الخميس، يونيو 17

أدب الطفل: من حكايات يعسوب الى هاري بوتر

الكتاب الفائز بجائزة ترومان كابوت للنقد الادبي لعام 2010
تاريخ نقدي تجاهل الف ليلة وليلة وحكايات الاطفال العربية

اياد ع. نصار

فاز أستاذ الأدب وعميد الفنون والانسانيات في جامعة كاليفورنيا في سانت دييغو ، سيث ليرر ، بجائزة ترومان كابوت للنقد الأدبي لعام 2010 ، عن كتابه "أدب الطفل: تاريخ القارئ من حكايات يعسوب إلى هاري بوتر". وتعد جائزة ترومان كابوت أرفع جائزة للنقد الأدبي المكتوب بالانجليزية ، وقد منحت أول مرة في عام 1996 ، وتبلغ قيمتها ثلاثين ألف دولار. ارتبطت الجائزة في الأساس باثنين من الأدباء في الولايات المتحدة ، هما: الروائي والقاص والمسرحي الأميركي ترومان كابوت ، تقديراً لأعماله ، والناقد نيوتن آرفن ، الذي فقد مستقبله الوظيفي في الأربعينيات ، بعد أن اكتشف أنه كان مثلي الجنس. وقد حصلت عليها في عام 2008 الناقدة البريطانية وأستاذة الأدب الإنجليزي في جامعة أكسفورد ، هيلين سمول ، عن كتابها "حياة طويلة" ، الذي يتناول موضوع كبر السن في الفلسفة والأدب الغربيين. وقد سبق أن نشرت الدستور مقالتي عنها وعن كتابها الفائز بالجائزة في حينها. وفي عام 2009 حصل عليها الشاعر والناقد البريطاني المعروف ، جيوفري هيل ، الذي يعمل أستاذاً للأدب الإنجليزي في جامعة بوسطن عن كتابه "كتابات نقدية مختارة".



أما المؤلف فهو متخصص في جانب من فقه اللغة المعني بالتحليل التاريخي للغة الانجليزية. وقد نال درجة الدكتوراة من جامعة شيكاغو في عام 1981 ، وبدأ حياته الأكاديمية بالتدريس في جامعة برنستون خلال الفترة من عام 1981 حتى عام 1990 ، حيث انتقل بعدها إلى جامعة ستانفورد وبقي فيها حتى عام 2008 ، وبعد ذلك انتقل إلى جامعة كاليفورنيا حيث يعمل الآن.


يهتم ليرر في دراسة أدب العصور الوسطى وعصر النهضة ، وقد ساعده تخصصه في موضوع دراسة التطور التاريخي المقارن للغات ، في تطبيق مناهج فقه اللغة في نقد تاريخ أدب الطف ، ودراسته. ويجيد ليرر القراءة بلهجات أدب القرون الوسطى ، كما ألف كتاباً عن مؤسس الأدب الإنجليزي الحديث جيفري تشوسر في القرن الرابع عشر. وفاز كتاب سيث ليرر ـ موضوع المقالة ـ في العام الماضي بجائزة حلقة نقاد الكتاب الوطني.


يعد الكتاب ، الذي نشر في عام 2008 ، إلى حد ما ، "سيرة ذاتية ثقافية" للمؤلف: إذ يتطرق إلى حياة المؤلف الخاصة حينما كان طفلاً ، وتجربته مع القراءة ، وولعه في الكتب بعد ذلك خلال فترة الشباب ، ومن ثم ، تجربته مع القراءة حينما صار أباً. "لقد فكرت في الأمر من وجهة نظر شخصية ، وأنا أراقب طفلي كيف كبر وأصبح قارئاً". يتناول الكتاب الأعمال التي تعد من كلاسيكيات أدب الطفل عبر التاريخ. وقيل عن الكتاب إنه ابتعد عن الطريقة التقليدية في عرض كتب الأطفال المعروفة وتقويمها ، وتقديم النصح للكبار في كيفية اختيار مقتطفات منها للأطفال: لأنه يقدم نقداً تاريخياً لهذا النوع الأدبي برمته.


يقسم الكتاب ، الذي يقع في 396 ، صفحة إلى خمسة عشر فصلاً. وطرح الكاتب ، في المقدمة ، أهمية تأسيس نظرة جديدة إلى تاريخ أدب الطفل. أما في الفصل الأول ، فتناول أدب الطفل في الأعمال الكلاسيكية القديمة اليونانية والرومانية ، وهو بعنوان "تكلم أيها الطفل". وتناول في الثاني حكايات يعسوب ، تلك الحكايات الرمزية عن الحيوانات وعلى ألسنتها ، بهدف تربية الأطفال الأخلاقية ، والتي وضعها الإغريقي يعسوب في القرن السادس قبل الميلاد. وتناول في الفصل الثالث أدب الطفولة في العصور الوسطى ، وفي الفصل الرابع تأثير حركة المتطهرين المتزمتين البيورتانز ، الذين ظهروا في أوروبا وأمريكا في القرنين: السادس عشر والسابع عشر. ويتطرق في الفصول التالية إلى تأثير جون لوك والقديس أغسطين في أدب الطفل ، وتأثير رواية روبنسون كروزو ، التي يفرد لها مساحة كبيرة. وبدءاً من الفصل الثامن ، ينتقل للحديث عن أدب الطفل منذ العصر الفيكتوري حتى العصر الحديث ، كما يتطرق إلى حكايات الجنيات والكائنات الخيالية بشكل مقارن بين اللغات. كما يخصص الفصل الحادي عشر للحديث عن أدب البنات الصغيرات ، وهو من أمتع الفصول في الكتاب. أما الفصل الثاني عشر فهو عن خصائص العهد الإدورادي في كتب أدب الطفل ، وفي الفصل الثالث عشر يتحدث عن مظاهر أدب الطفل في أمريكا وتمثيلاته ، من خلال الجوائز والمكتبات والمؤسسات المعنية بذلك. وفي الفصلين الأخيرين يتحدث عن الأسلوب والطفل ، وعن مستقبل أدب الطفل في عصر ساخر يقوم على توظيف الغريب والمضحك في سياق له معنى. أما خاتمة الكتاب ، فتتحدث عن العلاقة بين أدب الطفل وظهور الكتاب بمفهومه العام عبر مراحله التاريخية ، حيث يؤكد أن أدب الطفل زخم قوي مع ظهور أول ناشر لكتب الأطفال في الولايات المتحدة ، واسمه جون نيوبري ، في القرن الثامن عشر.


تنبع أهمية الكتاب من أنه من الكتب القليلة التي تعد عملاً موسوعياً في مجاله ، ومزيجاً ، في الوقت ذاته ، من البحث الجاد والأصالة التي تتمثل في إضافات الكاتب ، وليس مجرد السرد التاريخي ، والتي ـ كما ذكرت المراجعة النقدية للكتاب في صحيفة سان فرانسيسكو كرونيكل ـ تضم ، بلغة نقدية شيقة ، تاريخاً يمتد على ما يزيد 2600 عام هي عمر حكايات الأطفال وقصصهم. ولهذا يفتتح المؤلف الكتاب بعبارة تحمل الكثير من المعنى: "منذ أن تعلم الأطفال القراءة ، وجد أدب الطفل". يحاول الكتاب أن يقدم إجابة شافية لتفسير سبب تلك الرغبة الجامحة لدى الإنسان عبر القرون وفي مختلف القارات ، لاكتشاف لماذا ، وكيف ، نقع في حب الكلمة المكتوبة أول مرة في حياتنا.


كما يتطرق الكتاب إلى الأعمال الموجهة للفتيان ، والتي صدرت في السنوات الأخيرة ، وحققت شهرة ، حتى صارت جزءاً من ذاكرة أدب الطفل الحديث ، مثل رواية "ويتزي بات" للأميركية فرانشيسكا ليا بلوك ، الصادرة عام 1989 ، أو ثلاثية "تداخل الزمن" لجون شيزكا ، والتي تحولت إلى مسلسل تلفزيوني ، وتحكي عن جوانب من عالم الخيال العلمي والرحيل عبر الزمن ، حيث تجري أحداث بعض القصص في العام ,2095


ولا يقتصر الحديث في الكتاب على أدب الطفل في القصص والروايات ، بل يتعدى ذلك إلى المسرح ، مثل مسرحيات شكسبير ، وخاصة "حلم ليلة صيف" ، التي تنطوي على مشاهد مناسبة للطفل ، خاصة تلك المشاهد التى تقدم حكايات رمزية أو مخلوقات خيالية. إن مسرحيات شكسبير وشخوصها ، كما يؤكد المؤلف ، هي السبب في قيام مسرح الطفل الحديث.


ورغم أن الكتاب يتناول اشهر أعمال أدب الطفل عبر العصور ، منذ الحضارة اليونانية ، مروراً بالقرون الوسطى ، ثم عصر النهضة ، مع التركيز على الأدب الإنجليزي في القرن الثامن عشر ، وكذلك الأدب الأميركي ، حتى لا يترك قصة ولا رواية للأطفال فيه إلا ويذكرها ، إلا أنه يتجاهل كتب الأدب الشعبي التي أثرت كثيراً في وعي الطفل ، حول العالم ، من الثقافات الأخرى ، مثل حكايات ألف ليلة وليلة ، التي أصبحت من كتب التراث العالمي. وأستغرب أنه ليس هناك ذكر في الكتاب للحكايات العربية المشهورة التي صارت جزءاً من ثقافة الأطفال في أوروبا بعد أن ظهرت ترجماتها ، مثل: "البساط السحري" ، و"الحصان الطائر" ، و"ياسمينه والسندباد البحري" ، و"علي بابا" ، و"علاء الدين والمصباح السحري" ، وهي جميعاً حكايات اكتسبت شهرة واسعة ، وصارت رموزاً تركت تأثيراً كبيراً في أدب الطفل العالمي. ولا يقتصر الأمر على الثقافة العربية ، فهو يتجاهل الأدب الصيني والياباني والهندي ، وحتى بعض الأعمال المشهورة ، مثل: حكايات لافونتين على ألسنة الحيوانات ، أو قصص السويسرية جوهانا سبايري مثل "هايدي".


يؤكد الكتاب أن شخصية الطفل هي ما يقرأ ، وهكذا فنحن تصنعنا الكتب التي نقرؤها. يقول المؤلف: "لا ينفصل تاريخ أدب الطفل عن تاريخ الطفولة: لأن الطفل ليس إلا صنيعة الكتب والنصوص والحكايات التي قرأها أو سمعها أو رويت له". يرصد الكتاب التحولات الجذرية والدائمة التي تصيب الطفل خلال تجربته التي يتعلم فيها القراءة حينما تؤثر فيه بعض الكتب ، وتترك أثراً لا يمحى في شخصيته. كما يتحدث الكتاب عن التحولات في بيئة الأسرة ، والتطور الإنساني ، والتمدرس ، وصناعة الكتب والنشر ، التي تؤثر ـ بمجملها ـ في شخصية الطفل من خلال الأدب. ويلفت الكاتب النظر إلى نقطة مهمة حين يؤكد أن "صعود نجم أدب الطفل الأميركي كان مرتبطاً ، إلى حد كبير ، بانتشار فكرة إعارة الكتب في المكتبات العامة".


يشتمل الكتاب على تحليلات مختلفة لعدد من المؤلفين في مراحل سابقة ، رغم أن بينهم تفاوتاً كبيراً وتنوعاً في الأساليب السردية ، مثل حكاية "رحلة الحاج من هذا العالم إلى العالم الآخر" لجورج بنيان من القرن السابع عشر ، وهي عبارة عن حكاية رمزية دينية ، ومن أهم الأعمال في تاريخ الأدب الإنجليزي ، وجي تولكين ، الروائي الأميركي من القرن التاسع عشر ، الذي ألف رواية "سيد الخواتم" ، والذي يعد رائد أدب الفنتازيا الحديث ، ودكتور سويس جيزل الكاتب ورسام الكرتون للأطفال الذي توفي في بداية التسعينيات من القرن الفائت ، والكاتبة لورا إنجالز وايلدر ، التي كتبت سلسلة "البيت الصغير في البراري" ، وهيلين بياتركس بوتر الكاتبة الأميركية التي توفيت في الأربعينيات ، والتي اشتهرت بقصص الأطفال التي تجسد الظواهر الطبيعية والأجسام غير الحية على هيئة البشر. كما يتناول الكتاب الأعمال التي تحفظها ذاكرة الناس وأسهمت في صنع خيال الطفل ، مثل: "حكاية أمي الإوزة" ، و"أليس في بلاد العجائب" ، و"بيتر بان" ، وسلسلة "هاري بوتر". ويتطرق الكتاب إلى عدد من الأعمال الأدبية الموجهة للفتيات الصغيرات ، مثل رواية "آن من غرين غيبلز" للكاتبة الكندية لوسي مود مونتجمري ، والتي وضعتها في عام 1908 ، وأصبحت من أشهر الكتب الأطفال في العالم.


لقد تعرضت قصص هاري بوتر التي كتبتها جي. كي. رولينغز إلى نقد شديد بسبب نبرتها النمطية ، واستعاراتها البلاغية التقليدية ، غير أن ليرر وجد في هذه الجوانب الشائعة بغية دارسي فقه اللغة ، ليس على صعيد اللغة وحسب ، ولكن على صعيد شخوص القصص ، أيضاً.


يؤكد المؤلف أن أغلب كتب الأطفال المشهورة ، منذ عهد اليونان والرومان حتى زماننا المعاصر ، تجعل من غرفة الصف ومكتبة المدرسة وساحتها المسرح الذي تجري عليه أغلب أحداث القصص. ولهذا فإن أحد أسباب نجاح عمل مشهور ، مثل "روبنسون كروزو" ، بالنسبة للطفل ، هو مدى اللعب الذي يوفره من خلال الأدوات والأشياء: فالبطل في "روبنسون كروزو" يتقن التعامل مع مختلف الأدوات في حياته الخطرة ، وحيداً مع السكان الأصليين على تلك الجزيرة الكاريبية البعيدة. وقد تحول هذا الاهتمام ، في عصر الصناعة ، إلى معرفة البطل بطرق عمل الأسلحة والخرائط ، وميكانيكا المحركات البخارية والمتفجرات والسجائر والبضائع المعلبة وغيرها. وفي العصور اللاحقة ، ومع تحول سبب خروج البطل الأوروبي إلى العالم الجديد ، من الاستكشاف الجغرافي إلى الاستعمار الإمبراطوري ، فقد حصل تحول على صعيد القصص والروايات ، فلم يعد البطل هو المغامر حاذق الأشياء والأدوات الذي يتمكن من البقاء على قيد الحياة بفضل مهاراته ، بل صار هو صاحب الخبرة العسكرية والعارف بمتطلبات الحياة العامة ، الذي يستطيع السيطرة على قبائل الشعوب الأخرى. وباختصار: انتقل الاهتمام من الجزيرة إلى القارة.


أما نظرة كتب أدب الطفل إلى الطفل ذاته ، فقد كان التركيز ـ على الدوام ـ منذ أيام يعسوب ، مروراً بالأدب الكلاسيكي والقروسطي حتى بوادر العصر الحديث.. كان التركيز يقوم على تقديم النصح للفتى كيف يتصرف جيداً ، ويراعي نظافته ، ويتكلم بوضوح ، ويهتم بدراسته. بل إن الأدب في القرن الثامن عشر اهتم في أن يكون لكل طفل أسلوب في تفاعله الاجتماعي والأخلاقي. وقد عكست أعمال تلك الفترة المبدأ الذي يقول: "كيف تتكلم هو ، بحد ذاته ، معنى كيف تكون". وهكذا صار هدف أدب الطفل تعليم مبادئ التصرف الاجتماعي. وفي منتصف القرن التاسع عشر صار اهتمام الأدب يعكس واقع التغيرات الجديدة كالاتصال المتمثل في التلغراف ونقل أخبار الحروب. وهكذا تحول كتاب الطفل من مثل سفينة غارقة في "ربنسون كروزو" ، إلى عالم يمتد فوق القارات ويهتم في البناء وتفاصيل الحياة اليومية.


وإذا كان هدف أدب الطفل هو تعليم الطفل ، وإدخال البهجة إلى نفسه ، فإن الكتاب يحمل قيمة كبيرة للمهتمين في تعليم الأطفال على مختلف المستويات ، وواضعي السياسات ، وعلماء النفس ، والباحثين ، والآباء. إنه جهد موسوعي في دراسة أدب الطفل من منظور نقدي لغوي مقارن منذ أن وجد أدب الطفل وحتى اليوم.

* نشرت المقالة في جريدة الدستور - الملحق الثقافي ليوم الجمعة 18/6/2010

رابط صفحة المقالة في الدستور

رابط الصفحة الكاملة pdf

هناك 4 تعليقات:

  1. أن الكتاب يلقي الضوء على مراحل نمو الطفل " وأن أول ما يتعلق به الطفل هو الحروف في الكتب التي يعرضها الأب أو الأم" إن المؤلف سيث ليرر يحاول أن يعرض تجربته الشخصية عندما قرأ أول كتاب، وهو عندما يقول "لقد فكرت في الأمر من وجهة نظر شخصية وأنا أراقب طفلي كيف كبر وأصبح قارئاً".

    لمن لا يعرف سيث ليرر فهو عميد الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، هو الأستاذ المتميز في قسم الأدب. "أدب الأطفال" تم اختياره من قبل لجنة دولية من النقاد البارزين والكتاب وهذه اللجنة كانت مؤلفة من تيري القلعة، جاريت ستيورت، مايكل وود، جون كيرجن، ألين سكيري، وألين شوآلتر. كل واحد منهم عمل على ترشيح اثنين من الكتب.

    ومن كتب النقد الأدبي العامة وباللغة الإنجليزية والتي نشرت خلال السنوات الأربع الماضية كانت مؤهلة للترشيح وبعد قراءة كل الكتب المرشحة، فاز الكتاب الذي فاز عام 2009 بجائزة حلقة نقاد الكتاب الوطني.

    الكتاب هو نوع من "سيرة ذاتية فكرية"، نقدت ماري التتار من جامعة هارفد كتابه قائلة "تاريخ قوي بشكل مذهل ومعقد لأدب الأطفال فهو ينشط بدلاً من أن يستنفذ".

    يحاول ليرر أن يعطينا الحقائق، فهو ينسج قصصاً في حساب ما يتحرك في الفكر، وهو يعتبر دليل مثالي للطلاب الجدد في مجال أدب الأطفال، فهو يجسد تماماً حب الأدب الذي ينمي فهم الطفل إلى مراحل البلوغ، إنني أعتقد بأن ليرر أنجز وبشكل غير مسبوق عملاً سحرياً، على عكس العديد من الكتيبات التي تستعرض لأدب الأطفال هذا النوع من الأعمال يمثل نقطة تحول حرجة في التاريخ. فهي تحتوي ثقافة وعلم قد تكون شاملة فهي سهلة المنال ومسلية، فليرر يأخذ الموضوع على محمل الجد من دون جعل محتواها ممل.

    عند النظر في المقدمة التي تحدثت عن تأسيس نظرية جديدة إلى تاريخ أدب الطفل، هذا جعلني أتوقف كثيراً عند تاريخ أدب الطفل العربي، ويجعلك هذا تتسائل هل يوجد أديب أو ناقد أو شاعر أهتم بتجديد أو تأسيس نظرية جديدة، ليرر يحترم فكر الطفل لهذا فهو يبحث عن الجديد، قليلاً من أدباء العرب الذين يكتبون حول أدب الطفل، ولكن هل نقدهم وكتاباتهم تنبع من حب صادق، أم إنها إضافات جديدة يتم طرحها فقط لتدل على أن هناك من يكتب لأدب الطفل، متى سنجد في الوطن العربي أمثال ليرر يهتم بصدق وبدون التفكير بجائزة فهو يهتم بجودة العمل الذي يقدمه، ومن يختاره هم الذين يقرؤون عنه ومن ينتقده وليس هو من يحاول أن يثبت أستحقاقه للجائزة، متى تختفي من مجتمعاتنا مفهوم الفوز على حساب الجودة في تقديم ما هو خيرٌ للبشرية.

    التعليق 1

    ردحذف
  2. من خلال تصفحك لكتابه تجده في الفصل الأول يتناول أدب الطفل في الأعمال الكلاسيكية القديمة اليونانية والرومانية، وهو بعنوان "تكلم أيها الطفل". عبارة جعلتني أستفز من الداخل، إنني أستغرب الأدب العربي والأدباء، فأنا لكثرة ما قرأت لكتب الأطفال لم أجد في المكتبات العربية عملاً واحداً يتطرق إلى أدب الطفل في الأعمال الكلاسيكية القديمة على العهد العباسي، أو الأموي، أو البابلي، أو الفرعوني، أو أي حضارة تعاقبت على الوطن العربي، هل يعتبر الطفل في الوطن العربي شئ كما باقي الأشياء التي لا يجب أن يتحدث عنها العرب في كتاباتهم، متى سينصف الطفل ومتى سيكون له أدب معترف به، ولماذا يهتم الغرب بالطفل ويمجدوه حتى أنهم يفردون فصولاً عن الأعمال الكلاسيكية أو الحديثة أو أي مظهر من مظاهر الحضارة لديهم، لماذا في ثقافتهم يكمن الأحترام للطفل بينما ثقافتنا لا تعير الطفل إلا الفتات من مخزون تراثها .... أسئلة دون أجوبة دائماً لا تجدها إلا لدى المثقف العربي.

    أشار إياد نصار في مقالته التي نشرت في الدستور 18/6/2010 أن الفصل الثاني من الكتاب تناول حكايات يعسوب، تلك الحكايات الرمزية عن الحيوانات وعلى ألسنتها ، بهدف تربية الأطفال الأخلاقية ، والتي وضعها الإغريقي يعسوب في القرن السادس قبل الميلاد. ما أستوقفني أن أغريقي فكر بالأطفال وكتب عنهم في القرن السادس قبل الميلاد بينما نحن العرب لم أذكر أنهم كتبوا للأطفال قبل هذا الوقت، وهذا التقصير جعل الأدب الموجه للطفل في الثقافة العربية قاصر رغم ما وصل إليه.

    لقد ذكر ليرر عدد من الذين أثروا على أدب الطفل منهم جون لوك والقديس أغسطين وتأثير رواية روبنسون كروزو، وحكايات الجنيات والكائنات الخيالية، فصول الكتاب الأخيرة فصول تنوعت بعضها تحدث عن مراحل تطور الأدب الخاص بالطفل، حتى أنه أستعرض المراحل التي مر بها أدب الأطفال من العصر الفيكتوري والعهد الإدواردي، إلى مظاهر التطور في أمريكا وتمثيلاته، مستقبل الأدب الخاص بالطفل يعرضه بطريقة ساخرة ومضحكة ملمحاً إلى أن هذا العصر "عصر ساحر يقوم على توظيف الغريب والمضحك في سياق له معنى".

    حاول الكاتب أن يكون مؤرخاً من خلال البحث الجاد والأصالة التي تتمثل في إضافات الكاتب، هناك علامات فارقة تم طرحها لها معنى ولها مغزى ولم يتم طرحها هكذا، هذا الكتاب فعلاً يحاول أن يقدم توضيحاً لماذا نقع في حب الكلمة المكتوبة.

    التعليق 2

    ردحذف
  3. يستعرض إياد نصار في دراسته النقدية عدد من الكتاب الذين ساهموا مساهمة لا يستهان بها حتى صارت جزءاً من ذاكرة أدب الطفل الحديث. في أحدى الفصول تطرق ليرر إلى الأعمال المسرحية منها مسرحية شكسبير فهو يؤكد أنها السبب في قيام مسرح الطفل الحديث، لماذا لا نناقش هذه الفقرة إنني أشعر بأن التراث العربي رغم عراقته ورغم كل ما كتب، إلا أننا لا نجد مسرحيات أثرت في أدب الطفل ولم يكن هناك فكر مسرحي مخصص للطفل، قد تكون الحركات الموجودة حالياً تواكب العصر في لغة أدب الطفل ولكنني أعتقد أنها غير مجدية فهي تحاول أن تقلد قوالب جاهزة ولا تحاول أن تكون مبدعة متجددة كما حاول الغرب قبل 2600 عام، أجد أن أدب الطفل العربي غير موجود رغم الأقلام التي تكتب له بالمعنى الذي أراه وأقرأه وأسمعه، أنه عبارة عن قوالب الأدباء يطبقونها، أما بالنسبة لأدب الطفل فهو غير موجود لدى العرب.

    يتطرق الكتاب إلى أشهر أعمال أدب الطفل عبر العصور منذ الحضارة اليونانية، مروراً بالقرون الوسطى، ثم عصر النهضة فهو يذكر كل القصص والروايات التي كتبت عن الأطفال، يذكر إياد نصار أن ليرر يسقط من حسابه في سرد هذا الكم من القصص والروايات الأدب الشعبي التي في رأيه كانت ذات تأثير قوي في وعي الطفل حول العالم. ومن قصص الأدب الشعبي حكاية ألف ليلة وليلة، وهو يعترض ويستغرب لعدم وجود الكتب والحكايات العربية المشهورة مثل "البساط السحري" و"الحصان الطائر" و "ياسمينة والسندباد البحري" و "علي بابا" و " علاء الدين والمصباح السحري" ويذكر أنه تجاهل الأدب الصيني والياباني والهندي وأضيف الأدب الأسترالي والأدب الروسي الذي كان له بصمات واضحه وتأثير قوي في أدب الطفل للأجيال عديدة، ما أريد قوله للرد على أعتراضات إياد نصار، أن سيث ليرر كان متعمداً وبشكل خاص أن يؤرخ لأوروبا ولأمريكا اللاتينية على السواء ، وذلك واضح من خلال هذه الموسوعة التاريخية التي تؤرخ لشعوب على حساب شعوب أخرى، أن تجاهل هذا الكم الهائل من الآداب العالمية في رأي الخاص يجعل هذه الكتاب حكراً على فئة دون أخرى. فهو يسقط من دراسته عدد غير قليل من الأعمال التي أثرت بدورها على أدب الطفل، وبالتالي هذا الكتاب لا يعد موسوعة عالمية بالمعني الحرفي للكلمة بل هي موسوعة خاصة بعدد من الأعراق البشرية والتي تم إختيارها حسب ميوله الشخصية أو حسب ما يمرره لإبنه حتى يثقفه ثقافة معنية بالذات. وهذا نجده تماماً عندما يؤكده الكتاب "أن شخصية الطفل هي ما يقرأ، وهكذا فنحن تصنعنا الكتب التي نقرؤها". وتجد هنا تأكيداً لما سبق عندما يقول المؤلف " لا ينفصل تاريخ أدب الطفل عن تاريخ الطفولة، لأن الطفل ليس إلا صنيعة الكتب والنصوص والحكايات التي قرأها أو سمعها أو رويت له". وهذا رد واضح عندما قلت أن ليرر يتحكم بما يقرأ أبنه فهو عندما يذهب للمكتبة ويشتري أحد الكتب فهو ينتقي ما يقرأه فهو بذلك يقصي نفسه عن كتب تتحدث عن آداب أخرى. ربما لا تتوفر آداب عالمية مترجمة للغات الأخرى إلا أن هذا لا يعتبر عذراً فمع إنتشار الإنترنت ووجود مواقع خاصة بالترجمة وكونه عميد الآداب والعلوم الإنسانية وأستاذ متميز للأدب في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، كان يجب عليه أن لا يكون منحازاً أو غير عارف بالأدبيات الأخرى.

    التعليق 3.

    ردحذف
  4. يلفت الكاتب النظر إلى نقطة مهمة حين يؤكد أن صعود نجم أدب الطفل الأمريكي كان مرتبطاً، إلى حد كبير، بانتشار فكرة إعارة الكتب في المكتبات العامة، أولاً أين ثقافة الطفل العربي من ثقافة القراءة قبل الإعارة، الكتب ترص في المكتبات دون أن يكون هناك من حملات لتوعية هذا الجيل والأجيال القادمة بأهمية القراءة التي ترفع الأمم بدل أن يحطها الجهل، ما يجعلني في بعض الأحيان أشعر بالغيرة عندما أتابع عبر التلفاز عدد من القنوات، مثل الليابان أو بعض الدول الأوروبية وتشاهد الراكب والماشي والقاعد يحمل كتاباً يقرأه أين العرب من هذه الثقافة اليابان بعد أن خرجت من الحرب العالمية الثاني مهزومة منكسرة وخلال سبع سنوات أصبحت من أكثر دول العالم تقدماً والسبب هو الكتاب والقراءة،في جميع مكتباتها تجد شعاراً عند المدخل، الشعار عبارة عن طفل يعمل بالحقل وبيده كتاب، أين ثقافة العرب من هذا؟ أنني أشعر بالحزن الشديد على جهل العامة بأهمية القراءة، لا يكفي أن نضع المبادرات ولا يكفي أن نوجد المكتبات، ما دام لا يوجد لدينا دافع قوي للقراءة والتعلم تجد الأب يخرج إبنه من المدرسة أو تجد الفتاة متلهفة بسن مبكرة على الزواج، القراءة تغرس من الصغر وليس عندما يشتد العود فلا يعود هنا وقت للقراءة، القراءة تعلم الصبر وتعلم الحكمة فأين الصبر والحكمة والقراءة من مجتمعاتنا العربية.

    ركز الكاتب على الأدب الإنكليزي وإنتقى منه عدد من المؤلفين وختار العصر السابع عشر، والعصر التاسع عشر لأن أوروبا قبل ذلك كانت غارقة في عصر لم تكن فيه كثير من الأختراعات والعلوم الموجودة أما القرن التاسع عشر تطرق فيه إلى "سيد الخواتم"، في رأي الخاص هذه الرواية بعد أن تم ترجمتها كفلم عرض في دور العرض لا تعتبر موجهة للأطفال قد يكون عنصر التشويق عالياً فيها، واستخدام لغة الأساطير ولا معقول والمؤثرات الصوتية والتقنيات العالية ولكنها لا تخاطب عقول الأطفال بل هي تطرح فكرة الشر والخير من خلال الخاتم الذي يحاول بطل القصة القضاء عليه وبذلك ينتهي عصر الشر ويبدأ عصر الإنسان كما جاء في الرواية، حتى لو أنها كانت توحي بتعابير غير مباشرة أنها للأطفال إلا أنها ليست بفحواها تخاطب عقل الطفل الغير مدرك بعد لمقدار الشر والخير في تغيير المصير.

    في "ربنسون كروزو" يركز الكاتب على مدى التطور الذي شهدته شخصية البطل ويذكر أن معرفة البطل هي نقلة نوعية في حياته وهو بذلك يؤكد بأن الإنسان لا يستطيع أن يحيا في جزيرة وحيداً إذا لم يمتلك المعرفة فالقراءة والتعليم الذي تلقاه في الصغر هو الذي أنجاه عندما كان وحيداً في الجزيرة، وهذه أعتبرها حقيقة لا جدال بها.

    في مسألة التركيز على تقديم النصح للفتى وكيف يتصرف جيداً، ويراعي نظافته، ويتكلم بوضوح، ويهتم بدراسته فإن خير مثال على هذا التراث العربي بما فيها من قصص وعبر شملت الكبار والصغار على السواء وهذا نجده في سيرة الرسول بوضوح، وحكم لقمان، وتعاليم بوذا وغيرها من النصائح التي وجهت للأطفال والكبار على السواء، ولكن الغرب يرفض دائماً فكرة الحديث عن هذا، ويحاول التركيز على فلاسفتهم وأدبائهم وأنبيائهم متجاهلين ما لتأثير الآداب الآخرى على قصص الأطفال.

    التعليق 4.

    ردحذف