الجمعة، يونيو 4

ترمي بشرر لعبده خال والتاريخ السري للمدينة


ترمي بشرر... لعبده خال والتاريخ السري للمدينة
أخطاء بالجملة وتساؤلات حول الرواية الفائزة بالبوكر
اياد نصار

حالما أذيعت نتائج الدورة الثالثة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) للعام 2010 ، والتي شكلت مفاجأة للكثيرين ، أسرعت إلى مكتبات وسط عمان لأشتري الرواية التي أعجبت لجنة التحكيم بصفحاتها الـ 416. أقبلت على الرواية في حماسة انطباعية ظاهرة لكونها الفائزة أولاً ، واستناداً لمعاينة أولية للنواحي الأسلوبية السردية وبنية الرواية ثانياً ، ولكني وبعد أن فرغت من قراءة الرواية ، وجدت نفسي محتاراً إلى الآن في معرفة الأسباب التي بنت اللجنة أحكامها عليها، وتسعى المقالة إلى الغوص في أعماق الرواية ، في بحث عن إجابة للسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: لماذا "ترمي بشر..." بالذات؟ وبقدر ما تسعى هذه المقالة أن تكون موضوعية ومتوازنة في عرض الرواية ، فانها في الوقت نفسه تعرض لجوانب فيها تنطوي برأيي على مشكلات سردية ولغوية ، لتطرح تساؤلاً حول المعايير التي اعتمدتها لجنة الجائزة في الاختيار.

تبدأ الرواية إيقاعها السردي منذ الغلاف، فالإهداء ليس ، كما جرت العادة ، من لدن المؤلف ، بل على لسان الراوي وأحد "أبطال" الرواية ، الذي يقدمه إلى "هنو" ، أو تهاني ، التي سلبها براءتها ، وأرسلها إلى الموت. يبدأ الراوي كلمات إهدائه الأولى بالحديث ضمناً عن الاعتراف والاعتذار إلى الضحايا الذين ارتكب بحقهم الآثام ، ولكننا نكتشف ، في ما بعد ، أن الاعتذار لم يكن بحجم هول الظلم ، وانتهاك كرامة الإنسان ، واستغلال المرأة واستباحة وجودها ، وكذلك الخيانة ، والشهوة ، وطغيان النفوذ وسطوة الثروة ، و"البوح القذر" ، كما يسميه ، وهذه محاور الرواية الأساسية.

بنية الرواية فريدة من نوعها: تتكون من جزء روائي طويل مألوف يقوم على توظيف تعدد الأصوات في إطار ضيق للغاية ، بالإضافة إلى عدة نصوص قصيرة مختلفة في طبيعتها ملحقة به، وتعد جزءاً لا يتجزأ من بنيتها. تبدأ الرواية من داخل أحد قصور مدينة جدة ، الذي يصبح تجسيداً لعالم غامض شرير قذر. وإذا كان من المفروض أن يمثل ما يجري في القصر عالم الحياة ، فاننا نكتشف أن هذا العالم الذي يشغل معظم صفحات الرواية ، هو في حقيقته عالم القهر والموت السفلي ، حيث تجري كل فظائع الانتقام والشهوة والتعذيب. ويلاحظ القارئ أن هذا الجزء الروائي ينتهى بالمقطع ذاته الذي ورد في متن بدايته ، وتحديداً في ما سمّاه المؤلف عتبة أولى. "قراري بقتل السيد نضج تماماً ، لقد مضى زمن طويل ، وأنا أحمل جثته في مخيلتي ، ولا أعرف كيف أواريها ، فحينما آوي إلى فراشي أستجلب النوم بخيالات مقتله ، وفي كل ليلة أقتله بطريقة مغايرة عن الليلة السابقة ، آه كم هي المسافة بعيدة بين الواقع والخيال". وتلي هذا الجزء الذي يشكل أغلب جسم الرواية عدة من إضافات تعد تكملة له وجزءاً أساسياً من الرواية ، حتى ولو كتب المؤلف في نهاية الصفحة 379 انتهت بتاريخ 1 ـ 1 ـ 2009 ، غير أن هذا من التقنيات الأسلوبية التي وظفها بما يخرج الرواية عن الشكل الكلاسيكي المألوف.

تتكون الرواية التي يجري أغلب أحداثها في القصر من عتبة أولى وثانية. وقد أضاف المؤلف إلى الرواية فصلاً قصيراً سمّاه البرزخ ويقع في ست صفحات ، وقد قسمه إلى مقطعين ، الأول بعنوان "هياكل لأحداث ميتة لم تستوعبها حياة السرد" ، والثاني بعنوان "مقطع من جلسة سبقت كتابة هذا السرد". ويلي ذلك مقتطفات من مانشيتات وعناوين صحفية سعودية عن أبطال الرواية أو أحداثها. وتبدو من الوهلة الأولى أنها مقتطفات صحفية حقيقية تستند إلى وقائع فعلية ، ولكننا نكتشف أن فيها نوعاً من ايهام القارئ ، وأنها جزء أصيل من النص الروائي.

وتنير هذه المقتطفات الصحفية عالم الرواية ، ففيها اسقاطات من زاوية أخرى ، كانما تقدم التفسير السري المغّيب لكثير من الأحداث التي تسوّق على أنها لصالح المجتمع ، بينما تكمن خلفها مؤامرات ، تكشف أنها ليست سوى لعبة لمصلحة فئة متنفذة. ومن ناحية فنية ، فانها جزء من توظيف وسائط الاتصال المختلفة في العمل الروائي ، وشبيه بما تم من إيراد نص رسالة بهيئتها كما كتبتها صاحبتها. تفصح الرسالة عن اسم الراوي لأول مرة في الصفحة 88، حيث نرى رسالة تهاني إلى حبيبها بشكل حروفها كما كتبتها وبرسوماتها العاطفية المراهقة.

وهناك فصل للتعريف بنساء القصر أو بالأحرى ، الحريم اللواتي وقعن ضحايا المجتمع ، ووهم محاولتهن البحث عن الخلاص من خلال الجسد ، فانتهى بهن المطاف خادمات لمتعة الرجل في القصر ، ويشتمل هذا الجزء على نبذة مختصرة عن كل واحدة منهن ، مع صورة بالنقاب الأسود للدلالة على فقدان الذات ، مجرد جسد أنثوي بلا هوية ، ليس أكثر من تجسيد للفتنة والجنس في قصر الحريم، يلي ذلك في خاتمة الرواية فصلان قصيران يعيدان إلى الأذهان أسلوب كتب التاريخ العربية القديمة ، بعنوانيهما: "ثم دخلت سنة 1428 هـ وحدثت فيها الأحداث العابرة والغائرة" ، و"ثم دخلت سنة 1429هـ". يرسم هذان الفصلان أفق النهاية في حياة أبرز الشخوص ، مما يكمل الصورة الكلية في ذهن القارئ.

وبالإضافة إلى دلالتها اللغوية ، فان تقسيم الرواية إلى الأجزاء المذكورة ، وخاصة "عتبة" الرواية الأولى ، توحي بأن القارئ يوشك أن يدخل قصراً أو سرداباً أو قبراً أو مرحلة فارقة من الزمن. وتصدمنا عبارة الراوي التي يستهل بها حديثه "خسئت روحي ، فأنزلقت للإجرام بخطى واثقة" بهذا الاعتراف المدوي الذي يدل على مدى العذاب الذي يرزح تحته حتى أفضى بهذا التصريح ، وفي الوقت ذاته يدل على مدى انحطاط الإنسان وسقوطه ، ولكنها بداية تنذر باعتراف خطير ينم عن ضعف يصدر عن بقايا إنسان. وحينما نشرع في الرواية نجد أننا ندخل من العتبة إلى مستويات مختلفة من الدلالات: ندخل إلى القصر الذي يرمز إلى مطلق السلطة والثراء والنفوذ والعزلة عن عامة الناس ، وإلى سرداب الظلم وممارسات التعذيب والجحيم السفلي التي تمتهن كرامة الإنسان ، وإلى قبر كبير تموت بداخله كل مظاهر الحياة الحقيقية ، وقد رأينا فيه نهاية العديد من الشخوص لأسباب مختلفة ، وندخل أيضا إلى مرحلة فارقة من تاريخ المدينة ما قبل القصر وما بعده.

تضع العتبة مسرح الأحداث وزمانه. قصر لسيد يمتلك عدة من قصور على شاطيء مدينة جدة يمارس السادية وامتهان الكرامة والتشفي بالآخرين من خلال شخص وضيع يدعى طارق فاضل ، أو الراوي ، كل قيمته أنه فحل يستطيع فعل اللواط بالرجال خصوم السيد الذين يأمره بتعذيبهم وتوثيق تعذيبهم بالصور كي يضمن سكوتهم. "في معظم الأوقات أكون داخل القصر آلة عديمة الجدوى حتى إذا جلب السيد ضحيته غدوت المفتاح الضائع الذي يخرج كل من بداخل القصر للبحث عنه". ص8.

تتسم لغة السرد التي تعكس ذهنية الراوي المضطربة والمشوشة تحت واقع العذاب النفسي والصراع الداخلي الذي يمر به بالإفراط في تقديم تحليلات نفسية فلسفية يغلب عليها جو الكآبة والتشاؤم وفلسفة الموت التي لا ترى في الإنسان سوى مستودع للقذارة والشر. ويفاجأنا الراوي بهذه القدرة المذهلة على النظر إلى كل حدث بمنظار تحليلي فلسفي كأنه فيلسوف وجودي، تعززها رغبته المفرطة في تقديم نظرات تأملية للحياة ومصير الإنسان ، رغم أنه لم يتوفر على قدر من التعلم أو الثقافة ، فهو كان مجرد طالب في زمرة أشقياء، نجح بالصدفة وهرب من بيته ودخل القصر وصار جلاد السيد في تعذيب ضحاياه ، ولم يذكر مرة واحدة أن له علاقة بالقراءة والكتب ، أو تفسير ولعه بتحليل الأحداث على هذا النحو التأملي. لم يكن الراوي مقنعا في هذا الجانب ، وخصوصاً أن كل هذا الكم الهائل من التعليقات والتحليلات الفلسفية التي تقحمها الرواية مع كل حدث مهما كان بسيطا على مدى الصفحات جميعها لم تقدم في نهاية المطاف رؤية متكاملة ، بل بقيت انطباعات وتحليلات مجزوءة ، كانها لازمة فنية أقحمها عبده خال لإعطاء الرواية بعداً فلسفياً ونفسياً.

هناك تكرار واضح في الوصف للشيء ذاته بشكل غير مبرر ، ويبدو لي أن الانقطاع في كتابة صفحات الرواية وعدم مراجعة ما كتب كان يؤدي إلى إعادة التعبير نفسه أكثر من مرة. يقول مثلاً في وصف مصابيح القصر: "يزداد بهاء القصر ليلاً حين تسرج مئات المصابيح الكهربائية ، فتثير تحدياً حامياً بين صبيان الحي ليخرجوا متراهنين أيهم أقدر على إحصاء تلك المصابيح ، وغالباً ما يفشل المتراهنون حيث تكون نتيجة العدد متفاوتة" ص 29، في حين نجده يعيد الشيء ذاته في ص 31 "وكما نخرج نهاراً لرؤية سيد القصر ، كنا نخرج ليلاً نتطلع لأنوار القصر المشعة في كل الاتجاهات ، ونتراهن على إحصاء المصابيح المختلفة الألوان والأحجام ، ومع عجزنا عن بلوغ إحصائها تراخى رهاننا".

هناك تداخل وتكرار في السرد بشكل ملفت للنظر ، ما يؤدي إلى الملل ، فالراوي يذكر الأحداث ثم يعود اليها مرة أخرى ويكررها أو يضيف اليها أشياء جديدة غير ذات قيمة ، ولكن القصة الأساس تبقى هي ذاتها. وقد حدث ذلك في عدة مواضع. فمثلاً ، قصة زواج وليد الخنبشي من مرام ذكرت عدة من مرات في أزمان مختلفة. أما التكرار الأكثر وضوحاً فكان قصة مرام منذ أن وجدت نفسها يتيمة في هذه الدنيا ، وما مر بها من أحداث ورجال غيروا مسار حياتها ، وفي المقابل غيرت مسار حياتهم بشكل دراماتيكي كعيسى الرديني.

في الصفحة 109 من الراوية نلحظ أن هناك أنقطاعاً قسريا مفاجئاً في السرد ، وتحويلا لمجراه دون مقدمات للحديث عن والد الراوي ومهنته. تسبر الصفحات التي تسبق ذلك التحول المفاجئ غور الكراهية بين خيرية عمة الراوي وأمه سنية ، وتعرج على اصل عائلة الأم وعائلة الأب ، في محاولة لتهيئة القارئ ليفهم أسباب العداء الراسخ بينهما ، والذي كان طيلة الفترة الماضية من السرد من دون سبب ظاهر يبرر حصوله قبل معرفة التفاصيل. وأعتقد أن السرد لم يكن موفقاً كثيراً عند هذه النقطة من تطور الأحداث حينما أقحم موضوع الأب فجأة.

لم يكن التنويع في لغة السرد من خلال تقنية تعدد الأصوات واضحاً ، بل استمرت اللغة السردية على وتيرة واحدة. كما لم يكن توظيف الأصوات الأخرى باعتقادي ناجحاً ، فتوظيفها تم بشكل ضيق جداً لإنقاذ السرد من أزمة تغطية الحدث من زاوية تاريخية ماضية ، حيث إن هذه الأصوات قليلة وقصيرة للغاية تظهر فجأة لملء الثقوب في السرد. يروي الرواية كلها طارق فاضل ، باستثناء فصلين قصيرين يرويهما أسامة البشري ومرام. يروي أسامة في الأول تفاصيل قتل تهاني ـ الفتاة التي سلبها الراوي عذريتها ـ على يد أبيها ودفنها سراً ، ووفاة أبيها بعد عشرين عاماً وبوحه بالسر وهو على فراش الموت.

تبدو الراوية المتعلقة بقتل تهاني كما يرويها ابن خالتها وكتم خبر مقتلها مفتعلة ، بل إن الصوت نفسه يبدو مقحماً ليسرد علينا القصة الحقيقية لغياب تهاني عن ساحة الأحداث. وتبدو الحكاية التي اخترعها أبوها صالح خيبري عندما أخبر أمها أنه وجد اللص الذي اعتدى عليها وزوّجها له كي لا تنتشر الفضيحة مفتعلة. فهل يعقل أن الأم نسيت ابنتها بكل بساطة مدة عشرين عاماً متزوجة من شخص غريب لا تعرفه ولم ترها خلالها؟ أما الرواية الحقيقية فتبدو غير مقنعة ومفتعلة أكثر. فقد رحل بها أبوها إلى قريته وقتلها في اليوم التالي لوصوله رغم أن في القرية أعمامها وأبناء أعمامها ، وكلهم صدقوا خبر موتها ، بل والأدهى أنهم كلهم سكتوا على خبر موتها عندما أخبرهم أنها تحشرجت بالاكل وماتت وطلب منهم ألا يخبروا أمها المريضة. ولكن هل يعقل أن الأقارب أخفوا خبر موتها عن أمها عشرين عاماً؟ وهل يعقل أنهم لم يتصلوا بصالح خيبري طيلة هذه المدة ، ولم يروا أهل بيته؟

مما يثير الاستغراب هذا الكم الكبير من الأخطاء المعرفية والطباعية والنحوية التي حفلت بها الرواية ، خاصة أنه مطبوع على زاوية غلافها بالأحمر "طبعة جديدة" ، ما يلقي ، باعتقادي ، بظلال الشك على مسألة جدارة الفوز ، كما يثير التساؤل حول طبيعة المعايير التي راعتها اللجنة في اختيار العمل الفائز. وإذا لم يكن لكل هذه الأخطاء الواردة في الرواية أي تأثير على قيمتها الإبداعية والفنية ، فهل يقبل من جائزة لها هذه المكانة ألا تراعي معايير سلامة اللغة وجودة العمل المقدم وخلوه من الأخطاء؟ أعتقد أن جمالية الشكل والأسلوب واللغة الفنية العالية لا تقل أهمية عن المضمون ، بل إن ما يميز الإبداع عن التقرير هو هذه الجماليات والأساليب اللغوية والفنية. وقد أوردت هذه الأخطاء وتغاضيت عن عدد آخر من الأخطاء الاخرى ، كي لا تتحول المقالة إلى مجرد سرد بالأخطاء. واذا كانت الطبعة الأولى الجديدة الصادرة عن دار الجمل فيها كل هذه الأخطاء ، فكيف كان حال الطبعة الأصلية؟

هناك أخطاء في أسماء الشخصيات ، ففي الصفحة رقم 11 يرد اسم عيسى الدريني الذي حمى الراوي من التعرض لتحرش جنسي وهو صغير ، ولكنه حين يذكره مرة أخرى ابتداءً من صفحة 31 عندما هرب من الحارة يصبح عيسى الرديني، ويذكر حارس بوابة القصر أول مرة في ص 33 بإسم حمدان غبيني ، وحينما يورد اسمه بعد ذلك يصبح حمدان الغبيني، وفي الصفحة قبل الأخيرة من الرواية 415 يصبح اسمه حمدان البغيني، أما محمد الركابي ، الذي كان يعذب ضحايا والد السيد وقد شاخ فطرده سيد القصر بطريقة مهينة ، فيرد اسمه عدة من مرات هكذا ، ولكنه في ص 43 يصبح محمد الركيبي.

وهناك أخطاء نحوية مثل "يعظ أصابع الندم" ص 34 ، و"لم يكن يدر (بدلاً من يدور) بخلد بعضهم.." ص ,34 وفي بداية الصفحة 61 يقول الراوي "غدت حكايات وأخبار الأعمال المنهمكين بتسوير الشاطيء..". بدلاً من العمال. وفي ص 116 كتب "يخبىء نجمة في نافذة ما ، ويوقد ضوأها بلوعة العمر الغض" ، بدلاً من ضوءها. كما لا تخلو الرواية من لغة أكلوني البراغيث: "وجلسوا رجالاته لتقديم العزاء لأسرتها" ص ,119 وفي الصفحتين 129 ، 137 نقرأ ما يلي على التوالي" يا أخي استحم وارتدي أفضل ما عندك" ، و"لم تواتيني الجرأة.." بدلاً من وارتدِ، وتواتني على التوالي. وسقطت كلمة حصان من العبارة "خطف لعبة خشبي كانت تلعب بها" ص 142 وفي 147 ص استخدم كلمة سوداوتان لوصف العينين بدلاً من سوداوان. وفي العبارة على لسان خيرية في ص :162 "ما دمتم أنت في الوجود". بدلاً من دمت. وفي ص 165 تجده يقول "يفوق من ارتشاف خمرته" بدلاً من كلمة يفيق.

وفي ص 238 يستخدم خبر إن منصوباً بدلاً من الرفع "فتيقن أن حكمك على الاشياء صائباً حتى اذا هويت". في صفحة 289 أورد خطأ كلمة طالباً في الجملة التالية ، والأصل أن تكون طالبة: "ورفعت سماعة الهاتف طالباً من نادل الفندق إحضار فطور يكفي لشخصين". وفي ص 315 نقرأ "لم يحضره الا القلة القلية" بدلاً من القلة القليلة. ونرى أن فعل الأمر المسبوق بلا الناهية (تخش) لم يجزم بحذف حرف العلة من آخره ، فبقي كما هو "اسمع ، لا تخشى من شيء"، ص 363 ، وفي الجملة نفسها صار الفاعل منصوباً بقدرة قادر "فما دمت تسلك الطرق الآمنة فلن يصلك شيئاً"، وفي ص 391 كُتب الفعل "انهار" في الجملة "فنهار انهياراً يوازي الخسائر" هكذا "فنهار" ص 391، وفي الجملة التي تتحدث عن خروج تسع من نساء القصر "وقد غادرن القصر لكبر سنهما ، وبقيت بعضهن". بدلاً من "لكبر سنهن" ص 409، وفي ص 413 تحولت كلمة متيقن إلى ميقن في الجملة: "أصيب - في آخر أيامه - بحالة قلق مرضية جعلته غير ميقن من أي شيء". وفي ص 414 هناك خطأ في كلمة صحيحة في الجملة: "اتهمت بأنها تدعو لعقيدة غير صحيحية". وفي الصفحة ذاتها نقرأ: "نهى ونهلة أختا تهاني تجاوزا الثلاثين" بدلاً من تجاوزتا، وفي ص 415 كتب انتقل إلى جوار بيت الله الحرام تائباً من مما اقترفته لسانه"، ونلاحظ الخطأ في قوله "من مما" ، وفي قوله أيضاً "اقترفته لسانه" بدلا من "اقترفه".

تقدم الرواية وبخط موازْ من خلال سرد الأحداث معاناة الراوي وقلقه النفسي وعذابه وصراعه الداخلي ، حيث لا يستطيع فكاكاً من هذه الوظيفة خشية انتقام السيد منه ، فيشعر أنه يشارك الضحية عذابها واحتراقها وسقوطها نحو الهاوية. وفي إحدى لحظات صحوة الضمير القليلة التي لم تكن تكتمل ، بل تقف عند مجرد الشكوى من الواقع وقذارته ، والحنين إلى الماضي قبل أن تتلوث أرواحهم بدناءة جو القصر ، يسأل أسامة البشري الراوي: "من يعيدنا للفطرة الأولى؟ ، فيجيبه الراوي: "نحن نتلوث كلما أوغلنا في الحياة ، في كل خطوة نقطعها تتمرغ أرواحنا بدناسة الأرض ، هذه الأرض المعجونة بوحل الرغبات لا تسلمنا لنهاية الطريق إلا كومة زبالة نتنة" ص 119

يظهر مدى الجهد الروائي القائم على توظيف تقنيات السرد الحديث من خلال التنقل بين العوالم الداخلية والخارجية للشخوص والأمكنة ، وتوظيف الرموز ، والمفارقة بين الظاهر والباطن للأشياء ، ودرجة التلامس بين الشخصيات القائم على الصراع والكراهية والاستعباد والاستغلال ، والخضوع المطلق للشر في داخل الإنسان ، والأفكار المثيرة للجدل دينياً واجتماعياً ، وتحدي التابوهات الدينية والسياسية والقفز عن أسوارها العالية ، وتلوينات الحالات النفسية ، ورصد التحولات الاجتماعية المغذية لحركية الرواية ، والتعبير عن الأوهام والخلجات النفسية والتأويلات الفلسفية بلغة تنقل هواجس العالم الجواني للشخصيات.

تعتمد الرواية كثيراً على توظيف تقنية المفارقة ، والتناقض بين الظاهر والباطن. سكان القصر يتمنون الهروب منه لأنه صار الجحيم بالنسبة لهم ، بينما يتمنى سكان الحي دخول القصر. ومن المفارقة أن الناس سموا الحي باسم حي القصر في حين أنه كان يعرف باسم حي الحفرة ، أو جهنم أو النار. وفي لحظة إدراك عالية أن حياته في القصر ليست سوى ضياع وعبث ، يشير الراوي إلى القصر على أنه الجنة التي دخلها من غير روية ، ويتوق الآن إلى النار، أطلق حمدان الغبيني حارس البوابة تسمية الجنة على الجهة الغربية من المدينة حيث القصر ، والنار على شرقها البائس ، ودعا أهلها إلى استخدام هذه التسميات علها تصل المسؤولين فتكون رسالة ذات مغزى. وفي نهاية الرواية يعود حمدان بعد أن صار كبيراً في السن إلى عكس التسميات، دعا إلى تغيير اسم حي الحفرة "جهنم" إلى حي الجنة ، لأن جهنم ترمي بشرر كالقصر - من هنا جاءت تسمية الرواية ، ولكن لم يحفل باقتراحه أحد.

وتظهر المفارقة واضحة في شخصية صاحب القصر أو السيد كما ينادونه. وتجسد ملامح شخصيته مزيجاً من المتناقضات ، فهو صاحب نزوات غريبة. ذو طبيعة انتقامية بوليسية لا تثق في أحد. ملأ القصر والسيارات وبيوت العاملين معه سراً بآلات مراقبة ، مهووس بالنساء والسلطة والتشفي بالآخرين وإيقاع العذاب بخصومه ، سادي غريب الأطوار. كرس حياته للمتعة وكلما نال واحدة بحث عن أخرى. ينظر إلى نفسه على أنه ملاك هبط ليمسح عذابات أهل الأرض ، في حين أنه جعل من القصر قفصاً لعشرات النساء البائسات ممن لم يجدن سوى طريق الجنس للبقاء.

يعد الجنس محوراً مهماً من محاور الرواية. وتنتقد الرواية بلغة غير مسبوقة في الرواية السعودية ممارسات استغلال النساء ، واعتبار الرجولة مسألة تتعلق بالجنس والفحولة. وكل قصص الحب التي تقدمها تنطوي على الجنس الذي يعصف بها ، ويحولها إلى مقابر للروح. ويعتقد الراوي أن الفحولة الجنسية هي سبب تمدد الحي ونموه بسرعة ، فقد صار الرجال يتباهون بها من خلال تعدد الزوجات ، في نقد لمجتمع يقوم على ثقافة الجنس ، والشهوة ، والرغبة التي يغلفها بمسميات مختلفة.

تنطوي الرواية على نقد اجتماعي مكثف للكثير من ممارسات الزواج عندما تصبح المسألة مساومة وابتزازاً وفوزاً لمن يدفع أكثر ، مثل قصة زواج رجل كبير في السن على حافة القبر "أبو مشرط" من فتاة صغيرة اسمها سميرة ، والذي أغرى أهلها بعرض مالي لم يقدروا على رده. وفي سخرية رمزية مريرة ، يفشل أبو مشرط في الوصول إلى اثبات فحولته ، ولكنه ينقل اليها جرثومة مرض الجذام، فتموت سميرة بعد أسبوعين. وهكذا يصبح الزواج المعادل الموضوعي لموتها ملوثة بقذارة الرجل والمجتمع.

تنتقد الرواية جرائم الشرف بجرأة حيث تعتبر أن كل أنواع الفض مقبولة بل وخير عميم إلا ذلك الشيء المقصود. "ولا يسقط الشرف بخرق وافتضاض الوعود ، والمواثيق ، أو بخيانة الامانة ، أو السرقة ، أو الرشوة ، هذا الافتضاض الهائل ، لا ينال حظوة إسقاط الشرف ، كما تفعل طفقة دم تنسل كخيط زهري من فرج فتاة"، ص 125.

وبرغم انغماس الراوي في جو قذر من استغلال المرأة والرجل على السواء ، فإنه يحلل طبيعة هذه العلاقة بشكل جميل ، ويتعاطف مع النساء الضحايا. ولكنها قليلة جدا هي النماذج التي حافظ على نظرة إنسانية تجاهها. تنم نظرته عن احتقار للمرأة من خلال نماذجها المختلفة التي سقطت في مخططات القصر. بل إن موقفه من غيرهن مثل عمته خيرية ، وحتى أمه لم يكن بأفضل من نساء القصر. "وهل فعلا اقتصيت لأمي ، أم اقتصيت من النساء مجتمعات في صورة عمتي بتقطيع أجزاء منها ، أو في تهاني بهتك عذريتها ، أو أمي بنسيانها ، أو بإتيان الرجال كاكتفاء وعدم الحاجة للمرأة؟" ص 237.

تحكي الرواية قصة نشوء مدينة جدة من أحياء صغيرة مكتظة فقيرة في الأربعينيات والخمسينيات إلى ما صارت عليه الآن ، والاستيلاء على الشاطىء من المتنفذين أمثال صاحب القصر ، وشعور قطاع كبير من الناس بالتهميش ، كالصيادين الذي فقدوا بحرهم الذي كانوا يصطادون فيه. يسأل الصياد حامد أبو جلمبو: "متى سيسرقون آخر موجة من البحر؟" ص 51، حاول حامد الاعتراض على الالات التي كانت تردم شاطيء البحر لتقيم عليها المباني الإسمنتية وخاصة حينما أرادت أن تردم مرسى قاربه الصغير ، فأصيب ووقع ميتاً ولم يثر موته انتباه أحد.

للقصر قيمة رمزية وعلامة فاصلة في تاريخ المدينة ، فيقولون عن أية حادثة حدثت قبل بناء القصر ، أو بعده. "في حارة الحفرة تاريخ سري تواطأ الجميع على كتابته" ص 139، توظف الرواية الرمز في حركات البحر والنسيم والهواء لتشير إلى تأثير القصر الطاغي على مستقبل المدينة ، فهو يمنع بواجهته الكبيرة وصول نسيم البحر إلى الأحياء ، فيشعر السكان بالضيق. فكأنما لا يستعبد القصر الناس في داخله وحسب ، بل يستعبد المدينة بكاملها ، في إشارة إلى عبودية الإنسان والمكان.

* نشرت في الملحق الثقافي في جريدة الدستور ليوم الجمعة الموافق 4/6/2010

رابط المقالة بموقع الجريدة

رابط الصفحة الكاملة pdf





هناك 3 تعليقات:

  1. نتائج الدورة الثالثة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) للعام 2010، دليل قاطع على سوء التقدير، فأنا قرأت الرواية وصدمني فوزها فهي لا ترقى لمستوى الفوز بالجائزة مع إحترامي وتقديري للروائي عبده الخال، فبعد أن قرأت المقالة التي كتبها الناقد إياد ع.نصار في جريدة الدستور يوم 04-06-2010 وشعرت بالحيرة التي أصابت الناقد إياد نصار، ما هي المعايير والأسباب التي بنت اللجنة أحكامها لتفوز رواية "ترمي بشرر" لعبده خال.

    عندما تتعمق بالقراءة ستجد أن ما ذكره إياد نصار من وجود كم هائل من الأخطاء هو فاضح وغير مقبول من قبل عبده خال، كان يجب على الكاتب الأخذ بعين الأعتبار من وجهة نظري الخاصة هذه الأخطاء ويراجعها قبل أن ينشر الرواية ويدخل بها للمسابقة، فوزه لا يغفر له الكم الهائل من الأخطاء التي وقع بها.

    مقالة إياد نصار هي شاهد عيان وبالدليل على أن هذه الرواية وفوزها بالجائزة مشكوك به، لقد أوضح الناقد إياد نصار عدد لا يستهان به من الصفحات والكلمات والأخطاء النحوية التي وثقها برقم الصفحة، وهذا دليل واضح على الجهد المبذول والمصداقية في عرض الجوانب السلبية والإيجابية في الرواية. لقد كان إياد نصار في نقده منصفاً بعيداً عن المجاملات أو الإجحاف بحق عبده خال.

    الكاتب لم يكن دقيقاً في وصفه في كثير من الأحيان فهو يجعلك تشعر بأنك تفقد التسلسل والترابط في متابعة مجريات الرواية وهذا حدث معي كثيراً. حتى أنني في كثير من الأحيان كنت لا أعرف هل الصفحات مرتبة بالشكل الصحيح أم أنني فقدت تسلسل الأحداث. ذكر إياد نصار أن هناك تكرار في الوصف، وعندما قرأت الرواية وجدت أن ما قاله واضح، وهذا يعني أن الكاتب كان يكتب دون أن يراجع ما كتبه فقط للدخول في المسابقه والحصول على الجائزة. وهذا خطأ يقع به عدد غير قليل من الروائيين الذين يتلهفون للدخول في مسابقات للفوز على حساب جودة الرواية.

    التعليق له تتمه

    ردحذف
  2. الرواية بصدق وبعد قرائتها بتمعن وروية لم تجعلني أشعر بالرغبة في الأستمرار أو المتابعة، وشعرت بأنني أضيع وقتي سدى في قرائتها، ولكنني أجبرت نفسي على المتابعة حتى أتبين الفكر الذي أنطلق منه الناقد إياد نصار.

    الرواية تقع في 416 صفحة فإذا أزلنا منها التكرار وأصلحنا من الأخطاء اللغوية والنحوية أعتقد بأن صفحات الرواية ستقل إلى النصف وهذا لن يؤدي إلى فقد المضمون الأساسي والبنية السردية لن تكون إلا بشكل أعتقد جذاب ،ويمكن لو راجع عبده الخال الرواية لوجدها تعاني الكثير ولكنه آثر العُجالة في سردها على جودتها، وضرب بعرض الحائط كل ما قد يقال عنها.

    عندما بدأت قراءة مقالة إياد نصار جذبتني كثيراً وجعلتني أشتري الرواية فنقده لها أسرني ووجدت نفسي أتعلم في مدرسته النقدية، أسلوبه في عرض الحقائق يجعلك تقف إحتراماً لفكره، فهو لم يظلم عبده خال وبنفس الوقت لم يكن معه، وما جعلني أستفيق من أستغراقي وتمعني لقراءة مقالته عندما شرعت في قراءة الجزء الخاص بالأخطاء النحوية، لا أخفي أنني شعرت بموجه من الضحك خصوصاً عندما أشار إلى ص 363 (وفي الجملة نفسها صار الفاعل منصوباً بقدرة قادر "فما دمت تسلك الطرق الآمنة فلن يصلك شيئاً")، في لحظتها شعرت بمدى معاناة إياد نصار وهو يقرأ الرواية، ومعاناته في سرد هذا الكم الغير متناهي من الأخطاء النحوية.

    لقد أشار إياد نصار على أعتماد الرواية كثيراً على توظيف تقنية المفارقة بين الظاهر والباطن، وهنا أؤيده، فمن خلال متابعتي لأحداث الرواية وجدت التناقضات واضحة، والمشاعر غير المتوازنة، وكأنك في آلة الزمن تنتقل من حدث إلى آخر وبعد ذلك تعيد التاريخ لتعود لأحداث أخرى، وكأنها مشاهد متقطعة جمعت بغير هدى لتتشكل في النهاية "ترمي بشرر" لقد أسقط الكاتب أفكاره بطريقة نزقة فكأنها ترمي القارئ بشرر.

    التعليق له تتمة

    ردحذف
  3. ويداخل القارئ أن هذه الرواية كأنها تتحدث عن عبده خال شخصياً أي تتحدث عن أحداث حياته المتناقضة وكأنه عندما كان يكتب كان يستحضر الماضي بقذارته ودعارته وسفهه بشخصيات كان طوال الوقت يضلل القارئ حتى لا يركز فكره حولها، وهذا لاحظته في كثير من المواقع التي أثارت شكي ومخاوفي، فقدرته على تشكيل قصة كهذه وسرد تفاصيل جداً دقيقة والخوض في نفسية البطل كلها إشارات تدل على عبده الخال شخصياً.

    أما بالنسبة إلى الجنس الذي كان محور الرواية والذي ذكره إياد نصار، أنا أعتقد أنه يعبر عن واقع حياة تعيشها السعودية وليس مجرد كلمات في رواية، لقد حاول عبده خال أن ينقل الواقع الحقيقي وما يحدث خلف أسوار القصور العديدة، وأشار إلى القصر وهذا رمز الثراء في كل العصور الماضية والحاضرة وما ذكره من دعارة مستباحة واستبداد وظلم للمرأة وستباحة الرجل للرجل وكل الموبقات بجميع أشكالها ما هي إلا صور تتكرر.

    ما فعله عبده خال هو أن نقل الواقع قد يكون جريئاً في طرحه ولكنه لم يكون متجدداً في أحداث الرواية، بالنسبة لي أجداها عادية جداً ولكن أسلوب طرحها هو الجديد.

    لقد أوضح إياد نصار عندما أشار إلى جرائم الشرف وكيف عبر عنها عبده خال في ص 125 إلى أنها تنتقدها بجرأة، بنسبة لي إن ما ذكره عبده خال عن جرائم الشرف قد يكون جريئاً نوعاً ما بالنسبة لروائي من السعودية، ولكن جرائم الشرف حقيقة تغفل عنها أقلام الروائيون خوفاً من مصادرة كتبهم وعدم نشرها، بالنسبة لي أنا أشكر عبده خال على نشر ثقافة البغي التي تنتشر في قصور الأغنياء الذين يتخفون بعباءة لا تمت لهم بصله.

    التعليق منشور على الحوار المتمدن على العنوان التالي:-

    http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=218273

    ردحذف