الاثنين، فبراير 28

ثنائية الجسد والجسر في "حوض مالح" لحسين نشوان


ثنائيــة الجســد والجســر

في "حوض مالح" لحسين نشوان

إياد نصار

* نشرت في ملحق جريدة الدستور الثقافي بتاريخ 25/2/2011

جاءت تجربة الرواية الاولى "حوض مالح" لحسين نشوان الصادرة مؤخراً ناضجة، وذات بناء روائي يرتكز الى عدد من الاساليب السردية، التي تتداخل بايقاع كابوسي حداثي في جو من الغموض والتشظي، لتقديم رؤية تستند الى قراءة الواقع من منظور مختلف للتاريخ والسياسة.

تتسم "حوض مالح" بالتكثيف، والابتعاد عن تقنيات السرد التقليدية، وعدم الانشغال بنقل التفاصيل الدقيقة للحياة اليومية للشخوص، وتنهج أسلوب تجريد الاشياء والاحداث في إطار تحليل التاريخ، والانتقال بالسرد من إطار وصفي زمني الى إطار نفسي فلسفي، يحطم كلاسيكية المكان والزمان. نجح نشوان في طرح عدد من القضايا المختلفة التي ترتبط بالتاريخ، والحروب، والاحتلالات، والاديان، والصراع على الارض، والهوية، والغربة، والنفي، والتشرد، والتراث الشعبي، والحب، وثقافة الجسد، ومفارقات الحياة، في بناء سردي يتخذ من القضية الفلسطينية منذ النكبة وحتى الوقت الحاضر إطاراً، ومن الفلسطيني الذي تتشظى ذاكرته بطلاً يعيد صياغة المأساة من جديد.

تبرز في الرواية، رغم صفحاتها القليلة، جملة من التقنيات السردية، التي تتعاقب وتتداخل باستمرار، في إطار لغة ايحائية ذات تلوينات نفسية، وإسقاطات تاريخية وسياسية. وتمزج ما بين اسلوب استرجاع الذكريات، والهلوسات والكوابيس والاوهام، والتداعي الحر للافكار، والفانتازيا، وتوظيف اللغة العامية في الحكايات الشعبية الفلسطينية، في سياق يعكس أجواء طقوسية العادات والقيم الشعبية، ما يعبر عن الجو العام للمشهد الروائي، عبر مرحلة طويلة من تاريخ المنطقة القديم، وتوظيف اسقاطاته على الزمن الراهن، لتقديم رؤيته عن معاناة الانسان في هذه البقعة التي أشار اليها الراوي بـ "حوض مالح".

ويكتنف أسلوب الراوي الانتقال الفجائي بين صيغ الزمن المختلفة في نمط فانتازي، يبدو متفقاً مع شخصية الراوي، ونمط تفكيره في الغموض، والاحساس بالعجز، والشك في روايات التاريخ، وتصورات الانسان، والثوابت الاجتماعية والدينية. ولعل أهم ما يشير الى تفكير الراوي وقناعاته قوله لسارة: "الأشياء التي تطمس هي الأهم". وظّف نشوان أيضاً أسلوب الحوار الموجز بطريقة غير تقليدية. يبدأ الحوار فجأة بين الشخصيات، دون مقدمة، أو تفاصيل عن المكان والزمان، ولذا ليس مهما بين من ومن يجري الحوار، بقدر ما هو مغزى الحوار في السياق العام للرواية.

وظّف نشوان خبرته في مجال كتابة النصوص المسرحية، وخاصة المونولوج، في الغوص في الجانب النفسي الداخلي للشخصية بأبعاده المختلفة. وأثرى النص بالتأملات للتحرر من هزيمة الماضي وكوابيسه، وإعادة تقديم تجربة الحياة باحباطاتها وانكساراتها من زاوية أخرى، وقراءة الاحداث ضمن سياقها، بعيداً عن المقولات الجاهزة والموروثات الشعبية، وخاصة تلك المرتبطة بالسياسة والدين والتراث.

يتسم السرد بتضمين النص مستويات مختلفة من النقد والسخرية والاشارات، ومقاربة القضايا الكبرى، بأسلوب يفتح عيني القاريء على حقائق جديدة، تدفع للتأمل واعادة التفكير. ورغم موضوعها المرتبط بالقضية الفلسطينية، إلا أن الرواية ابتعدت عن المعالجات الرومانسية أو العاطفية في ندب الماضي والحنين اليه، بل إن الكثير من جوانب الماضي صارت محل نقض وشك واتهام. تشتمل الرواية على مقدار كبير من نقد الذات وقيم العقل الجمعي والتراث، دون أن تتخلى عن ابراز دور الجلاد وتحميله المسؤولية التاريخية عن الجريمة، "أنا ضحية الحكاية. أعرف قاتلي ولا أعرفه، تلتبس عليَّ الأمور".

يؤكد الراوي أن أوراق مخطوط الرواية ليست له، وأن لونها صار مصفراً مثل وجه الميت، في استحضار مبكر لهاجس الموت، وصوره التي تهيمن على أجواء الرواية. ويثير الانكار التساؤل عن أهمية شخصية الراوي المحيرة. إنه في العتمة بلا هوية أو اسم، راوٍ مجهول أمام الرواية، التي صارت هي الاساس، وهو، في الوقت ذاته، مركز الضوء يقدم من خلاله الكاتب عالمه الروائي، ومن خلاله يعود الاخرون الى الحياة بخسارات الماضي ومراراته.

يروي الرواية بطلها الذي يبقى اسمه مجهولاً، وهو في حالة غيبوبة، ويدرك القاريء أن أهميته تكمن في النظر اليه بوصفه شخصية رمزية تشير الى الفلسطيني المشرد. كتب الراوي وهو على سرير المرض في مستشفى في ألمانيا الى صديقته سارة: "أكتب لك يومياتي من المنفى إلى المنفى. أتابع الأخبار ضمن مربع أبيض، أقلب القنوات بسرعة، هكذا أمرّ على الوطن فتغشاني رائحة الموت.. سأموت غريبا".

يرد عنوان الرواية، لأول مرة، في الصفحة 65 ، أي في منتصفها تقريباً، ما يفسّر أهمية الاشارة مكانياً وزمانياً، في كونها كناية عن بقعة تجد نفسها دائماً في خضم الظلم والاحتلال، وهذا هو ما تعنيه الرواية، من أن هذه البقعة، على جانبي حوض حفرة الانهدام، قد شهدت كل حروب الدنيا، وتعاقبت عليها كل فصول المأساة. "تباً لأرض لا ترتوي من الدم، وتراب لا يشبع من لحومنا.. اختلط دم الضحايا ودم الجلادين في نسلها". يشير السرد الى المؤرخ الاغريقي هيرودوتس، الذي راح يضحك، عندما رأى المآسي فوق هذه البقعة، فقال "كل الحروب وقعت في هذا الحوض المالح".

تحكي الحبكة قصة ثلاثة أجيال من عائلة فلسطينية بطريقة دراماتيكية مؤثرة، حيث عبر النازحون النهر المهدم، وعلى الجسر ضاعت أخت البطل زينب، مما تسبب في جرح لم يندمل للأم، أصابها بالجنون، حزناً على فقدانها، حيث ظلت تبحث عنها وتتأمل رجوعها. تلعب الاخت المفقودة دوراً مهماً في حياة الراوي، ويبقى مسكوناً بصورة ضياعها، الذي يبدو بالنسبة له أنه جزء من كارثة أكبر. يقول أحدهم "أختك ضائعة؟! وماذا أفعل لك؟! الكل ضائع!"، في اشارة الى ضياع البلاد برمّتها، والى مسؤولية الجلاد.

يحصل الراوي على موافقة السفارة الالمانية على اللجوء السياسي، وهناك يعاني شعوراً طاغياً بالحزن والغربة والنفي في مخيمات اللاجئين من كل الجنسيات. وخلال متابعته للنشاطات الثقافية، يستمع صدفة الى باحثة يهودية تتعاطف مع الفلسطينيين، وتفضح مسؤولية الاسرائيليين عن النكبة، وترى أن مصطلح "النكبة" لا يشير الى مسؤولية الجاني، مثل مصطلح "التطهير الاثني". ويكتشف الراوي قرب النهاية أن الباحثة لم تكن سوى أخته المفقودة التي عاشت عند أسرة يهودية، بعد اختطافها، وتخصصت في التاريخ، وأدركت الكارثة التي حلت بالشعب الفلسطيني. ما يعني ضمناً أن حجم الكارثة يدفع الانسان، مهما كانت منطلقاته، الى الاقرار بالجريمة التاريخية.

تنتهي الرواية، كما بدأت، بمشهد الراوي ميتاً بعد عملية جراحية في الرأس، في إشارة رمزية الى الفشل في الخروج من قيود الماضي المثقل بالهزائم والذكريات المريرة، وفي اشارة الى تزييف الحقائق واعادة صياغة الوعي، ومحاولة القفز عن الهوية الى عالم آخر، والى الرغبة في تغيير الوعي من خلال الكتابة الابداعية على أمل تجاوز الماضي بلا طائل.

إن مفتاح رواية "حوض مالح" مرتبط بفهم شخصية الراوي. تجري كل أحداث الرواية في ذاكرته قبل أن يموت، ويستعيد فيها تاريخه وتاريخ عائلته، ويتذكر باضطراب الكثير من الاحداث والاسماء والاماكن التي ارتبط بها. والمكان مشكلة الراوي، فهو موزع بين عالمين وحياتين وهويتين، لا يعرف إن كان حياً، أم ميتاً.

والراوي في الأساس روائي يفكر بكتابة روايته، التي تبقى حلماً يراوده، ولا يستطيع انجازه، فالكتابة مغرية لكنها ليست سهلة، إذ تعيد الموتى الى الحياة بحيلة الحكاية، لكنها لا تستطيع تغيير قدرهم، ويظل الراوي، مكبلاً مثقلاً بمرارات الحكاية التي يوظفها نشوان كناية عن النكبة، وينتقل بنا عبر التاريخ من حكايات الكنعانيين وأساطيرهم، وقصص الفراعنة والتقاط موسى، والخروج، والتيه، وموجات الغزو التي مرت على هذه البلاد ولم تتوقف. "خلق كثير يتدافعون على الجسر.. أغذ الخطى.. أركض.. أريد العودة بسرعة لكتابة رواية جديدة".

يرد استخدام كلمة "الجسر" في الرواية كثيراً، ويحمل معان ودلالات مختلفة، ومن ناحية أخرى تركز الرواية على المشكلات الاجتماعية والسياسية وأوجه التخلف والأزمات المرتبطة بالجسد، لتؤكد أن الجسر والجسد هما اساس مشكلتنا التاريخية والحضارية. ترد كلمة الجسر في الرواية في سبعة عشر موضعاً. والاساس الذي انطلقت منه هو الجسر على نهر الاردن. وترتبط صورة الجسر في ذهن الراوي مثلما ترتبط في ذهن الضحايا بصور الجثث والموت وماء النهر المختلطة بالدماء.

تتناول الرواية المعاني الرمزية المختلفة الاخرى للجسر. يصبح الجسر رمزاً لمصير الفلسطيني، حيث لا يمكن العودة الى الماضي، مثلما صارت العودة على الجسر مستحيلة، وتغيير المصير لم يعد ممكناً. وتصبح الكتابة هي الوسيلة الوحيدة لإعادة معايشة الحياة من جديد، ورمز استرداد الحرية والقدرة على تغيير المصير.

تدين الرواية الحرب باعتبارها "فضيحة العقل". وهنا تأتي أهمية الجسر الذي كان يجب ألا يسمح له العالم بالانهيار، فهو صمام الامان للعالم الذي غرق في مصائبه، في إشارة الى أن القضية الفلسطينية هي سبب لما اصاب العالم من أحداث، أوقعته في لجة الحروب والدمار والعنف. "التاريخ يلعب بنا، سقط الجسر، وقعت الكرة الأرضية على رأسها وأصابها النزيف، ترنحت قبل أن يُغشي عليها. الناس تاهوا في الهذيان".

يشير انهيار الجسر الى انقطاع الصلة القسري بين الارض والانسان، مثلما يشير الى انقطاع الصلة بين الماضي والحاضر، والى الانتقال من عالم الحياة الى عالم الموت، ويعني انهيار الاحلام وفقدان أي أمل في العودة، مثلما يعني الوقوع في الهاوية، في اشارة الى الانحطاط والدمار، والدخول في أزمة حضارية طويلة من التيه والموت. وفي أكثر من موضع يكرر الراوي رؤيته في أن "الجسد والجسر دمرا عقول الناس وأكبادهم". تتخذ لغة الخطاب جانب التحليل الفلسفي والتاريخي "كل هزائمنا تبدأ من الجسر وعند الجسد". ولهذا السبب لا عجب أن تكون آخر فقرة اختتمت بها الرواية هو ابراز رغبة الراوي في إعادة كتابة المأساة من جديد، ما يشي بالرغبة في إعادة مسار الاحداث التي أدت لكل هذه الهزائم، حتى يصحح دور الجسر والجسد في المعادلة.

ومثلما قدمت الرواية الجسر، ككناية عن مستويات مختلفة من الأزمات في علاقة الضحايا مع الارض والجذور والتاريخ والماضي والمستقبل، وما يكتنفها من اضطراب وانقطاع، فإن الجسد حاضر في الرواية، وعلى مستوى أوسع، وبمستويات ودلالات لغوية وثقافية واجتماعية وعاطفية وحسية مختلفة.

شكل الجسد أحد اسباب الهزيمة، فقد انتشرت خلال حرب عام 1948 وفيما بعد في حرب عام 1967 موجة خوف جماعية بأن الجنود ينتهكون عرض النساء ويقتلونهن، مما زاد من وتيرة التهجير. يتذكر الراوي حينما كان طفلاً كيف صار الجسد سبباً للهزيمة. تقول والدته: "اليهود يسلبون المرأة شرفها"، فيقول: "لم أستطع وقت قالت أمي ذلك معرفة قصدها.. اكتشفت وأنا ألتفتُ خلفي أنني أعرف معنى الرحيـل والمنفى مبكراً".

يشكّل الجسد في الرواية في أحد تمثيلاته صورة عن معاناة الانسان بين نقيضين: الحلم وقسوة الواقع، الرغبة في التحرر من قيود العقل الباطن وقصور الجسد، كما يشير توظيف الجسد الى الكبت، وسطوة الثقافة الجمعية، ومحددات الممكن، وتابوهات الموروثات الدينية والاجتماعية، وفشل الانسان في تحقيق الذات، وعجزه عن التحرر من الالم.

وعن ثقافة قمع الجسد التي تهدم أي فرصة للمرأة في أن تعيش الحب وتعبيراته العاطفية المختلفة، فإن الرواية تستحضر مأساة المرأة عبر الاجيال لأجل صون الشرف. تجسد قصة قطر الندى ومشعل، التي تحولت الى مغناة فلوكلورية، معاناة المرأة التي تعيش تحت حد سيف ثقافة الشرف. وتتبدى قمة السخرية حين نرى أن هذا الهاجس الذي يستبد بالرجل حتى يقتل المرأة، لا يدفعه لتغيير مسار الهزيمة صوناً للشرف. وتتجلى المفارقة عندما يصبح قتل المرأة ليس مجرد موقف ذكوري فحسب، وإنما قناعة نسائية أيضاً. "تزم إحداهن شفتيها الغليظتين: تسلم يدها، المرأة تورث الألم والخوف لسلالتها وتورث العار، البنت سترت عيبها وعيب أهلها".

يتحول الاحساس بالهزيمة والعار الى رغبات محمومة، يعوّض فيها الرجل من خلال الجنس عن شعوره بالمهانة في محاولة للتغلب على الاحساس بالقهر والخوف. "الهزيمة تغير عادات الحب، تثير الشبق والهوس والجنون، تحمل أصحابها وزراً ثقيلاً يُستفرغ بالجماع". ويشبه الراوي الجنس بالحرب، يعبر فيهما الذكور عن رغبتهم في ترك بقع دم على الضحايا، وعن رغبتهم في الاحساس بالقدرة على منح الحياة وسلبها. "الرجال يتركون قصص بطولاتهم لعتبات نساء يخصبن أسطورتهم بدم الولادة ونزيف الأضحية".

يرى نشوان أن الجسد مشكلة متأصلة وأزمة حياة ليس فقط على صعيد البنى الفلسطينية، لكنها مشكلة عربية متأصلة في التراث والعقل الجمعي. "سأكتب عن جابر الذي هو قيس، ووضحا ليلى، أو عنتر وعبلة، لكن هذا سيوقعني في مطبات كثيرة لأن الحب فضيحة، يوقظ أبواب جهنم، يصيب العقل بالجنون".

رابط المقال بجريدة الدستور الأردنية

رابط الصفحة الكاملة (انتظر قليلاً ريثما يتم تحميل الصفحة)



الجمعة، فبراير 18

أندريه شديد: باريسية الشعر.. شرقية النثر

أندريه شديد: باريسية الشعر.. شرقية النثر

اياد نصار

* نشرت في شرفات ثقافية بجريدة الدستور الأردنية يوم الجمعة بتاريخ 18/2/2011

مرت وفاة الشاعرة المصرية الفرانكوفونية اللبنانية الأصل أندريه شديد يوم الأحد الماضي السادس من شباط بهدوء، في الوقت الذي كانت فيه أنظار الوطن العربي والعالم مشدودة الى ما يجري في مصر من تطورات، بعد أن استحوذت أخبار الثورة الشعبية على الانباء وتصدرتها، منذ أن تفجرت في الخامس والعشرين من كانون الثاني الفائت. رحلت أندريه في سنتها التسعين بعد أن تركت وراءها اثنين وعشرين ديواناً من الشعر، وست عشرة رواية، وسبع مسرحيات، وعدد من المجموعات القصصية، ونُشرت أعمالها المكتوبة بالفرنسية مترجمة الى ست عشرة لغة. ولئن مر خبر وفاتها بصمت، إلا أنها كانت من أكثر الشاعرات العربيات المهاجرات اللواتي يكتبن بغير العربية شهرة على مستوى العالم، والصوت المعبر عن هموم المرأة العربية في وقت مبكر للغاية، وحلقة الوصل التي تجسر الهوة بين الثقافة الفرنسية والثقافة العربية طيلة نصف قرن. ولهذا رأى كثير من النقاد والكتاب أنها سعت دائماً للتبشير بالتعددية الثقافية وتيسير تقارب الثقافات رغم إخلاصها للغة الفرنسية التي لم تكتب إلا بها باستثناء مجموعتها الشعرية الاولى التي أصدرتها في القاهرة في سن الثالثة والعشرين وذلك في العام 1943 وكانت بالانجليزية تحت عنوان "على خطى خيالي".

تحظى أندريه شديد بمكانة كبيرة بين أدباء الفرنسية في العالم، وقد منحت جائزة غونكور الرفيعة في الآداب الفرنسية في العام 1979 عن روايتها "الزمن والجسد"، كما منحتها مرة أخرى عن مجمل أعمالها في العام 2002. وكانت قد نالت من قبل جائزة الأكاديمية الملكية للاداب الفرنسية في بلجيكا عام 1975، وقد نالت عدداً كبيراً من الجوائز خلال حياتها وناهزت الشهيرة والمهمة منها العشرين جائزة. وقد قال الرئيس الفرنسي ساركوزي عنها بأنها "كانت جزءاً من جيل من المثقفين العالميين الذين اختاروا فرنسا موطناً لهم بعد الحرب، ما ساهم في تحقيق نهضة أدبية لبلدنا".

ولدت أندريه صعب [اسم عائلتها قبل الزواج] في عام 1920 في القاهرة لعائلة لبنانية سورية، حيث كان والدها لبنانياً من منطقة بعبدا ويدعى سليم صعب، وأمها سورية من دمشق وتدعى أليس خوري حداد. وقد تلقت تعليمها الابتدائي في القاهرة، وأما الثانوي في باريس، وتخرجت في الجامعة الامريكية في القاهرة في تخصص الصحافة في عام 1942. وتزوجت في السنة ذاتها من لويس أنطوان شديد الذي كان يدرس الطب في الجامعة، وقضت معه ثلاث سنوات في بيروت الى أن تخرج، ومن ثم انتقل الزوجان في عام 1946 الى باريس حيث درس زوجها في معهد باستور، وقد حصلا على الجنسية الفرنسية في تلك السنة.

نشرت أندريه شديد مجموعتها الشعرية الاولى بالفرنسية في عام 1949 تحت عنوان "نصوص لشخص ما". ونشرت أول رواية لها في العام 1955 وكانت بعنوان "انقضاء النوم". كانت تلك الرواية ثورة مبكرة ألهمت جيلاً من الكتاب والكاتبات على تتبع خطاها. فقد طفح الكيل ببطلتها سامية تلك الفتاة الريفية البسيطة التي لم تبلغ السادسة عشر من العمر، والتي أجبرت على ترك المدرسة، للعمل لدى رجل مستبد وظالم يدعى بطرس، ومن ثم صارت زوجته المغلوبة على أمرها. لم تكن سامية تعني أي شيء بالنسبة له سوى المتعة والرغبة في أن يكون له ولد. لكنها حملت ووضعت بنتاً، فجن جنون السيد وحبسها في البيت. شعرت سامية أنها فقدت اي أمل في الحياة أو الخلاص من جبروت زوجها التقليدي المستبد، ففقدت القدرة على الكلام أو الحركة، وشعرت أن حياتها قد انتهت، فلم تجد وسيلة تعبر فيها عن تخلصها من قيودها ومعاناتها سوى قتله. تبرز الرواية أن الرجل الشرقي التقليدي المتمثل في بطرس لم ير ولم يقدر ما تمتلكه من روح حساسة وجمال أنثوي. وهكذا تسبب الاهمال والنبذ والظلم في قتل روحها واصابها بالشلل الذي أقعدها عن ممارسة حياتها الطبيعية، كأنما ماتت وهي حية، الى أن قررت أن تنتفض ضد من قتل روحها. تعد الرواية من بواكير الروايات العربية التي حملت مفهوم ثورة الغلابى وأعطتها بعدا انسانياً يجسد معاني القهر والاستبداد والبحث عن أية وسيلة مهما كانت في سبيل الخلاص الذي لم يكن منه بد سوى بقتل السيد. وهكذا يمكن القول أن حياة أندرية شديد الأدبية امتدت منذ ولادتها الابداعية الروائية وحتى وفاتها بين ثورتين!

ثم تتابعت رواياتها ومجموعاتها الشعرية وأعمالها الابداعية الاخرى حتى العام 2003 عندما نشرت مجموعتها الشعرية الأخيرة بعنوان "ايقاعات" في العام 2003 عن دار غاليمار الشهيرة بباريس. إن أهم ما يميز أندريه شديد هو الارتباط الشديد بالمجتمع الباريسي وتكريس أشعارها له من ناحية جمالية وانسانية وفكرية وذاتية. ولهذا ورغم بعض الايحاءات الشرقية والمؤثرات العربية التي رصدها النقاد في شعرها واسلوبها، مثل الصور التي تستوحي البيئة العربية أحياناً، أو توظيف كلمة الرجل أو الضمائر بصيغة المذكر بالفرنسية في شعرها لتعني الانسان بغض النظر عن الجنس، علاوة على نظرتها الانسانية المتوجهة للقاريء الغربي أكثر منه للقاريء الشرقي، إلا أنها عموماً وظفت مؤثرات اصولها المصرية واللبنانية لاثراء تجربتها الفرنسية. يبدو صوت أندريه شديد في الشعر فرنسياً أولاً وانسانياً ثانياً بكل وضوح أكثر من كونه عربياً. غير أنه يبدو تأثرها بثقافة اصلها الشرقي كالتاريخ والمكان وخاصة مصر ولبنان أكثر وضوحاً في مجموعاتها القصصية مثل مجموعة "الجلد المشدود" التي أصدرتها في العام 1965، ومجموعة "خلف الوجوه" في عام 1983، وفي رواياتها مثل رواية "اليوم السادس" 1960 التي حولها يوسف شاهين الى فيلم سينمائي، ورواية "الآخر" 1969، ورواية "البيت بلا جذور" والتي ترجمت الى الانجليزية تحت عنوان "العودة الى بيروت" 1985. ولهذا قال أحد النقاد أنه "ليس غريباً أن يلعب الشرق الاوسط المسرح الذي تجري عليه أحداث كثير من رواياتها وقصصها، أما شعرها فإنه وكما وصفته هي "بلا حدود جغرافية" و"بلا وطن أو زمان".

ورغم أن شعرها يبدو في كثير من الاحيان ذاتياً عالمياً كأنما متحرر من الارتباط بالمكان والزمان، لكنه يوظف اشارات من التاريخ، والحكاية، والاسطورة، والسحر وخاصة عند تناولها مواضيع الانسان الوجودية الكبرى. يتسم شعرها بتوظيف الاستعارت الميتافيزيقية التي تطرح انشغالات وجودية في معنى الموت، والبحث عن صلة الوصل التي تربط الانسان بالكون، وهناك الجانب الذاتي الذي يطرح أفكار الانسان وتجربته، وما ينتابه من ظنون ومخاوف وأحزان وتردد، وتقيم الشاعرة وجوها للمقارنة والتشبيه بين ذاتها وبين تقلبات الطبيعة كأنما تغرق الافكار والهواجس عالم البشر مثلما تفعل الاعاصير والظلال والضباب والدوامات، وتقيد أغانيهم بالقيود، وتحبس أحلامهم خلف جدران. وفي شعرها يبدو وجه الانسان موضوعة دائمة. تقول في قصيدة بعنوان "القصيدة النهائية":

ينعقد لساني بالكلمات

لم أعد أتكلم الابيض

ولا ألفظ الاسود

ولا أهمس الرمادي من منحدر نحتته الرياح

بالكاد ألمح سنونو

يلمع ظل قصير

أو يحدس في قزحية العين

أين هي الكلمات؟

والنار التي لا تنطفأ؟

والقصيدة النهائية؟

ومصدر الحياة؟

وعلى عكس البدايات الثورية، فإن كتابات شديد اللاحقة تركز على الحب الانساني وعلى ضرورة تحقيق المرأة لتطلعاتها مع التحمل والصبر على ما تتعرض له من التمييز في العادات والتقاليد والثقافة والممارسات الراسخة ضد المرأة في إطار من الواقعية الاجتماعية. تقول في قصيدتها التي تبدأ بالعنوان نفسه:

المرأة الصابرة دائما

تعطي نفسها

الحياة ببطء

وشديد شاعرة حداثية في ما يتعلق بروح الشعر واسلوبه ومضامينه. وقد ذكر الناقدان جون فاغنر ولين جودهارت في مقالة لهما حول شعرها بعنوان "الحوار وتفكيك الشكل" إن معظم شعر أندريه شديد يركز على التحولات. وقالا "إن حيوية شعر أندريه شديد تنبع من التنافر بين حتمية تطلعات ذاتية روحانية وقوانين صارمة تحكم المجتمع البشري". تقول في قصيدة بعنوان "الانسان":

الإنسان

يختبر الارض

قبل وضع الجذور فيها

ثم يبدأ مشواره المنحرف

نحو سر الاشياء

بين الصمت

والأصوات.

تعد أندريه شديد، وكما وصفت نفسها، "نحاتة الكلمات" التي تحب أن تنحت كلماتها في الظلام لشدة ما يعتمل في عوالمنا الداخلية المظلمة من أشياء لا تنتهي الا عندما يطلع النهار عليها. تبدو كلماتها في غاية البساطة من حيث البناء والمعنى الظاهري دون أي تعقيد في النحو، لكنها ذات معان حديثة تطرح افكار فلسفية شبيهة الى حد ما بشعر الشاعرة الامريكية اميلي ديكنسن. تركت أندريه شديد بصمة على الشعر الفرنسي الحديث بشعرها شكلاً وموضوعاً، وتمتاز قصائدها بتكثيفها وحداثيتها وموسيقيتها العالية. تقول في قصيدة "وجه الارض":

خلف الوجوه والنظرات

نبقى صامتين

وتخدعنا

الكلمات التي نطقناها

والمثقلة بما نتجاهله أو نصمت عنه.

لا أجرؤ أن أتكلم عن البشر

بالكاد أعرف نفسي.

تمتاز جملتها الشعرية بالقصر المكثف والتكرار اللفظي كأنما القصيدة سباق مع الافكار في لعبة بناء بكلمات محدودة متقشفة. تبدو قصائدها أحياناً مثل ومضات القصة القصيرة، لكن تمتليء شاعرية وذات ايقاع داخلي وامتزاج دائم يجعل الفكرة متأرجحة بين عالم الفكر الانساني وعالم الطبيعة المحسوس. وتميل دائماً الى استخدام الصفات في علاقة ترتفع عن دلالات الواقع الى مستوى نفسي ايحائي يقترب من السوريالية في تشكيلاتها لبناء صورة مركبة مثقلة بالاحاسيس التي تخلقها الصور المتتابعة. يستوحي قاموس أندريه شديد مفرداته من حالات الانسان التي تدل على الحيرة والضياع، ومن عالم الطبيعة الباعث على الرهبة، ويتمركز في أحيان كثيرة حول عناصر الكون الاربعة كما في الاساطير القديمة، ودائماً توظف الصورة الحسية التي ترسمها لتبلغ الى مستويات أعلى من تجريد الافكار المبهمة.

وفي المقالة ذاتها المشار اليها آنفاً لهما يقول فاغنر وجودهارت إن صوت شديد الشعري يشير الى أن هويتها تستمد مصدرها من البحث الدائم عن عالم يتجاوز الانشغالات الشخصية والقلق الذاتي. إن التركيز على ما سيأتي وما يجري الان يشير الى التوتر الناشيء عن الظروف المقيدة التي تحيط بتجربتنا".

أما على صعيد النثر، وعلى عكس كثير من الادباء العرب الفرانكفونيين من مثل إدريس الشرايبي وعبد الكبير الخطيبي ومارغريت طاوس عمروش، فإنها لا تشعر أن ذاتها موزعة بين ثقافتين، وأنه تنتابها مشاعر متناقضة من الانتماء اللغوي والروحي، بل إن تعدد مشاربها الثقافية مصدر قوة دافعة لها لتعبر عن ايمانها بالتعددية الثقافية والانفتاح والتسامح وقبول الآخر، حتى أن الناقدة الدكتورة ايفلين عقاد شملت روايات أندريه شديد مع فئة الكتابات النسوية التي عبرت عنها حنان الشيخ وايتيل عدنان في تناولهما للحرب الاهلية في لبنان، والتي رأت أن هذه الكتابات اتسمت بطابع مختلف عن الكتابات الذكورية كما عبر عنها توفيق يوسف عواد وحليم بركات والياس خوري.

وفي رواية "بيت بلا جذور" تقتبس شديد من كلمات جبران خليل جبران ومن شعر بدر شاكر السياب، ما يؤكد ميلها الى إظهار تأثرها بالثقافة العربية الشرقية كما تؤكد الناقدة ميشيل هارتمان في بحثها المعنون "تعدد الهويات والاصوات: قراءة في رواية أندريه شديد "بيت بلا جذور".

كما تجري أغلب قصصها في البيئة الشرقية، فقصص "الناي" و"الصبر الدائم" و"المرأة من السودان" تجري أحداثها في مصر، بينما تجري أحداث قصصها "الوشاح" و"عدو ليوم واحد" في لبنان. وفي رواياتها فإنها تبدو كثيرة الانشغال بقضايا المرأة، حتى ليكاد المرء يحسبها ضمن الحركة الأدبية النسوية، وتركز بشكل خاص على قضايا المرأة في البيئة الشرقية. وقد ذكرت مرة أن النساء في دول العالم الثالث هن عبدات مزدوجات، فهن مواطنات مستعبدات من الدرجة الثانية في هذه الدول، وهن مستعبدات من قبل الرجل". في رواية "اليوم السادس" التي نشرت في العام 1960 تقدم مأساة أم حسن التي جرت في مصر أثناء حكم الملك فاروق وتسعى بكل ما أوتيت لانقاذ حفيدها من الكوليرا التي ضربت مصر، وراحت تحصد أرواح كل من حولها. وفي أثناء ذلك كانت السلطات تجمع المرضى وتضعهم في مخيمات خاصة، فتحاول أم حسن إخفاءه عن الناس لمدة ستة أيام والتي يفترض بعدها أن ينجو من المرض. وهكذا فكرت أن تضيع في زحام ملايين البشر في القاهرة، ثم اتخذت قارباً في النيل للهرب به كأنما تسعى الى حياة جديدة وأمل جديد عبر رحلة حياة. وهكذا رسخت شديد اسمها ليست ليس بكونها كاتبة مهاجرة فرانكوفونية وحسب، بل كاتبة رائدة طرحت قضايا المرأة مبكراً.

أما في روايتها "البيت بلا جذور" فإن مسرح الاحداث هو لبنان خلال الحرب الاهلية، حيث البطلة كايلا وهي مقيمة فرنسية من أصل لبناني تعود الى لبنان لقضاء الاجازة في تموز من عام 1975 وهناك تلتقي لاول مرة حفيدتها المولودة في أمريكا سايبل. وفيها تعود الى كايلا ذكريات شبابها في الثلاثينيات وعلاقتها بجدتها. وتبدو في الرواية صورة لبنان التي عرف بها قبل الحرب، مثال الجمال الطبيعي الساحر والفخامة والتقدم والحرية، لكن ينغص عليه الفقر وتجار السلاح هدوءه واستقراره. كما تغلي التوترات تحت السطح بين ميليشيات طوائفه. وفي الرواية توظف شديد التداعيات والذكريات والفلاش باك لاستعادة البلد المفقود الذي ضاع على وقع السلاح، وفيها تبرز مشاهد تعكس صورة الحياة في لبنان قبل الحرب وبعدها.

ذكرت الناقدة بيتينا ناب في كتابها الذي حمل عنوان "أندريه شديد" وتناولت فيه تجربة شديد الابداعية في الشعر والنثر والمسرح أن روايات شديد تختلف عن كثير من روايات معاصريها من الروائيين الفرنسيين، في أنها ليست عملاً ذهنياً يمارس التقنيات اللغوية والاسلوبية والتفكيكية وتحطيم الشكل، بل تجمع ما بين الفكرة الذهنية وبين توظيف الصور التي تعتمد على إثارة الحواس والمشاعر للدخول في أجوائها وبين توظيف لغة شاعرية. وشخصياتها ليست تلك الشخصيات التي عرفتها أو التقتها في حياتها، بل هي أقرب ما تكون الى حصيلة ذكريات وأفكار وتداعيات. وقد أكدت شديد أن بطلاتها لا يشبهنها، ولكنهن ذات نزوع انساني وجمالي وشاعري وذوات أحاسيس تحكم تصرفاتهن، ويتمتعن بذكاء وفهم لمجريات الأمور.

قد تبدو أعمال أندريه شديد لبعض الدراسين والنقاد العرب ذات توجهات وملامح غربية وانغماس في ثقافة فرنسية أكثر من كونها شرقية، ولكني أظنها نموذج مختلف من الادباء العرب الذين يسعون الى تحقيق التوازن بين بيئاتهم الثقافية المتعددة والاهتمام بمعالجة قضايا مجتمعاتهم دون أن يتخلوا عن طموحهم أن يكونوا عناصر أصيلة ومؤثرة في مسيرة الأدب في بلدانهم الجديدة. وأعتقد أن هذا التباين الشعري النثري لديها ينبع من كون أن فضاء الرواية في الغالب هو عالم الانسان الاجتماعي بما ينطوي عليه من مشكلات الانسان الحياتية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها في إطار واسع يعبر عن حركة المجتمع والتاريخ، في حين يميل الشعر الى فضاء الذاتية والتعبير عن الانشغالات الفكرية والتطلعات الروحية والفيوض العاطفية والتأملات الكونية الوجودية للشاعر.

رحلت أندريه شديد كأنما أرادت أن تجسد رؤيتها للمصير في ايجاد إجابة لتساؤلاتها التي شغلت تفكيرها في قصيدتها "الصوت":

في اي قبر عار يجب أن استلقي

لأجيب ذلك الصوت

الذي يتكلم مثل روحي؟

رابط المقالة بجريدة الدستور
 
رابط الصفحة الكاملة (انتظر قليلاً ريثما يتم تحميل الصفحة)
 

الاثنين، فبراير 14

عمّان في عيون الأدباء العراقيين


نحو إبراز صورة المكان في الرواية العراقية

عمّان في عيون الأدباء العراقيين
إياد نصار
* نشرت في مجلة أفكار الصادرة عن وزارة الثقافة الأردنية عدد 264 لشهر كانون ثاني/يناير 2011

لا يسعى أدبُ التعبيرِ عن المكان وتوظيفاتُه الى مجرد إبرازِ اكتشافِ الدهشة، أو البعد التاريخي، أو المفارقة المكانية، أو إظهار التعبيرِ عن الحب، أو الانتماءِ، أو الكراهيةِ، أو الحيد وحسب، وذلك في إطار البحثِ في علاقة الأديبِ بالمكان وبالآخرينَ في فضاءات المكان، بقدرِ ما يسعى إلى خلق وإبراز علاقةٍ تفاعلية مع المكان واستشعارِ تأثيرِه المادي والنفسي والروحي، والى مَلءِ حيزٍ كبيرٍ شاغرٍ في الوجدان صنعته مرارةُ الغربة، أو الحنينِ إلى الوطن، أو التعبيرِ عن عشقِِ المكان لذاته، أو الحاجةِ الإنسانية للتعويض عن حنانِ الوطن المفقود، فيصنعُ الأديبُ من المكانِ وطناً فعلياً أو رمزياً، يبثه المناجاةَ والبوحَ وإعلانَ الارتباط به، أو يسعى إلى إبرازِ موقعِ الأديبِ منه، أو توظيفِ دلالاتِ المكان في السياق الروائي أو الشعري. والسؤالُ الذي يطرحُ نفسه هو ما مدى هذه العلاقةِ التي تجمعُ الأدباءَ العراقيين بعمان؟ هل هي عابرة؟ هل هي تعويضٌ قسريٌ مؤقت عن الفردوسِ المفقود؟ هل هي التعبيرُ عن الجنةِ الموعودةِ أمامَ جحيمِ النفي والغربة ونكرانِ الوطن؟ هل هي تعبيرٌ إنسانيٌ خالصٌ بحد ذاته بين عاشقٍ متيّمٍ وفاتنةٍ تفرضُ حضورَها حتى يجدَ المبدعُ نفسَه أسيرَ حكاياتِها التي تطولُ كحكاياتِ ألفِ ليلةٍ وليلة؟

إن علاقةَ عمان بالأدباءِ العراقيين ليست طارئةً، ولا وليدةَ اللحظة، ولا قسريةً، ولا أظن أنها عابرةٌ فيما اطلعتُ عليه من نصوصٍ نثريةٍ وشعرية، وسمعتُه من بوحٍ متواصلٍ بصوتٍ عال. ولم تبدأْ هذه العلاقةُ مع الخروجِ الكبير للمثقفين العراقيين من العراق في عهدِ النظام السابق والتي تسارعت وتيرتُها منذ تسعينياتِ القرن الماضي. فقد كتب القاص والروائي العراقي عبد الستار ناصر، الذي عرفته عن قرب، وأحسستُ أنه لا يستطيع أن يكتمَ حديثه عن المدنِ عشقاً أو نفوراً، سكينةً أو ضيقاً: "جئتُها أولَ مرةٍ زائراً في عام 1964، أتذكرُ أن فندق فيلادلفيا [أقدمُ فنادقِها منذ عام 1925 إلى أن هُدم في عام 1988] كان قربَ المدرج الروماني، ولم تكنْ عمان آنذاك كما هي عمان اليوم. كانت عاريةً من البنايات العالية والمتاجر الكبرى والابراج، ليس فيها أنفاق ولا جسور معلقة... أظنها كانت أصغرَ عواصمِ الدنيا"(1).
وكتب الأديبُ والروائي العراقي جمعة اللامي "هذه إذن عمان.. كم تبدلتْ وتغيرتْ هذه المدينة منذ فارقتها في شهر سبتمبر / أيلول سنة 1970" وذلك في سياق ما نشره كجزء من حديث الذاكرة في شهر آب/أغسطس عام 2002 في مقالة بعنوان "أيام في عمان" في جريدة الخليج الإماراتية، وكان بذلك يشير الى تلك السنة عندما غادرها في عام 1970 بعد أن كان ينزل كما قال في: "دارةٍ فخمةٍ في جبل التاج"(2)، التقى فيها بالدكتور منيف الرزاز خلالَ تلك الفترةِ العصيبةِ من تاريخِ المدينة.

وأعادت له الذكرياتُ في ثلاثةِ مساءاتٍ متتاليةٍ قضاها في عمان في عام 2002 في بيتِ القاص والكاتب علي السوداني، رحلةَ ثلاثةِ عقودٍ من الزمن، ووصفَ عمان بأنها "مثآبة لشاعرٍ يغادرُ صالاتِ الاحتفالات الصاخبةِ، وبطاقاتِ الاحزاب، ورشى المثقفين السلطويين"(3). وقال إن علي السوداني اختارَ أن ينزلَ قريبا مما يسميه هو "وادي السيل" في عمان. ولعل تسميةَ سقفِ السيل بدت غريبةً له او لقارئه العربي فاستبدلها بوادي السيل، فما كان ذاتَ يوم يعدُّ سيلَ عمان الجاري من رأس العين والذي كانت تحيطُ به أشجارُ الحورِ والسنديانِ والسرو، قد شارف التلاشي وغُطِّيَ سقفُه بسطحٍ خرساني، وتحول مجرى السيلِ إلى شارعٍ علوي مسقوفٍ تمر بقايا السيل الآيلِ للفناء من تحته. يكتب بما يوحي بتلك الدرجةِ من الألفة والمعرفة والحميميةِ التي ربطت بين السوداني وعمان: "إنه اختار بقعة لا يهتدي إليها أعرق قصاص أثر في العاصمة الأردنية، بينما يعرف جغرافيتها بدقة ذلك العفريت العراقي الذي نافس الهدهد في تتبع عرش بلقيس"(4). من الواضح أن قولَهُ ينم عن تلك الطبيعة المتداخلة والمتشابكة والصعبة لتفاصيل المدينة وتضاريسها، التي لا تمنح ذاتها بسهولة لزائرها، وربما يكون قد وضعَ يدَهُ من غيرِ أن يدري على مشكلةٍ كانت تؤرقُ سكانَ المدينة وزوارَها وضيوفَها منذ عقودٍ، وهي تشابكُ وتداخلُ الطرقِِ والشعابِ ومداخلِ المدينة ومخارجِها، أضف الى ذلك غيابَ الترقيمِ وتسميةِ الشوارعِ الفرعيةِ، والذي تمّ بشكلٍ جميل في السنتين الاخيرتين بعد محاولاتٍ سابقةٍ غيرِ ناجحة، وما زلنا نواجُهُ ثقافةً شعبيةً مترسخة تصنعُ الأسماء للأماكنِ بعفويةٍ من واقع علاقةٍ سابقةٍ على العلاقة الرسميةِ بالمكان، ومن واقع معرفةٍ لصيقةٍ بمكونات المكان، من غيرِ أن تنتظرَ علاماتِ الترقيم، ليس في الكتابة ولكن في التخطيط المدني!

لقد صار تعبيرُ "بغدادُ انتقلت إلى عمان" مألوفاً أن تسمعَهُ يترددُ بين الأدباء في عمان. ففي معرضِ عمّان الدولي للكتاب قبل أربعِ سنوات الذي كان زاخراً ومتألقاً بالعناوين العراقية وحضورِ الأدباء العراقيين فقد كتب الناقد السينمائي يوخنا دانيال: "وفي لحظة اللقاء الجماعي غير المتوقعة، بدا للجميع كأنَّ بغداد انتقلت الى عمّان". وكتب الشاعرُ والصحافي العراقي المقيمُ في لندن حكمت الحاج خلال زيارته لعمان: "بعد أن أسمتها الحروبُ رئةَ العراق، عمّان عاصمةً للثقافة العراقية". وقال: "أينما حلّ العراقيون يؤسسون مدينتَهم الفاضلةَ المكونةَ من مقهىً، ومنبرٍ ثقافي، ومطعمٍ للكباب، ... وهذا ما فعلوه في عمّان"(5).

تستهوي حكايةُ عمان الأولى التي ولدتْ مع فجرِ تاريخها، الذي رسم العمونيون القدماءُ معالمَه، مثلما هي آثارُها العمونيةُ والرومانيةُ القديمةُ كجبل القلعة وسبيل الحوريات، الأدباء العراقيين، ويشعرون كأنما يدللون المدينة بنسبتها في كتاباتهم إلى ربّتها الأولى عمّون.

ففي كتابه "مكاتيب عراقية"- الجزء الثاني الذي صدر في عام 2009 عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في عمان، يردد علي السوداني اسمَ عمون أو ربةِ عمون عشراتِ المرات، لا بل إنه يصفُ تفاصيلَ المكان ويسردُ تاريخَه كأنما هو مؤرخٌ أو رحّالةٌ شغفه المكانُ فأقام فيه. ولم أجدْ في كل قراءاتي عن عمان القديمة ما هو أكثرُ ابتهاجاً باكتشافِ الأسطورة وأكثر حيويةً وجرأةً تحتفي بالمكان، قد لا يجرؤ كثيرون من أهلها على البوح بتفاصيل مغامراتِهم في هذه الأزقة والخبايا من أسواقها وحواريها ودروبها من كتاباتِه هو. كتب بلغة العارف على نقيض اللامي الذي سماها وادي السيل: "جاءت بي قدماي إلى منطقةٍ شعبيةٍ عتيقةٍ مزروعةٍ عند حاشيةِ قلبِ الربة عمون، اسمُها سقفُ السيل وقيل إنّ لقبَها الذي ولدت عليه كان السيلُ فقط، قبل أن يجفَّ ويتلاشى وتنضبَ أمواهُه وتموتَ أشجارُه وتغربَ نزهاتُه ويسخنَ هواؤه وتضيعَ بهجتُه بعد أن تمّ سقفُ ما تبقى من خريرِ أيامه بالقيرِ وبالاسمنتِ وبالمشاةِ وبالدكاكين لتطوى أخيرُ صفحاتٍ ندياتٍ من نهير عمان الوحيد. في الأسبوع الفائت كنتُ في غزوة هناك، هواها المعلنُ هو شراءُ قندرةٍ "نص عمر" ومثلِها بنطالٍ أو بنطلونٍ أو بنطرون افرنجي وقميصٍ أحمرَ وثانٍ أصفرَ وثالثٍ أسودَ سارتديه تالياً في الأيام المبهجة. عثرت على ما أردت واشتهيت بأثمانٍ سلسةٍ كأنها "أخو البلاش" بعدما متّعتُ عينيّ بوساطةِ التلصّصِ على باب سينما "ريفولي" وحمّامِها المشهورِ وفقاً لرواية ثقةٍ من صاحبي القصّاص العمّوني جمال القيسي، ومنها الى قبوٍ ينخسفُ تحتَ الارض بمقدارٍ رأيته أقلَّ من ثلاثةِ أمتارٍ ومنه الى باب سوق الخضار الشمالي الذي تنوجدُ على هامشه سوقٌ معروفةٌ باسم سوق الحرامية وهي تسميةٌ منفرة وقعتُ عليها في غيرِ حاضرةٍ وعاصمةٍ عربية"(6).

ولكنه لا يتركُ تفاصيلَ كثيرةً من معالم عمان وأحيائِها ودكاكينِها ومقاهيها وعاداتِها تمرُّ من أمام ناظريه دون أن يلتقطَها قلمُه بلغة عربيةٍ خاصةٍ به وصارتْ من ملامحِ إبداعه يحس فيها القارىءُ المطلعُ طرافةَ وسخريةَ الجاحظ في بخلائه، وبديعَ الحريري وسجعَه في مقاماته، وفخامةَ القلقشندي في صبح الأعشى في صناعة الإنشا، وسرديةَ ابن بطوطة الجغرافية في تحفة النظار، لكنها تطرحُ مضامينَ عصريةً للمدينة.

المدن كالذكريات فمنها ما يكون ثقيلَ الوطأة كالكوابيسِ أو خفيفاً جميلاً كالأحلامِ الهانئة، ومنها ما يخرجُ من الذاكرة كما دخلها دون أن يتركَ في لوحتها ولو كلمة، ومنها ما يستوطنُنا فيعيشُ معنا وكلَّ يومٍ يمضي يصبحُ كالنبيذ المعتق، الذي كلما طال أمدُه زادت قيمتُه وتعلقنا به أكثر. وقد اعتبر عبد الستار ناصر أن عمان قدرُهُ منذ أن جاءها مقيماً عام 1999 "هل تراني أحببت عمان؟ كيف تمكنت من البقاء بين أسواقها وبيوتها وشوارعها وحاناتها وجبالها ومقاهيها ومكتباتها كلَّ هذا الوقت؟ سبعٌ وثمانون ألفاً وستمائةُ ساعةٍ وأنا بين أحضانها أشمُ عطرَها ويزدادُ أصدقائي فيها يوماً بعد يوم، أصحو وأنام على شهيقها وأشجارها، لا فرق عندي بين شارع السلط وشارع الرشيد، لا فرق بين مقهى السنترال ومقهى الشابندر"(7).

في كتابات عبد الستار ناصر عن عمان هناك عنصر الغموض الذي يدفعك للبحث عن أسرارها وخفاياها وبواطن تاريخها، بل إنه يقفُ عاجزاً عن إدراك سببِ هذا الحنين الغريب الى المدينة عندما تكونُ فيها وتشتاقُ إليها. وتصبحُ الذكريات العمانيةُ عنده أكثرَ من مجرد نوستالجيا إلى سنوات العمر الماضية أو الى سعادة عاشها في أحضان المدينة، بل تصبحُ الذكريات جسوراً للتواصل بين بغداد وعمان، بين التاريخ والجغرافيا، وبين الماضي والحاضر وبين اندفاع الشباب وبين حكمة الكبر، كما يقدمها في تلك الثنائيات المتقابلة التي يرى فيها صوراً بغدادية في عمان ويرى في الوقت ذاته صوراً عمانية في بغداد. المكان في أدب عبد الستار مبهم غامض جميل لا يمنح نفسه لعاشقه بسهولة، لدرجة أنه قال "عشت في بغداد أكثر من نصف حياتي وما زالت تبدو مبهمة بالنسبة لي حتى اليوم"(8). ولكنه عاشقٌ متمرسٌ مثابرٌ بلا كلل في التعرف إلى حياة المدينة، وسبر غموضها وتعدد حالاتها التي تنعكس على حالاته النفسية. يقول: "مدينة يتبدل ثوبها في الربيع وفي الخريف حتى لتظن أنها ليست تلك السيدة التي جاءتك في الصيف والشتاء"(9).

حين تحدثت الأديبة والروائية العراقية لطفية الدليمي في حفل توقيع كتابها "يوميات المدن" في رابطة الكتاب الأردنيين في مساء العشرين من شهر آب 2009، فقد قالت كلاماً مؤثراً عن عمان. ولكي لا يبدو الأمرُ نوعاً من المبالغة والمجاملات عند عقد المقارنة مع باريس التي كانت في فترة من الأوقات محج المثقفين والمنفيين واللاجئين السياسيين العرب، فقد طرحتْ مسبقاً في كتابها الأسئلةَ التي يمكن أن تردَ الى أذهان مستمعيها وتنطوي على عدم التصديق أوالتكذيب أو الاتهام بالجنون. ألقت هذه التساؤلاتِ والشكوكَ على ذاتها فقالت: "أمجنونة أنتِ؟ أواعيةٌ أنتِ لما تقولين؟ تقايضين باريس بعمّان؟ وتجيب: "أتظنون أنها مقايضة بشرية؟ ألا يخطر لكم أنه خيار روحي يقوم على الزهد بالمباهج؟ وتحدثتْ بمرارةٍ وبشيء من التفصيل عن البرودة الباريسية الخطرة، عن بلاد تموت من البرد حيتانها كما قال الطيب صالح، حيث لا أحد يهتم بك اذا لم تكن منتميا لاحزاب أو منظمات دولية تساندك. وذكرت أيضا في حوار أجراه الزميل الأديب جعفر العقيلي أنها عانت الأمرين من فقدان الأمن وانتشار الجرائم والسرقة التي كانت هي نفسُها إحدى ضحاياها على أيدي عصابات كانت تملأ الحي الذي سكنت فيه من غير أن تدري: "لقد أشبعوني رعباً وأذى وجراحاً ومنحوني يقيناً جازماً أن لا مكان لي في هذه المدن ذات قلوب الحجر"(10). وبأسلوب التضادات والثنائيات الذي توظفه كثيراً في كتابها ومحاورة الذات ومواجهتها بالأسئلة المصيرية عن الأمن والخوف، والإحساسِ بفقدان الهوية واستعادتِها، وإيقاعِ الحياة الآلي السريعِ ورتابةِ المشهد البطيء الذي يمتليءُ حرارةً إنسانية، لا تترك لطفية الدليمي مجالاً للشك أن لعمان بورودها وياسمينها ومطرها وكلماتها الدافئة حباً خاصاً في قلبها وقد أعادت لها الروحَ بعد أن كادت تختنقُ في محنة التشرد والنفي بين عواصم العالم ومدنه.

ولاحظتُ أن لطفية الدليمي استخدمت مرة أخرى قصةَ الأسطورةِ العمونية في إقامةِ وشائجِ حبٍ وأواصرِ قربى بين ربات الأساطير السومرية إينانا سومر ربةِ الخصبِ والجمال ونيسابا ربةِ المعرفةِ والكتابةِ السومرية وبين ربة عمون. وإذا كان السوداني قد جذبه قاع المدينة بزواياه وأسواقه الشعبية وأدراجه وحاناته، فإن لطفية الدليمي قد جذبها مطرُ عمان وقهوتُها ورائحةُ أشجارها وترابُها المندّى بالزهر في أحيائها الغربية.

عمان في عيون لطفية الدليمي مدينةٌ عذبةٌ وسط مرارةِ المدن المبتلاة. وهي الحانية والشافية من متلازمةِ النفي والغربةِ والعذاب. تبدو في نظرها مصدرَ حنانٍ أسطوري بعد سنواتٍ من الترحال والغربة والخوف من الوِحدة. ووجدتْ فيها شيئاً آخرَ غيرَ الاصدقاء والشوارع والمباني والأسواق، وهو فتوتها وانفتاحها على الآفاق الإنسانية والثقافية، فأقامت علاقةً مع مدينة لا تقوم على المقتنيات والماديات بل على البساطة. كتبت في الفصل الاخير من كتابها "يوميات المدن" وتحت عنوان "عمان التي تتقن صياغة المطر" تقول: "عودي إلى شرق الشموس ورقص الفصول في سفوحها. مزقي فرمان اللجوء المذل وامسحي كدمات الجسد برحيق أعنابها وعالجي جرح التغرب بهبوب نسيمها الرائق فوق الضاحية أو في حي أم السماق أو في تلاع العلي، عودي إلى دوار الحاووز وجالسي أحلامك على مصطبةٍ تعانقُ أغصانَ الليلك، أو استدعي الصحوَ بفنجان قهوة فادحِ الشذا عند الفاروقي أو في (فيلا كافيه)"(11).

أما الأديبة العراقية البريطانية أمل بورتر وفي حفل توقيع رواياتها الثلاث: "دعبول"، "سوسن وعثمان"، و"نوّار"، والنّسخة العربيّة لكتابها "مذكّرات أميرة بابليّة- ماري تيريز أسمر"، والذي أقيم في شهر نيسان من العام الماضي في قاعة المدينة في مبنى أمانة عمان الكبرى في رأس العين، وحضره عدد من المثقفين والأدباء الأردنيين والعراقيين، فقد ذكرت أن عمان جذبتها ووجدت فيها مدينة فتية وعاصمة حديثة نسبياً. ولكنها تضجُّ بحراكٍ ثقافي أكبرِ من عمرها.

يتكررُ توظيفُ عمان في الكتابات العراقية بين ثنائية صورة المقر وصورة الممر. وإذا كانت عمان كما قيل في فترة من الفترات رئةَ العراق ومنفذَه إلى العالم الخارجي خلال سنوات الحصار، فقد عكست بعض الأعمال هذه الصورة التي تصبح عمان فيها مجردَ محطةِ عبورٍ نحو الحرية، أو الحلم أو الاغتراب أو الهروب من جحيم الداخل. في رواية "رقص على الماء" (أحلام وعرة) للكاتب العراقي المقيم في السويد محمود البياتي والتي صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في عام 2006 ، فإن عمان هي مجرد محطة لعبدو العراقي الذي سيحضر من السويد للزواج من بنت خاله التي ستحضر من بغداد، وكما تقول الرواية "إنقاذاً لها من جحيم الحصار في العراق"(12).

وفي روايته الأولى "حليب المارينز"، يقدم عواد علي عمان في صورة الممر أيضاً. سامر الأربعيني اللاجيء في مخيم رفحا للاجئين العراقيين يساعده صديق سعودي في الهرب من المخيم فيجد نفسه في الساحة الهاشمية في عمان، التي يبقى فيها ثلاثة اشهر متخفّياً يبحثُ عن مخرجٍ الى الحرية والبحث عن علاج لضمور كليتيه. وأخيراً جاء المخرجُ عبر مزوّرٍ للجوازات الذي استطاع من خلالِه أن يحصل على فيزا الى قبرص، ومنها إلى بيروت قبل أن يصل كندا محطته الأخيرة.

كما يتناول صورةَ المدينة في مشهدٍ آخر من مشاهدِ عمان الممر. فساهر الشاب الفنان النحات يرسلُ لأخيه الاكبر سامر مع أمه التي تأتي الى عمان منحوتةً صغيرةً لإمرأة يحط على رأسها طائرُ رخمة ويشبك مخالبَه على وجهها، فيلتقيان في عمان، ثم لا يلبث أن يحمل سامر معه المنحوتة الى كندا، وهناك تعجب بها روزا العراقية التي انتهى بها المطاف مهاجرة أيضاً إلى كندا فيهديها إياها كرد للجميل.

أما القاصةُ والروائية هدية حسين فانها تجعلُ من عمان مسرحاً لروايتها "ما بعد الحب" التي أصدرتها عام 2003، رغم أن تداعي الذكريات يعود بنا في كثيرٍ من الاحيان الى العراق لاستعادة ماضي الشخصيات وإبرازِ مشاهد المعاناة في الوطن. وهي من الروايات القليلة التي تعطي عمان مساحةً كبيرة تتعدى مجردَ كونها مكاناً حاضناً للشخصيات والحدث. "ما بعد الحب" شخصياتها عراقية وأردنية، تربط بينهم علاقات مختلفة في أماكن متعددة من عمان. لم يعد أبطالها عراقيين وحسب، بل هناك شخوص أردنية رئيسة لها مشكلاتها وواقعها القاسي ومعاناتها النفسية التي تنجح الكاتبة أن تجعلها لا تقلُّ تشويقاً وتعاطفاً من القارىء معها مثل سميحة وأخيها الموسيقي الكفيف سامح. ولكن المدينة لم تعد مجرد ممرٍ نحو بوابة الحرية أو الهجرة أو الهروب، بل هي ممر ومقر مفتوح على احتمالات متعددة في الوقت ذاته. تلتقي هدى الهاربة من العراق ـ لخوفها من البطش لأنها قالت (لا) للزعيم ـ بنادية في مصادفة غير متوقعة، وهما في خضم البحث عن ملابس قديمة. تنتظر هدى ونادية موافقة المفوضية على اللجوء إلى دول أخرى، ولكن المسألة طويلة ويتكرر الرفض مرات كثيرة، وهكذا تضطران للبقاء والتكيف مع الحياة الجديدة في عمان. وإذا كانت الساحةُ الهاشمية هي مكان اللقاء عند عواد علي بصفتها المحطة الرئيسة التي ترتبط في أذهان الأردنيين والعرب بوسط المدينة، فإنها في "ما بعد الحب" تصبح مجمع العبدلي المكتظ بالسيارات والناس وباعة الملابس المستعملة والمتسولين وباعة الخضار وأكشاك الأكل السريع. تبرز الرواية الصورة النمطية للمدينة في أذهان الكثيرين الذين تتكرر وتتشابه حكاياتهم ومآسيهم، والتي تلخصها الرواية في نقطتين: إنها بوابة الهروب من الجحيم، وهي مدينة قاسية ليس فيها فرص عمل للقادمين. تورد الرواية أسماء عددٍ من الاحياء والأماكن التي تجري فيها أحداث الرواية في المكان الأردني، مثل جبل الحسين، وجبل عمان، والجندويل، وطلعة المصدار، ومقبرة سحاب، وسقف السيل، وغيرها. تبدو عمان في الرواية مكاناً بعيدا عن الرومانسية والبهجة كما هو الحال في يوميات لطفية الدليمي، بل تصبح فضاءً للمعاناة بصور عدة من مثل ظروف السكن البائس، وصعوبة التنقل، والغلاء، والأعمال الوضيعة التي تسبب الإحساس بالذل، عندما تجبر الظروف هدى لتعملَ خادمة ترعى شؤون سامح الموسيقي الكفيف، لدرجة أن تقرأ له الصحف وتشاركه الاستماع إلى موسيقاه، ولكنه يصبح مرآة لتجربةٍ عميقة في النظر إلى جوهر الأشياء والإحساس بأعماقها لا مظهرها. تبرز الرواية مسألةَ التحول في النظرة للمدينة وأهلها بعد صدمة المتاعب الأولى للقادم الجديد، حيث يبدأ في اكتشاف الطبيعة الحقيقية للناس التي تختفي تحت وطأة قسوة الحياة والتجارب المرة الماضية. "لقد استطاعت سميحة خلال فترة وجيزة أن تكسر في داخلي ذلك الحاجز النفسي إزاء الغرباء واطمئنت روحي إلى التعرف إليها فبحت لها بمشكلتي..أبدت تعاطفاً معي.. كادت تدمع عيناي لفرط التأثر برقة هذه المرأة التي عرفت منها بعد ذلك أنها كرست حياتها لأخيها ولم تتزوج"(13). يلاحظ أن الرواية في نصفها الثاني أخذت تركز على لسان الراوي على التأمل في تفاصيل الطقس والشوارع والحافلات والمباني ومقتنيات البيوت، وعلى إبراز الإحساس ببعض جوانب الجمال في المشهد من حولها.

في مشهدٍ مؤثر في ختام الرواية، وبعد أن تحصل هدى على الموافقة للهجرة إلى أمريكا فإنها تحس كما لو أنها لا تستطيع ترك عمان، بل صارت متعلقة بها أكثر، وهكذا تتحول صورة عمان في نهاية الرواية من محطة ممر الى مقر. ولكنه مقر نفسي جمالي إنساني أكثر منه مادي، يهيمن على الذاكرة ويستوطن الروح ويسند الإنسان في الغربة، وتصبح الأشياء مصدر سعادة لا نريد أن نتركها.. "تخفّفت أعماقي من ترسبات كثيرة وصار بإمكاني نزع القناع في شوارع عمان والمشي على طبيعتي دون أوامر تضرب رأسي"(14). ورغم استعدادها للسفر، إلا أن عمان تتعلق بالذاكرة وتصبح مصدر فرح.."الآن بدأت أرى شوارع عمان بمحبة أكبر.. أشبع عيني بتفاصيلها.. أملأ صدري بهوائها النقي. أحس بجلبة الناس في الأسواق، تلك التي كنت أهرب منها"(15). وهكذا تصبح عمان الملاذ والمقر النفسي الآمن وبديل الوطن الجريح الذي ستحمله معها هدى إلى أمريكا. وتلخص تجربة عمان في نهاية الرواية بقولها "ها أنا اكتشفت أن الغربة التي عانيتها مجرد بروفة لأيام طويلة ستبدأ غداً"(16).

أما الشاعر والروائي العراقي صموئيل شمعون صاحب موقع "كيكا" الثقافي على الإنترنت ومؤسس مجلة "بانيبال" المختصة بترجمة الأدب العربى، والذي نشرت الصحف الأردنية قصصَ مجموعته الأولى "اليقظة المتأخرة" عام1979، فقد اتخذ من عمان مسرحاً لجانب من أحداث روايته الأولى "عراقي فى باريس" كملاذ آمن بعد أن تعرض بطله صموئيل لمحاولات قتل واعتقال وتهديد في بيروت ودمشق. وبدا الأمر كأنما يريدُ الكل قتله. في عمّان استقبله بائعُ الشاى المتجول ووجد عملاً فى الطباعة ومأوىً فى مكتب محامٍ وروائي. ثم بدأ "صموئيل" بكتابة القصص القصيرة ونشرها فى الصحافة الأردنية. لقد أراد بطل الرواية السفر إلى أمريكا لتحقيق حلمه فانتهى به المطاف منفياً في باريس.

وفي الختام فقد أردتُ أن أقدمَ نماذجَ مختارةً من قراءاتي في الأدب العراقي مع التركيز على الرواية على وجه الخصوص، والتي تمثل بعضَ جوانبِ اللوحةِ وليست كلَّها من الإبداعات العراقية التي تبرز صورةَ المدينة في عيون الأدباء العراقيين. والمعذرة ممن أعطى عمان بعضاً من قلمه وفاتني ذكره. ولعلني أطمح قريباً إلى قراءة رواية عمان بصوت عراقي. فهل تبقى مجرد أمنية؟

الهوامـش:
1.          خذوني الى عمان، عبد الستار ناصر، مجلة تايكي، العدد 38، آب 2009، ص 24
2.          أيام في عمان. أين أنت يا نخلة الله، جمعة اللامي، جريدة الخليج الإماراتية، عدد الأحد 4 آب 2002.
3.          المصدر السابق
4.          المصدر السابق
5.    "معرض عمّان للكتاب يطغى عليه طابع عراقي"، يوخنا دانيال، موقع "مرافيء"، المجلس العراقي للسلم والتضامن، 13 أيلول 2006.
6.    مكاتيب عراقية: من سفر الضحك والوجع، علي السوداني، المجلد الثاني، الطبعة الأولى، دار فضاءات للنشر والتوزيع، عمان، 2009 ، ص 21
7.          خذوني الى عمان، عبد الستار ناصر، مجلة تايكي، العدد 38، آب 2009، ص 24
8.          نفسه ، ص 23
9.          نفسه ، ص 25
10.     يوميات المدن، لطفية الدليمي، الطبعة الأولى، دار فضاءات للنشر والتوزيع، عمان، 2009 ، ص 233
11.     نفسه ، ص232
12.  رقص على الماء (أحلام وعرة)، محمود البياتي، الطبعة الأولى، الفصل السادس، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، عمان، 2006 ، ص112.
13.     ما بعد الحب، هدية حسين، الطبعة الأولى، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، عمان، 2003، ص 91
14.     نفسه ، ص 174
15.     نفسه ، ص 179

16.     نفسه ، ص 180



الجمعة، فبراير 11

عمّان في الرواية الغربية

عمّان في الرواية الغربية

إياد نصار
* نشرت في الملحق الثقافي لجريدة الرأي الأردنية بتاريخ 11/2/2011

حظيت عمّان في الغالب بصور جميلة في الرواية العربية، خصوصاً الرواية العراقية، ما يعبر عن إدراك حقيقي لجوهرها المفعم بالحب والانسانية ولتاريخها الموغل في فجر الحضارة، ولهويتها الموسومة بالاصالة والانتماء الى محيطها العربي، وتجيء في هذا السياق كتابات عبد الرحمن منيف، ومذكرات يوميات المدن للطفية الدليمي، وقصص عبد الستار ناصر وسيرته.

لكن صورة عمّان في الرواية الغربية تبدو خلاف ذلك، إذ لا تلتفت الرواية الغربية كثيراً الى النواحي الانسانية أو الجمالية أو الاجتماعية أو الثقافية لعمّان بشكل خاص أو الاردن بشكل عام، بل إن توظيف البيئة الاردنية كان الهدف منه البحث عن أماكن تاريخية جديدة غير معروفة للقاريء الغربي، وتقديم ثقافات مختلفة لشعوب، يرى الروائي أنها تثير انتباه هذا القارىء من خلال تقديم أجواء الصحراء والحياة البدوية، غير أن أسماء الاماكن والمعالم والمؤسسات والأحياء والشخصيات الأردنية تعكس، في كثير من الأحيان، معرفة المؤلف بالبيئة الاردينة، ويبدو أنها مستمدة من زياراته للأماكن السياحية بشكل واضح، أو من خلال إقامته في عمّان.

معظم الروايات الغربية التي تطرقت الى عمّان مكاناً رئيساً للأحداث من النوع البوليسي الذي اختار عمّان نظراً لاحتواء الاردن على أماكن سياحية فريدة تصلح للسفر والمغامرة، وإضفاء طابع المطاردات بين المواقع الأثرية والتشويق الذي تتسم به القصص الجاسوسية. ولعل هذا ما يجعل الكاتب يفكر بمكان بعيد عن أجواء المدن الغربية، خصوصاً اذا كان في ذهنه تحويل الرواية الى فيلم سينمائي بما يوفره المكان الاردني من جماليات وتفرد، كما هي حال البتراء ووادي رم.

ورغم التباين في صورة عمّان في ذهن الروائي الغربي، ورغم مواقفه المسبقة تجاه مدينة فتية تسعى الى مواكبة مستجدات العصر، فإن عمّان في نماذج قليلة، تأسر خيال عدد من الروائيين الغربيين، حتى أن بعضهم تمكن من ادراك أجواء المدينة وطبيعة تكوينها ومزاجها العام، ما عبّر عن رضاهم عن نمط الحياة الذي وفرته لهم المدينة بفضل انفتاحها وتطورها.

"لا أقدر أن أكون طبيعية"
هي الرواية الثالثة للروائية البريطانية من أصل جنوب افريقي شميم ساريف، بعد "العالم اللامرئي" و"الثلج المتساقط". صدرت الرواية في شباط 2010، وهي تحكي عن قصة اجتماعية رومانسية غير مألوفة: فتاة أردنية مسيحية اسمها تالا تقيم في لندن، وتستعد لمراسم حفل زفافها حسب التقاليد الشرقية، حينما تلتقي بليلى، الفتاة البريطانية المسلمة من أصل هندي، فيغير اللقاء من مسار حياتيهما. ورغم اختلافهما الديني والعرقي، إلا أنهما تنجذبان بعضهما لبعض، وتنشأ بينهما علاقة مثلية.

تبحث الرواية في موضوع الصدام بين الشرق والغرب من خلال إظهار الصراع الذي تعاني منه البطلة بين الثقافتين الشرقية والغربية، كما تتناول موضوع الحب والزواج، والتقاليد المجتمعية، والحريات غير المعتادة.

في التمهيد لروايتها، كتبت المؤلفة أنها زارت عمّان قبل سنوات تحضيراً لكتابة الرواية، وذكرت أن صديقتيها الأردنيتين قد شرحتا لها الكثير عن ثقافة المنطقة، وعرفتاها على كثير من الناس في الاردن. وتقول إن مسؤولاً أردنياً سابقاً رفيع المستوى تحدث اليها لبعض الوقت رغم برنامجه الحافل، وعبّر عن مخاوفه لما ينتظر الشرق الاوسط.

رغم الاستقبال الرائع الذي حظيت به الكاتبة في عمّان، وما سمعته من وجهات نظر وشروحات حول الثقافة العربية الشرقية، وما لمسته من الاجواء المحافظة، إلا أنها نسجت قصة لا تطابق الواقع، بل تعد مستهجنة في المجتمع الأردني، فالقضية التي تطرحها الرواية لا تمثل قضية للمرأة الشرقية، وخصوصاً الأردنية، والمسألة ليست مسألة حرية أو غيابها. وهي ليست مطروحة للبحث ولا تشكل تابوهاً مسكوتاً عنه. وإذا كانت القضية هي قضية المؤلفة أكثر من كونها قضية بطلتها، فالمعروف أن شميم ساريف كاتبة ومخرجة مثلية، فإن صورة عمّان في الرواية لم تكن جميلة أو موضوعية.

ورد ذكر عمّان في الرواية في سبعة وعشرين موضعاً. تفتتح الرواية في عمّان حيث نرى الام في نقاش حاد مع الحلواني الذي حضر كعكة حفلة الزفاف لابنتها، لأن أحد موظفيه الأغبياء أفسد الستائر حينما ارتطمت بها. إنها ليست الكعكة الاولى، بل الرابعة!

ترسم الرواية صورة لأجواء عمّان ولياليها وأضوائها في مطلعها. وتتحدث عن حفلة كبرى لم يعرف أحد في عمّان مثلها، كما تتحدث عن زينة ولمياء شقيقتي تالا اللتين درستا خارج الاردن. كما تذكر أن زوج لمياء يخبرها حينما تتصل به وهي مسافرة أن لا شيء يتغير في عمّان. تصف الرواية بيوت عمّان بأنها عشوائية آيلة للسقوط. وتصف عمّان في الفصل التاسع بأنها باردة وكئيبة، ولهذا شعرت البطلة بالحنين الى حرارة نيويورك. كتبت تالا تتذكر كيف كانت تحس في عمّان: "استيقظ كل صباح وأنا أحس بالاختناق من مجرد التفكير في العيش في عمّان أو العيش معه. وقد اكتشفت أنني كنت كل يوم أخشى اقتراب يوم الزفاف منه". كما تتحدث عن وسط المدينة القديم الصاخب والمكتظ والمتسخ، حيث الباعة والمتسكعون، أما غرب عمّان فتصفه أنه جيب معزول، أو مثل مدينة مقلدة وسط المدينة الحقيقي.

الجاسوس الهاوي
يعمل دان فيسبرمان مراسلاً صحفياً، وقد تنقل في أماكن كثيرة في العالم مثل افغانستان والبوسنة وبلدان الشرق الاوسط. أصدر في العام 1999 رواية حققت نجاحاً اسمها "البقاء في الظلام"، أما هذه الرواية الخامسة له فتطرح مسألة العيش في عالم صار العنف فيه حقيقة ماثلة. ووصف أحد النقاد أسلوبه بأنه قريب من أسلوب جريم جرين وجوزيف كونراد من خلال تناوله ما ينتاب العالم من رؤى وصراعات مختلفة، حيث تتناول الرواية قضية الارهاب في الشرق الاوسط بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، حيث يغدو كل شخص موضع شك.

تجري أحداث الرواية في الاردن والقدس. بطل الرواية فريمان لوكهارت، يبلغ من العمر خمسة وخمسين عاماً، وكان يعمل في منظمة للاغاثة، أما الآن فقد تقاعد ليقيم الى جانب زوجته البوسنية، ميلا، في إحدى جزر بحر ايجة اليونانية. وفي أول ليلة لهما هناك، استيقظا على ثلاثة غرباء متطفلين يأخذون فريمان الى مكان قريب، ويطلبون منه السفر الى الاردن للتجسس على زميل قديم هو عمر البارودي، لأنهم يشكون أن جمعيته الخيرية تدعم الجهاديين. وحينما يرفض، يهددونه أنهم سوف يخبرون ميلا عن سره الأسود الذي لا تعرفه. ويستغلان ذلك لابتزازه، وهكذا يسافر فريمان الى عمّان، ليجد نفسه في وسط العاصفة.

يتحدث الراوي عن عشاء مع العائلة في مطعم يدعى التنين الصيني في منطقة الدوار الاول يديره رجل دبلوماسي متقاعد من تايوان. ويذكر أن هناك ثمانية دواوير تصل بين شرق المدينة وغربها، هي بمثابة العمود الفقري للمدينة.

وبعد عشاء دسم، يقف الراوي على أطراف جبل عمّان، وينزل عبر درج اسمنتي منحدر ليصل الى قلب المدينة، ويقول إن رائحة القهوة المحروقة تفوح دائما في هواء عمّان. أما عن الوضع الاقتصادي فيذكر أنه لم يعد شيء متوطن في أحياء المدينة ذات الكثافة السكانية أكثر من البطالة، ويقول إنه لا يوجد أحد لا يستطيع بناء ثروة هذه الايام في عمّان، غير أنه يستغرب من رؤية سيارات همر في شوارعها.

تتحدث الرواية عن الزيارة الاولى لميلا التي اذهلتها مشاهد جبال عمّان المكتظة وعمائرها التي تحجب النظر. وتشير الى لوحة تحمل خريطة مصفرّة لعمّان في العشرينيات، وتصف مبنى دائرة الآثار العامة ومدخلها الذي ينتصب مثل قوس أثري. يرد ضمن سياق الرواية خبر تفجيرات الفنادق في عمّان. وقريباً من النهاية يذكر الراوي أن عمّان قد تغيرت عما كان يعرفها.

شجرة الليمون
تقدم ساندي طولان في هذا العمل رحلة عبر الصراع العربي الاسرائيلي الطويل الذي أثر في السياسة العالمية منذ الاربعينات. تجسد طولان حياة لاجيء فلسطيني يدعى بشير الخيري ومستوطنة يهودية تدعى داليا اشكنازي لانداو، ويجمع بين الاثنين بيت من الحجر في الرملة التي احتلتها اسرائيل العام 1948. بنى البيت والد بشير الخيري في الثلاثينات، واضطرت ظروف النكبة في العام 1948 الأسرة الى ترك بيتها، وهكذا اصبحت عائلة اشكنازي، وهم من المهاجرين من بلغاريا، الملاك الجدد، وبعد حرب 1967، ظهر بشير الفلسطيني ابن العائلة المشردة عند عتبة بيتهم في الرملة، وقد حن لرؤيته ورؤية شجرة الليمون خلف البيت الذي تركه وهو طفل قبل تسعة عشر عاماً، وهناك التقى بداليا ابنة العائلة المستوطنة، ليبدأ حوار بينهما استمر أربعة عقود بسبب وجود تفسيرات متعارضة متناقضة للماضي.

ترد عمّان في سبعة وعشرين موضعاً، وإن كانت غالبيتها ضمن حديث سياسي عما جرى خلال النكبة وما بعدها، خصوصاً حرب الايام الستة والأعمال العسكرية الكارثية التي وقعت، وتتحدث كيف تم عرض بعض الدبابات الاسرائيلية التي تم الاستيلاء عليها خلال حرب 1967 في شوارع عمّان، غير أنها تصف عمّان في السبعينات بعد ذلك بـ"هانوي العرب".

رواية السائح البريء
هي الرواية الثالثة عشرة ضمن سلسلة روايات السيدة بوليفاكس ذات الاجواء البوليسية الغامضة للروائية الامريكية دوروثي جلمان. صدرت طبعتها الاولى في العام 1997 عن دار فاوست. وفيها تسافر السيدة ايميلي بوليفاكس، الى الاردن مع صديقها السابق سباستيان فاريل للحصول على مخطوط تم تهريبه من العراق، كتبه أحد الروائيين المعارضين لنظام صدام حسين والذي جرى إعدامه.

كتغطية لفاريل، فإن السيدة بوليفاكس عميلة السي أي آيه تلعب دور ابنة عمه السائحة، غير أنها تصبح من غير أن تدري واسطة لتهريب شحنة مريبة لجماعة متطرفة الى عمّان، إذ أن من يشاركها المقعد على الطائرة والذي ظنته رجل أعمال معروفاً لم يكن سوى متطرف خبأ منحوتة في حقيبتها تحتوي على خريطة غامضة ومفتاح. تكتشف السي أي آيه أن المسافر الذي شارك السيدة بوليفاكس مقعدها على الطائرة شخص أردني معروف باسم سهير سلمان وقد دخل سراً الى الولايات المتحدة وتسلل خارجها.

لم يأت الوسيط بحسب الموعد بينه وبين فاريل في قلعة الكرك، رغم أن السيدة بوليفاكس تجد جثة رجل ميت هناك. وعندما دعاهما دليل رحلتهما يوسف جدور وأخته حنان لزيارة جدهما، وهو أحد شيوخ البادية، فإنهما يقعان في قبضة جماعة جهادية. وتبلغ الحبكة ذروتها في حصن قديم في الصحراء حيث تتمكن السيدة بوليفاكس من التغلب على الجماعة بفضل مهارتها في الكراتيه.

يرد ذكر عمّان في الرواية في خمسين موضعاً عبر صفحاتها البالغة 224 صفحة. وتشتمل الرواية على صور من التخفي الذي يقوم به المهربون بوصفهم رجال أعمال، والمطاردات بالسيارات، أو على ظهور الجمال. كما تتحدث الرواية عن محاولة شرطة سرية عراقية إلقاء القبض على السيدة بوليفاكس، غير أنها وصديقها يقعان في قبضة الضابط جعفر قائد الشرطة في عمّان. وفي حوار بين السيدة بوليفاكس وشخص يدعى نايف عند الخزنة في البتراء، فإنه يقول لها إنها سوف تستمتع بوجودها في عمّان مثل البتراء. كما يخبرها أن المدارس مجانية، وأن الاردن قد تجاوز وطأة الحروب التي جرت في المنطقة. وحينما تصف عمّان، فإنها ذات سماء رمادية ومنازل ذات أسطح باهتة ترتفع للاعلى مثل شواهد القبور. كما لفت نظرها رؤية العشرات من سيارات الفولفو السوداء الفاخرة وغيرها. هناك الكثير من الاسماء العربية في الرواية ، خصوصاً من البيئة الاردنية، مثلما يرد ذكر بعض معالم في عمّان مثل الجامعة الاردنية وأكاديمية الشرطة الملكية والبحث الجنائي.

الحاج
كتب ليون أوريس روايات عدة تتناول الصراع العربي الاسرائيلي وطبيعة الحياة وتقاليدها في منطقة الشرق الاوسط. "الحاج" رواية تاريخية عن عائلة عربية فلسطينية قبل نكبة عام 1948وبعدها، وتمتد أحداثها منذ العام 1922 حتى أوائل السبعينات. تمتليء الرواية بالاثارة وتعكس معرفة كبيرة بمنطقتنا وشعوبها وعاداتها وتقاليدها وطرق الحياة التقليدية. وفي هذه الرواية يعود اوريس الى المنطقة نفسها التي جرت فيها أحداث روايته "الخروج" ليكرس نظرته بأن "الشرق أرض تقدس الثأر، وتعلي من قيمة الكراهية".

تصنف الرواية ضمن النوع التاريخي، لكنها تشوه حقائق التاريخ والأرض والواقع. ويرى كثيرون أن أوريس منحاز لاسرائيل يدافع عن وجهة النظر الصهيونية لما تحتويه من مغالطات تاريخية وكراهية تجاه العرب. لا يمكن النظر الى الرواية بمعزل عن تاريخ المنطقة وتطورات القضية الفلسطينية، لأنها ترسخ في ذهن القارىء الغربي رؤية منحازة. لن ينظر القارىء الغربي الى أحداث الرواية بوصفها عملاً أدبياً محضاً ليس له صلة بالواقع، وهنا مكمن الخطورة.

تحكي الرواية عبر صفحاتها التي تزيد عن خمسمئة، قصة الحاج ابراهيم، وتصور حال فلسطين في أواخر الاربعينات من القرن الماضي حينما غادر الانجليز وتركوا فوضى عارمة وراءهم.

تطرقت الرواية الى مسائل عدة مثل المذابح التي ارتكبها الاسرائيليون، والتي يجري تبريرها على أنها مجرد حوادث عرضية. وتتعمد الرواية تشويه القضية الفلسطينية، وإدانة الطرف العربي والتركيز على الجوانب السلبية وتضخيمها، بل وتشويه صورة النضال الوطني.

تنطوي الرواية على توجهات عنصرية ضد العرب والفلسطينيين، وتسعى لإظهار أن المشكلة الاساس ليست اغتصاب الارض وتهجير الشعب الفلسطيني، بل الانقسامات السياسية والاختلافات الثقافية والدينية بين العرب أنفسهم، وإظهار أن الفلسطينيين عانوا من هذه الاختلافات أكثر من معاناتهم بوجود اسرائيل.

ترد عمّان في الرواية في سبع وأربعين موضعاً أغلبها حول فترة الاربعينات. في أحدها اشارة الى طريق تربط بين مرتفعات الجولان والطريق السريع الى عمّان، ما يدل أن المؤلف لا يعرف طبيعة المنطقة، وربما يكتب من واقع الخريطة. وفي موضع آخر يتحدث عن سيارات الهلال الاحمر الاردني التي وصلت من عمّان لتوزيعها على اللاجئين وكانت تحمل الخيام والطعام والبطانيات، ولكن المسؤولين عن التوزيع وضعوا اجراءات بيروقراطية جعلت من توزيعها مسألة معقدة.

تمتليء الرواية بعبارات العنصرية والاساءة والاوصاف البشعة لكل ما هو عربي وفلسطيني، ولم تسلم عمّان نفسها من هذه الاوصاف. ويتحدث الحاج ابراهيم عن دعوته الى حضور مؤتمر الوحدة الذي أقيم في أريحا، ويقول الراوي أن العالم العربي في تلك الفترة كان يقفز من مؤتمر الى آخر. ومن معالم عمّان التي تذكرها الرواية منزل فاخر لمسؤول في الامم المتحدة من أصل سوري يتربع على إحدى جبال عمّان. كما تتطرق الى المخيمات في عمّان وما حولها وتذكر مخيم شنلر تحديداً بالاسم.

السلام المدمر
في رواية السلام المدمر يصطحبنا بول ايفانكو مع بطله جيك بوشر ورفاقه الذين يسيرون على مبدأ "لا تأخذ معك أسرى". وتتكون الفرقة من قائدي طائرات مروحية ومحاربي أدغال وعلماء نوويين. وتسير أحداث الرواية وفق رؤية تنبئوية كابوسية تمتاز بالخيال الجامح الذي يجمع بين روح التشويق والمغامرة وتعقيدات التطورات السياسية ومبدأ الحاجة أم الاختراع في الحروب.

تعد الرواية جزءاً مكملا لرواية المؤلف السابقة "يمتلك الليل"، وفيها يعود جيك بوشر للمعاونة على وقف هجوم نووي في الشرق الاوسط، لكنه يجد نفسه يهرب من أعمال هجومية قاتلة تشن عليه كجزء من خطة كبيرة متعددة الاهداف لجماعة أصولية. يلاحق جيك وجماعته سير التطورات والاحداث غير المتوقعة حتى يصلوا الى اكتشاف خطة تآمرية لتدمير ساحل الولايات المتحدة الشرقي بأكمله. تدق الساعات المربوطة بالقنابل النووية نحو ثوانيها الاخيرة قبل أن ينجح جيك ورفاقه في ايقافها وانقاذ ملايين الامريكيين.

وردت عمّان في الرواية في واحد وأربعين موضعاً. وقد وردت للمرة الأولى في الصفحة 92 في معرض الحديث عن الخطة الجاسوسية حيث يقول البطل: "إن هذا مناسب إن كان باستطاعة رجالك أن ينزلونا على الطريق خارج عمّان، ومن هناك نستطيع الذهاب الى العقبة لنبدأ من هناك، ونستطيع الالتقاء بهم في اليوم التالي". وفي الفصل العاشر من الجزء الثاني، يتحدث عن فندق الماريوت في عمّان الذي يقول أنه يقع على ربوة تطل على العاصمة من حوله. كما يقول إن الطريق من عمّان الى البتراء لم تكن سيئة. وفي الجنوب يصف البطل الطريق التي كانت صاعدة حتى تصل قمم بعض الجبال ومن حولها الاشجار، ويذكر الراوي أن هذه هي اولى الاشجار التي رآها منذ أن غادر عمّان. وعن خطر القنبلة النووية يقول إن الجواسيس يظنون أن هناك سلاحاً بايدي بعض الجماعات في جنوب الاردن، وأنه اذا تم تفجيرها بالقرب من البحر الميت فيمكن أن تزيل عمّان عن الخريطة!

تتحدث الرواية عن وصول عضو آخر في فريق المطاردة على متن طائرة الملكية الاردنية، والذي يستأجر شقة فاخرة في عمّان. وتشير الى وصول فريق من الوكالة الدولية للطاقة الذرية صعدوا الى قمم أحد الجبال التي تطل على عمّان. ويذكر الراوي أن فريق الجواسيس نظروا الى خريطة المدينة التي معهم في السيارة، وطلب جيك من صديقته أن تقود السيارة الى البوابة الشرقية للقلعة. وهناك بدا عليهم حجم الهلع الذي اصابهم عندما أدركوا مدى الخطر الذي يمكن أن يصيب المنطقة بأكملها حيث يعيش ـ كما تقول الرواية ـ ما يزيد عن مليون ونصف المليون نسمة في عمّان وحدها. تصف الرواية أجواء المساء فوق جبل القلعة والاضاءة التي تحيل الليل الى ما يشبه النهار.

جثة من الاكاذيب
يعود الامريكي ديفيد اغناطيوس المتخصص بكتب الجاسوسية، لاصدار هذه الرواية ذات الحبكة المعقدة في العام 2007 حول المواجهة بين الغرب والاسلام. ويستغل الكاتب في كتابتها معرفته بالسياسة في الشرق الاوسط، ورسم لوحات للحياة في العراق والاردن وسورية من خلال قصته التي تقوم على فكرة البحث عن شخص أصولي وإحضاره للمحاكمة.

تبدأ السيارات المفخخة بالانفجار في المدن الأوروبية مثل ميلان وفرانكفورت، فينتشر الخوف من أن هذه التفجيرات سوف لن تلبث أن تصل الولايات المتحدة. تسرد الرواية قصة روجر فريس الذي نقل حديثاً الى عمّان بعد أن تعرض للاصابة في العراق. فبعد محاولة فاشلة للقضاء على شخص يعتقد أنه العقل المدبر وراء عمليات تفجير السيارات يدعى سليمان، فإن فريس الذي تم تكليفه بالقيام باحباط مخططات القاعدة، يطور خطة على غرار خطة بريطانية ضد النازيين كانت تمدهم بمعلومات مضللة ترتد عليهم. وتقوم خطة فريس على زرع الشقاق بين أعضاء القاعدة وقيامهم بمهاجمة بعضهم بعضاً. واذا نجحت الخطة، فإن القاعدة نفسها سوف تصفي سليمان، وتكون بذلك وجهت ضربة ساحقة لعملياتها.

وردت عمّان في الرواية في تسعة وستين موضعاً. تشير افتتاحيتها الى روجر فريس الذي سافر الى برلين بصحبة مسؤول أمني أردني رفيع تشير اليه الرواية باسم هاني باشا، وهو رجل في نهاية الخمسينات، شعره اسود لا يدل على سنه، بينما يكشف الشعر الاشيب في شواربه عن عمره الحقيقي. يشيد الراوي بالضابط الارني واحترافه، حيث يراه فريس رجلاً مهيباً ودوداً حريصاً على قيافته.

يذكر الراوي في حديثه عن عمّان أن الليل قد حل حاملاً معه قصفة ريح باردة بشكل مفاجيء، وصارت عمّان مثل كرة من الضوء في سماء سوداء. وفي موضع آخر تتحدث عن تطور الجراحة التجميلية في ما تسميه الرواية عمّان الجديدة. وتقارن بين عمّان ولوس انجليس، وترى أن عمّان مثل لوس انجليس من غير المحيط، بل إن هناك مجلة بالانجليزية تباع في عمّان تسمى "العيش جيداً". وفي موضع آخر يرد اسم الجبل الاخضر في الطرف الشرقي للمدينة حيث جرى تجنيد أحد عناصر القاعدة من العراقيين في بيت سري.

ويصف فريس عمّان ذات مساء وهو على الشرفة بأنها ذات وجه أبيض، حيث كانت تتراقص الظلال عبر جبال المدينة. وفي فقرة أخرى تشير الرواية الى شاب معماري من مدينة معان، التي تصفها بأنها مدينة محافظة للغاية، لكنه يسكن الان في عمّان، ويعمل في مؤسسة متخصصة في التصميم الاسلامي.

وفي موضع آخر هناك حديث عن اجتماع في الساعة الثامنة والنصف صباحاً في نادي الضباط في جبل عمّان بالقرب من المركز الثقافي البريطاني. ويلاحظ أن أغلب الأماكن المذكورة هي مناطق يؤمها السياح مثل فندق حياة عمّان، والمطعم الايطالي فيه.

لا بد من الاشارة الى أن المؤلف أصدر قبل هذه الرواية بسنوات رواية "عملاء البراءة". والتي كانت نوعاً من البروباغاندا السياسية! وقد وردت عمّان فيها على نحو أقل أهمية، حيث كانت بيروت هي مسرح الأحداث.

أشباح البتراء: نكهة الحياة
تقع رواية أشباح البتراء التي صدرت في شهر آيار 2010 في مئة وأربع وثمانين صفحة، وتجري أحداثها غير المتوقعة في البتراء منذ عام 106 بعد الميلاد حتى وقتنا الحاضر.

تدفع الرواية القارىء الى إعادة النظر في أفكاره وآرائه بطريقة غير تقليدية، وتحكي قصة مواجهة في مدينة كانت مزدهرة ذات يوم الى الجنوب من البحر الميت. يذهب سام وزوجته (جل) في إجازة الصيف الى الأردن. وخلال رحلتهما يطرحان اسئلة من مثل: ما هي الحياة؟ هل يمكن أن توجد الروح على هيئة مادة؟ وهل يمكن إعادة إحياء الروح؟

وردت عمّان في الرواية في خمسة وعشرين موضعاً، بل إنها تفتتح بكلام شاب أردني يرحب بالزوار الى بلدته وادي موسى، فيقولان له إنه أول شخص يرونه يتحدث الانجليزية بشكل جيد، ويقولان إنهما جاءا الى عمّان عبر اسرائيل ومن ثم استقلا الحافلة الى وادي موسى. يدرك الشاب أن السائح المدعو سام وزوجته اللذين نزلا في فندق كليوباترا الذي يعمل به قد جاءا لزيارة البتراء. لكن الغريب في الحوار الافتتاحي أن الشاب يحذرهما من التعامل مع باعة التذكارات والتحف والجواهر من أبناء منطقته.

وفي مكان آخر بعد رؤية البتراء تسأل جل إن كان بالامكان الحصول على سيارة أجرة أو حافلة للعودة الى عمّان، لرؤية المتحف قرب المدرج. يتعرض سام وزوجته الى الاحتجاز، ويبدو أن انتظار الزوجين طال، فهربا من محتجزيهما. ونتعرف على أسماء شخصيات أردنية مثل عماد وسعود ولطيف، حيث يوافق عماد على تقديم التسهيلات لهما للعودة الى عمّان، معبراً عن موقف مختلف عن والده.

تروي جل أنهما وصلا بعد الظهر الى مدينة عمّان الواسعة والتقيا بعم عماد، الذي أوصلهما الى مركز الزوار في جبل القلعة والذي تصفه بأنه معلم أثري آخر من تلك المعالم التي أقيمت في فجر الحضارة.

رابط الصفحة الكاملة (انتظر قليلاً ريثما يتم تحميل الصفحة)
 
رابط المقالة بجريدة الرأي