الجمعة، أكتوبر 30

نوبل - مظلومون منسيون ومرشحون ملّوا الانتظار!



على هامش فوز هيرتا موللر بـ نوبل للادب


مظلومون منسيّون ومرشّحون ملّوا الانتظار

بقلم اياد نصار

ما بين سنة 1914 التي نشر فيها الأديب الإيرلندي الشهير جيمس جويس أول أعماله النثرية: الدبلنيون (سكان دبلن)، التي أصبحت من أبجديات القصة القصيرة في العالم، وسنة 1939 التي نشر فيها آخر أعماله: رواية يقظة فينيجان قبل وفاته بسنتين، منحت جائزة نوبل ثلاثا وعشرين مرة إلى العدد نفسه من الأدباء، ولم يكن جويس من بينهم.


يعد جويس من أهم الادباء الذين غيروا وجه القصة القصيرة والرواية على مستوى العالم، منذ نشر روايته صورة الفنان في شبابه العام 1916، التي أتبعها بروايته الضخمة عوليس العام 1922. ولا يذكر تاريخ الأدب والنقد اسما من أولئك الأدباء الثلاثة والعشرين الذين فازوا بالجائزة، مثلما يذكر جويس، ذلك أن أحدا منهم لم يؤثر فيه مثلما فعل هذا الأديب. وإذا جهد المرء في التذكر، فربما يعثر على عدد قليل من الأسماء التي نالت الجائزة، وما يزال لها حضور بشكل أو بآخر في زمننا الحاضر، من مثل: أناتول فرانس، وليم بتلر ييتس، جورج برناردشو، توماس مان، سنكلير لويس، لويجي بيرانديللو، يوجين أونيل، وبيرل باك. أما الباقون، فظلوا نكرات مغمورين.

جويس لم يكن وحده في ذلك، فقد نسي أديب فرنسا اللامع غزير الإنتاج ورائد الرواية النفسية الحديثة التي عدت إحدى أهم روايات القرن العشرين على الإطلاق مارسيل بروست، صاحب البحث عن الزمن الضائع الذي توفي العام 1922، بعد أن منحت الجائزة قبل وفاته عشرين مرة منذ العام 1901، وهي السنة التي أعلن فيها عن اسم الشاعر الفرنسي سولي برودوم بوصفه أول فائز بنوبل للأدب. والمرء لم يعد يتذكر من الأدباء الفائزين خلال تلك الفترة سوى ثلاثة: الشاعر الإنجليزي رديارد كبلنغ، والشاعر الهندي طاغور، والشاعر والروائي الفرنسي أناتول فرانس.


المنسيون من الجائزة والمظلومون بسببها كثر. كان الروائي الروسي ليو تولستوي المرشح الأوفر حظا للفوز بالجائزة في دورتها الأولى العام 1901، والثانية العام 1902، لكنها ذهبت في المرة الأولى بصورة مفاجئة إلى برودوم، وفي المرة الثانية إلى الألماني تيودور مومسن، وعندما بلغه ذلك قال: كان ذلك من حسن حظي، فلم أكن أعرف ماذا سأفعل بالنقود، ووفرت علي ذلك الألم الذي لا بد منه لقاء التعامل بالمال، إنه أساس كل الشرور!


هناك أدباء كبار تجاهلتهم قرارات الجائزة، رغم أنه كان لهم حضورهم على ساحة الأدب العالمي، وبعضهم لسنوات طويلة قبل موته، كما منحت الجائزة خلال حياتهم، وفي بعض الحالات عشرات المرات، ولم تقترب منهم. من الأمثلة التي تتبادر إلى الذهن المسرحي النرويجي هنريك إبسن الذي توفي العام 1906، والروائي الأميركي مارك توين (ت. 1910)، والروائي الأميركي هنري جيمس (ت. 1916)، والروائي الإنجليزي بولندي الأصل جوزيف كونراد (ت. 1924)، والروائي النمساوي فرانز كافكا (ت. 1924)، والشاعر الفرنسي بول فاليري (ت. 1945)، والمسرحي الألماني بيرتولت بريخت (ت. 1956)، والروائي الروسي الأميركي فلاديمير نابوكوف (ت. 1977)، والروائي الإيطالي إيتالو كالفينو (ت. 1985).


تذكر المصادر أن الشاعر والمسرحي والروائي الألماني المعروف غونتر غراس كان مرشحا دائما كل سنة على قوائم الترشيحات لمدة عشرين عاما، حتى فاز بها في العام 1999 عن روايته التي أصدرها العام 1956 بعنوان "الطبل القصديري"، والتي تعد الجزء الأول في ثلاثيته المعروفة باسم ثلاثية دانزيغ.




وإذا كان للمرء أن يذكر من الأدباء العرب الكبار الذين رحلوا ولم يحظوا بها رغم جدارتهم، فإن من بينهم عميد الأدب العربي طه حسين، وأمير الشعراء أحمد شوقي، والروائي عبد الرحمن منيف، والشاعر محمود درويش، والشاعر نزار قباني، والمسرحي سعد الله ونوس، والشاعرة نازك الملائكة، والشاعر عبد الوهاب البياتي، والأديب جبران خليل جبران، والروائي والمسرحي توفيق الحكيم.


ولا شك أن هناك شعوبا أخرى تعتقد أن عددا من أدبائها الراحلين استحقوا الفوز بالجائزة، خصوصا أن أغلب الفائزين بها هم من دول أوروبا، بينما يبقى أدباء دول العالم الثالث الأقل حظا، حتى الأميركيون شعروا بخيبة أمل كبيرة هذا العام، ويعتقدون أن هناك تجاهلا للأدباء الأميركيين منذ سنوات من جانب الأكاديمية السويدية، إذ كانت آخر مرة نال فيها أديب أميركي الجائزة ذلك قبل ستة عشر عاما، وذلك عندما فازت الروائية الأميركية السوداء توني موريسون بالجائزة العام 1993. وقد ثارت في العام 2008 ضجة كبيرة حول تصريحات الناقد ومؤرخ الأدب السويدي هوراس إينغدال الذي شغل منصب السكرتير الدائم للأكاديمية السويدية، منذ العام 1997 حتى حزيران 2009، عندما صرح العام 2008 بأن الولايات المتحدة معزولة كثيرا، وغير منفتحة على الآداب الأخرى، مما يمنعها من لعب دور أساسي في صياغة واقع أدب اللغة الإنجليزية، وأضاف: إنها جاهلة كثيرا إذا اعتقدت أنها يمكن أن تنافس أوروبا، المركز الأدبي للعالم، وهي لا تساهم كثيرا في الحوار الأدبي العالمي.


كان الأميركيون يطمحون أن تعدل اللجنة موقفها أو أن تكفر عن تصريحات إينغدال، بمنح الجائزة إلى الأديب الأميركي جون أبدايك. لكن أبدايك رحل في مطلع العام الجاري، فعقد الأميركيون رجاءهم على الكاتبة الأمريكية غزيرة الإنتاج جويس كارول أوتيس، كون الجائزة لا تمنح إلا للأحياء. لكن أملهم خاب كثيرا. وهكذا ستنتظر أوتيس سنة أخرى وربما سنوات مقبلة، إذ إن اسمها ضمن الترشيحات منذ سنوات، وكان ترتيبها السابع في هذا العام على قائمة التوقعات، وحصلت على 4 في المئة من الأصوات.


هناك أمم كثيرة في العالم ممن يطمح أدباء من أبنائها بالحصول على الجائزة التي صار لها قيمة تاريخية ومعنوية علاوة على قيمتها المادية، والتي تفتح المجال أمام الفائز ليدخل بها إلى الثقافات العالمية إذا تابع حضوره الفعال على المستويين الوطني والعالمي، واستمر في تقديم أعمال متميزة تطرح قضايا المجتمع المعاصر من منظور الثقافة التي ينتمي اليها، وساهم في المشاركة في الدفاع عن القضايا الإنسانية الكبرى، ومناصرة الشعوب في سعيها للتقدم والتخلص من مشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المزمنة.


تشير استطلاعات الرأي والتقارير الصحفية والمقالات الأدبية والموقع الشهير للمراهنة على المرشحين لنيل الجائزة على الإنترنت لادبروك، إلى أن أكبر نسبة توقع للفوز بالجائزة في الدورة الأخيرة كانت للكاتب والروائي الإسرائيلي عاموس عوز، الذي يشغل منصب أستاذ الأدب في جامعة بن غوريون، والذي نال 21 في المئة من الأصوات قبل الإعلان عن اسم الفائزة هيرتا موللر، التي كانت في المرتبة الخمسين على القائمة.


أما المرشح الذي نال ثاني أعلى نسبة من التوقعات (13 في المئة)، فكان الروائي الياباني هاروكي موراكامي البالغ من العمر ستين عاما والمعروف بإنتاجه الضخم، إذ وضع اثنتي عشرة رواية وستا وأربعين مجموعة قصصية. ورغم ذلك كان مرشحا في الترتيب التاسع بين الأدباء المحتملين. وقد فاز موراكامي بجائزة إسرئيلية في شباط 2009 عقب الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة، فحاول المتظاهرون ضد الحرب في اليابان ثنيه عن السفر إلى القدس لتسلمها، لكنه حضر الاحتفال وانتقد الحرب الإسرائيلية خلال خطابه. يتردد اسم موراكامي كمرشح مفضل لدى النقاد للفوز بالجائزة منذ سنوات طويلة، حتى قيل إنه قد نال الجائزة في الانتظار!


أما العرب، فقد طال انتظارهم مرة أخرى، منذ أن نال نجيب محفوظ الجائزة العام 1988، وطال انتظار أدباء من مثل أدونيس، الذي كان العام 2008 في المنزلة الثانية في التوقعات، فتراجع إلى المنزلة الثامنة هذا العام، بعد الروائي الأميركي المعروف فيليب روث الذي مل هو الآخر الانتظار، خصوصا أن آخر مرة منحت الجائزة فيها لشاعر كانت في العام 1996 من نصيب البولندية فيسلافا سيمبروسكا. يتردد اسم أدونيس للفوز بالجائزة منذ فاز نجيب محفوظ فيها العام 1988.


وخابت الآمال مرة أخرى، في أن تفوز الروائية الجزائرية الفرانكوفونية آسيا جبار التي كانت هذا العام، وبحسب موقع لادبروك، في الترتيب الثالث بين التوقعات بنسبة 7 في المئة من الأصوات. جبار كانت مرشحة متقدمة للفوز بالجائزة، وقد أظهر الموقع أنها نالت المركز الثالث في التوقعات. وهي معروفة كثيرا في الغرب وبعض دول العالم، وربما أكثر من العالم العربي، وقد ترجمت رواياتها إلى ثلاث وعشرين لغة، ويقال عنها إنها تستطيع أن تؤلف رواية في ثلاثين يوما. وقد ملت الانتظار منذ العام 1999. ويبدو أن قائمة المنتظرين لسنوات طوال ستزداد، وقائمة المستحقين الراحلين ستزداد، بينما تصر الأكاديمية السويدية على اختياراتها الأوروبية في كثير من الأحيان.

* اللوحة أعلاه للفنانة الهولندية المعاصرة ليندا غروين بعنوان زهرة الليل، وهي زهرة العاطفة والموت التي تنمو على ضفاف نهر النسيان في العالم السفلي حسب الاسطورة اليونانية.

** نشرت المقالة في الملحق الثقافي لجريدة الرأي الاردنية بتاريخ 30/10/2009.
اضغط على الرابط لرؤية الملحق الثقافي

اضغط على الرابط التالي لتحميل الصفحة



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق