الجمعة، مارس 25

قراءة في قصيدة الجمر

نصار: عبارة أبو صبيح الشعرية تنساب لتنسج حكاية في موضوعها العام





أمسية ناقشت "قصيدة الجمر" في رابطة الكتاب الأردنيين

عمان - قال القاص والناقد إياد نصار إن مسيرة الشاعر جميل أبو صبيح مع الشعر طويلة وغنية "عبر ما يزيد عن 30 عاما قدّم خلالها 9 دواوين رافقها عدد من الدراسات والتأملات النقدية حول منجزه الإبداعي محليا وعربيا في الصحف والمجلات الثقافية".

واستعرض في الأمسية التي نظمتها رابطة الكتاب الأردنيين أول من أمس، بدايات أبو صبيح التي كانت مع ديوان "الخيل" العام 1980، ثم "البحر" العام 1983، ثم الديوانان الثالث والرابع "تماثلات" و"الهجرات" في العامين 1986 و1989 وفي السنة التالية صدر كتابُه "الأمطار" وفي العام 1999 صدر ديوانُه "أشجار النار". وفي العام 2004 صدر ديوانُه التاسع المسمى "قصيدةُ الجمر" ضمن اصدارات وزارة الثقافة".

وأضاف أنَّ الشاعر "على خلاف عناوين دواوينه التي تتكونُ من كلمة أو كلمتين، فإن عبارتَه الشعرية تنسابُ لتنسج حكاية أو سرداً في موضوعها العام، وتترددُ موسيقى بايقاعها.

وسلط الضوء على ديوان "قصيدة الجمر " الذي رآه "ينطوي على بناء فني ذي جماليات لغوية وشعرية تنم عن رؤية متأنية واعية أشبه ما تكونُ بعمل النحات المتأمل الصبور الذي يرى عالمَه متجسداً في وعيه قبل أن ينحتَه في الحجر، وهو بناء يقوم على التوظيف المكثف للصورة الشعرية وايقاعاتها الحركية وظلالها اللونية".

واعتبر نصار الاستهلال في الديوان مفتاحاً لفهمه، الذي ينطوي على أمرين: الأول هو الجو العام للقصيدة بأجزائها الثلاثة حيث لا شيء يلوح في الافق سوى أمواجِ طوفان، لكنه طوفانٌ ليس فيه سوى نيران ودخان، ويعبّرُ عن الخراب الذي أتى على كل شيء حتى كادَ أن يفتكَ بالانسان.

والأمرُ الثاني هو الاشارة الى عالم ابو صبيح الشعري في هذا الديوان الذي سنتعرف عليه لاحقاً ويتشكل من فسيفساء تصنع ُلوحات كونية تستند الى كل عناصر الطبيعة وخصوصاً الجمر والنار ورموزهما في الشعر".

ولفت الى أنه "تسيطرُ على القصيدة بحكم اقامة الشاعر لسنوات طويلة في الخليج وخصوصاً في قطر أجواءُ البيئةِ الصحراوية التي تستحضرُ صور النار والجمر والحمم والجراد والمضارب والخيام".

ولا يستغرب نصار أن تظلَ مفردةُ الجمر أو النار "تتردد حيث بلغت ما يزيد عن ثلاثين مرة في الجزء الاول، في حين لم ترد صور الماء والبحر والثلج الا نادرا، وغاب عنها صور الاشجار والامطار، ويغلب على جملته استخدام الفعل المضارع الآني كأنما تحدثُ الاشياء أمامَنا لأول مرة الآن، ونرى صورَها المتلاحقةَ المتتابعةَ، كأنما نعيشُ التجربةَ ونحس بها كما أحس بها وتركت اثراً عميقا لا يُمحى من وعيه".

وتطرقَ إلى الجزء المسمى "جمر الظل" حيث يبني الشاعرُ مشهدَه على زاويةٍ أوسعَ من الرؤية التي تخرجُ عن التجربة الذاتية الى مشهد يمورُ بكل صور الحياة والحركة والاخرين"، لافتا إلى أنَّ الشاعر في هذا الجزء قدم "تنويعاً على صور الحياة المختلفة، وخرجَ الى فضاء مجازي تأملي يتجاوز حدود الصحراء، فلم تعدْ مقتصرةً على الاحساس الذاتي الداخلي بمعاناة العيش، بل نرى القصيدة تنحو الى تقديم رؤية كونية تُعنى بكل تفاصيلها".

وبين نصار في ورقته "البحث عن الخلاص بين ثنائيات النار والنور"، أنَّهُ اذا كان الصوت في "جمر الطريق" "يصف الاشياء ويعبر عن الحالات النفسية بضمير الغائب للدلالة على غياب الصوت الانساني، فإن المتكلمَ في "جمر الظلال" يحكي بضمير المخاطب ويبدو أكثر احساساً بالأمل حيث يفتتح الجزءُ الثاني بمناداة الظل ليكونَ مانحَ الحياة في غابة الموت".

واستذكر قصيدةَ للشاعر الأميركي روبرت فروست الذي توفي في العام 1963 بعنوان "النار والجليد"، مبينا أنَّهُ رغم قصر تلك القصيدة التي تتكون من تسعة أبيات، إلا أنها طرحتْ قضيةَ مصير الانسان والكون ضمن إطارٍ فلسفي يستندُ الى تصورات دينية".

وبين أن ابو صبيح يوظف في القصيدة ذات التفعيلة "تقنيات مختلفة تتنوّع ما بين الوصف والمناجاة والتساؤل وتعكس نبرة متقلّبة بين الاحساس بالتحدي والانكسار والعبثية"، مؤكدا أنها تنطوي على تلميحات وتأملات فلسفية تتناول معنى الحياة والشعور بالخواء والوحدة.

وفي ديوانه السابق "أشجار النار"، اعتبرَ أبو صبيح ان الشاعر عاد في إلى "أحدِ أساليبه المعروفة وهو تكرار استخدام الكلمات أو الجمل ذاتها أحياناً بشكل متتابع في المقطع نفسه أو تظل تتردد في نهايات المقاطع الشعرية ما يعطي توكيداً للفكرة ويلفت انتباه القارئ الى بناء الشكل العام للقصيدة".

وبين أن شعر ابو صبيح على تقديم صور شعرية تقوم على توظيف الغرائبية والفنتازيا والسوريالية وإقامة علاقات غير مألوفة بين الدلالات، ومجاورة ما لا يتجاور في الواقع، وتصبحُ المشاهد الغرائبية المستمدة من البيئة الخارجية مجرد انعكاس للعالم الباطني، وهو لا يكتفي بتكوين تشكيلات بصرية سوريالية منفردة بل تتكدس الصور حتى تصبح القصيدة مثل لوحات فنية متتالية تنم عن رغبته اللامتناهية في توظيف قدرة المخيلة على الابتكار:

مدارس غاباتُ نارٍ تفحُّ عصافيرَ جمرٍ طليقة
عصافيرُ تفترسُ الصحوَ حتى تقيء وتهوي الى حُفَرِ النار
تخضرُّ في عتمة الضوْء.

وختم نصار "تنتهي "جمرُ الظل" بأمنيات ورغائبَ تبدو مستحيلةً كأنما تريد أنسنةَ النار وتحويلَ جمرِها لتصير أقحواناً. توحي الامنيات بأنها تؤسس لرؤية شعرية تستشرف المجهول وتحلم بعالم آخر غير هذا الذي قدمته حيث النارُ تصير سلاماً".

رابط الموضوع بصحيفة الغد الأردنية
 
رابط الصفحة الكاملة
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق