الأحد، أبريل 27

الاســطورة



جولة مع الأساطير

بقلم اياد نصار


تلعب الميثولوجيا أو علم دراسة وتحليل الأساطير دورا كبيرا في الاعمال الادبية من خلال توظيف اساطير الالهة والشخصيات للدلالة على المعاني التي ارتبطت بها تلك الاساطير والدرس أو المغزى الذي حملته وتحمله دائما تلك الاساطير عبر العصور. كما أن الشخصيات التي تدور حولها تلك الاساطير قد أصبح لها بعدا رمزيا متعارفا عليه منذ زمن قديم، وعندما ترد اسماؤها في أي عمل أدبي، سرعان ما يتبادر الى الذهن ذلك الرمز الذي يستدعي في التفكير قصة الاسطورة. وللاساطير قيمة تاريخية وفنية ودينية وادبية ومعرفية تنقل مستوى التفكير الانساني في فجر الحضارة وكيف تعامل مع الظواهر الطبيعية او انماط السلوك الانساني وأنواع الشخصيات من خلال تحليلها باستخدام الرموز، كما تدل على الكيفية التي حاول بها عقل الانسان تفسير الظواهر من حوله التي حار في تفسيرها او تبريرها، وقد وفرت له الاساطير عالما متكاملا واطار فكريا واسعا يمكن أن يلجأ اليه في تفسير أية ظاهرة او محاولة فهمها، فما لا يمكن تطويعه او فهمه بمعطيات العقل البشري انذاك، فيمكن تطويعه بالاسطورة التي تسمح بخلق كائنات وظواهر او تصرفات قد لا تكون ممكنة بعالم الواقع.

وقد كنت دائما معجبا بمستوى تطور التفكير الانساني في مهد الحياة البشرية الذي تبدى في خلق منظومة كبيرة واسعة ومتعددة من الالهة والمخلوقات الاسطورية بحيث تغطي أغلب مناحي الحياة ونوازع الخير والشر وتسعى لتبرير وتفسير الظواهر الطبيعية والبشرية المتعددة، وسبر غور العلاقة بين السماء والارض وبين الالهة والبشر، كما كانت تسد حيرة الانسان أمام الكوارث او الظواهر الكونية المتكررة وتقدم له اطاراً يسد حاجته للايمان وابداء الخشية والخوف مما يحدث ولا يملك السيطرة عليه. ولا شك أن كل تجمع بشري كان له من الاساطير الشيء الكثير في تلك الازمان البعيدة، ولكن من اشهرها اساطير اليونان الاغريق، وأساطير الرومان واساطير الفراعنة وأساطير بلاد ما بين النهرين واساطير الفنيقيين والكنعانيين، والاساطير الصينية والافريقية وحضارت أمريكا اللاتينية كالازتيك والمايا والإنكا.


ومن الاساطير اليونانية المشهورة التي اكتسبت أهمية، والتي تتردد كثيرا في ثنايا القصائد والقصص والروايات والمسرحيات والخواطر والمقالات والابحاث وكل أجناس الكتابة الادبية هناك أسطورة كعب أخيل، ونرجس، وأدونيس، وكيوبيد، وبيجماليون وجالاتيا، وسيزيف... وغيرها الكثير. لكنني أحببت أن اتوقف عند هذه الاساطير الجميلة التي لا تخلو من عنصر مؤثر وقصة فريدة تكاد تبدو حقيقية فتقيم صلة روحية مع النفس الانسانية تدعو للتأمل والتعاطف مع المأساة الانسانية التي تثير إما غضب الالهة أو شفقتها وفي الحالتين تثير التعاطف الانساني معها! وقد استخدم الادباء العرب هذه الاساطير كثيرا في أعمالهم، بل إن بعضهم تسمى باحداها وهو الاديب السوري اللبناني أدونيس او علي احمد سعيد اسبر، كما كتب توفيق الحكيم مسرحيته الرائعة بيجماليون والتي استوحى فيها اسطورة الفنان المعذب بيجماليون.

كعب أخيل:

كان أخيل Achillis أقوى وأشجع أبطال اليونان وأكثرهم وسامة في حروب طروادة ، وقد خلدت ملحمة الالياذة لهوميروس أعماله وبطولاته. كان رمز البطل الخارق الذي يؤثر المجد على الحياة الطويلة. ولكنه أصبح رمزاً لنقطة الضعف التي يقتل منها الانسان. فقد ذكرت الاسطورة أنه كان ابن بيليوس ملك ميرميدونس وامه هي حورية البحر ثيتس في العام 17 للميلاد، ولكي تحصنه وتحميه من الاخطار فقد أمسكت به من كعبه وقامت بانزاله في نهر ستايكس المقدس لكي تحصنه من الاخطار. فأصبح جسده كله محصنا من الضربات الا المكان الذي أمسكته منه أمه وهو كعبه. وقد قيل أن موته كان انتقاما من الالهة لانه قتل الامير الطروادي ابن الملك بريام وهو ترويلوس. وقد قتل عندما أصيب بسهم في كعبه الذي لم يكن محصنا من الضربات. فصار يقال مثلاً "كعب أخيل" للادلة على مكمن ضعف الانسان الذي قد يؤدي به الى الهلاك.

أدونيس:

ورد ذكر أدونيس Adonis في الاسطورة الاغريقية على أنه نصف اله. وقد ورد ما يقابله في اساطير أخرى كانت شائعة آنذاك مثل اوزيريس لدى الفراعنة، وتموز لدى البابليين، وفي الاساطير الجرمانية وغيرها. وقد تعددت الروايات حول شخصيته، ولكن الغالب انه كان نصف اله يولد ويموت ويبعث من جديد كل عام ويبقى دائما في ريعان الشباب. وعندما ولد فقد أذهل جماله الفريد ذو الطبيعة السماوية من حوله. فقررت الهة الحب أفروديت أن تبقيه لها وتحافظ عليه، فأعطته الى بيرسيفون ، الهة الخصب والعالم السفلي ، كي تحافظ عليه. فأعجبتبه بيرسيفون ورفضت اعادته الى أفروديت. وقد فض الخلاف بينهما كبير الالهة زيوس، اذ قضى أن يمضي أدونيس أربعة اشهر في السنة عند أفروديت التي أغوته بمساعدة صديقتها هيلين، وأربعة أشهر عند بيرسيفون، وأربعة اشهر لنفسه. وقد قتل أدونيس بأنياب دب هاجمه. وقيل أن أرتيمس الهة الصيد قد أرسلت الدب لقتله انتقاما من أفروديت لانها قتلت حبيبها هيبوليتس الذي كان يمثل اله الغابات. فلما نثرت أفروديت الرحيق على جسمه بعد قتله، فقد نبت مكان كل قطرة من الرحيق زهرة شقائق النعمان. كما تحول نهر ابراهيم في جبل لبنان احمرا حزنا عليه. وقامت بيرسيفون باعلان أن ادونيس قد اصبح ملكها عندما مات ونزل العالم السفلي. وقد استخدم الشاعران الرومانتيكان الانجليزيان بيرس بايش شيلي والشاعر جون كيتس قصة أدونيس في بعض قصائدهما المشهورة.

نرجس:

أصبح نرجس أو نرسيس Narcissus رمزا متعارفا عليه لحالة الاغراق في الاعجاب بالذات وحبها، ومرادفا للوهم النفسي المرضي الذي يقوم على اعتبار الذات أو الانا مركزا أسمى لكل شيء في الكون او المحيط، فلا يجد في الاخرين وأعمالهم اي شيء يستحق الاهتمام او الاعجاب سوى اعمال الذات في انعكاس واضح لأنانية مفرطة او حالة مرضية من عبادة الذات. واصبحت كلمة النرجسية مرادفا لحالات الاعجاب المفرط بالذات والتعالي على الاخرين والانشغال بجمال الذات او ما يراه حسنا جميلا فيها الى حد يتجاوز المألوف. وكثيرا ما يستخدم الادباء والنقاد هذا المصطلح للدلالة على ما ذكرته، ولو أن بعض الاستخدامات النقدية أحيانا تركز على جانب بشيء من التلميح الايجابي كالجانب المرتبط بالتفرد والابداع والذي ينعكس أحيانا في صورة العزلة عن المجتمع والانكفاء على الذات لان صاحبها لا يجد ما يستحق الاهتمام في الاخرين أو لا يجده مكافئا لموهبته. وقد كان اصل الكلمة هو الاسطورة اليونانية المنسوبة الى نرسيس ذلك الشاب ذي الوجه الجميل الوسيم الذي كان معجبا بجمال وجهه، فكان يجلس دائما على حافة بركة وينظر الى صورته في الماء الى أن ذوى من هذا الهوس المرضي ووقع ميتا على حافة الماء، فنبتت مكانه نبتة جميلة هي عبارة عن زهرة سميت على اسمه باسم نرسيس او نرجس. غير أن المصادر اليونانية ومن بعدها الرومانية مثل اشعار أوفيد في كتاب التحولات تتحدث عن قصص متعددة لنرسيس تختلف في احداثها ووقائعها، ومن هذه الاساطير من أن نرسيس كانله أخت توأم وكانت تشبه تماما وقد أحبها وعاش معها، فلما ماتت صار يتخيل صورته في صفحة الماء كأنها صورة اخته.

بيجماليون:

Pygmalion شخصية اسطورية يونانية من قبرص، ذكرها أوفيد الروماني في كتابه التحولات. ويقال أن الاسم بيجماليون مأخوذ من اسم شخصية فنيقية دارت حولها أحداث الاسطورة. كان بيجماليون فنانا ونحاتا وقد نحت تمثال امرأة فائقة الجمال من العاج سماها جالاتيا. وقد أعجب بيجماليون بها كثيرا لانه صنعها لتكون المثل الاعلى في الجمال والروعة والانوثة. وقد صار بيجماليون لا هم لديه سوى اطالة النظر الى التمثال والاعجاب به حتى وقع في غرام جالاتيا وصار يتخلها أمرأة حقيقية تكلمه وتحبه. ولكن كان حزينا لأن المرأة التي صنعها حسب معاييره لتكون المثل الاعلى في الجمال والروعة لم يكن يبد منها اية اشارة تعطي الاحساس انها تشعر به وبحبه. فصار يرجو الالهة ويطلب منها أن تدب الروح في تمثال جلاتيا لكي تحيا. لم تستجب له الالهة، فصار يلح عليها أن تحقق أمنيته من شدة عشقه لها،وبقي على هذه الحال فترة حتى ظهر عليه الوجد والعشق، فاستجابت الالهة أخيرا لطلبه، فدبت فيها الحياة، ففرح بيجماليون كثيرا ولم يكن يعرف كيف يعبر عن فرحه الغامر بها وقد أصبحت امرأة بكل جمالها وروعتها ورقتها. وعاش معها بيجمالون سعيدا. غير أنها بعد فترة صار يظهر عليها ما يظهر على البشر من علامات الكبر في السن وتبدل الجمال وزواله، والحزن والغضب وتقلب المزاج. فلم يحتمل بيجماليون ذلك. وصار يشعر بالحزن لما حدث لها. وتدريجيا صار يكره هذه التحولات التي طرأت عليها، ولم يعد يستوعب انها وقد دبت فيهاالحياة ستجري عليها كل صفات البشر العاديين. وبلغ به الامر أن صار يكره كل تصرفاتها وتقلباتها. حتى وصل الامر انه لم يعد يطيقها، فقد ضاع الحلم الذي كان يعيش عليه. وصار يرجو الالهة مرة أخرى ان تعيدها تمثالا كما كان. وقد استوحى القصة الاديب الكبير توفيق الحكيم في مسرحيته التي تحمل نفس الاسم، كما تأثربها الاديب الساخر برناردشو! وترمز الاسطورة الى طبيعة الانسان المتقلبة والحب المتبدل الذي لا يستقيم على حال، وترمز الى المثاليات التي يظهر مدى هشاشتها عندما تصطدم بحقائق الواقع. كما ترمز الى المقارنة بين الفن الخالد وبين الحياة الفانية، والى طبيعة الجمال الزائلة مع الزمن. كما ترمز الى التناقض الذي يعيشه الفنان بين مثاليات سامية مفرطة وبين تصرفاته الحقيقية على أرض الواقع!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق