونالت الماجستير في الكتابة الإبداعية من جامعة جونز هوبكنز في ولاية ماريلاند في عام 2003. وفي العام نفسه أصدرت روايتها "الخبيزة الليلكية"، ثم روايتها الثانية في العام 2006 بعنوان "نصف شمس صفراء"، التي نالت عنها جائزة أورانج البريطانية للرواية النسوية، ثم أصدرت مجموعة قصصية في العام 2009 بعنوان "ذلك الشيء حول عنقك".

تزخر أعمالها بشخصيات تعاني ظروفاً قاسية في بلد يواجه الاضطراب السياسي. وهناك الكثير من سيرة حياتها، ومن مشاهد الحياة اليومية التي تدعم رؤيتها بأن الكتابة "هي عن اولئك الذين عانوا ولم يتح لهم أن يقولوا شيئاً، فالكتابة صوتهم". كما تتناول الدين والصراع مع التراث الإفريقي.

حظيت "الخبيزة الليلكية" بإقبال طيب من القراء واستقبال ايجابي من النقاد منذ صدورها، وفي العام التالي 2004 وصلت الى القائمة القصيرة لجائزة أورانج البريطانية، وفي العام 2005 نالت عنها جائزة كتّاب الكومنولث. وتم إدراج الرواية في المنهاج الدراسي الثانوي في ايرلندا، وكجزء من امتحانات اللغة الانجليزية في عدد من المدارس في أميركا وفي أوروبا.

تجري أحداث الرواية في نيجيريا في فترة ما بعد رحيل الاستعمار، حيث "تزدهر"الاضطربات السياسية والمشكلات الاقتصادية ومظاهر الفساد. تعاني بطلتها الشابة كامبيلي وشخصياتها النسائية عموماً من اضطهاد نفسي، وإعتداءات جسدية، وتزمت ديني، ثم تمر بتجارب تتيح لها الاطلاع على نماذج أخرى من الحياة، في إطار عائلي يتسم بالحرية والاعتدال. تعاني البطلة من تأثير صراعات عاطفية وعائلية، تشهد خلالها بروز الجانب الأنثوي والرغبات الجسدية. تقع جريمة مدوية في العائلة، تمثل صدمةً لها وتخلف آثاراً عميقة لا تنمحي لدى كل أفرادها، ما بين التشرد والسجن والتفكك والمعاناة.

تعود بداية أحداث روايتها الثانية "نصف شمس صفراء"، الى ما قبل فترة الحرب الاهلية النيجيرية التي جرت بين عامي 1967 و1970، والتي عرفت بحرب جمهورية بيافرا المنشقة عن الوطن الأم. تعرض الرواية معاناة بطلتيها الشابتين "أولانا" و"كيانين" في ظل النزاعات بين القبائل. تتزوج أولانا من أودينيجبو وترحل هي وابنتها الصغيرة معه للعيش في الجمهورية المتمردة الجديدة، وتنتهي لاجئة في أحد المخيمات، وتعاني سوء التغذية وفقدان الطعام وأجواء الحرب والقصف والغارات. أما كيانين فتقع في غرام رجل بريطاني حل في البلاد لدراسة الفنون الافريقية وتعيش معه. تحاول كيانين الحصول على الطعام بالذهاب خلسة خلف خطوط المحاربين في الجهة المقابلة، لكنها تختفي ولا يعرف أحد مصيرها بعدئذ . تعكس الرواية جوانب من الحب والزواج والخيانة، في أجواء الصراعات السياسية والحرب، وتنقل ملامح الحياة في نيجيريا الستينيات. تم تحويل الروايةالى فيلم سينمائي.

تضم مجموعتها القصصية "ذلك الشيء حول عنقك" اثنتي عشرة قصة، وقد نشر معظمها في دوريات أدبية معروفة في الغرب، وتطرح قضايا الانسان الافريقي وخاصة المرأة فمعظم ابطال القصص نساء يعانين الاضطهاد أو الاستغلال، كما تتناول مشكلات نفسية وعائلية، وأخرى تتعلق بالهجرة والاغتراب، وقسوة الحياة في المجتمع الجديد ( الولايات المتحدة).

تركز الكاتبة في أعمالها على طرح مشكلات الهجرة والتأقلم والتكيف في حياة المهاجرين من افريقيا الى الولايات المتحدة، والحنين الدفين للوطن. وتبرز محاولات المهاجرين في التشبث بقيمهم التقليدية، التي يعتقدون أنها توفر لهم الملاذ من صدمة الانتقال الثقافية الى بلاد الاغتراب الجديدة.

تمتاز كتابات تشيماماندا بلغة سردية أخاذة ذات روح غنائية، أشاد بها نقاد . وتركز على الجوانب النفسية والداخلية لبطلاتها، وما تنطوي عليه من قلق واضطراب وشعور بالتمييز ضدهن واستغلالهن، سواء في بلادهن أو خلال محاولتهن إقامة علاقة انسانية وبناء عائلة في الغربة. لقيت أعمالها استقبالا كبيراً لما تمتاز به من وصف حيوي مكثف للأماكن والناس في نيجيريا...

تؤكد كتابات تشيماماندا أديشي وغيرها من المهاجرين، أن جانباً لا يستهان به مما ينشر من أعمال قصصية وروائية تلقى استقبالا شعبياً كبيراً أو تفوز بجوائز مرموقة هي من كتابات الوافدين من دول الكاريبي مثل جنوت دياز وإيدويج دانتيكا، أو من شبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا من مثل سنيترا جوبتا، وجومبا لاهيري، وحنيف قريشي. وتطرح كتاباتهم مسائل مهمة مثل الهجرة، وواقع حياة الاقليات في الغرب، والمقارنة بين نموذجين وعالمين وما يتخللها من معاناة نفسية، والعلاقة بين الرجل والمرأة في ضوء تطورات العصر، والدين والعنف، وأزمة الهوية والانتماء، والإحساس بالتهميش.

تشيماماندا صوت واعد، سيكون لها حضور بارز في تشكيل مستقبل السرد في السنوات المقبلة.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق