الجمعة، أبريل 1

حوار اياد نصار في جريدة الدستور

في حوار مع جريدة الدستور الأردنية بتاريخ 1/4/2011

 
اياد نصار: الادب العربي بدأ يحقق حضوراً لافتاً في الدوائر الأكاديمية في الغرب

القرن الحادي والعشرون سيكون قرن الحداثة للعالم العربي

حاوره عمر ابو الهيجاء

يرى القاص والناقد إياد نصّار أن الأدب ينبغي أن يكون مرآة النفس، ويعبر عن حالاتها أمام القوى العاتية، ويذهب إلى القول بأن القصة القصيرة في حالة تراجع على مستوى العالم ككل أمام زحف الرواية. «الدستور» التقت القاص نصّار بمناسبة صدور مجموعته القصصية الثانية، «قليل من الحظ»، التي تأتي بعد مجموعته الأولى، «أشياء في الذاكرة»، وحاورته حولها، وحول قضايا القصّ والترجمة والنقد، فكان هذا اللقاء.

• وصف الناقد د. محمد عبيدالله مجموعتك القصصية الجديدة بأنها تدخل في توصيف القصة النفسية أو السيكولوجية، كيف تلملم أطراف قصتك ضمن هذه الرؤية؟

- القصة أكثر من اقتناص لحظة داهشة لحدث يحمل دلالات مكثفة ومعاني رمزية، في سياق البحث عن متعة التكوين الإبداعي أمام تحديات جماليات البناء الفني، ومهارات التشكيل، ولعبة اللغة المعاندة، وضبابية الرؤية، وهي في طور البحث عن جوهر التجربة الإنسانية. ينبغي أن تدخل القصة عالم النفس الداخلي وتستشف ما يدور فيه من هواجس مختلطة من إحباطات الإنسان وانكساراته وأحلامه وتطلعاته وهمومه. فالصراع الحقيقي للأحداث والأفكار يجري في العالم الباطني قبل أن يتجسد في الواقع، ويرسم ملامح اختيارات الإنسان ومصيره. وإذا كان القرن العشرون قد شهد بروز تيارات الشك والتمرد ورفض الثابت والثورة على التقليد وتوسيع حدود التعبير إلى اللامعقول والعبثي والفوضوي والسوريالي والغرائبي، فإن ذلك كان انعكاسا للصراعات النفسية التي مر بها الإنسان الغربي، ويبدو لي أن القرن الحادي والعشرين سيكون قرن الحداثة للعالم العربي، فقد تعمقت فيه المشكلات على كل الأصعدة، وتنذر بواكيره بصراعات محتدمة وتغييرات هائلة في المنطقة، وسيعاني فيه الإنسان العربي ـ على نحو حاد وخطير ـ القلق والخوف والشك وغياب اليقين وعجز الفكر الميتافيزيقي، ويصبح فريسة الخوف من المجهول. ينبغي أن يكون الأدب مرآة النفس في حالاتها المختلفة، ويعبر عن معاناتها أمام هذه القوى العاتية. ولهذا أسعى لوضع القارئ في هذه الأجواء، وأعمّق إحساسه بالجانب السيكولوجي للأزمات، فكل قصة تطرح أزمة من أزمات الإنسان المعاصر.

• إلى أي مدى تتدخل أدواتك النقدية في صوغ قصصك القصيرة، أي هل يتصدى الناقد فيك للقاص في لحظة تجلياته؟

- عندما أكتب القصة فإن القاص والناقد في حالة حوار دائم حول النص وأساليبه ومضامينه، وتصل حد التنازع والرفض، لكني أعترف أن الناقد يغلب في النهاية. أتعامل مع نصي كما أتعامل مع نصوص الآخرين، بل أقسو عليه أكثر. وفي أحيان كثيرة أتعمد أن أهجر النص عدة من أيام كي ينسلخ القاص عنه، ويتحرر من تأثيراته النفسية التي يجعله يتمسك به، حينها يشعر الناقد في داخلي بحرية أكبر في التصرف. غير أن كتابة القصة عملية لا تنتهي بوضع الكلمة الأخيرة، بل تبدأ كتابة القصة الحقيقية، أحيانا كثيرة، بعد نقطة النهاية، وأحيانا يعز علي التخلص من هذه الزوائد والإضافات، وخاصة إذا كانت مقاطع كبيرة. وأذكر أنني صنعت، مرة، قصة مترابطة من كولاج مقاطع محذوفة من قصص أخرى، فكانت قصة بديعة ونشرت في إحدى الصحف، وأعجب كثيرون بها. النقد يفتح لي آفاق أوسع في التجريب، ويحررني من القوالب الكلاسيكية أو الكتابات الفوضوية سواء بسواء. ولقد لمست أن انغماسي في النقد قد سرّع من نضوج التجربة وتطوير لغتي القصصية وبنائها الفني. تأثرت بأساليب القصة الغربية أكثر من القصة العربية، وعلى عكس الانطباع السائد، فإن القصة الغربية منضبطة أكثر تجاه اللغة والقالب القصصي. بعض مما يصنّف تحت باب القصة في الكتابات العربية، وخاصة الأردنية الحديثة، هو شغب سردي أو تهويمات حرة أو كتابات متشظية بلا هوية، وهي في مكانة حائرة بين قصيدة النثر والقصة.

• بوصفك ناقدا، هل لنا أن نقول معك إن هناك ملامح واضحة لقصة قصيرة في الأردن، بمعنى هل نجحت القصة في تقديم إجاباتها المقنعة ضمن المشهد الثقافي الأردني؟

- تطورت القصة القصيرة في الأردن منذ وقت مبكر، وبرزت أقلام رائدة تكتب من واقع حياة الناس، وكانت كتاباتها متقدمة شكلاً ومضموناً. لكن القصة القصيرة في حالة تراجع على مستوى العالم ككل أمام زحف الرواية. وأظن أننا ـ في الأردن ـ نمر بفترة شبيهة، فقد تحول كثير من كتاب القصة المعروفين إلى الرواية، ورغم أنهم ما زالوا يكتبون القصة بأقلامهم بين حين وآخر، لكن قلوبهم مع الرواية. ورغم أن الرواية أكثر انتشاراً من حيث اهتمام الصحافة والجوائز وأرقام البيع، لكني أزعم أنها لا تعكس زيادة حقيقية في القراءة، وأعتقد أن القصة ما تزال أكثر مقروئية من الرواية لدى القارئ العادي في بلادنا. وأخشى أن أكثر من يقرؤون الرواية، هذه الأيام، هم الكتاب والنقاد أنفسهم. القصة القصيرة فن جميل وله إمكانيات للبقاء والتطور، وأؤمن أنه لن يفنى مهما تعرض لحصار من جانب فنون أخرى. طالبت، في أكثر من مناسبة، بإقامة نادي القصة القصيرة الأردنية، وأن يكون له مقر خاص به، وهيئة إدارية ترعى شؤونه، وتفتح العضوية فيه لكتاب القصة كافة: القدامى والجدد. وأعتقد أن الصديقين: عدي مدانات، ويوسف ضمرة من أشد المؤمنين بهذه الفكرة، لكن عدم توفر المكان والإمكانيات المادية يحول دون إقامة النادي الذي أعتقد أنه سيسهم في ازدهار القصة الأردنية.

• في ظل ثورة المعلوماتية، ما الذي يمكن أن يستفيد منه المبدع من خلال زخم الترجمات لأشكال مختلفة من الأدب العالمي؟ هل الترجمة ضرورة لتنمية الإبداع؟

- إن تطور الكتابات السردية العربية الحديثة وخاصة في العقدين الأخيرين يعود ـ في جانب كبير منه ـ إلى اهتمام الكتاب العرب بالاطلاع على تجارب إبداعية أخرى من العالم، من مثل: الآداب الغربية، وآداب أميركا اللاتينية، وأفريقيا، ما ساهم في ابتعادهم عن الأشكال التقليدية للروايات الاجتماعية والسياسية. ويتيح الاطلاع على الترجمات المجال للكاتب ليطور أساليبه ومهاراته السردية، ويفتح عينيه على أشكال ثورية جديدة للتجريب والتطوير، كما يفتح المجال أمامه لمعاينة أهمية الترجمة في تعريف القراء والنقاد به في دول العالم الأخرى. هناك إدراك واسع بأهمية الترجمة، وبدأ الأدب العربي يحقق حضوراً لافتاً في الدوائر الأكاديمية في الغرب، لكن ينبغي أن نقر بأن الاطلاع على الترجمات والتقنيات المعلوماتية تسهم إلى حد كبير في تنمية أساليب الإبداع، ولكن قد لا تعني بالضرورة تحقيق ازدهار أو طفرة في الفن السردي. الهنود من أكثر الشعوب اطلاعاً على الترجمات، ويقرؤون كثيراً، بحكم انتشار الإنجليزية في بلادهم، الآداب المكتوبة بالإنجليزية، لكن الإبداع الهندي غائب عن الساحة العالمية، في حين أن الأدب الأفريقي وأدب أميركا اللاتينية أكثر ازدهارا، رغم قلة الاطلاع على الترجمات مقارنة بالهند.

رابط الحوار بصحيفة الدستور

رابط الصفحة الكاملة (انتظر ريثما يتم تحميل الصفحة)



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق