السبت، يناير 29

لغة الدم في الثقافة العربية


لغة الدم في الثقافة العربية


اياد نصار

"يكره الانسان الظلم خشية أن يكون من ضحاياه، وليس لأنه يترفع عن فكرة اقترافه" أفلاطون، كتاب الجمهورية

ما زال الادباء والفنانون والكتاب والرسامون والمسرحيون والمفكرون والصحفيون ودعاة النهضة والتنوير والتغيير في العالم العربي، ونحن في مستهل القرن الحادي والعشرين، يتعرضون لصورٍ شتى من الاضطهاد الفكري، الذي تمارسه جهات عديدة، كالحكومات والجماعات الايدولوجية، والاحزاب، والمؤسسات، والهيئات الاجتماعية ذات الطبيعة القبلية أو التقليدية المحافظة، وبعض منظمات المجتمع المدني، والافراد. ولا يبدو من خلال الاطلاع على جوانب عديدة من تجارب المبدعين في ثقافات أخرى، ومقارنتها بتجارب مبدعينا المغمسة بآلام ومرارة المنع والحظر والمصادرة والقمع والاعتقال والسجن والغرامات الباهظة ـ وفي بعض الحالات التهديد بالموت أو النفي اللذين بلغا ذروة في مرحلة سابقة وخصوصاً في النصف الثاني من القرن العشرين ـ أن هناك انفراجاً حقيقياً، ليس على صعيد علاقة السلطة بالمثقف، بل وحتى على صعيد قبول الانسان العربي للابداع الذي يختلف مع آرائه، وقناعاته، ومعتقداته الدينية والايدولوجية، وتوجهاته، وذوقه، واعتباراته الجمعية التي تفرض عليه إطاراً، لا يستطيع الخروج عنه.

ولا يبدو، أن هناك أملاً كبيراً في إحترام حق الانسان العربي في الابداع الحر، أو حتى في مجرد السماح بتوظيفٍ فنيٍّ لبعض المفردات أو الصور أو المعاني ذات الطبيعة الدينية على أساس إحترام حق الابداع، والدفاع عنه انطلاقاً من الايمان بحرية التفكير والتعبير.

وما تعرض له الشاعر الفلسطيني موسى حوامدة عبر محاكمات متتالية حركتها ضده جهات مختلفة في الاردن عندما أصدر ديوانه "شجري أعلى" في العام 1999 ليس إلا مجرد حالة من مئات الحالات في الوطن العربي التي لم تتوقف حتى هذه اللحظة، ولم تكن آخرها محاكمة الشاعر الاردني اسلام سمحان للسبب ذاته، عندما أصدر ديوانه الاول "برشاقة ظل" في العام 2008. فما بالك اذا كان هذا الابداع يتناول تاريخ شخصيات تاريخية أو دينية أو سياسية اكتبست في الذاكرة الشعبية صفة تكاد تقترب من القداسة، وتحرّم الاقتراب منها بغير التمجيد، ناهيك عن الابداع الذي يتأمل في جوهر القيم والمباديء والافكار والموروثات، فيطرح من حولها اسئلة النقد أو الرفض أو الشك في صدقيتها، أو في أقلها التمحيص بصحة روايتها.

والصورة أكثر قتاماً عندما نتحدث عن حق الابداع في إطار من التفكير الحر الذي يتعارض مع بعض المسلمات الاجتماعية والدينية والفكرية المختلفة. ما يزال الانسان العربي مضبوعاً بالخوف من فتح الابواب أمام حرية الفكر والنقض والتساؤل والتفلسف، فتراه يبرر ويبارك ممارسة الاضطهاد بإسم حماية الثوابت والمقدسات تارة، وبإسم حماية الذوق والمجتمع الذي نصب نفسه وصياً عليه تارة أخرى، وتارة ثالثة بإسم الخوف على مصير البشر إن هم أطلقوا لعقولهم العنان في التأمل، والتفكير، والنقد، والتساؤل، والشك، وغير ذلك من نشاطات ذهنية، تهدف الى بناء منظومة فكرية جديدة، أو ممارسة الرغبة في التطوير والتغيير.

ويكاد لا يتوقف الاضطهاد بصوره وأشكاله المختلفة عند فن معين دون آخر. روايات يتم منعها ومصادرتها كل يوم. بل إن السخرية في الامر أن بعضها تمضي عليها سنوات وهي على رفوف المكتبات وبين أيدي الناس بكل أمن وسلام، الى أن يأتي شخص أو جهة ما، وتثير زوبعة حولها، فإذا بها تصبح في عداد المواد "شديدة الخطورة" ومتهمة وراء القضبان! دواوين شعر أو قصائد بعينها تدار حولها سجالات بهدف التحريض والضغط لمنعها ومصادرتها ومحاكمة شعرائها! وتنقلب الامور دائماً من مجرد اعتراض على عمل ابداعي الى خلق رأي عام رافض يمارس التهديد والوعيد! وتشتعل النار الهائجة لتأكل الاخضر واليابس، وتفرض ألواناً من التخويف الفكري لمجرد وشايات، أو تناول فج غير متخصص أو ناضج لبعض الاعمال اعتماداً على قراءات سطحية للاعمال! ولا يكاد يخلو مجال أدبي أو فكري أو فلسفي أو فني أو صحفي أو سينمائي أو غيره من مجالات الانتاج الابداعي من صور قديمة أو حديثة لممارسة الاضطهاد بحق مؤلفيها.

ويبدو أن الاضطهاد الفكري للمبدعين الذين يقدمون أعمالا جديدة تحرك المياه الراكدة له جذور عميقة ضاربة في تاريخ الثقافة العربية، وراسخة في الوجدان الشعبي. بل أزعم أن كثيراً من صور الاضطهاد كانت تلقى تأييدا شعبياً واسعاً. ولا يثير ذلك إستغرابي، ما دام يرتكز على مبررات راسخة تاريخياً تدعي الحقيقة وتمارس الوصاية، وتستحلّ توظيف الدين لصالح ممارساتها بحق المخالفين والمعارضين، بادعاء أنها تهدف لحماية الانسان والمجتمع وصون الاخلاق! كما تقوم في أساسها على قبول تهميش الفكر والابداع، لأنه لا شيء يعلو في نظر من يتنطع لذلك على مهماتهم السماوية التي يمارسونها. فلا يبقى أمام المبدع سوى الصمت أو التمجيد! ولكن هناك دائما من يرفض أن يسير مع التيار ورغبات السلطة أو الجماعات المتنفذة. وليس هذا بجديد. فقد عرف تاريخ الثقافة العربية نماذج تاريخية شكلت حافزاً لدعاة التغيير لتمثل تجاربهم.

هناك نماذج عديدة كثيرة مؤلمة الى حد السخرية من حجم القهر الذي مثلته في الذاكرة العربية، ليس في العصور الحديثة، وإنما كذلك في العصور السابقة. هناك نماذج كثيرة حريّة بالبحث لاكتشاف أسبابها الحقيقية وظروفها، لنتعرف على نوازع الفكر العربي التي ما تزال تدفعه بقوة لممارسة الاضطهاد، وتغري جماعات ومؤسسات وأفراد بمزيد من التطرف ورفض أي خروج مهما كان صغيراً عن النسق العام. ويبدو لي أن جذور المشكلة راسخة في الذاكرة الجمعية العربية. والسؤال الذي يبقى يتردد هو: هل نجحت اساليب الاضطهاد وأسبابها المعلنة في لجم الابداع وتدجين الفكر؟ أم حولت القتيل الى مشروع خالد من السقوط المشرِّف، ومن رفض القمع بكافة اشكاله؟ أم أظهرت تهافت الاسباب التي كان يُتذرّع بها، أو حتى تهافت فكر من كان ينظر الى هذه الاسباب على أنها خطر مصيري! هناك العشرات من النماذج التي تؤكد أن تاريخاً طويلا من الاضطهاد الفكري قد تحول الى عملاق ليس من السهل التخلص منه، ويجري توظيف هذا العملاق من قبل بعض الجهات والجماعات لفرض أجندات عامة على المجتمع بأكمله، مستغلة الصورة التي يتم تصويرها بها على أنها تقود جيوش الفضيلة وكتائب الاخلاق ونبذ من يفكر باعلان التمرد عليها!

تكاد تكون صور الاضطهاد التاريخية الماضية نسخة عن النماذج المعاصرة، باستثناء بعض التفاصيل. وأعتقد أن النماذج المعاصرة لكثرتها، تحتاج الى جهد هائل لتوثيقها ودراستها، وتلمّس بواعث الاضطهاد وأسبابه التي كانت تنطلق من مواقف تدعي الحكمة والحقيقة الواحدة! إن دراسة الاسباب مهمة لأنها تتيح لنا فهم نوازع الاضطهاد وبواعثه وسلوكياته التي لا تعرف غير لغة الدم القاني لغة للحوار!

وما يزال الحلاج الحالة الاغرب والاكثر إيلاماً وقسوة ووحشية في سفر الاضطهاد الفكري عبر التاريخ العربي. وما زال يُضرب مثلاً في عسف السلطة التي تستطيع تأويل كلام أي كان، وأن تلبسه الاتهام التي تريد ليكون دليل القضاء عليه. إبتدأت محنته طويلاً قبل قتله حينما لم يفهموا جوهر تجربته الصوفية الروحية، أو يسبروا عمق لغته المثقلة بالمعاني والابعاد التي تنفذ بعيداً في فهم بواطن الامور وتحليلها، وحينما نظروا اليها ظاهرياً في كلامه الذي لم يألفوه من قبل، وتصرفاته التي صدمتهم. إبتدأت محنته طويلاً قبل أن يُسجن، ويُجلد، وتُقطع يداه ورجلاه، ويشوّه، ويصلب على الخشب، وتُقطع رأسه، وتُحرق جثته.

كان الحلاج قمة التعبير عن الصوفية في أفعاله وأقواله في مجتمع لم يتقبل هذه النظرات والمعاني الروحية في وصف الذات الالهية وإقامة نوع من الاتصال أو الارتباط في علاقة الانسان بالله، على نحو ينطوي على تمجيد لله وتكريم للانسان، ولكن المؤسسة الدينية صورت الامر للعقل العربي على أنه تصغير للذات الالهية والحاق ما لا يليق بها، علاوة على اتهام هذه المفاهيم باعتبارها أفكارا شرقية الاصل دخلت الدين نتيجة اختلاط العرب بالشعوب الاخرى، فكانت تهمته المتوقعة، في محاكمة إتخذت جانب العداء منه مسبقاً، هي الزندقة والردة. كانت نتيجة المحاكمة مقررة مسبقاً. وقيل أنه في بداية انشغاله بالصوفية، سمعه الجنيد يتكلم فغضب منه وإحتدّ عليه، وقال له ما يفيد الاستغراب من أي مصير سينتظره:" أية خشبة سوف تفسدها" وهى إشارةٌ مبكرة، حول مصير الحلاج مقتولاً مصلوباً على خشبة! ويبدو أن نهاية الحلاج المأسوية، كانت محتومة قبل أن تقع بسنوات طويلة!

ومأساة الحلاج لم تكن مع العقل العربي في رفضه للاختلاف معه، مدفوعاً بسلطة رجال الدين وحده، بل كانت مع لغة الخطاب المكرّس والمصنوعة ضمن الاطر المحددة لها. لم تكن اللغة ذات السمة الدينية السائدة ترضي طموحه، ولم تكن قادرة على نقل عمق التجربة الصوفية وأجواءها ومعانيها، فكان لا بد من لغة جديدة تصف الحالات الصوفية وتفردها، في إطار من المصطلحات والكلمات الجديدة التي تبلغ مراميهم وتجسد طبيعة العلاقة المتفردة المتميزة التي يشعرون أنها تربطهم بالذات الالهية. لكن الحلاج انتقل بلغته الى مستويات أعلى من الفهم.

ملأ الحلاج الدنيا وشغل الناس. وربما شغل الناس بعد موته أكثر مما شغلهم في حياته. رأى بعض الناس فيه زنديقاً ومهرطقاً وشعوبياً أراد أن يزرع في أذهان الناس شكوكاً وتجاوزات خطيرة من تأثير الفلسفة الاشراقية. ويرى فيه البعض الآخر الفرصة الذهبية التي أتيحت للفكر الفلسفي والديني أن يتطور نحو آفاق جديدة من التأمل والبحث والتأويل، والتجديد المطلوب للفكر الذي ينشغل بمصير الانسان والكون.

كانت مفردات الحلول والاتحاد الي أوردها الحلاج في شعره غير مرة سبباً رئيساً في محاكمته وإحلال دمه. كانت فلسفته وصوفيته تجدان معارضة شديدة من كثير من فقهاء المسلمين الذين رفضوا فكرة أن روح الله تحل في البشر وتتحد بها، أو أن الانسان عندما يموت تعود روحه لتتحد في الروح الكلية، وأعتبروا ذلك منافياً ومناقضاً للوحدانية والالوهية. وقد لعب القضاة دورا كبيرا في تحريض الخليفة على الامر بقتله بحجة أن أراءه قد شاعت ووصلت الى مسامع الناس، وربما تؤدي الى الفتنة! وهكذا جاء قرار المقتدر بإعدامه! وفي اللحظات العصيبة الاخيرة فقد تجلت له الافكار التي يؤمن بها، وأعطته صموداً أمام جلاديه، ولكنه صمود لم ينطلق من عدائية أو كراهية، بل بقي يحب من يستعدون لاعدامه، "وهؤلاء عبادكَ قد اجتمعوا لقتلي تعصباً لدينكَ، وتقرُباً إليْكَ، فاغفر لهم! فإنكَ لَو كشفتَ لهمْ ما كشفتَ لي لما فعلوا ما فعلوا ولَوْ سَتَرْتَ عنِي ما سترْتَ عنهم، لما لَقيتُ ما لَقيت".

وأما النموذج الثاني فهو بشار بن برد، الشاعر العباسي ذو الاصل الفارسي الذي جلب عليه السخط وشكّك بولائه. إن تصويره عبر التراث بأنه الشاعر الماجن يتفق مع الصورة التي أرادت السلطة ومؤرخيها تقديمه فيها. لكنه كان صاحب مُثلٍ أخلاقية رفيعة لا تنسجم مع صورته تلك. نتذكره في أبياته التي وضعت أسساً واقعية لمعنى صداقة حقيقية في جانبها الانساني الذي يعتوره الصواب والخطأ، والذي يدرك تبدل مزاج الانسان وطبائعه فيعرف كيف يتقبلها ويتعايش معها. كان بشار المتمرد الذي يمثل صورة قاسية لجذور الاضطهاد في التراث العربي. ورغم أنه وُلد كفيفاً، إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يصبح بارعاً موهوباً في الشعر، وقاسياً في هجاء خصومه. ويبدو أن الاتهام بالزندقة من قبل خصوم متشددين أسرف في هجائهم كانت مجرد حجة لاسكات صوته، والتقت مع رغبة السلطة في الانتقام منه نتيجة هجائه للخليفة المهدي. وأعتقد أنهما السببان الاساسيان لقتله في عصر لم يعرف غير استلال السيوف وقطع رقاب المخالفين.

أعتقد أنه قد حيك حول بشار الكثير من الاساطير والاتهامات التي يسهل قبولها في الذهن الشعبي دون تمحيص بدوافع الكره لأصله الفارسي. كما ساهم كونه مسيحياً في تقبل فكرة أن من كانوا يحاربون بشار كانوا يظنون أنه هز صورة الاسلام وأشاع البلبلة، فلا بد من القمع والتطرف الديني لمن تسول نفسه التفلسف.

كان بشار متبرماً غاضباً متشائماً من حياته، وكان موقفه الوجودي وشعوره بالضيق واللوعة سبباً آخر لاحساسه بالمرارة التي تعبر عن ذاتها في كثير من الاحيان بالهجاء. لكنه كان صاحب ذائقة رفيعة ونفس تعرف معاني الحب في غزلياته الجميلة. مات وهو يئن والدم يسيل من جسمه تحت عذاب السوط! وقيل أن جسمه رُمي بعد الضرب بالسوط في سفينة الى أن مات. فهل تغيرت الامور كثيرا؟ أم أن الذهن الشعبي ما يزال لا يؤمن بامكانية قبول المناوئين من دون أن يمارس العنف ضدهم؟

نشرت في مجلة جسد اللبنانية ، العدد الثامن، خريف-شتاء 2011

الأربعاء، يناير 26


مشاركة نقدية حول الرواية في جريدة الغد الاردنية
تحقيق من اعداد القاص والروائي جمال القيسي
كتّاب: السيرة الذاتية عبر عمل روائي غواية لا تقاوم


عمان- الرواية حالة إبداعية دافقة مختلفة عن غيرها من صنوف الإبداع، يعتلي مبدعها أمواجها العالية بروح التجربة والخبرة، يصهر فيها عمرا متراكما من الأحوال، على بياض ورقة من طراز خاص، ويؤكد على بقائها بوحا لا يمكن أن يتأتى بغيرها.

خاضها الشعراء والقصاصون، وخاضها بعض المبدعين بعمل وحيد، ونجد كثيرين ما كان لإبداعهم أن يمتد بدونها؛ فإلى أي مدى يستقيم القول بأن هيمنة الرواية عائد كما يعتقد البعض إلى سهولة ولوجها.

القاص والروائي مخلد بركات، يذهب إلى أنَّ كثيرين توغَّلوا مجاهيل الرواية راحلين عن أجناس إبداعية، مستسهلين عوالمها فولجوها "دونما أدوات حفر معرفي ومخيال وتجربة ثرية، فخرجوا خاليي الوفاض وبخفٍ حُنيني واحد".

ويرى أنَّ البعض تسحبه الرواية لأنَّها "عشقته بغواية أنثى؛ فيمارس هناك طقوس الفضائح، ويخرج من شهره العسل بعمل روائي راق، يملأ جنباتنا بطنين النحل والسؤال والدمعة".

فيما يشير القاص والناقد إياد نصار إلى مقالات نقاد مثل ستيفن كينغز، ج. إم تايري، ستيفن ميلهاوزر، جيمس ف إنغلش، وندي مارتن، وجيسون بووغ حول مستقبل القصة القصيرة ومكانة الرواية، مستنبطا من الدفاع المستميت لإثبات فضائل القصة نبئ بأن الرواية صارت سيدة الأنواع الأدبية.

ويعلق القاص والروائي عدي مدانات على مقولة "إن لكل مبدع روايته"، أن الكاتب قد يقع في غواية تقديم سيرته الذاتية عبر عمل روائي، وغالباً ما ينجح في" تقديم عمل روائي حميم ناجح"، رائيا أن النجاح سيغويه في "متابعة الكتابة الروائية" ما يعسر مهمته فيجد نفسه إزاء معضلة تكرار سيرة حياته عبر وقائع جديدة لم يأت عليها من قبل أو يتوقف عن الكتابة".

ويلفت إلى أنَّه كي يحسن الكاتب الإمساك بقطعة وجيزة من الحياة صالحة للقص، ينبغي أن يكون صياد قصص ماهر خبير، مكرِّساً حياته لهذه المهمة، متفكراً بما حصل عليه منها، عاملاً على إزالة الشوائب منها، حتى إذا فكر بكتابة قصة، فإن ذاكرته ومخيلته تجودان عليها بما يجعل من مهمته الصعبة يسيرة. هذه الصعوبة هي التي تدفع الكاتب لهجر القصة القصيرة لصالح الرواية.

الباحثة الدكتورة أفنان النجار ترى أنّ المتّسع الذي تمنحه الرواية لكاتبها في التّعبير عن تفاصيل حياته ومفرداتها بشموليّة وقدرة استثنائية على التغطية،" لا يمكن للقصيدة أو القصّة القصيرة أن تضطلع بها"، مشيرة الى توجه شعراء وقاصين إلى الإبداع الرّوائي الذي يسرقهم بشكل كبير. وترجع ذلك إلى "أنّ جمهور الرّواية اليوم هو جمهور أعرض من قرّاء الشّعر والقصّة".

وتقلل النجار من اتّساع حضور الرواية على حساب غيرها من الأجناس الأدبيّة الذي تراه لا يشكّل تهديدًا للشّعر الذي سيبقى حاجة للإنسان في كلّ العصور وبخاصة "إذا استثمر الشّعراء الإمكانات الدّراميّة وفضاءات القصيدة الطّويلة"، وما تراه ينسحب على القصّة القصيرة التي ستظلّ "جنسًا أدبيًّا مختلفًا يحتاجه القارئ حين لا يملك متّسعًا من الوقت لقراءة نصّ روائي".

وفي سياق الترابط بين القصة والرواية كحالة سرد يرى بركات أنَّ القاص أقرب إلى روح الرواية لأنَّه "اعتاد أن يُربي فحول السرد في حقوله العميقة"، معتقدا أنَّ القصة القصيرة رواية مضغوطة، أو شقة مؤثثة بالصلف اللغوي. وأكد أنَّ القاص عندما "يتذوق القاص فاكهة السرد الروائي حتما لن يخرج "من هذا الفردوس، أو العذاب أحيانا".

لكن مدانات يرى في القصة القصيرة أمرا مختلفا، لصعوبة "ارتيادها والسيطرة عليها من دون اكتسابها مقومات السرد المكثف وأن تكون على قدر من الخصوصية المشعة التي تتلاقي مع طيف واسع من خصوصيات آخرين ما يجعلها "أبعد منالاً من الرواية وأعصى اقتحاماً"، بما لها من الشروط الصعبة التي لا يمكن تجاهلها، إلا إذا أهدرنا قيمتها، وأضعفنا سلطانها الأسر الباعث على الخدر اللذيذ.

نصار يشير إلى أن تعقيدات الحياة واطلاع الكاتب على مصادر معرفية مختلفة، وتعدد الأوجه التي يعيش خلفها الإنسان الواحد بحسب كل بيئة من بيئاته زاد من قناعة الكثيرين بأن النص القصير قصيدة أم قصة لم يعد كافياً ليلتقط كل هذه المشارب.

ويضيف نصار أن تجارب الانسان المتعددة والمختلفة في اليوم الواحد المتوزعة على وجهات نظر متباينة ومتناقضة أحياناً، فرضت حتمية تعدد الأصوات والشخصيات والأمكنة وتنوع الظلال والمعاني، معتقدا أنه ليس غير الرواية وتالياً المسرح ما يستطيع أن يستوعب هذا في عمل واحد.

ويؤكد هذا بركات بأن تفاصيل الحياة تعقَّدت وتشوهت، وصارت حزماً رقمية جافة، تحتاج إلى جنس إبداعي يحتملها، يغازلها، يخفِّف من غلوائها"، ذاهبا إلى أنَّ "بعض الشعر مراهق عاجز عن تصوير فظاعة العالم، وبعضه متحمس سرعان ما يتحول إلى كومة رماد، والقصة القصيرة أمست وليمة غير مشبعة".

ويرى نصار أنَّ دوافع تحول الكتاب الى الرواية مختلفة فخوض تجربة الرواية مسألة مغرية وثرية، وتنطوي على قدر من التحدي، وتتطلب جهداً كبيراً من العمل على بناء معمار أدبي متعدد الأطياف والعوالم والأمكنة والقضايا والشخصيات والأزمنة.

ويفتح نصار السؤال عن الأسباب والنتائج إذا ما كان انتشار وسائل الطباعة، وكثرة الجوائز الروائية، والرغبة في الشهرة، أو تحقيق عائد مادي، أو غيرها هي التي أدت الى انتشار الرواية أم أن انتشار الرغبة في كتابة تجربة الحياة في شكل رواية في العصر الدافع الى الذاتية والفردية هو الذي مهد الى انتشار طباعتها وتسويقها وكثرة جوائزها وشهرتها.

رابط الموضوع بصحيفة الغد

رابط الصفحة الكاملة


الأحد، يناير 23

نخب النهايات السعيدة لعبد الستار ناصر


لماذا قضى عبد الستار ناصر ليلته الاخيرة بعمان في العتمة؟
نخب النهايات السعيدة
قصص طافحة بالحزن

إياد نصار

قبل سفره من عمان بثلاثة أيام ، وصلت الى عبدالستار ناصر ، من دمشق ، ثلاث نسخ فقط من مجموعته القصصية الاخيرة ، التي صدرت للتوّ عن دار المدى في سورية. وكان من حسن حظي أن خصّني بواحدة منها ، بعد أن وشّحها بخط يده بالكلمات التالية: "هذه آخر ما كتبت من قصص ، ولا أظنني سأكتب شيئاً بعدها.. كنت صديقاً وفيّاً في رحلة عمان ، وستبقى كذلك في خاطري وأنا تحت سماء تورنتو.. لك المحبة والتقدير". لم أكن محظوظاً أنني عرفت عبد الستار ناصر عن قرب خلال السنوات الثلاث الماضية وحسب ، بل كنت محظوظاً أن كنت معه ، ومع زوجته القاصة والروائية هدية حسين ، في وداعهما في بيتهما في صويلح في الليلة الاخيرة ، التي سبقت سفرهما ، وربما الى الابد ، الى كندا بعد أن حصلا على اللجوء هناك.


لم أكن أحب أن تودّع عمان ضيفها العراقي الجميل الذي أتعب قلبه هوى المدن والنساء والقصة القصيرة في آخر ليلة على العتمة. لقد قطعت الشركة عنه الكهرباء في آخر ليلة بسبب اجراء بيروقراطي ، فقضينا الليلة على ضوء الشموع الخافت. أعطى عبد الستار ناصر الكثير من حبه وقلمه وذكرياته وكتبه لعمان ، وبادلته المدينة حباً بحب. سافر عبد الستار وهو يحمل في قلبه هوى لا ينضب من شوق الى ربة عمون ، والى حاناتها والى شطائرها اللذيذة من الفلافل التي أصر أن يتناولها تقريباً في كل ليلة من لياليه الاخيره هنا.

كان عبد الستار يجمع من حوله الاصدقاء بصدقه ، وصراحته المعهودة الجريئة ، وصلابته في التعبير عن آرائه رغم ضعف جسده المنهك ، وقصور الارادة أمام الرغبة ، وخفوت لذة الحياة ، بعد أن خرج سالماً ضعيفاً هشاً من حادث سيارة وجلطة قلبية وجلطة دماغية ، حدثت كلها بتواريخ صادفت أن احتوت الرقم 9 فيها ، حتى صار عبد الستار لا يغادر بيته في اليوم التاسع من كل شهر تشاؤماً من الرقم.

كنا نجتمع دائماً في بيت الصديق العراقي عواد علي ، رفقة الاستاذ محمود الريماوي والصديق الاديب محمود منير والكاتب الصحفي العراقي شاكر الجبوري ، وأحياناً نلتقي في مقهى ، وتمتد سهرتنا حتى وقت متأخر ، وتأخذنا الاحاديث في كل واد ، بدءا بالقصة وليس انتهاء بالشبكة العنكبوتية. وكما هو معروف لأصدقائه ، فإن عبد الستار لا يعرف من العالم الرقمي شيئاً ، وكان يقول بحسرة أن أمامه الكثير ليتعلّمه. وكان يبدو عليه الذهول كلما سمعنا نتحدث عن الانترنت والفيس بوك والهوتميل وغيرها من هذه المفردات اليومية ، التي صارت عناويننا وساحات ملاعبنا ودواوين تواصلنا. وأظنه كان يود كثيراً أن يتعلم الانجليزية كي تكون البوابة التي يدخل بها الى عوالم الطلاسم الرقمية هذه.

أمضى عبد الستار ، أو ستّار كما اعتاد أصدقاؤه العراقيون أن ينادوه ، الاسابيع الاخيرة منشغلاً بتوزيع مكتبته على أصدقائه. وامتدّ الامر الى توزيع أوسمته وتذكارات تكريمه عليهم. كان لدى عبدالستار الكثير مما جمعه في رحلة العمر الطويلة التي امتدت عبر اثنين وخمسين كتاباً ، ما بين مجموعاته القصصية ، وكتبه في السيرة الذاتية ، مثل ثلاثية "الهجرة نحو الامس" ، أو في المسرح ، أو في التراجم الادبية ، مثل كتابه "الاردن ومبدعوه". بل لقد أسرّ اليّ أنه اضطر الى التخلص من كثير من شهادات التكريم لأنه لا يستطيع أن يحمل معه كل شيء ، ولم تعد تلزم ذاهباً مثله الى عالم العزلة الهادئة في كندا، منذ أن حصل عبد الستار على الموافقة على الهجرة ، صار يردد أنه يريد الاستقرار هناك للعلاج والاستمتاع بالحياة فيما تبقى له من عمر في هدوء ورقة عيش ، بعد أن ذاق في حياته كل أنواع المرارات ، وشظف العيش ، ومشاق الترحال والغربة ، وغضب السلطة. وكان يردد أنه سيهجر الكتابة الى الابد ، فما أنجزه يكفي ، بل ويكفي كثيراً، وأظن أن هذا يفسر لماذا كتب في الاهداء على مجموعته الاخيرة ، أنه لا يظن أنه سيكتب شيئاً بعدها. والحقيقة أن عبد الستار ، ومنذ أن أصيب بالجلطة الدماغية الاخيرة في صيف العام 2009 ، فقد القدرة على السيطرة على القلم ، ولم يعد بامكانه الكتابة ، فكانت هدية حسين تكتب له ما يمليه عليها من قصص ، بل إن كتابة إهداء على كتاب كان يأخذ منه وقتاً طويلاً كي يفرغ منه بأناة شديدة.

ولهذا كثيراً ما كان يهدي مجموعاته القصصية الى أصدقائه دون كتابة إهداء عليها ، وعندما كانوا يطلبون منه أن يوشحها بكلماته ، كان يضغط على نفسه ليكتب بضع كلمات. لقد حدث هذا أمامي عدة من مرات ، وكان آخرها في تلك الامسية الجميلة ، التي اقامتها الصديقة والاديبة ليلى نعيم ، التي أحبت أن تودع هدية حسين وعبدالستار ناصر على طريقتها ، فدعتنا نحن مجموعة من أصدقائه جميلة عمايرة ، وزهير أبو شايب ، وبتول الخضيري ، ولطفية الدليمي ، ومريم الصيفي الى بيتها على مأدبة وداعية جميلة تمتليء بكل الاطايب الشامية اللذيذة ، وفيها وزع عبد الستار ما تبقى من كتبه وحتى أرشيفه ، الذي خصني بجزء من أجزائه الثلاثة. كما حرص بعض الاصدقاء على وداع عبد الستار ، تقديراً له ولمكانته ، ولما أضافه وجوده الى رصيد عمان الابداعي ، وأذكر أن صديقنا الشاعر موسى حوامدة استضافه على عشاء قبيل سفره ، الى درجة أن ظل اسبوعاً بأكمله ، وهو يذكّرنا بلذة الاكل في ذلك المطعم الذي لم يذق مثل طعمه من قبل،.

كان عبدالستار انساناً عظيماً رائعاً ، يجذب مستمعيه بأحاديثه الممتعة ، التي لا تخلو من طرافة ، أو جرأة في التصريح ، أو درجة عالية من الصدق مع الذات والاخرين ، وكان جميلاً في حديثه مثلما كان في قصصه ، التي ملأها دائماً بمواقف السخرية المضحكة أو الكوميديا السوداء. وكان طيب النفس نبيل الخصال وكريم ذات اليد. كان وفياً ومحباً ، لا يحب أن يثقل على أحد شيئاً مهما كان. وبرغم ما مر به من ظروف صعبة ومرض ، إلا أنه بقي عاشقاً لعمان يهيم في حب أدراجها ومحلاتها ومقاهيها وطقسها. لكنه كان يشكو من كثير من الزيف في علاقات بعض أدبائها معه ، ومع بعضهم بعضاً ، وكان يحس بطبعه المرهف تلك المفارقة التي صار يعرفها ، وصرح بها أكثر من مرة في جلساتنا ، وهي تلك المودة التي كان ظاهرها الحب وباطنها اللاأبالية. ولم ينبس الرجل بكلمة عتب واحدة. قال ذات مرة أنه حضر عشرات الندوات والامسيات والنشاطات والمهرجانات وحفلات توقيع الكتب التي دعي اليها وشارك بها ، سواء في رابطة الكتاب أو في مركز الحسين الثقافي ، أو المركز الثقافي الملكي أو تايكي أو غيرها ، ولم يفكر أحد أن يخصص ندوة عنه أو يستضيفه للحديث عن أدبه أو مجموعاته التي جعلت منه أهم أديب وقاص في العراق حالياً ، وربما في العالم العربي. وكنت أقول له يا ستّار شدة القرب حجاب، أعتقد أنني كنت أقرب الناس الى عبد الستار في السنوات الثلاث الاخيرة من اقامته في عمان التي امتدت اثني عشر عاماً ، ولم يكن ينقطع الاتصال بيننا ، وكنا نلتقي بشكل شبه أسبوعي. وقد حظيت من خلال ذلك بتواصل أدبي ونقدي أعتز به مع زوجته هدية حسين ، التي كنت أتبادل واياها الحديث اسبوعياً حول مواد الملاحق الثقافية الاردنية. كما حظيت برفقة عبد الستار الى حضور عدد من الندوات واللقاءات والمعارض. كنت معه معظم الوقت ونحن نتجول بين أجنحة دور النشر في يوم افتتاح معرض عمان الاخير للكتاب. وحينما توقفنا عند زاوية مكتبة مدبولي المصرية كان سعيداً عندما وجد كتابه "مقهى الشاهبندر" معروضاً. وما زلت أذكر عبارته المعبّرة: "لست مضطراً لشرائه من أجلي". بل إنه ورغم انشغاله بالسفر ، إلا أنه لم ينقطع وحتى آخر يوم عن المشاركة في نشاطات عمان الثقافية بمختلف ألوانها ، فقد حضرنا معاً ندوة في مؤسسة شومان حول روايات الصديق صبحي فحماوي ، في الليلة الاخيرة التي سافر فيها. لقد كانت لديه طاقة غريبة على التحمل والحركة والسهر. في تلك الليلة استذكر عبدالستار بعض أصدقائه مثل عزمي خميس والصديق الناقد زياد أبو لبن ، الذي قال إنه فاجأه ذات يوم مفاجأة سعيدة باقتباس كان يعني الشيء الكثير بالنسبة له وهو: "لو أنهم قالوا ما قالوه عني بعد موتي في حياتي لكانت تكفيني أن أبقى بينهم عشرة أعوام أخرى".



"نخب النهايات السعيدة".. قصص طافحة بالحزن

لا أعرف لماذا اختار عبدالستار ناصر عنوان "نخب النهايات السعيدة" لمجموعته الاخيرة ، لكنّ الامر يستحق عناء البحث عن تفسير مناسب. كان عبد الستار مولعاً بالعناوين الغربية المشتقة من مألوف العبارات مع التحوير ، أو تلك التي تقول شيئاً وتعنى آخر. ولهذا تجد بين عناوينه "أسعد رجل في العالم" ، و"على فراش الموز" ، و"قشور الباذنجان" ، و"ملائكة الزحمة"، ولابد أنه كان في ذهنه أنه قد وصل نهاية الشوط في كتابة القصة ، فلا أقل من أن يقطع الشريط ويحتسي نخب النهاية السعيدة ، لأنه بقي حياً بعد أن صار ، وكما أطلق على نفسه ، أخطر قاص في العالم العربي ، لأنه ثبت له أن قصة واحدة كفيلة أن ترسلك وراء الشمس ، أو تودي بك الى زنزانة انفرادية تحت الارض لمدة عام كامل، كما أنه عنوان قصة في المجموعة ذاتها ، وربما وجد أنه الانسب الذي راقه لكي يكون العنوان.

كتبَ عبد الستار قصص المجموعة ما بين عام 2008 والنصف الاول من عام 2009 قبل مرضه ، وهي تضم ستاً وعشرين قصة ، وتفتتح بقصة فانتازية من وحي الخيال الافتراضي ولا أقول العلمي ، فلم يكن هذا المجال يستهويه ، تدعى "عام "2057 ، حول استحالة انتهاء مفهوم التفرقة العنصرية ، وتنتهي بواحدة تدعى "آخر القصص". وقد شدني عنوان الاخيرة اليها وقرأتها أولاً ، وقد تمكن من خداعي ، فاكتشفت أنها ليست آخر ما كتب ، رغم أن نبرتها اعتذارية انسحابية من راوْ يعتذر عن تعب قلبه ، فلم يعد يستطيع الكتابة بعد أن كان فارساً جموحاً ، وصار يحس أنه آن أوان الرحيل ، الذي لم يأت بعد. وأظن أن القاريء سيجد فيها روح عبد الستار المهزومة ، التي اثقلها الداء والغربة ومصير الأديب في العالم العربي. كان عبد الستار يضحك عندما أخبره أن أديباً ما في الغرب نال كذا وكذا من عوائد مادية وتكريم بسبب كتاب أو رواية ، فيقول لي حسبنا هنا ألا ندفع للناشر بعد هذا المشوار، وأذكر أنه أحصى لي كل ما حصل عليه من ريع كتبه ، فكانت شيئاً مضحكاً مقارنة بكتبه الاثنين والخمسين ، الى درجة أنه كان يشتري من الناشر بعض النسخ التي يحتاجها من كتابه على سبيل الاهداء.

في هذه المجموعة عدة من قصص لا تنسى. أهمها وأخطرها قصة "سيدنا الخليفة" التي انتقد فيها خال نائب الرئيس يومها ووالد زوجته ومحافظ بغداد ، خيرالله طلفاح ، على إثر قرار اتخذه المحافظ بأن يقص رجال الشرطة شعر أي رجل يرونه في الشارع إن بدا لهم أنه أطول مما ينبغي، وكان من سوء عبد الستار تلك الايام أن كان خارجاً متأنقاً ممشطاً شعره الناعم ، وخاصة أنه كان شديد الوسامة في شبابه للقاء خطيبته ، فوقع في أيدي رجال شرطة يحملون مقصاً ، فأطلقوا لمقصهم في شعره العنان ، ورسموا فيه أشكالاً ودروباً بطريقة مؤلمة مضحكة ، أصابته في الصميم، ولم يكتف المحافظ بذلك ، بل أصدر تعليماته لرجال الشرطة بدهن سيقان النساء بالاصباغ اذا خرجن غير متسترات ، ما ينتهك - في عرفه - الاحتشام، فكتب تلك القصة على إثرها في نقد السلطة الفردية الديكتاتورية المفرطة التي تتصرف بعقلية قراقوشية تستبيح خصوصية الناس ، وفي الاحتجاج على الظلم والقتل وجو الرعب السائد. ومما جاء فيها: "فقد قنعنا برغبة مولانا في أن يقص شعورنا الطويلة ، وضحكنا معه لما شق بنطلوناتنا في الشوارع العامة ، بل مددنا اليه أيدينا وهو يصبغ أفخاذ بناتنا في الجامعة والأسواق وتحت نصب الحرية". وكان نصيب عبد الستار ، بعد أن نشرتها مجلة الموقف الادبي السورية ، أن أعتقل انفراديا في زنزانة تحت الارض ، لم ير فيها الشمس مدة عام كامل ، وفصل من عضوية اتحاد الأدباء في العراق. والقصة لا تخلو من قوة عبارة ، أو جرأة عالية في النقد ، أو تصوير ساخر لاذع لواقع الحال: "وفي شوارعنا العتيقة التي تتبخر منها روائح السمك البائت والأجساد المعذبة في السجون ، أغلقوا علينا كل شيء..".

في "معراج الابدية" نقد حزين مرير لواقع الثقافة العربي ، حيث لا يلتفت أحد الى الكاتب الا عندما تصعد روحه الى السماء في معراجها الابدي ، وعندها تصبح كتبه محل تقدير ، بعد أن كنت مهملة لأعوام. تتسم القصة ، مثل كثير من قصص عبد الستار ، بأسلوبه الساخر الذي يمزج بين الواقع والخيال ، ويجمع ما بين أسماء حقيقية لأشخاص أو كتب أو أماكن ، وما بين شخصيات قصصه. بل إن اسم بطل قصته سيدنا الخليفة هو عبدالستار ناصر، في هذه المجموعة يقترب عبد الستار أكثر من السرد الحركي المواكب للأحداث ويبتعد عن الوصف والتأملات الرتيبة.

أما قصة "البحث عن الذهب" التي يتذكّر فيها الراوي شخصية البطلة في فيلم شارلي شابلن "البحث عن الذهب" والتي تذكره بحبيبته المفقودة ، فهي زاخرة ، كعادته في قصصه ، بالاسماء ، لكنها تجري في فضاء المكان العماني ، فهناك أسماء شوارع وأدراج وأحياء وحتى صيدليات في عمان ، من أبو نصير الى ماركا ، ومن درج الكلحة الى عراق الأمير. قصة عاشق ساذج يظن أنه يحب امرأة التقاها في موقف عابر ، ويظل يبحث عنها ، كمن يبحث عن إبرة في كومة قش ، بلا طائل. وحينما يجدها بعد جهد مضنْ ، رغم أنها كانت قريبة منه طيلة أشهر لا تعيره اهتماماً. إنها قصة حب من طرف واحد لرجل يطارد أوهاما يسميها الحب ، وتنتهي بكل حزن وذهول وبلادة.

أما قصة "لماذا ينهق الحمار" والتي نشرت منذ مدة في "الدستور" ، فتنتقد بأسلوب ساخر لاذع شديد التهكم والنقد الذاتي واقع الخلافات الطائفية والمذهبية في العراق ، التي صارت تفرض واقعها على الناس وتمنع تواصلهم. قصة حب تنتهي بالحزن ، لأن أبطالها بقوا أسرى تصوراتهم الطائفية ، وقبلوا أن يظلوا خاضعين للارهاب المذهبي. قصة توظف أسلوب الأمثولة الرمزي على ألسنة الحيوانات ، ولكن ليس لأجل الحكمة والموعظة ، بل لأجل السخرية من الافكار التي تلغي انسانية الانسان. أما "أدغال الامازون" ، فتحكي عن سوء الفهم الثقافي بين الشعوب ، وتنتهي بضحكات ساخرة تدفع البطل الافريقي الى الهروب حزناً.

أما قصة "آخرة الوحشة" فيرويها رجل هامشي ثمل لا يميز المكان ويخلط بين المقاهي والحانات والعواصم ، تارة يظن نفسه في دمشق ، وتارة في بغداد ، وتارة في القاهرة. تنتقد القصة واقع الحال العربي: "مع أن المسافة بين القاهرة وبغداد والشام تحتاج الى طائرات وأجنحة وتأشيرات وألف سؤال وسؤال". إنها قصة المواطن العربي المسحوق ماسح الاحذية ، وغاسل الأطباق ، والشحاذ في الطرقات. "وهل من أحد يعبأ ببقايا انسان يزحف في الطابق السفلي من المدينة بحثاً عن طعام حتى يتمكن من البقاء يوما آخر؟". ومرة أخرى إنها قصة الحزن اليومي للمواطن العربي المهمش المنبوذ.

في قصة "الافعى والدرويش" ، يدخل عبدالستار عالم السرقات الادبية بأسلوبه الفكاهي الساخر ، الذي يتحول فيه بعض الكتاب الى مبدعين في نظر الصحافة والناس ، بفضل مهاراتهم في فن السطو. تطرح القصة بأسلوب لا يخلو من الطرافة كيف يسطو كاتب على أعمال أجنبية وعربية من هنا وهناك ليصنع منها قصة. ويرمز العنوان الى هذا الجمع الغريب بين متناقضات ، فكأنما يخلطون الافعى بالدرويش ، حتى لتبدو الامور عفوية وهي بحد ذاتها تنطوي على دهاء خبيث.

يميل عبد الستار ناصر في قصصه عادة الى استخدام الراوي بضمير الأنا. في قصة "صباح الخير غداً" ، يحكي الراوي عن نفسه وعن عالم الوحدة والجنون الذي يعاني منه. مريض في مستشفى لا يعرف أين هو ، ولا ماذا يعمل ، لكنه يعيش على ذكريات وأوهام صنعها لنفسه. وفي قصة "بيت كبقية البيوت" نكتشف في نهاية القصة أنه قبر ، وأن الراوي هو الميت الذي لم يعد يفكر في الخروج من قبره ، فقد صار يجد فيه من الهدوء والراحة ما لا يجده الاخرون خارجه. قمة السخرية والنقد أن يصبح القبر الجنة التي يحلم بها الإنسان. ومرة أخرى يدخل عبد الستار عوالم الحزن والموت والنهايات البائسة.

أما القصة التي أعطت المجموعة اسمها ، فتتّبع في الحقيقة أسلوب القصة داخل قصة ، وتشد القارىء من أول جملة فيها. انتهت القصة التي كتبها حمدان أبو الدبس في أول الليل ، وبغداد تحت المطر والثلج. ينطوي عنوان القصة داخل قصة على سخرية واضحة "الاقامة في العسل". إنها قصة تقليدية ذات نهاية سعيدة تحكي عن بطلة تنتقل من ذئاب أذاقوها الذل والمرارة الى سعادة زوج اسمه السيد حسون. يذكرنا الاسم ببطل القصة الطويلة الشهيرة "رجل ملامحه الطفولة" في مجموعته قبل الاخيرة "السيدة التي دخلت" والتي صدرت منتصف العام 2010 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر. واذا كانت قصة حمدان لا تستحق الالتفات اليها ، فإن قصة عبد الستار ناصر مختلفة ، وأجمل، صار المؤلف حمدان مشهوراً تأتيه الدعوات من بيروت والقاهرة والدار البيضاء ، ويملأ اسمه الصحف ، وتنهمر الجوائز عليه ، بينما أقرانه الذين لا يقل ابداعهم عنه أصبحوا فريسة الاهمال والتهميش في بغداد. المفارقة أن قصصه لا تمت للواقع بصلة. فهي لا تعرف سوى الفرح والنهايات السعيدة ، بينما تطرح قصصهم مؤامرات السياسة وعوالم الشر. ويستمر الحظ مبتسماً له بفوزه بجائزة الدولة التقديرية وجائزة تونس التي أُطلق عليها النهايات السعيدة. غير أنه في الصباح حينما يذوب الثلج ويظهر ما تحته ، يستيقظ حمدان على صدمة الحقيقة: ترفض الصحيفة قصته التي لا تعني لأحد شيئاً. واضح أسلوب المفارقة والسخرية والتضاد لفضح الممارسات الوصولية في عالم الادب ، وتعزيز فكرة غياب العدالة ، والمحاباة ، وانقطاع الادب عن هموم الناس ، بينما الادب الحقيقي في الظل لا يلتفت اليه أحد.

زواج الفن من الحقيقة
في مجموعته قبل الاخيرة التي ذكرتها آنفاً ، يحدد عبد الستار ناصر بعض ملامح مفهوم فن القصة بالنسبة له ، وهو الابداع الذي يتمكن من "زواج الفن من الحقيقة". فبرأيه أن كل قصة تخفي قصة حقيقية خلفها ، وتعبر عن غضب مكتوم في نفس الكاتب ينقله الى قرائه. ولكن قراءة القصة لم تعد مجرد متعة سهلة في هذا العصر ، الذي صارت وسائل الاعلام والترفيه تنافس الكتاب ، فقد صارت قراءة مجموعة قصصية عملاً عظيماً وصعباً للغاية ، بل وأصعب من أي نشاط آخر. وهنا تظهر قدرة الكاتب على كسب قلوب الناس ، لأنه "بدون الانسان ليس ثمة معنى للقصة أو الشعر أو الرسم أو الفلسفة".

في قصة "رائحة شيء يتوارى" يعود عبد الستار الى طرح مفهوم لطالما طرحه في قصصه السابقة بصور شتى. إنه مفهوم الميت الذي يرفض أن يموت ، ويعود الى الحياة ليروي القصة ، لكنه يرى ما لا يراه الاخرون ، ويتصرف كما لو أنه حي ، غير أن سرعان ما يدرك حقيقته المرة وهو أنه صار غير مرئي. شعور متناقض من الفرح والبؤس ، ومن القدرة على تحدي الفناء ، واحساس طاغْ بالعزلة والوحدة. وفي قصة "الحب رمياً بالرصاص" يعيدنا الى أجواء رواية "الطاطران" وثيماتها وأمكنتها ، وما يكتنفها من تنقل وسفر ونساء ومدن لا تنام. وكان دائماً يردد أن "الطاطران" من أقرب الروايات الى قلبه ، التي ظُلمت كثيراً. كان حزيناً لأن ناشرها لم يراهن على فوزها بجائزة البوكر للرواية ، فلم يشترك بها في الاساس. وكان دائماً يردد باللهجة العراقية في ثقة إنها "رواية "كلّش رائعة" ، لو شاركت بالبوكر ، لا أقول ستفوز ، لكنها ستصل الى القائمة القصيرة بسهولة"، في قصص عبد الستار التي تجري خارج المكان العراقي ، يميل الى ايراد الكثير من أسماء المدن والاحياء والأزقة والشوارع والمحلات ، وحتى الخفايا ، التي لا يعرفها سوى سكانها. هكذا فعل في قصة "خلوة الغلبان" التي تجري أحداثها في حواري القاهرة ، وهكذا فعل في القصص كلها التي تجري أحداثها في عمان ودمشق ، وحتى المدن والموانيء الاوروبية وخاصة الايطالية التي عرفها عن قرب أو مر بها. وله قدرة مذهلة على تذكر تفاصيل المكان. بل ويذهب الى القارة القطبية الشمالية بحثاً عن مكان لأبطاله بين الفقمة والدببة القطبية ، كما في قصة "رجل من تمبولاتا".

في "نخب النهايات السعيدة" مفارقات لا تنتهي. ففي حين تسيطر أجواء الحزن وخيبة الامل والسخرية والنهايات الحزينة الطافحة بالألم والمعاناة على المكان العربي وتحيله الى فضاء يقتل روح انسانه ، ويحوله الى وصولي أو فاسد أو مجرم أو مهمش ، فإنه في المقابل نجد بريق الحياة في المدن الاوروبية التي تتنفس وتفوح برائحة الحب والنبيذ والمتعة والجمال مثل قصة "موت المؤلف". والطريقة التي يتحدث بها رواة قصصه عن المكان تكاد تتطابق مع حديثه في سيرته عن المكان الذي عرفه في رحلاته وسفراته ، ما يعيدنا الى مقولته بأن خلف كل قصة هناك قصة حقيقية. ويبدع عبد الستار في رسم نهايات قصصه بطريقة احترافية ذكية توقع القارىء في حبائلها. في كثير من الاحيان يغلف نهاياتها بالغموض ، ولا يترك للقارىء سوى بضعة أدلة خفية شفيفة لكي ينقذ نفسه ويصل الى فكرته الجميلة ، ولعل هذا ما يشير اليه ضمناً ذلك الاقتباس عن بنجامين فرانكلين الذي يطالعك في أول صفحات المجموعة: "تعلمنا النملة أشياء كثيرة دون أن تنبس بكلمة"، وبعد ، فقد أحببت أن تكون كلماتي عن مجموعته الاخيرة كلمة وداع للمهاجر الانسان.

رابط المقالة بصحيفة الدستور الأردنية

رابط الصفحة الكاملة (الرجاء الانتظار قليلا ريثما يتم التحميل)




الجمعة، يناير 7

الرواية الاردنية في عام 2010

الرواية الاردنية في عام 2010

إيـاد نصـار
* نشرت في جريدة الدستور الاردنية بتاريخ 7/1/2010

كانت سنة 2010 سنة الرواية الاردنية بامتياز. نالت الرواية نصيب الاسد من الاصدارات الابداعية الاردنية، وحظيت بنشاطات وتفاعلات نقدية مواكبة الى حد ما، وبكتابات ذات اهتمام كان يميل في مجمله الى السرد الروائي من خلال مؤتمرات وندوات ولقاءات وأمسيات طيلة العام. كما استمرت حفلات توقيع الروايات الجديدة، وغطت على ما سواها من إصدارات شعرية أو قصصية أو مسرحية. بل إن مجموع ما صدر من مجموعات قصصية أو دواوين شعرية يكاد لا يعدل نصف ما صدر من الرواية. ويبدو أن شهية الكتّاب في الاردن قد تفتحت على الرواية في ضوء هذا الاهتمام بالرواية عربياً وعالمياً، كما تفتحت شهية دور النشر على طباعة الروايات ونشرها وتسويقها. واذا لم يكن هذا كافياً، فقد نالت الجوائز، التي ذهبت في معظمها الى الرواية، اهتماماً عالمياً بفضل جوائز نوبل وغونكور وأستورياس وبوليتزر وبريمو بالينتا والبوكر وأورانج وغيرها، ولسنا نأتي بجديد إذا قلنا أن الرواية تحتل الصدارة الان بين الانواع الادبية. واذا كان هذا الزمن زمن الرواية عالمياً وعربياً، فإنه كان كذلك أردنياً.

غير أن هذا الانتشار الواسع للرواية في الاردن لم يكن من غير أعراضٍ مصاحبةٍ لا تحمل دلالات ايجابية. بقيت الصحافة الثقافية الاخبارية هي المنفذ الاساس والرئيس الذي يسعى اليه الكاتب كي يحظى بشرف الكتابة عن إصداره الجديد، ووصل الأمر في بعض الحالات أن يعمد الكاتب الى تحرير خبر الاعلان عن روايته بنفسه، ويضمنه شيئاً من النقد أو المديح الذي يشيد بها وبأهميتها وبفرادة ما تطرحه من قضايا، أو تتميز به من أساليب روائية. ولعل ما عزز أهمية العامل الصحفي هو انتشار الصحيفة إلكترونياً الى جانب انتشارها الورقي، بينما بقيت العوامل الاخرى التي يفترض أن تلعب الدور الاهم شبه غائبة. لم تنجح دور النشر في إقامة معارض شعبية قريبة من متناول الناس، وبقيت مكتفية بما تناله من مبيعات في أثناء انعقاد المعارض العربية أو من خلال البيع الى مؤسسات ثقافية أو وزارات أو جامعات أو مدارس. وهكذا ورغم هذا الزخم في الانتاج الروائي، والحضور الواسع للرواية في المشهد الإبداعي الأردني، بقيت الروايات بعيدة عن اهتمام المواطن الاردني العادي، وظلت مقتصرة في الغالب الاعم على جمهور الكتاب والمثقفين والصحفيين المتابعين للاصدارات الجديدة، الذين يحصلون في معظم الاحيان عليها على سبيل الاهداءات. وظلت التغطية النقدية للاصدارات الجديدة نخبوية انتقائية تراوح حول عدد قليل من الروايات، وتستند الى اعتبارات عدة يكاد يكون آخرها العمل نفسه، أو ميزته النقدية، بل ترتكز الى أمور أخرى كاسم الكاتب أو الشهرة أو الصداقة أو الاعتقاد بأن الناقد المحترف يجب ألا يتناول الاصوات الجديدة خشية أن يفسر عمله أنه من باب المجاملة أو المصلحة. وهكذا لم تحظ الروايات الاولى، سواء أكانت لكتاب معروفين كانوا من قبل قصاصين أو شعراء ودخلوا عالم الرواية، أو كانت من ابداع أولئك الذين ظهروا لأول مرة، باهتمام يذكر. وهذا الاهمال للأصوات الروائية الجديدة يثير الاستغراب، وخاصة أنه يوجد في دول العالم، وبالذات الدول الغربية، جوائز مخصصة للرواية الاولى للكاتب، والتي من شأنها ابراز التجارب الروائية الجديدة التي يلمس النقاد أنها ناضجة ومتميزة أو واعدة.

ولما كانت المؤسسات الثقافية في غالبيتها في حالة شلل إداري، أو تعاني من عجز عن التواصل مع المجتمع المحلي، أو تقوم بالتخطيط على نحو ارتجالي في كثير من الحالات، بحيث لا تتمكن، أو لا ترغب، بشكل جدي وحقيقي في الاعلان عن نشاطاتها بشكل واضح ومكثف وتحشد الحضور بشكل دائم، فقد ظلت حفلات توقيع الرواية الجديدة أو الندوات أو اللقاءات أو الفعاليات المتعلقة بها تشكو من غياب الجمهور الحقيقي الذي تتوجه هذه الروايات له. وفي حالات كثيرة لم يكن يزيد عدد الحضور عن نفر قليل، وفي حالات أخرى لم يتمكن صاحب الاصدار الجديد من بيع سوى نسخ ربما أقل من أصابع اليد الواحدة.

صدر في عام 2010 خمس وعشرون رواية أردنية جديدة امتدت من "بالأمس كنت هناك" لزياد أحمد محافظة الذي يقيم في الامارات، الى "حوض مالح" لحسين نشوان الذي كان مسك الختام لروايات العام. ولا يشمل هذا العدد تلك الروايات التي صدرت طبعات جديدة منها. وأعتقد أن هناك روايات أو محاولات روائية أخرى صدرت عن مطابع أو دور نشر، ولكنها بقيت حبيسة الادراج والرفوف وقوائم دور النشر، ولم تنل فرصة الاعلان عن صدورها. وهناك كتاب لا يجدون من يفتح لهم الطريق للظهور، أو الاعلان عن أعمالهم، أو من يستضيف الاصوات الجديدة منهم، وبهذا تضيع مواهب روائية أو تبقى مغمورة لأنها لم تجد الرعاية لإثبات الذات والانتشار. حظي عدد قليل من الروايات بتغطية في الصحف والمجلات المحلية والعربية، وبكتابات نقدية في الملاحق الثقافية الاسبوعية والشهرية، بالاضافة الى المجلات والدوريات الفصلية، إضافة الى عقد ندوات للحديث عنها أو لقاءات مع مؤلفيها، في حين لم يحظ جانب كبير منها سوى على خبر يتيم في الصحافة اليومية إلا ما تناقلته بعض وسائل الاعلام الالكترونية كالمدونات والمنتديات، والتي تكون عادة بمبادرة من الناشر أو الكاتب نفسه. وفي حين حظيت بعض الروايات باهتمام من محرري الصفحات الثقافية، ولأكثر من مرة خلال العام، ومن كتّاب عدة يعملون في الصحيفة نفسها، والذين تراوحت مقالاتهم بين العرض والتقديم وبعض الاضاءات النقدية الخاطفة، لم تحظ روايات أخرى حتى بشرف نشر صورة الغلاف! وفي كثير من الأحيان كان يبدو واضحاً أن إعادة النشر على هيئة خبر صحفي أو تقديم نقدي موجز في صفحة يومية لم يكن الهدف منه سوى إبقاء الرواية في الذاكرة، وفي متناول الاقلام والالسن، كي يمتد التأثير ويتسع الى الدوائر المحلية والعربية، وخاصة تلك التي لها صلات بالتحكيم في الجوائز الروائية المختلفة.

وقد تراوحت فضاءات الروايات الجديدة، وأساليبها، ومدارسها الأدبية، وثيماتها، وقضاياها، ومعالجاتها الفنية واللغوية، وزمكانها الروائي على طيف واسع من المحاور والالوان. لم تثر أي من الروايات الجديدة أية ضجة أو زوبعة اعلامية أو تتعرض للمنع أو المضايقات، ولكن قيل بأن رواية "وجوه في مرايا متكسرة" للكاتبة والاعلامية الاردنية منى الشرافي، التي تقيم في بيروت، وتعمل هناك، قد منعت من دخول الكويت لكونها تطرح قصة شاب يتعرض للاغتصاب على يد معلمه فيصبح مثلي الجنس. ويعيد هذا الأمر الى الأذهان مسألة منع رواية "الطريق الى بلحارث" لجمال ناجي من دخول المملكة العربية السعودية والى الان لأنها تناولت قضايا اجتماعية في إطار من المعالجة السردية التي تمتاز بالمزاوجة بين التصريح والايحاء وتوظيف عوالم العاطفة والجنس والشهوة في طرح قضايا الحب والخيانة واستغلال المرأة والعلاقات الخفية ومشكلات الاغتراب في مجتمع صحراوي محافظ في منطقة نائية في جنوب غرب المملكة العربية السعودية.

وفي استعراض عناوين الروايات الجديدة التي صدرت لمؤلفين أردنيين خلال عام 2010 وأسماء مؤلفيها وناشريها، نلاحظ حضوراً بارزاً للمرأة، حيث صدرت تسع روايات لأصوات نسائية، أكثر من نصفهن يكتبن الرواية لأول مرة:

- بالأمس كنت هنا، زياد أحمد محافظة، دار الفارابي، لبنان.

- جونة العربية، صرخة في وجدان النائمين، يحيى الشوبكي، سلسلة إصدارات وزارة الثقافة الاردنية.

- والهمس لا يتوقف أبدا، ليلى نعيم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت – عمان.

- صرة المر، عبد السلام صالح، دار الفارابي، لبنان.

- شرفة العار، ابراهيم نصر الله، الدار العربية للعلوم – بيروت، ومنشورات الاختلاف - الجزائر.

- في البال، غصون رحال، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت – عمان.

- رغبات ذاك الخريف، ليلى الأطرش، سلسلة التفرغ الابداعي، وزارة الثقافة الاردنية.

- خلاصات النزف، د. أحمد العرود، المركز القومي للنشر، إربد، الاردن.

- الشتاء المرير، آسيا (خولة) عبد الهادي، دروب للنشر والتوزيع، الاردن.

- سفر برلك ودروب القفر، سليمان القوابعة، سلسلة التفرغ الابداعي، وزارة الثقافة الأردنية.

- اغتراب امرأة، هدى الرواشدة، دار فضاءات، الاردن.

- تماثيل كريستالية، رشا عبدالله سلامة، دار أزمنة، الاردن.

- رعاة الريح، ابراهيم زعرور، دار فضاءات، الاردن.

- حجاب من نوع آخر، ناديا العالول، الاردن.

- أبناء السماء، يحيى القيسي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت – عمان.

- التلعة، حسين العموش، مطابع الدستور، الاردن.

- مفتاح الباب المخلوع، د. راشد عيسى، دار أزمنة، الاردن.

- يحيى، سميحة خريس، دار ثقافة للنشر والتوزيع، الاردن.

- حيثما لا تسقط الأمطار، أمجد ناصر، دار الآداب، لبنان.

- الخيط الأسود، جمال القيسي، الدار العربية للعلوم – بيروت، والدار الأهلية للنشر – عمان.

- شهرزاد في حضرة رئيس الجمهورية، سعاد موسى أبو عمارة، دار المأمون للنشر والتوزيع، الاردن.

- وجوه في مرايا متكسرة، منى الشرافي، الدار العربية للعلوم - بيروت.

- مدينة لا تخرج من البيت، محمد السمهوري، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت - عمان

- بندورة الحية، مخلد بركات، بدعم من أمانة عمان الكبرى

- رومينا، نبيهة عبد الرازق، دار فضاءات، الاردن

- حسين نشوان، حوض مالح، دار فضاءات، الاردن

روايات بثوب جديد:
امتاز عام 2010 بكثرة صدور طبعات جديدة لروايات لمؤلفين أردنيين معروفين، وقد نال ابراهيم نصر الله الجانب الأكبر في اصدار طبعات جديدة من رواياته العديدة، حيث أعيدت طباعة ثماني روايات من مثل "شرفة الهذيان"، و"شرفة رجل الثلج"، و"زمن الخيول البيضاء"، و"تحت شمس الضحى"، و"زيتون الشوارع"، و"بسم الام والابن"، بالاضافة الى أعمال الروائي جمال ناجي، الذي أعيد إصدار الطبعتين الثانية والثالثة من روايته "عندما تشيخ الذئاب"، وكذلك ظهرت طبعة سابعة جديدة من روايته الاولى، التي لفتت الانظار منذ صدورها قبل أكثر من ربع قرن، وهي "الطريق الى بلحارث". كما أعيد إصدار الطبعة الثانية من رواية ليلى الأطرش "رغبات ذاك الخريف". وأعيد طباعة رواية هزاع البراري "تراب الغريب" والتي صدرت في عام 2007 ضمن إصدارات مشروع مكتبة الأسرة الذي تشرف عليه وزارة الثقافة الاردنية. وعلى صعيد آخر في الإطار نفسه، شهد العام الماضي والذي سبقه موقفاً غريباً من قبل وزارة الثقافة حين تقدم التمسك الشكلي بنص الاتفاقيات الموقعة مع الروائيين على الهدف من جوهرها أو العمل بروحها. كانت هناك مطالبات ومناشدات متكررة وبالحاح من قبل الروائي جمال ناجي عبرت عنها مقالاته التي استغرب فيها من رفض وزارة الثقافة السماح له باعادة طباعة روايته "عندما تشيخ الذئاب" بعد أن نفدت طبعتها الاولى ، تمسكاً لم يكن له من داعٍ بنص اتفاقية التفرغ الابداعي التي تنص أن الرواية تبقى من حق الوزارة لمدة سنتين، ومع التغيير الوزاري الذي شمل وزارة الثقافة، فقد سمحت للمؤلف أن يتصرف بها كما يشاء، وخاصة بعد وصولها للقائمة القصيرة لجائزة البوكر. وفيما يلي عناوين الروايات التي أعيدت طباعتها خلال العام، وكان من الملاحظ أن معظم الروائيين المعروفين قد أعادوا طباعة كتبهم هذا العام من خلال الدار العربية للعلوم في بيروت، والتي قيل أنها دفعت مبالغ كبيرة للروائيين لقاء طباعتها.

ابراهيم نصر الله:
- شرفة رجل الثلج، الطبعة الثانية، شرفة الهذيان، الطبعة الثالثة، زمن الخيول البيضاء، الطبعة الرابعة، زيتون الشوارع، الطبعة الثالثة، أعراس آمنة، الطبعة الثالثة، تحت شمس الضحى، الطبعة الثالثة، بسم الام والابن، الطبعة الثانية، وكلها صدرت عن الدار العربية للعلوم - بيروت ومنشورات الاختلاف- الجزائر، ودار مكتبة كل شيء - فلسطين.

جمال ناجي:
- عندما تشيخ الذئاب، صدور الطبعتين الثانية والثالثة، الدار العربية للعلوم ـ بيروت، ومنشورات الاختلاف ـ الجزائر.

- الطريق الى بلحارث، طبعة سابعة، دار فضاءات، الاردن

قاسم توفيق:
- صدرت الطبعة الثانية من رواياته الثلاث: "ماري روز تعبر مدينة الشمس"، و"عمان ورد أخير"، و"حكاية اسمها الحب" عن دار فضاءات، الاردن

صبحي فحماوي:
- حرمتان ومحرم، صدور الطبعة الثانية عن دار الفارابي، لبنان بعد أن كانت قد صدرت عن دار الهلال المصرية في عام 2007.

هزاع البراري:
- تراب الغريب، بمناسبة إصدارها ضمن مشروع مكتبة الأسرة، حيث أنها صدرت في عام 2007.

ليلى الأطرش:
- رغبات ذاك الخريف، بمناسبة صدور الطبعة الثانية، الدار العربية للعلوم - بيروت.


ويذكر أن رواية ليلى الأطرش فازت بجائزة أفضل رواية أردنية بحسب منظمي حفل توزيع جوائز الاردن أووردز الذي عقد في البحر الميت في شهر تشرين الأول من العام الماضي لتكريم نجوم الغناء والدراما والاخراج في الاردن والعالم العربي. وكان لافتاً للنظر تخصيص جائزة لأفضل رواية استثناء دون أنواع الابداع الاخرى كالقصة أو الشعر أو المسرح، كما لم يصدر أي شيء عن الجهة المنظمة يبين على أي أساس نقدي أو تحكيمي تم اختيار الرواية.

شهد العام الماضي نشاطاً واضحاً للروائي صبحي فحماوي الذي استمر في اصدار مجلة الرواية الالكترونية، كما شارك في لقاءات نقدية في مدن عدة من المملكة حول رواياته، وخاصة "الاسكندرية 2050" و"قصة عشق كنعانية" اللتين صدرتا في أعوام سابقة عن دار الفارابي وعن دار الهلال بالقاهرة، وكان آخر هذه اللقاءات الندوة التي أقيمت في مؤسسة شومان في أوائل شهر كانون أول، وقدمه فيها الدكتور يوسف بكار، وحضرها عدد من الادباء والنقاد والمهتمين.

حققت الرواية الاردنية حضوراً بارزاً على صعيد العالم العربي، فقد أعلن في شهر آذار الفائت اسم الرواية الفائزة بالبوكر لعام 2009، وإن لم تكن قد حققت الرواية الأردنية فوزاً بها، فقد وصلت رواية جمال ناجي "عندما تشيخ الذئاب" الى القائمة القصيرة، وحظيت بتغطيات نقدية واعلامية مكثفة في عدة عواصم عربية وعالمية. كما ضمت القائمة التي وضعها الروائي الأمريكي مات ريس، ونشرتها جريدة الغارديان البريطانية، رواية "براري الحمّى" لإبراهيم نصرالله، التي صدرت في عام 1985 وترجمت الى عدة لغات، وقد اعتبرتها الصحيفة واحدة من ضمن أهم عشرة كتب عبرت عن العالم العربي، بفضل روحها الحداثية وعوالمها التي تمتاز بالغموض والتشظي والأوجه المتعددة والبحث عن اجابات في المناطق الرمادية بين الواقع والحقيقة.

ما تزال الرواية الأردنية وخاصة في عام 2010 مغرمة بأدب المكان والتعبير عنه، وعن تجلياته، والتغييرات التي تطرأ عليه عبر مراحل زمنية مختلفة، وما يزال الروائي الأردني، سواء أكان من الكتاب المعروفين أم من أصحاب التجارب الجديدة، شديد الالتصاق بالمكان، بحيث يصبح المكان هو البطل في بعض الأحيان، أو يكون هو الفضاء المسيطر، ويصبح الانشغال الأهم لدى الروائي ليس التعبير عن جوانب من تجارب الشخوص ومعاني حياتها، وخاصة الابطال منهم، فأبطاله شخوص عاديون يمكن أن يوجدوا في أي مكان، وهم صور مصغرة لنماذج مألوفة في المجتمع، وإنما يبرز المكان المغلف بنزعة الحنين ضمن سياق إبراز مراحل من التاريخ السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي للمكان، وخاصة مدينة عمان، حيث تمتليء الروايات بصور المكان، وأوصافه، وحكاياته، واشاراته من خلال التركيز على المقاهي، والأدراج، والفنادق الشعبية، وبسطات الكتب، والصحف، وصالات السينما، والأحياء القديمة، ومعالم المدينة التاريخية، التي ترد في معرض الانشغال بأنسنة المكان رغم قسوة الحياة، وتجسيد الحنين الى تاريخ المدينة الماضي حين كانت الحياة أقل تعقيداً، وأكثر عفوية وبساطة وفقراً، ولكن أقل تبايناً في الجانب المادي والعمراني بين شرقها وغربها. في كثير من الروايات الغربية المعاصرة، تكاد تختفي خصوصية المكان لتصبح الفضاء الانساني الاعم، بينما في الرواية الاردنية، لا تزال التجربة الفردية ليست حرية بإبراز قيمتها في معزل عن المكان. وإن ما يزال المكان لدينا لم ينل حقه من الاحتفاء الفني والروائي به، فإن الالتصاق بالمكان في إطار تاريخي من النوستالجيا هو نوع من التعويض عن ضحالة التجارب الفردية للشخوص، التي لا تجد ما يثير الاهتمام في عاداتها الحياتية اليومية.

وقفت الرواية الأردنية وبقوة الى جانب الحراك الاجتماعي والنضال النسوي ضد ما يسمى بجرائم الشرف، وقد شكلت رواية "شرفة العار لابراهيم نصر الله مساهمة مهمة وفاعلة في حشد تأييد واسع ضد اضهاد المرأة بشكل عام، وضد استمرار انتهاك حقوق المرأة وحقها في الحياة بشكل خاص، من خلال إقامة نشاطات أدبية ونقدية على نحو مكثف طيلة العام، وفي مواقع مختلفة في عمان وخارجها من الثامن من آذار الذي صادف يوم المرأة العالمي، وهو التاريخ الذي وقّع فيه المؤلف روايته في مكتبة ريدرز في مجمع كوزمو وحتى نهاية العام. ورغم أن جريمة الشرف ليست موضوعاً جديداً تطرحه الرواية لأول مرة، حيث سبق أن تناولته عدة روايات أردنية وعربية، إلا أنها المرة الأولى التي تصبح فيه هي الموضوع الأساس والمهمين على كل جوانب الرواية وحياة شخوصها.

النقد والرواية
لم تواكب حركة النقد الروائي المنشور هذا الزخم من الابداع الروائي كما ينبغي، ولم يشهد العام سوى صدور عدد قليل من المؤلفات النقدية التي تتناول الرواية الاردنية. وقد حظي كتاب الدكتور غسان عبد الخالق "مقاربات في تجربة مؤنس الرزاز الروائية" بتغطية اعلامية واسعة استمرت طيلة العام ما بين ندوات وحلقات نقاش وحفل توقيع الكتاب أكثر من أي إصدار آخر يتناول الرواية. غير أن المجلات الثقافية الاردنية والملاحق الادبية في الصحافة الاردنية كرست جانباً كبيراً من موادها المنشورة الى نشر مقاربات وتحليلات نقدية للاعمال الاردنية وخاصة في مجال الرواية، علاوة على الدراسات والابحاث والمقالات التي تتناول مسائل معينة متخصصة في مجال الرواية الاردنية ومسيرتها خلال الخمسين عاماً الماضية. وفي ما يلي قائمة بأهم الكتب النقدية المتخصصة بالتجربة الروائية في الاردن والتي صدرت في عام 2010:

- الأعرابي التائه، مقاربات في تجربة مؤنس الرزاز الروائية، د. غسان عبد الخالق، دار ورد، الاردن

- كاميليا الرواية الأردنية، د. نبيل حداد، عالم الكتاب الحديث، الاردن

- سرد الحياة: قراءات في تجارب روائية وقصصية عربية، هيا صالح، وكالة الصحافة العربية، القاهرة

- رواية الأجيال في السرد العربي الحديث، د. زهير محمود عبيدات، دار أزمنة، الاردن.

- تأملات في السرد العربي، د. ابراهيم خليل، دار فضاءات، الاردن

- في الرواية العربية الجديدة، فخري صالح، الدار العربية للعلوم – بيروت، ومنشورات الاختلاف الجزائر.

- الكتابة عند التخوم، الياس فركوح، الدار العربية للعلوم ـ بيروت، ودار أزمنة ـ الاردن

كما شهد العام 2010 إعادة طباعة كتاب الدكتور ابراهيم خليل بنية النص الروائي عن الدار العربية للعلوم بيروت. وكانت الطبعة الاولى من الكتاب قد صدرت عن عمادة البحث العلمي في الجامعة الأردنية. يعد الكتاب اضافة نقدية مهمة تتناول الإرث النظري لأساسيات الرواية والاساليب السردية ومفهوم الزمن الروائي، وعناصر الشخصية والحبكة، وطرح فيه الدكتور خليل مسائل مهمة حول علاقة الراوي بالكاتب، والرواية باللغة. ومن الكتب النقدية التي حظيت بالاهتمام كتاب أستاذ النقد، الدكتور نبيل حداد "كاميليا الرواية الأردنية" الذي يلخص من ناحية معرفية تطور مسيرة الرواية الاردنية من خلال الحديث عن مدارسها وأساليبها المختلفة، وابراز خصائصها التي تميزها عن غيرها من اتجاهات الرواية العربية. أما هيا صالح فتناولت في كتابها الذي وقعته في القاهرة نماذج من الروايات الأردنية والعربية، ومنها على صعيد الرواية الاردنية "حين تستيقظ الأحلام" لمؤنس الرزاز، و"تلك الطرق" لعدي مدانات، و"أرض اليمبوس" لإلياس فركوح، و"الصحن" لسميحة خريس.

شهد الاردن خلال العام الماضي عقد عدة مؤتمرات وندوات تتناول السرد بشكل عام، والرواية بشكل خاص. وقد نظمت أغلبها الجامعات الاردنية العامة والخاصة، فقد عقد مؤتمر "الرواية العربية: الواقع والآفاق" بمشاركة محلية وعربية واسعة من عدد كبير من النقاد والأكاديميين العرب، الذي نظمته جامعة جرش الأهلية، في شهر نيسان الماضي، كما عُقد مؤتمر "آفاق الخطاب النقدي: الموروث السردي العربي في ضوء المناهج النقدية المعاصرة" في شهر آيار الماضي في رحاب جامعة آل البيت. وعقدت فعاليات ملتقى السرد العربي الثاني "دورة مؤنس الرزاز" الذي نظمته رابطة الكتاب الأردنيين في شهر تموز بحضور عدد كبير من النقاد والأكاديميين الأردنيين والعرب، وشهدت حضور نقاد من تركيا لأول مرة.

الرواية الأردنية: مشكلات وآفاق
رغم أن نجم الرواية الأردنية في صعود، ورغم أنها لم تغب عن قوائم جائزة البوكر لثلاث سنوات متتالية، إلا أنها تعاني من غياب الانتشار عربياً وعالمياً. وقد عُقدت خلال العام عدة ندوات بحثت المعوقات التي تواجه انتشار الرواية الأردنية وحضورها عربياً وعالمياً، والصعوبات التي يعاني منها الروائي الأردني. وأكثر ما يطمح اليه الروائي هو نيل الاهتمام والتقدير، اهتمام نقدي يقوم على تحليل العمل في إطار نقدي متخصص بعيداً عن المديح أو الذم، واهتمام من دور النشر في إطار من تقدير الابداع وأهميته، وحفظ الحقوق والعمل الدؤوب لتحقيق وصول الرواية الى كل العواصم العربية، وحماية حقوق المؤلف المالية والفكرية، وتقديم الدعم المادي، وإتاحة المجال لترجمة الروايات الأردنية الى اللغات العالمية المختلفة. ورغم أن نقد الرواية الأردنية يأخذ نصيب الأسد من حيز النقد في الاردن واهتماماته مقارنة بالرواية العربية والعالمية، وخاصة في الندوات والمؤتمرات والصحف والمجلات الأردنية، إلا أن النقد يفتقر في كثير من الأحيان الى منهجية موضوعية، تستند الى خبرات أكاديمية وبحثية، والى إطلاعات واسعة على مدارس النقد ومناهجه. كما تفتقد الساحة الأردنية الى هيئات متخصصة في تسويق الرواية الأردنية، وقلة دور النشر ذات الامكانيات المالية الضخمة التي تنفق في سبيل الارتقاء بجودة الطباعة والاخراج الفني واتساع رقعة الانتشار التسويقي المنظم. وأعتقد أن المشكلة الأكبر التي تواجه الرواية هي المشكلة ذاتها التي تواجه صناعة الكتاب العربي، ألا وهي ضعف القراءة لدى المواطن العربي العادي ، وغياب الايمان بدور الثقافة في الحياة، ما ينعكس على عزوف المواطن عن اقتناء الكتاب، وبالتالي غياب حضور الرواية الأردنية على مستوى الانسان العادي. وفي مقابل هذه المعضلة، لا يبدو أن هناك جهداً ثقافياً واعلامياً، وخاصة في وسائل الاعلام المرئية والمسموعة لتكريس حضور الرواية بشكل مكثف يوازي ما تفعله الرياضة والاعلام الرياضي، والاعتراف بأهمية الرواية في حفظ تاريخ المدينة وتدوين نمط الحياة فيها وعادات سكانها ومزاجها. وكل سنة والرواية الأردنية بخير.

رابط المقال بجريدة الدستور

رابط الصفحة الكاملة (انتظر ريثما يتم تحميل الصفحة)