الجمعة، يوليو 17

الرواية الاردنية الانجلوفونية







"عندما نغادر أوطاننا نقع في حب أحزاننا"
الرواية الاردنية الانجلوفونية

بقلم اياد نصار

على غرار الاعمال الروائية المغاربية والمشرقية التي يكتبها وينشرها روائيون عرب باللغة الفرنسية ضمن ما يسمى تيار الثقافة الفرانكفونية، تتناول هذه المقالة الرواية التي كتبتها روائيات أردنيات باللغة الانجليزية ونشرت خارج الاردن من قبل دور نشر عالمية سواء في دول الاغتراب المقيمات فيها أو في دول أخرى ناطقة بالانجليزية. ولا بد من الاشارة الى أن هذه الظاهرة التي سميتها مجازاً بالانجلوفونية ما تزال في طور تشكلها وبداياتها، وربما تزداد زخماً وتصبح ظاهرة أنجلوفونية ضمن سياق إبداعات أخرى لكتاب عرب غير أردنيين تزداد يوماً بعد يوم، وربما تبقى مجرد إبداعات فردية مغتربة ولكن مع ذلك فإن هذه الروايات القليلة حققت شهرة واسعة وحضورا في الغرب استقطب القراء والنقاد على السواء، ونالت بعض هذه الروايات جوائز أدبية.

تمثل الرواية الاردنية الانجلوفونية جهودا فردية، ولم ترق، وإن تعددت التجارب، الى مفهوم ظاهرة ثقافية ولغوية مثلما فعلت التجربة الفرانكفونية وأثارت بذلك إهتماماً وجدلاً كبيرين بين النقاد والدارسين. فما تزال هذه الرواية بعيدة عن المتناول المحلي للساحة الثقافية الاردنية. وقد لا يصنفها بعض النقاد رواية أردنية بالمعنى الخالص لمجرد اعتبار مضامينها الفكرية والاجتماعية الشرقية، أو شخصياتها ذات الاصول الاردنية وأمكنتها التي تتحرك بها، بل ربما يصنفونها رواية إنجليزية لمؤلف أردني أقرب في أساليبها ولغتها الفنية وجمهورها للروايات الاجنبية، باعتبار أن اللغة هي الوسيلة التي يكتسب بها الأدب هويته. ثم إن الكتابة الروائية الاردنية بالانجليزية لم تساهم بشيء يذكر بعد لغاية الان في إزدهار الأدب الاردني محلياً أو عربياً مثلما حصل مع الرواية الجزائرية مثلاً التي شكلت الروايات الفرانكفونية منها إضافة متميزة لمسيرتها.

وقبل الخوض في الموضوع أود التذكير بعجالة ببدايات الرواية العربية الفرانكفونية حيث تختزن الذاكرة الكثير من الاسماء الروائية المعروفة التي كتبت الرواية بالفرنسية منذ عام 1921 وهو تاريخ صدور أول محاولة روائية جزائرية بالفرنسية لمحمد بن الشريف بعنوان "أحمد بن مصطفى الخيّال"، أو عام 1940 حين ظهرت أول رواية بالفرنسية في تونس لمحمود أصلان بعنوان "عيون ليلى السوداء"، أو عام 1954 وهو تاريخ صدور أول رواية مغربية بالفرنسية لادريس الشريبي بعنوان "الماضي البسيط". كانت الرواية المغاربية العربية غريبة في محيطها في تلك المرحلة المبكرة وصولاً الى السبعينيات التي تعتبر بداية الازدهار للرواية وخاصة الجزائرية.

وفي المشرق العربي كانت بداية الرواية العربية بالفرنسية في مصر على يد قوت القلوب الدمرداش عام 1937 التي أصدرت ثماني روايات عن دار غاليمار الباريسية. وفي لبنان بدأت أعمال فرج الله حايك عام 1940 وامتدت حتى عام 1968 وقدم للمكتبة ثلاث عشرة رواية. وفي سوريا ظهرت متأخرة في منتصف الثمانينات على يد مريم أنطاكي وماري سورات.

تركز هذه المقالة على التعريف بالروايات الاردنية التي حققت نجاحاً وحظيت باهتمام من النقاد والدارسين ونالت شهرة وانتشاراً بين جمهور قراء الرواية في الدول الغربية وبالذات الولايات المتحدة وبريطانيا وتُرجم بعضها الى عدد من اللغات الاوروبية والاسيوية. وتتناول هذه الدراسة بشكل خاص أعمال الروائيات الاردنيات فاديا الفقير، وليلى حلبي ، وناديا أبو جابر.

واذا كان الاهتمام بترجمة الروايات الاردنية الى اللغات الاجنبية كالانجليزية والفرنسية والايطالية والاسبانية والالمانية والروسية والصينية قد بدأ منذ حوالي أواخر السبعينيات فقد إزدادت وتيرته في الاونة الاخيرة مع صعود نجم الرواية في العالم ككل، ومع انتشار الاهتمام بالرواية الاردنية في الدوائر الاكاديمية ودور البحث والنشر ومراكز الادب الحديث التي تعنى بالدراسات الشرق أوسطية ومنها المتعلقة بالاردن. ولكن موضوع ترجمة الرواية الى اللغات الاخرى ليس من ضمن مجال هذه الدراسة. كما ينبغي الاشارة الى أن هناك نصوصاً او محاولات روائية يتم طباعتها ونشرها في الاردن ولكنها تبقى محدودة بفعل ضيق الانتشار والتوزيع وقلة الاهتمام بالرواية باللغة الانجليزية من عموم القراء في الاردن الا من جانب بعض المتخصصين في الدراسات أو في هذه المنشورات.

إن جلّ من كتبوا ونشروا روايات باللغة الانجليزية والتي حققت صدى إعلامياً هن روائيات أردنيات يعشن في الخارج، إما ولدن في أسرة لأم أجنبية تتكلم اللغة الانجليزية، وإما درسن وعشن فترة طويلة في الغرب واكتسبن اتقان اللغة وحرفة الادب وتأثرن بالاساليب الروائية السردية المعاصرة. إن شهرة تلك الروائيات في الغرب تفوق شهرتهن في بلادهن. ويبدو الامر كأنما يبشر بقرب ظهور موهبة نسائية أردنية تحقق شهرة عالمية وتسعى للمقاربة بين مجتمعاتها التقليدية وتطوير واقعها او نقدها وتغييرها الى واقع آخر يلبي حاجاتها في المساواة والاستقلالية والحرية أو قد يعزلها عن مجتمعها فلا يكون لروايتها أي أثر على أرض الواقع سوى تغيير الصورة النمطية لدى القاريء الغربي وأظن أن هذا أحد الاسباب لولادة الرواية الاردنية الانجلوفونية في الاساس.

لقد أدى التفاعل والاندماج الى ولادة رواية أردنية ذات وعاء ووسيلة إنجليزية ولكن المضامين عربية شرقية وأردنية تقع تحت الاختبار نتيجة تلاقي او تصادم النماذج الحضارية، وتعبر عن قضايا وإشكاليات إجتماعية ترتبط بالثقافة والدين والعادات والتقاليد وصراع الهويات والحريات وانقسام الانتماء وتصادماته في بلاد الاغتراب بين الثقافتين وبين النموذجين العربي والغربي لأسلوب حياة الفرد والمجتمع. وتطرح هذه الروايات قضايا من صميم المجتمع الاردني مثل جرائم الشرف وتابوهات العيب والتقليدية المحافظة ومعاناة المرأة في البادية والريف والمدن من سيطرة قيم المجتمع الذكورية. فكانت هذه الروايات صرخة احتجاج وملاذاً رمزياً للخلاص.

لقد أرادت الرواية الانجلوفونية إعطاء مساحة أكبر من حرية التأمل ونقد الذات ونقد الآخر فيما يتعلق بالمرأة وأزمة هوية وثقافة المهاجرين وانتماءاتهم وصراع التكيف. وتتسم بثنائية المكان وتناقضاته ما بين المحيط الغربي وما بين المحيط التقليدي الاردني الذي تسعى الشخصية في الرواية للهروب منه او العودة اليه لاحقا بعد أن تكون قد خاضت تجربة التمرد والاغتراب والبحث عن الخلاص الذاتي. وتجسد مسألة العودة إلى الوطن والتي ترافقها صدمة نفسية بسبب التباين الفكري والاجتماعي نتيجة الإحساس بالمفارقة بين العالم الجديد وبين العالم التقليدي- الوطن- الذي تهرب منه. وهنا تبدأ المعاناة وصراع الانتماء والاحساس باضطراب الهوية. وسرعان ما تحس هذه الشخصيات التي تحلم بالمساواة والعدالة والتغيير وبناء الاحلام داخل المجتمع الغربي، وهي مشبعة بالتوقعات والآمال الكبيرة، بالتهميش، فتخرج من التجربة وهي تشعر بالمرارة، وفي ذات الوقت النبذ من مجمتعها الاصلي.

تعتبر الرواية الى حد بعيد سيرذاتية أو تنهل في جزء كبير من أحداثها من منبع السيرة الذاتية للروائية وسيرة عائلتها، كما توظف مرحلة الطفولة ومراهقتها وتجاربها، ولهذا تقدم بالضرورة بأسلوب المفارقة صورا ونماذج متضادة بين قصص الحب والزواج والنجاح او الفشل للمرأة الاردنية بين المكانين.

وإذا كانت الهجرة للغرب أفرزت في البداية الشعور بالنوستالجيا ومعاناة التأقلم والبحث عن الذات في محيط غير ودي في كثير من الاحيان ، فإن الأمر يصبح مقبولاً، أملاً في تحقيق الذات والتعلم واكتساب الاستقلال المادي والزواج حيث يبقى الخوف من العنوسة هاجساً كبيراً.
تعتبر الروايات الانجلوفونية متوجهة إلى"الآخر"، الغربي تحديداً، تريد أن تشعره أولاً بأن الانتلجنسيا الاردنية وخاصة النسوية قادرة على الكتابة الروائية. كما تريد أن تعكس نضال هولاء النسوة أنفسهن امام القيود التي تكبل طموحهن وتجعلهن أسرى الرجل او الاهل او العشيرة او المجتمع المتسلط. كما تريد بعض هذه الروايات أن تعلن التمرد الرمزي على التقاليد وروابط الدم والعشيرة وما تفرضه من التزامات اجتماعية ضاغطة قهرية أمام المفاهيم المعاصرة التي تلبي طموحهن في إحترام دور الانثى وحريتها ومشاركتها على قدم المساواة.

ما تزال الرواية الاردنية الانجلوفونية تخطو ببطء لتخرج من عباءة الواقعية، حيث شخصيات تتوافق مع نماذج اجتماعية وترمز لها، ووصف ذو وظيفة درامية وقيمة أخلاقية، وحبكة تنظم القصة، ورؤية موحدة للمؤلف – الرواية الكلية. ولا تزال تبحث عن الذات والتنظيرات الاجتماعية داخل البنى السردية، فالروائيات برغم ما يقال عن سيرتهن الذاتية، لم يعشن محنة الواقع الاجتماعي والفقر والشقاء والجنون والمرض والبؤس .كما لا تزال هذه الرواية برغم حساسية القضايا وخلافيتها لا تتمتع بجرأة عالية على صعيد طرح نقد جوهري لثقافة تقدس التقاليد، بل يتم تصوير معاناة الشخصيات واضطهادها، بنقد ضمني دون إحداث قطيعة مع المحددات والسياقات والقواعد الاجتماعية والدينية التقليدية.

وربما يتهم بعض النقاد هذه الروايات أنها تسعى الى تقديم الإثارة من خلال تناول الاشكاليات التقليدية في علاقة الرجل العربي بالمرأة بهدف الشهرة، أو أنها تلبي توجهات غربية في طرح المشكلات الداخلية خارجياً بدليل أنها موجهة للقاريء الغربي، وتلقى الترحيب لأنها تثبت قناعاتهم والصور النمطية عن العرب والمسلمين. ولكن الحقيقة أنها روايات ذات نكهة شرقية عربية أردنية وتتناول قضايا المجتمع بتفاصيل بعيداً عن الصورة النمطية في الادب والاعلام الانجليزي والامريكي المعاصرين. وقد نالت استحسان القراء على نطاق واسع في العالم الغربي بسبب مبادرتها الى طرح موضوعات مثل المعركة بين القديم والجديد، وبين التقدم والتقاليد، وبين الشرق والغرب والنظرات المتبادلة، يضاف إلى ذلك تصوير مؤثر للحياة في المجتمعات التقليدية كالبدو والفلاحين وسكان المدن.

فاديا الفقير: روائية وأكاديمية أردنية تعيش في بريطانيا منذ سبعة وعشرين عاماً وتكتب بالانجليزية. عاشت ودرست دراستها الجامعية الاولى في عمان، حيث حصلت على بكالوريوس في اللغة الانجليزية من الجامعة الاردنية ، ثم ماجستير من جامعة لانكستر عام 1985، والدكتوراة من جامعة ايست انجليا في الكتابة الإبداعية من بريطانيا عام 1990. عملت في عدة جامعات حتى استقرت في جامعة درهام في بريطانيا سنوات طويلة، وتعمل في قسم الدراسات الشرق أوسطية والإسلامية وتعلم اللغة العربية والأدب العربي الحديث فيها. نشرت روايتها الاولى بعنوان "نيسانيت" عام 1990 عن دار فايكنغ/بينجوين المشهورة، ثم روايتها الثانية "أعمدة الملح" والتي صدرت عن دار كواتريت عام 1996، ونشرت روايتها الثالثة "إسمي سلمى" عام 2007 دار دبلليدي. كما كتبت عدداً من المسرحيات والقصص القصيرة.
قالت الفقير في حوار أجري معها انها كاتبة ثنائية اللغة والثقافة وتضع قدماً هنا تقصد في الاردن وقدماً هناك تقصد في بريطانيا. وتتوقع ان تصبح الكتابة ثنائية الثقافة هي المعيار الدارج بعد عشر سنوات من الان.

وفي موضوع تصنيفها كروائية أردنية أو بريطانية فتقول أنهم يصنفونها في بريطانيا كاتبة بريطانية، ولكنها ما تزال تصر على أنها كاتبة أردنية. ولكنها في الوقت ذاته تشعر بأنها عربية أكثر من أردنية، ولا تستطيع تصنيف نفسها أردنية فقط لأن رواية القرن الحادي والعشرين تغيرت، والكتاب يعيشون في مختلف بقاع العالم، وهناك هجرة وحركة للعقول، وكثيراً من هولاء وطنه الأصلي في مكان، ويسكن مكاناً آخر.

هناك جانب من السيرة الذاتية في كتاباتها. لقد استمدت شخصياتها وصورها من بيئة العشيرة ونمط حياتها البدوية. وعلى الرغم من الاختلاف بين الكيفية التي وصلت بها فاديا وبطلة روايتها الثالثة سلمى الى بريطانيا، إلا أن هناك أموراً مشتركة. ففي حين كانت فاديا تحمل شهادة اللغة الانجليزية، لم تكن سلمى حتى لتتكلم اللغة. الا أن الاحساس بالوحدة عند الوصول كان مشتركاً. كما شاركتها بطلتها فقدان ابنتها لأنها هي أيضا فقدت حضانة ابنها الذي كان عمره 13 شهرا من زواجها الاول. تطرح رواياتها كلها قضايا العائلة العربية باعتبارها عائلة قمعية تقوم على سيطرة الأب الذكوري بشكل عام. الرجل يعاني ، والمرأة تعاني، والاثنان يعانيان لأسباب مختلفة.
تسرد روايتها الثالثة "إسمي سلمى" حياة إمرأة أردنية تلجأ الى انجلترا هروبا من محاولة قتلها بداعي الشرف. وقد أطلق على النسخة الامريكية من الرواية اسم "صرخة الحمامة". وسيتم ترجمتها الى العربية والبرتغالية والدنماركية والهندية والاندونيسية والفرنسية والايطالية والاسبانية. وقد حظيت الرواية بتغطية اعلامية في فرنسا وايطاليا أكثر مما نالته في بريطانيا، بل إن الصحافة البريطانية تجاهلتها رغم ان مواضيع الرواية هي جرائم الشرف والمهاجرين. وقالت الفقير: "ربما أكون قد أصبت عصباً ولهذا يشعر البعض بالانزعاج من الطريقة التي صورت فيها بريطانيا".

تجد سلمى وهي فتاة بدوية من منطقة تدعى الحمة نفسها مهجورة وحيدة وهي حامل إثر علاقة حب تتعرض فيها للاستغلال الجنسي. تهرب من أهلها خشية موت محقق لغسل العار على أيدي أخيها، فيتم حبسها في سجن عدة سنوات الى أن تنقذها راهبات. ومن ثم يساعدنها على طلب اللجوء الى بريطانيا حيث تصل الى اكستر وتعمل في اعمال وضيعة مع المهاجرين وتحاول تعلم اللغة بكل مشقة. تعمل خياطة ثم نادلة حانة. ترمز الرواية الى رحلة الضياع والتحول من هوية الى هوية ومن مجتمع الى اخر ومن ثقافة الى اخرى من خلال سلمى التي يصبح اسمها في بريطانيا سالي. كما تلتقي بمهاجرين آخرين لديهم تجارب مماثلة في الهروب والنفي.

ورغم أن البطلة أصلها من مجتمع بدوي ، فإن اسم الاردن لا يذكر نهائيا في الرواية. وعندما سئلت عن سبب إغفال الاسم قالت: "تنسب جرائم الشرف دائما الى الاردن رغم أنها تحدث في أماكن أخرى من العالم. ولم أرد أن أكون جزءا من هذا التوجه".

أما "أعمدة الملح" فهي رواية حول محنة المرأة العربية بالاساس. تجري أحداثها في الاردن في الاربعينيات خلال فترة الانتداب البريطاني وما بعده. وتروي قصة إمرأتين أردنيتين تتبادلان القصص في مصحة للامراض العقلية، ونتعرف خلال الرواية على الطريقة التي أوصلت كل امرأة الى المصحة، وخاصة أن إحداهن هي أم لثمانية أولاد هجرها زوجها حتى يتسنى له أن يتزوج إمرأة أصغر منها. تفضح الرواية الظلم والاساطير والخرافات والمصاعب التي تتعرض له المرأة.

ليلى حلبي: روائية اردنية ولدت في بيروت لأب أردني وأم أمريكية. انتقلت للولايات المتحدة وعمرها خمس سنوات، ولكنها عادت فيما بعد ودرست في الاردن. وهي تتكلم أربع لغات. حصلت على ماجستير في الادب العربي. اصدرت روايتها الاولى "غرب نهر الاردن" في عام 2003 وقد نالت عليها جائزة أدبية. كما أصدرت في عام 2008 روايتها الثانية "ذات مرة في أرض موعودة". وقد حظيت الروايتان وخاصة روايتها الثانية باهتمام واسع من النقاد. تعيش في توسكان في ولاية أريزونا الامريكية مع عائلتها. ليلى حلبي روائية أردنية أمريكية تتكلم بصوتين وتفهم المحيطين.

"غرب نهر الاردن" هي رواية أربع نساء عربيات قريبات لبعضهن من فلسطين والاردن في مرحلة البلوغ. تستخدم الرواية اسلوب السرد بضمير المتكلم بشكل متناوب ومتعاقب بين الشخصيات. تعود هاله والتي أنهت للتو المرحلة الثانوية في أريزونا الى الاردن لقضاء بعض الوقت مع جدتها المحتضرة. وتجد نفسها في خلافات مع اختها الكبيرة المحافظة ووالدها، الرجل التقليدي الاكبر سناً من والدتها التي ماتت قبل سنتين. تثير تصرفات هاله حفيظة المحيطين حولها. وبينما تقضي بعضاً من الوقت في الاردن الذي شهد طفولتها، فإنها تقع في حب ابن عمها أشرف، وتواجه خيارات صعبة بخصوص مستقبلها. أما مَوال فقد بقيت في الضفة الغربية حيث تعيش مع أمها وتستمع الى الكثير من القصص عن اهل القرية والفلاحين والاقارب الذين غادروا الى الاردن أو الولايات المتحدة. أما خديجة فهي تحت رعب الحرية الجنسية لاصدقائها الامريكيين سواء حرفياً أم مجازياً بسبب سلوك والدها السكير الذي يستغلها. وتثير ثريا حفيظة أهلها بالرقص في مكان عام وملابسها الفاضحة، وتجد نفسها ضائعة في محاولتها الجمع بين تقاليد أسرتها والثقافة السريعة لشباب كاليفورنيا التي لا تستطيع مجاراتها.
تقدم حلبي قصة مؤثرة تكون نافذة على العالم العربي المعقد من خلال نسج هذه القصص وبلغة سردية غنائية، بحيث تتيح لنا أن نرى امرأة من خلال وجهات نظر متعددة.

يدور الكثير من الاشياء في الرواية حول مفهوم الضياع: الوطن، العائلة، التقاليد. كما تعالج مواضيع التصادم الثقافي وأزمة الهوية الفردية. وتركز المؤلفة على المصاعب التي تواجه حياة النساء العربيات أينما عاشوا، ولكن بشكل خاص عندما يحاولن الابتعاد عن القيود الابوية والتقليدية. كما تطرح الرواية صراعات أساسية على مختلف الاصعدة: فلسطين واسرائيل، الاسلام والغرب، والرجل والمرأة، وتصادم القيم سواء أكانت الاختيار بين التعليم والزواج أو بين الثوب والجينز.

لا تقدم ليلى حلبي اجابات ولا نهايات سعيدة لأزمات أبطالها بما يعني بأن العيش ينطوي على مصاعب ومتاهات، وخاصة بالنسبة للجيل الاول من المهاجرين، وتبتعد شخصياتها عن الصور النمطية للمرأة العربية في الادب الغربي.
"ذات مرة في أرض موعودة" تحكي قصة درامية حول الواقع القاسي والمعقد لحياة اثنين من الاردنيين الامريكيين في أعقاب عملية الحادي عشر من سبتمبر. تجسد الرواية هذا الانتقال الواقعي والرمزي من صحراء موطنهما الاصلي الى صحراء أريزونا. وعلى الرغم من أن الاثنين يعيشان بعيداً عن الموقع الذي انهار فيه البرجان في نيويورك، فإنهما لم ينجوا من تأثير تلك العملية على حياتهما. فحينما يقتل البطل صبياً مراهقاً ويدخل السجن، وتصبح زوجته متعلقة بحب شاب أمريكي غامض، فإن حياتهما في الاغتراب وزواجهما الهش يبدآن في التداعي.

يلف الروتين حياة جاسم حداد وزوجته سلوى الى أن يقتل الصبي بسيارته خطأ فحينها تخرج حياته عن مسارها، حيث يعيش بعيداً عن زوجته سلوى التي تعاني من اجهاض متعمد بعد أن حملت من علاقة عابرة مع شاب امريكي أصغر منها سناً. تنجح ليلى حلبي في تصوير الصراع بين رغبات سلوى وتمنّعها بشكل مؤثر. ويصارع كلا الاثنين الى ايجاد صيغة للتكيف مع الثقافة الامريكية. تبرز الرواية بشكل خاص البعد النفسي لابطالها.

ديانا أبو جابر: روائية ولدت في سيراكوز في نيويورك من أب أردني وأم أمريكية. حصلت على شهادة البكالوريوس والماجستير والدكتوراة في مجال الكتابة الابداعية من جامعة نيويورك ووندسور. تعمل حاليا بالتدريس في قسم اللغة الانجليزية في جامعة بورتلاند الحكومية. انتقلت وهي في سن السابعة الى الاردن وأقامت مع عائلتها لمدة سنتين. نالت عدة جوائز أدبية مثل جائزة هيمنجواي لاول عمل روائي، وجائزة الكتاب الامريكي وغيرها.

تعتبر روايتها الاولى "الجاز العربي" التي أصدرتها عام 1993 في نظر الكثيرين أول رواية تمثل تيار الرواية الامريكية العربية والتي نالت عليها جائزة كتاب أوريجون لعام 1994، وقد أعيد نشرها من قبل دار نورتون في عام 2003. كما أصدرت رواية ثانية عن دار نورتون في عام 2003 بعنوان "الهلال". وفي عام 2007 أصدرت روايتها الثالثة بعنوان "الاصل".
تسرد روايتها "الجاز العربي" وقائع عائلة أردنية تهاجر الى أمريكا وتندمج في المجتمع الامريكي، ولكنها مرتبطة كثيراً ظاهرياً بتقاليدها. أبطالها الاب معتصم رمود وابنتاه جيمورا وملفينا، وأخته فاطمة، وزوجها زيد. تبحث الرواية في أدوار المهاجرين في المجتمع الامريكي والوسائل التي يساهمون فيها في النشاط الاجتماعي والاقتصادي. وفي اشارة رمزية تنطوي على مفارقة ساخرة فإن سكن الاسرة يقع قريبا من منطقة مكب السيارات الخردة والتي تفتقد للماء ووسائل التصريف الصحي. كما تطرح موضوع أزمة الهوية التي يمر بها المهاجرون أو أبناؤهم ومشكلة الزواج والحب التقليدي في العائلة الممتدة في نيويورك.

يعيش الاب الارمل مع ابنتيه اللتين ولدتا في أمريكا، في بيت وسط حي شعبي وقد اقترب موسم اجتماع شمل العائلة الممتدة ولكن الهدف الاساسي هو ايجاد العرسان المناسبين لبناتهم. تقترب جيمورا من عامها الثلاثين، وتسيطر على عمتها فاطمة فكرة اصطياد زوج كي لا تبقى عانساً. من جهة فان الاب ما يزال متمسكاً بتراثه الشرقي، ولا يستطيع أن يتأقلم بعد وفاة زوجته فيصبح عازفاً لموسيقى الجاز، والوقت الوحيد الذي ينسى فيه أزماته الشخصية هو عند عزف الموسيقى في الحانة. ولا تجد الابنتان ذاتهما ومكانتهما ضمن الهوية الثقافية الا عندما يعود الاب في رحلاته للاردن والتي تساعده أيضاً أن يدرك أفكاره وتصرفاته بشكل اكبر.

وفي مقابلة مع ديانا ابو جابر حول روايتها الثانية "الهلال" فقد ذكرت أنها اعتمدت في جانب كبير في مادتها على سيرة حياة وزواج والدها الاردني من أمها الامريكية وهذا ما عكسته في قصة الحب التي جمعت الاستاذ الجامعي المنفي العراقي حنيف الايادي بسيرين تلك المرأة الامريكية العراقية الاصل التي تعمل طاهية في مطعم لبناني.

تدور موضوعات الرواية حول الحب والعائلة والتقاليد وقضايا الاستبداد والمعاناة والهروب. وهكذا ينعكس على شخصية سيرين التي تدرك ان الحب الحقيقي هو التوازن بين ادراك اللذة والالم. وتقول لها أم ناديا صاحبة المطعم اللبنانية: "عندما نغادر أوطاننا، نقع في حب أحزاننا".

* اللوحة أعلاه بعنوان نساء خلف الحجاب للفنان التشكيلي اليمني مظهر نزار.
** يرجى وضع المؤشر على صورة لوحة الروايات أعلاه لرؤية الاسماء والعناوين مكبرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق