في تقرير لجريدة الغد الأردنية حول الجوائز الأدبية
اياد نصار: صارت الجوائز ساحة للسجال النقدي واثبات الحضور
أعد التقرير - القاص والروائي جمال القيسي
الجوائز التي تقدمها الجهات الرسمية والأهلية للأدباء، هي مؤشر -بصورة أو اخرى- إلى أن العمل موضوع الجائزة متميز ويستحق التكريم، بغض النظر عن الجهة التي قدمت هذه الجائزة ولو كانت من شخص بعينه كما في بعض الجوائز.
من الجميل والمثالي أن نعتبر أنه لا يمكن تصور أن يقوم مبدع بكتابة رواية او مجموعة قصصية او ديوان شعر، وعين ابداعه على جائزة هنا او هناك مهما رفعت؛ إذ ان الإبداع حالة من العطاء اللامحدود التي لا تنتظر جزاء سوى الأثر الجمالي والتوعوي الذي تحمله بين ثناياها.
لكن ثمة من ينظر إلى الأمر على انه استحقاق للمبدع حيث "الإبداع يستحق التقدير، ان كان على هيئة جوائز مادية ومعنوية، أو على شكل توفير حد من الراحة على المستوى النفسي والمادي للمبدع، حتى يستطيع أن يتعاطى مع المادة الإبداعية التي ينجزها، فيعطيها حقها من خلاصة عطائه وإبداعه، بدون أن يقع تحت مطرقة الحاجة والضائقة".
القاص والمسرحي الزميل مفلح العدوان يقول "تأتي الجوائز هنا كأنها شهادة على ما ننجزه كمبدعين من إبداع، تعطينا فترة للراحة، نأخذ نفسا بهذا الدعم المعنوي، لنقدم أكثر، ونعطي بشكل مختلف، وفيها تحميل للمسؤولية أكثر، في أنه بالضرورة ان يكون ما ينجز بعد الجائز يشكل اضافة نوعية ومختلفة على ما أنجز قبل الجائزة".
ويضيف وهو الحاصل على جوائز عالمية وعربية ومحلية "للجوائز محفز للعطاء في أكثر من مجال ومن سياق وهي بالإضافة إلى ذلك تجعل الفائز بالجائزة ذات البعد الإنساني متمسكا ومدافعا عن القيم التي تعزز الابداع والحرية والحوار والتسامح".
ويشير إلى أن هناك كتابا كبارا رفضوا بعض الجوائز لتعارضها مع مبادئهم، أو لأنها تحمل تسميات وعناوين مسيئة، أو لأن ظرف إعطائهم للجائزة غامض مختلف عليه" معتبرا أن فلسفة للجوائز لا بد من التوقف كثيرا عندها، بكل جوانبها، وليس فقط عند القيمة المادية، أو البعد التنافسي لها".
ويلفت إلى أنه في المحصلة فإن "الجوائز تأخذ قيمتها من المبدعين أنفسهم، فهم من يضفون عليها قيمتها، وإلا فإنها بدون حضورهم، وتفاعلهم معها، تكون فارغة المحتوى، استهلاكية، وإذا تكرر إعطاؤها إلى أشباه مبدعين، أو بالترضية، فإنها بعد فترة تفقد معناها، وتبدأ بالتلاشي شيئا فشيئا، حتى وإن كانت قيمتها المادية عالية، أو الجهة المانحة لها تملك قوة سياسية أو اقتصادية بشكل ما".
ويختم منوها الى أنه "في المقابل هناك جوائز لا تشكل قيمتها المادية رقما يذكر، والمؤسسات الراعية لها، لا تملك إلا الصفة الإبداعية الإنسانية، ولكنها تحقق حضورا، وتنافسا حقيقيا بين المبدعين الحقيقيين، والفوز بها يعد شهادة ونيشانا إبداعيا يحتفى به".
فيما يعتبر القاص والناقد إياد نصار أنه "عندما تراعي الجائزة معايير شفافة وواضحة، وتستند إلى آراء نقاد معروفين بالصرامة والنزاهة، وليس على سمعة المبدع، أو علاقاتهم به، وتضع قواعد خالية من الأغراض المسبقة واعتبارات الترضيات ومكافآت نهاية الخدمة، عندئذ يقدم المبدع المستحق للجائزة الكثير من المصداقية والمكانة للجائزة".
ويلفت الى أنه غير "أنه ينبغي القبول بحقيقة ثابتة وهي أنه لا توجد جائزة في العالم ترضي كافة المتنافسين من المبدعين أو حتى من المتابعين والقراء" حيث اختلاف الآراء والأذواق وقلة الاطلاع على أعمال الآخرين والتعصب الجغرافي، والرغبة في تملق الكاتب تلعب دوما البواعث الأساس على الطعن بصحة قرارات جائزة إبداعية ما.
ويشير الى أن بعضا من الكتاب والنقاد يعشقون أن يجعلوا أية جائزة ساحة للسجال وإثبات الحضور وإظهار مدى تفوقهم على المكلفين بمنح الجوائز، موضحا "لذلك ترى بعضا منهم صامتين طيلة العام أمام كل الأحداث الثقافية، ولا تنفتح شهيتهم للكتابة إلا عند نقد الجوائز".
ويضيف أنه في المقابل، فإن "تقصير الجوائز وخاصة العربية منها التي تشوبها ارتجالية واعتبارات شخصية ومصلحية ومنافع تبادلية يعطي الفرصة للأقلام لإثارة القضايا حولها، وهذا وجه صحي وديمقراطي، وإلا لشهدت الجوائز فسادا أكثر بكثير مما هو ظاهر".
ويفرق نصار بأنه ينبغي الفصل بين "الرغبة في إثارة القضايا تجاه مظاهر فساد معينة، وبين الجرأة في الاعتراف بأحقية الفائزين" مبينا أنه "قلما نشاهد أو نسمع من يثني على قرارات منح الجوائز، بل صارت الرغبة في سلب الجدارة من الفائزين في معظم الأحايين أكثر بكثير من الرغبة في تكريم المستحقين".
ويعتقد بأن "إثارة القضايا حول الجوائز لا تضعف من مكانتها بل دليل صحي على أهميتها"، حيث أن "الجوائز العالمية تتعرض للهجوم والنقد والرفض حتى من الفائزين بها، وبعض الجوائز شهدت فضائح مشينة عبر تاريخها مثل غونكور الفرنسية وبوليتزر الأميركية.
ولا يرى في كثرة الجوائز ضيرا "بل يثير شهية الإعلام ويسهم في لفت انتباه الجمهور إلى الإبداع" رائيا بأن أية جائزة إبداعية لا تنجح عبر تاريخها وخاصة ذات التاريخ العريق أو الطويل في اكتشاف مواهب إبداعية جديدة، هي مثار ظن سيئ بها وبمعاييرها لأنها تبحث عن الأسماء المعروفة وليست المستحقة لإثبات قيمتها ومكانتها"
ويرى أن الجائزة "تكريم واعتراف بدور الإبداع في الحياة، وتكرس من مكانته ضمن المشهد الثقافي، وهي مؤشر في غاية الأهمية على مسايرة تطور اتجاهات الأدب وتعزيز التحولات؛ فالأعمال الفائزة من غير الأنماط التقليدية السائدة تعكس تحولات الإبداع واتجاهاته التي تحظى بتقدير النقاد والمحكمين".
ويستغرب أنه "لا يوجد لدينا في الأردن - رغم الحركة الإبداعية النشطة-جوائز بما يكفي لتكريم الأعمال الأولى للمبدعين كجائزة الرواية الأولى، وجائزة الديوان الشعري الأول، وجائزة المجموعة القصصية الأولى، وجائزة العمل الأول في مختلف المجالات، وغيرها من التصنيفات التي يمكن التفكير فيها كأساس لمنح الجائزة".
فيما يعتبر القاص والمسرحي الدكتور هشام البستاني أن الجوائز الأدبية "موضوع غارق في الإشكاليات. فمن جهة، تتدخّل في بعضها (وخصوصاً المحليّة منها) العوامل الشخصية والشللية التي تميّز المشهد الثقافي بشكل عام. وكثيراً ما تطغى حسابات الشخصنة والصداقة على معطيات التميّز الإبداعي.
ويتابع "من جهة ثانية، غالباً ما تبتعد الجوائز عن الأدب الإشكالي أو الطليعي؛ فلا أحد يعطي الجوائز لكتابة تقترب من أو تفكك أو تنتقد تابوهات الجنس والدين والسياسة، فمثل هذه المواضيع تُحرج مقدّمي الجوائز الذين غالباً ما يخضعون صراحة أو ضمناً لمعايير ما يسمى بـ"الأخلاق العامة" و"الذوق العام"
ويعتبر أنهم كذلك "يخضعون غالباً لتيّارات الأدب السائدة في حينه فتُهمل الكتابات التجريبية والطليعية لأنها أيضاً مثيرة للجدل ولكن على الصعيد الفنّي والتقني"
ويلفت الى أن عدداً كبيراً من الجوائز يقدّم من قبل هيئات أو شخصيّات محافظة في الخليج، وبعضها يضع ضمن معايير الجائزة نفسها بنوداً تشترط في المادة المقدّمة أن تلتزم بالآداب العامة، وفي هذا تطبيق عميق وخطير للرقابة لأنها تنقل الرقيب إلى عقل المبدع نفسه فيصير هو الرقيب على نفسه وكتابته بدافع انتهازيّ هو محاولته الحصول على جائزة.
ويشير الى أن العديد من الجوائز تتبع لوزارات الثقافة أو هيئات رسمية أخرى في البلدان العربية، "ومعروف أن السلطة السياسية في بلادنا العربية تمارس رقابة تختلف فداحتها من حالة إلى أخرى، لكنها موجودة في جميع الحالات، وغالباً ما يتم غض النظر عن أدباء معارضين، أو إهمالهم، أو حتى محاربتهم، مما يضع المزيد من التساؤلات أمام هذه الجوائز".
ويذكّر بأن كل جائزة تُعطى تثير الكثير من النقاشات والإشكالات حول أحقية الفائز بها، "وهذا يدلل على أن الجوائز لا بدّ تعبّر عن "اتجاهات" ما لدى مقدّمها، وقد لا تتحقق فيها الحيادية والموضوعية، وقد لا تتحقق فيها شرط الحريّة اللازمة لأي فعل إبداعي".
ويستثني جائزة "البوكر العربية" للرواية مما تقدّم عن الرقابة، "فبالنظر إلى القوائم القصيرة لهذه الجائزة، نجد العديد من الروايات "الجريئة" التي أُخذت بعين الاعتبار، لكن "البوكر" تؤشر إلى إشكالية أخرى في موضوع الجوائز وهي التركيز على نوع أدبي معيّن تفضّله صناعة النشر (هو هنا الرواية) على حساب الأنواع الأدبية الأخرى (القصة والشعر) التي لا تحبها تلك الصناعة".
ويعتقد أن الجوائز ستكون جيّدة لو تحققت فيها الحرية وانعدام الرقابة، والموضوعية وانعدام المحاباة الشخصية، والشمولية(بمعنى شمولها لكل الاجناس الأدبية بدون تمييز) وهو غير متحقق في الجوائز الأدبية العربية، ولهذا ستظل الجوائز (باستثناءات قليلة) حالة شللية كرنفالية تسويقية بعيدة إلى حد كبير عن التجديد الأدبي والتميّز الإبداعي".
رابط الموضوع بجريدة الغد الأردنية
لكم منى اجمل تحيه
ردحذفشكراا على المدونة الممتازة والموقع الرائع المتميز .. بالتوفيق ان شاء الله