سجل فيها تجربته روائياً
"القط الذي علمني الطيران" لهاشم غرايبة..
متحف سردي للحياة في السجن
اياد نصار
* نشرت في مجلة "أفكار" الصادرة عن وزارة الثقافة الاردنية العدد 275 لشهر كانون اول 2011
في حديثه عن تجربته الروائية في منتدى شومان في شهر آذار الماضي عقب صدور روايته الاخيرة "القط الذي علمني الطيران"، قدم هاشم غرايبة مفاتيح في غاية الأهمية للدخول الى عالمه الروائي، وللوقوف على معالم فنه السردي ومحاور انشغالاته التي جسدتها أعماله، وأعطى في الوقت نفسه للباحث أدوات تتيح مقاربة أعمق للمؤثرات التي شكلت إطار وعيه الفكري. ومن أبرز ما ذكره في معرض استذكار مراحل تجربته الروائية قوله: "في السجن تستطيع أن تعاند السلطة، وأن تحتال على المكان، ولكن لا تستطيع أن تحتال على الزمن". (1)
تتكون الرواية من عشرين فصلاً قصيراً جاءت في حوالي مئتي صفحة، وقد أهداها الى ثورة الصبار والياسمين في تونس ولروح محمد بوعزيزي والارادة الحرة. ويمكن القول أن الرواية هي بحد ذاتها تجسيد فني مكثف للارادة الحرة التي عبر عنها بطلها الرفيق عماد الحواري ـ نسبة الى حوارة في اربد ـ خلال محنة السجن التي تعرض لها، والتي تحولت الى إدراك ووعي عميقين بقيم الحرية وحق الانسان في اعتناق الفكر والتعبير عنه ورفض عسف السلطة وجبروتها. وفي سياق التعبير عن إرادته الحرة أظهر بطلها صموداً لم يعتده السجناء الآخرون في أنفسهم، وجسد بأفعاله نوعاً من التمرد أو الثورة على أسلوب فرض الأمر الواقع الذي يصادر الحرية وينتهك الانسانية الذي يرمز اليه السجن. تجري الاحداث التي تسردها الرواية في عام 1977 وعلى مدى سنة ونصف منذ أن دخل عماد السجن. ويمكن القول أن مسرح الرواية هو بحد ذاته رمز لمسرح أكبر يشير الى الواقع كله، والبطل فيها يمثل ضمير المقموعين في السجن الكبير ورمز إرادتهم المفقودة المستلبة التي استعادها لهم، فصاروا أكثر جرأة على الرفض والتعبير عن مطالبهم.
يوحي العنوان بفنتازيا محيرة تدفع للتساؤل عمن يكون هذا القط، ومدى انقلاب المعايير التي تسمح للقط بأن يكون نموذجاً لاكتساب التجربة أو أن يقوم بدور المعلم، وأي نوع من الطيران الذي يمكن أن يتعلمه المرء من القط. واذا كان الطيران يرتبط بالتحليق، فهل هو كناية عن الحرية، أم عن الترفع عن الالم وحاجات الجسد، أم عن الرغبة بعالم آخر مفقود نحلم به. وعند التأمل نكتشف أن هناك سراً ينطوي عليه العنوان. بل إن عنوان الجزء الاول "كهف الغرباء" يضع القارىء على المحك. فالكهف رمز الاختباء والسرية والظلام والخوف ونكوص الوعي وسقوط الحضارة وبدائية الانسان. وهكذا تبرز صورة السجن السلبية مبكراً في الاستهلال.
يروي الرواية راوٍ بضمير الغائب العليم وفي بعض المواقف تبرز أصوات ساردة أخرى، ففي الفصل الرابع مثلاً يروي السجين سعيد القط تفاصيل مغامرته أثناء تسليك المجاري في حمام النساء حيث التقى بامرأة سجينة تدعى كرمة. يروي القط تفاصيل اللقاء العابر بكل تفاصيله الجنسية بلغته الشعبية التي تتعمد اظهار الفحولة والحرمان العاطفي.
تفتتح الرواية بمشهد يبعث على الضحك والسخرية رغم أن البطل يقف على باب السجن بانتظار تسجيله في القيود. وبدلاً من أن تخلق الرواية أجواءً من الحزن والأسى والقهر، فإن الراوي يوظف اسلوب تداعيات الطفولة بحماقاتها ليضفي على السجن ظلالاً ساخرة تصور الجانب الاخر المضحك في حياة السجين. يتذكر البطل صورة السيرك الذي رآه وهو صغير، وما يستحضر في الذهن من مشاهد الخداع والتهريج والبهلوانية وإظهار الاشياء بعكس حقيقتها، كما يتذكر رؤية الفيلم الهندي في السينما والاغراق في البكاء، في نقد ضمني للمكان وصورته في الذاكرة، ويلقي بظلال السخرية أيضاً على تصورات السجان والسجين معاً.
في ظل هذه الكوميديا الساخرة، ترسم الرواية ملامح السجن في إطار من الحديث عن البيئة التي نشأ فيها البطل؛ جو شعبي قروي يحاول أن يتصل بالعصر الحديث ورموزه، لكن صدمة الاتصال تبدو مضحكة. يتداخل السرد بشكل مستمر من خلال التنقل بين الماضي والحاضر عبر استدعاء مشاهدات البطل حينما كان صغيراً تدهشه حقائق الحياة بغرائبيتها ومفارقاتها وبين الحاضر لابراز التناقض والظلم والأيام المهدورة من عمره بلا طائل.
تسرد الرواية تفاصيل اعتقال عماد الحواري الشاب الذي تعرف الى الفكر الشيوعي وانضم الى الحزب خلال دراسته في جامعة اليرموك. ومن السخرية أنه وأثناء حوار اثنين من الشرطة اللذين يتبادلان الحديث عن طبيعة تهمة السجناء، لا تثير تهمة القتل لدى أحدهما شيئاً، في حين نرى الثاني يتعوذ لمجرد سماعه أن السجين الآخر شيوعي.
يشير الراوي الى مقارنة هي بحد ذاتها مفارقة بين تصورات عماد وأفكاره عن دوره في الحياة قبل السجن وبعده، حيث تعود اليه ذكرياته خلال دراسته في الجامعة حينما كان ممتلئاً بأحلام الشباب في الحرية والعدالة وتحرير فلسطين وصراع الافكار مع اصدقائه حول القضايا السياسية في تلك الفترة، وبين الاحساس بواقعه الان في السجن. في خارج السجن تراوده الاحلام الكبرى واحساسه أنه جزء أصيل منها، بينما يقتل السجن الاحساس بانسانيته ودوره.
يظهر عماد معظم الوقت في الرواية مغرقاً في هواجسه ما بين الكآبه والرغبة في الخروج ولوم الذات. وتوشك واقعيته أن تؤدي به الى السقوط والتراجع عن مبادئه. لكنه يلوذ دائما بكتاب للفتيان اسمه "الامير الصغير" لدو سانت اكزوبري لما فيه من حكم انسانية تبرز تطلع الشباب الى الاختلاف عن حكمة الكبار التقليدية، والتفكير بحقائق الحياة بطريقة مغايرة للمألوف.
تبرز الرواية تأثير عامل الزمن في حياة الانسان ومصيره، وتقدم صورة فنية مدهشة لتأثيره على الانسان في السجن، "الزمن طويل تحت وطأة العزلة"(2)، وتؤكد أن "الزمن مثل الماء يأخذ شكل المكان.."(3). تجسد الرواية مشاعر البطل المختلفة المتناقضة التي تنتابه، كما تبرز استراتيجياته في قهر الاحساس الممض بالزمن، الذي يصبح قوة قاهرة تحطم الارادة، وسجناً معنوياً علاوة على ذاك المادي. في السجن يبدو الأمر كما لو أن الزمن يتوقف في غياب الحرية وضيق الفضاء، وتتوقف الاحلام ويستبد الاحساس بالعزلة والوحدة "وجد نفسه وحيداً في عتمة اللمبة المضاءة على مدار الساعة! يواجه الزمن بثقله وتوقفه وعناده. الوحدة صحراء تزحف الى لبّ الروح"(4).
إن الرؤية التي تنطلق منها الرواية، ويجسدها اسلوبها الفني، تختلف عن كثير من الروايات التي تغرق في صور التعذيب والقمع وتنسى صور الحياة الاجتماعية بين السجناء أو بين السجناء والسجانين. تركز رواية هاشم غرايبة على الاحتفاء بتفاصيل الحياة اليومية داخل السجن الذي يبدو أنه ما يزال قادراً على توفير نماذج مختلفة للحياة في المكان رغم بؤسه. تركز الرواية على احساس السجين الداخلي الخانق وعالمه النفسي الذي يتعرض للانهيار تحت العزلة والعبثية أكثر من التركيز على صور وحشية التعذيب المألوفة في أدب السجون العربية ببشاعتها.
لغة هاشم غرايبة مشحونة بالاحاسيس ومثقلة بظلال المعاني والاشارات الرمزية التي تضفي عمقاً فلسفياً على النص برغم جزئياته المحلية، الا أنه يؤسس لحقائق كبرى، ويبرز اشكاليات ومتناقضات على صعيد الحرية والكبت، المعرفة والجهل، التنوير والظلام، "ابتلع مرارة السؤال، وتوقف عند الخط الفاصل بين الظل وبين سطوع الشمس، واستدار يستمتع بالشمس الصاعدة من الشرق.."(5).
في مفاجأة للقارىء بعيد منتصف الرواية وفي تعبير عن مهارة سردية في التجريب والخروج عن المألوف، يعلن الراوي أن اسمه "هاشم غرايبة"، ما يعطي الانطباع بأن الراوي يتقمص شخصية المؤلف نفسه، والاهم هو أن هذه الاشارة تعني أن هناك صلة حميمة بين تجربة السجن الحقيقية وبين تجربته روائياً التي يستمدها من تلك الذكريات البعيدة التي بعثت من جديد. ذكر هاشم غرايبة في حديثه عن تجربته أنه طالما كان يفكر في الكتابة عن تجربة السجن التي مر بها، وبقي يؤجل الموضوع الى أن حانت اللحظة.
تنحو الرواية الى توظيف الانتقال السريع نسبياً بين المشاهد من خلال فصولها القصيرة الكثيرة، لكن لغة السرد تنجح في الوقت نفسه في عكس رتابة الحياة في السجن، وتنتقل بين القص والوصف والحوار واستدعاء الذكريات، وتقدم اضاءات نفسية تحليلية موجزة، فالجانب الجواني مهم في عالم السجن حيث يعبر الشخوص عن همومهم وآلامهم وما يتعرضون له من ضغوط وهواجس وصراعات محمومة تتراوح ما بين التفكير في الاستسلام والتخلي عن القناعات طلباً للحرية ونكوصاً عن المبادىء. يقول الراوي: "السجن يمتحننا دائماً بلا مواربة .. ويعرّينا بلا رتوش"(6).
يحس القارىء بوطأة رتابة الحياة في السجن الا من قصص المساجين ومناكفاتهم ومشاحناتهم وذكرياتهم. غير أن الرواية تكسر الرتابة بسرد أدق التفاصيل من عالم السجن من الداخل بكل حيوية. وبرغم الألفة التي تربط السجناء بالمكان وبتفاصيله التي تتغلغل في نظام حياتهم اليومي، إلا أن أحاديثهم دائماً تنم عن السخط والمرارة، فمرة هو مثل الزريبة كما يقول "الختيار" ومرة هو شاطىء الريفيرا كما يشير اليه "القط" ساخراً.
يجري السرد معظم الوقت داخل السجن، وقليلة هي المرات التي ينتقل فيها السرد الى خارجه حينما تستحضر الشخصيات ماضيها قبل الاعتقال. ويجيد الراوي نقل تفاصيل حجرات السجن وساحاته ومرافقه كالسجن الشرقي والقاووش الشمالي والغرفة البيضا وغيرها، مثلما يثير التقسيم الاجتماعي والطبقي للسجناء انتباه البطل ودهشته.. كما أن الوصف في غاية الحيوية حيث ينقل مشهداً مليئاً بالحركة والحياة والاصوات والروائح والالوان. تمتاز لغة غرايبة بجملها القصيرة ذات الحركة المتتابعة والتي تترك في النفس انطباعات مؤثرة باستعاراتها المختلفة التي تكمّل في تجانس فني أجزاء اللوحة وتخلق الاحساس بأثر المشهد الكلي.
لم تغرق الرواية في عالم السجن الرتيب بشخوصه وظروفه، فقد انتبه غرايبة الى أهمية التجديد في مكان محجوز ضيق، فلجأ الى الافراج عن بعض السجناء وإدخال آخرين. وتقاعد مدير السجن الحاج ملقي وحل محله الضابط عطالله وترفع آخرون وأفرج عن الشكيك، وجاء نزيل جديد يدعى أبو القناني. ونقل عماد الى قسم الغرفة البيضا التي تضم "النخبة"!
يتداول المساجين بينهم توقعات بصدر عفو عنهم كلما حلت مناسبة حتى يصبح الوهم الذي يتعلقون به، ويشبه الكاتب الاوهام التي يتداولها السجناء بسعي قوم يأجوج ومأجوج في القرآن الى نقب السد والخروج الى العالم. في هذا التناص مع النص القراني يظل شعب السد يلحس الجدار بألسنته، وكلما تهيأ له أنه على وشك تحطيمه يعود قوياً من جديد، ما يذكرنا باسطورة سيزيف وجهده العبثي في بلوغ الهدف.
تتداخل اللغة العامية السهلة بالفصحى ما يعكس جانباً من ثقافة العيش ونمط الحياة في داخل السجن وخارجه، كما تعكس اللغة أجواء الحياة في اربد وتبرز القيم الاجتماعية والثقافية التي تؤطر تفكير الناس وعاداتهم. ويمزج الراوي في حديثه كما هو الحال في حوار الشخصيات الاخرى بين الفصحى والعامية في أغلب المواضع، ويستشف القارىء أن المؤلف يهدف قصداً الى توظيف اللغة الشعبية في حالة متناغمة مع الفصحى التزاماً بمنهج واقعي صارم.
يرسم هاشم غرايبة صورة فسيفسائية كاملة تتناول تفاصيل نمط حياة الناس في مدينة اربد وقراها، ولعل هذا الوصف والحنين الى المدينة بعفويتها وبساطتها وقلة فروقها الاجتماعية الطبقية من أجمل ما كتب روائياً عن اربد كمكان في مقابل كمٍ روائي لا ينضب عن عمان.
يعكس أول حوار بين البطل والسجين الملقب بالقط جانباً من شخصية القط وطريقة تفكيره، مثلما يعكس عمقاً في طرح الافكار والرؤى كأننا نستمع الى مثقف ينظّر عن فلسفة الحياة والموت والحرية. وفي هذا الحوار المقتضب بينهما يرد مفهوم الطيران، فالقط يربط مفهوم الطيران بنضوج التجربة مع الزمن، كطير ينمو له جناحان، بينما يعني الطيران بالنسبة للبطل طلب الخصوصية في أن يكون لك عالمك الذي تسرح فيه مع أفكارك وتصوراتك وذاتك بعيداً عن ضوضاء أفكار الآخرين.
ترسم الرواية في واحد من أكثر المواقف تعبيرية ملامح تمرد جماعي يقوده الرفيق عماد وزميله الشكيك لتحدي سلطة السجن. يظهر الموقف أن عماد قد نضج بسرعة واسترد ايمانه بذاته وبقدرته على التغيير رغم أنه بدا قبله ضعيفاً أمام جبروت زمن السجن القاسي.
تعكس قصة الحب التي نشأت بين عماد و"مها" ابنة المهندس المتهم بالاختلاس والتي جاءت لزيارة والدها تغيراً في نظرته للامور وطريقة تفكيره وتعبيره عن نفسه، ففي حديثه عنها تتحول الجملة من روائية الى ما يشبه قصيدة نثر طويلة موجزة العبارة عالية التوتر مشحونة العاطفة. ويصف الراوي هذا التغير بقوله "انتقل من عالم التجريد الى عالم التكوين"(7). علق القط على التغيرات التي بدأ يشاهدها وربط احساس البطل بالحب في قلبه بالقدرة على التحليق والطيران: "هسع نبت لك ريش وتقدر تطير يا رفيق"(8). وهكذا يصبح الطيران صورة رمزية عن الامل والتسامي والحرية التي ترتبط بالحب. واذا كان القط قد علمه أن الطيران هو التوق الى الحرية والتعلق بها، فإن مها قد غرست فيه معنى آخر أكثر نبلاً ودفئاً وربما نوعاً أصعب وأعلى من الطيران، إنه الطيران نحو عوالم الحب والحنان.
لعل من أكثر الأمور التي تلفت النظر هو قدرة غرايبة على رسم معالم شخصياته وملامحها داخلياً وخارجياً وعلى تطويرها خلال سياق الاحداث، ويلمس القارىء مدى جاذبية الشخصيات وحتى الثانوية والهامشية وتعدد ملامحها وصفاتها، فهي ليست شخصيات بسيطة أو أحادية. وفي السياق ذاته تعكس الرواية جانباً مهماً من الحياة داخل السجن يتمثل في ألقاب السجناء وصفاتهم التي يعرفون بها فتصير مرادفاً لأسمائهم وتنبع أهميتها أنها تعطيهم هوية ومكانة في هذا العالم الصغير حينما عجز العالم الكبير عن إدراكها. فهناك الشكيك واللبيس والتنبل والقط والواوي ووطوط، وهناك مدير السجن الحاج ملقي أبو فروة وعطا الله قفا الصاج، أما البطل فصار يعرف بالرفيق.
تتطور شخصية القط على نحو جذاب وعميق في الرواية لنكتشف أنه ضحية ماضيه الفقير وبيئته التي جعلت منه سارقاً، لكنه في أعماقه شخصية نبيلة تعشق الحياة والحرية. ويقدم الراوي صورة أفلاطونية للقط وخاصة في أحلامه فهو عذب الحضور، يرى كثيرا من الاحلام الخرافية الزاهية الفردوسية كأنه لا ينتمي لبيئة السجن، لابراز مدى التناقض بين الانسان حينما يتحرر من عالم السجن البائس ويعيش في عالم أحلامه الخاص.
تتسارع الأحداث في ختام الرواية. ويصير عماد بعد هجومه على مدير السجن انتقاما لكرامة والده بطلاً في نظر المساجين. وعندها يدرك أنه تعلم معنى الطيران: الحرية التي ينتزعها بقوته ومواقفه. "لحظتها رأى السجن كله غابة ياسمين.. وشعر الآن أكثر من أي وقت مضى أنه يستطيع الطيران"(9).
حصل شجار بين المساجين اثناء حفلة توديع عماد قبل نقله الى السجن المركزي بعمان. استغل القط جو الفوضى التي حصلت وكسر هو وعماد أقفال البوابة وهربا. لحقت بهم الشرطة وأخذ صوت الرصاص يعلو خلفهما.. لكن القط تعرض للدهس ومات "على ثلج الشارع كان سعيد مدهوساً مثل بقعة دحنون تتسع بسرعة، وتلوّن ذوب الثلج المنساب الى شوارع المدينة"(10).
تنتهي الرواية نهاية مفتوحة قابلة للتأويلات؛ شعر عماد أن الريش الابيض يغطي رأسه وكتفيه ويمتد على جذعه، ففرد ذراعيه واستقبل المدى وطار. تشير تفاصيل المشهد الختامي وخصوصاً بياض الريش، ودلالات الابيض الى الكفن والموت وخاصة أن الراوي يذكر لعلعة الرصاص ينهمر خلفه واستقباله الفضاء والطيران عالياً في السماء ثم النهاية بصوت آذان المغرب. واذا كان المشهد الختامي يوحي أن عماد قتل، فإن روحه حلقت في السماء حرة من كل قيد، كما يمكن تأويل المشهد الاخير في الدلالة على نيل حريته فكأنما يصبح طائراً في صورة معنوية ترمز الى التحرر فوق السجن والالم.
هوامش:
1- "تجربتي الروائية" ، من شهادة هاشم غرايبة في منتدى مؤسسة عبد الحميد شومان حول تجربة كتابة "القط الذي علمني الطيران"، 21-3-2011، عمان، من تسجيل المؤلف.
2- القط الذي علمني الطيران، هاشم غرايبة، عمان، دار فضاءات للنشر والتوزيع، 2011، الطبعة الاولى، ص 67
3- الرواية ص 67
4- الرواية ص 9
5- الرواية ص 8
6- الرواية ص 143
7- الرواية ص 170
8- الرواية ص 152
9- الرواية ص 192
10- الرواية ص 202
شكرا على الموضوع
ردحذف