في مشاركة في المجلة العربية حول موضوع الادب البوليسي
النقد الغربي لم يحتفِ بالأدب البوليسي
يقول القاص والناقد إياد نصار: إن الرواية البوليسية هي ذلك النوع من الروايات الذي يعنى بتقديم عالم الشر المرتبط بالنوازع الإجرامية لدى الإنسان من خلال توظيف الأسرار الغامضة الخفية لعالم الجريمة والتحقيقات الجنائية التي ترافقها، وتقديمها في بنية سردية مع ما يكتنفها من تشويق وإثارة من خلال الكشف عنها تدريجياً، بما يحفز رغبة القارئ في إشباع رغبته لمعرفة كنه هذا الجانب. مضيفاً: إن الرواية البوليسية تتسم بالتركيز على صوغ حبكة تمتاز بالتعقيد والتشابك والميل إلى الفعل أكثر من التأملات النفسية والفلسفية لعالم الإنسان الجواني، وتعتمد على قوة الحدث واستمراريته على نحو يخلق الإحساس بحركية الرواية والانتقال عبر المكان والزمان بما يضمن شد انتباه القارئ للمتابعة.
ويرى نصار أن الأدب البوليسي رغم ازدهاره عالمياً من حيث الانتشار والتوزيع الهائلين، ووجود الجوائز التي تكرم كاتبيه، والصحف التي تعرض لمثل هذا النوع من الكتابات، إلا أن الأدب البوليسي، وأقصد هنا القصة والرواية، لم يحظ بمكانة كبيرة في الأدب الغربي نفسه، فيما يتعلق بالدراسات النقدية.
ويؤكد أن: الأدب البوليسي أو أدب الجريمة بشكل عام، سواء في الأردن، أو الأقطار العربية، لم يحظ بمكانة أو انتشار أو حتى اهتمام نقدي إلا فيما ندر، وهناك عدة أسباب موضوعية لذلك، حيث يستلزم الأدب البوليسي وجود مجتمع مدني متطور، يمتاز بتعقيد الحياة المدنية، وتعدد العلاقات الاجتماعية والمهنية والعاطفية والإنسانية، وتضارب المصالح، والصراعات حول المادة والمكانة التي تنشأ عنها بالضرورة مشكلات وجرائم ذات دوافع مختلفة. أما المجتمع العربي فحتى وقت قريب كان يمتاز بأنه مجتمع ريفي قروي أو بدوي في أغلبه، وأما المدن فكانت تمتاز بصغرها، وقلة عدد سكانها، الذين تجمعهم روابط اجتماعية أو عائلية قوية.
ويتابع صاحب المجموعة القصصية (قليل من الحظ): من ناحية أخرى فإن هذا النوع من الأدب يعتمد على فكرة انتشار الجريمة حتى تصبح مظهراً مألوفاً من مظاهر حياة المجتمعات المعاصرة، ورغم انتشار الجريمة كثيراً هذه الأيام، وارتفاع وتيرتها في مجتمعاتنا، إلا أنها ظاهرة حديثة لم تتعمق بهذه المعدلات العالية إلا في أواخر الثمانينات من القرن الماضي مع الأزمة الاقتصادية الحادة، التي عصفت بالأردن عقب انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، وهبوط الدينار بشكل حاد، وانتشار الفقر والفساد وبروز الفوارق الطبقية الحادة بين أغلبية فقيرة وأقلية ثرية، وتدهور الطبقة الوسطى.
وفيما يتعلق بتصنيفات الأدب البوليسي يقول: إن هنالك مشكلة في التصنيف قائمة وموجودة في الأدب الغربي قبل أن تكون مشكلة نقدية لدينا. يعد بعض النقاد الأدب البوليسي جزءاً من أدب الجريمة بمفهومه الواسع، وتندرج تحته روايات التحري والشرطة السرية والمباحث، وهناك روايات مستمدة من أروقة المحاكم وملفات القضايا ذات الطبيعة الإنسانية المأساوية التي تستدر عاطفة الإنسان واستغرابه وحزنه وذلك إما لوحشية المأساة التي تجعل من قلب الإنسان أقسى من أكثر الحيوانات المتوحشة افتراساً، وإما لفداحة الظلم والإجحاف الذي لحق ببعض الناس الى حد يكاد العقل لا يتصور أنه يمكن أن يقع. مشيراً إلى أن هناك روايات النزاعات القانونية وصراعات المحامين والمدعين وما يترتب عليها من معارك قانونية ضارية ومضنية من مواجهة النصوص القانونية والذرائع والقوانين والتشريعات التي قد تحيل حياة الإنسان إلى جحيم إذا دخل دهاليزها المظلمة. غير أن هناك من يرى الأدب البوليسي جزءاً من أدب الغموض والإثارة عامة، الذي يشمل أيضاً روايات التجسس والمؤامرات السياسية والنشاطات العسكرية السرية.
* نشرت في المجلة العربية عدد شهر نيسان / أبريل 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق